عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فعلى العبد المؤمن أن يسعى بكل طاقته وقدر استطاعته إلى زيادة الإيمان في قلبه بفعل المأمورات وترك المنهيات، ويشترط في العبادات حتى تقبل عند الله عز وجل ويؤجر عليها العبد أن يتوفر فيها شرطان :
الشرط الأول : الإخلاص لله عز وجل.
الشرط الثاني: المتابعة ، بمعنى أن العمل يكون على وفق ما شرع الله.
الشرط الأول : الإخلاص لله عز وجل:
ومعنى الإخلاص هو : أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى ، قال تعالى : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) سورة الليل/19.
فإن الله جل جلاله لا يقبل عمل عامل إلا أن يكون هذا العمل خالصًا لله، يبتغي به عامله وجه الله والدار الآخرة، فإن كان العمل رياءَ الناس ومحبة مديح وثناء الناس عليه، ولم يكن المقصود منه التقرب إلى الله، كان عملاً باطلاً.
قال تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) سورة البينة/5 .
وقال تعالى : ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً ) الإنسان/9
وقال تعالى : ( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ) سورة الشورى/20
وعن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ” رواه البخاري.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ” أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ” رواه مسلم.
وذكر ابن أبي الدنيا عن معقل بن عبيد الله الجزري قال: كانت العلماء إذا التقوا تواصوا بهذه الكلمات، وإذا غابوا كتب بها بعضهم إلى بعض أنه: مَن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومَن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومَن اهتم بأمر آخرته كفاه الله أمر دنياه.
ومَن علم الله صدق باطنه أعانه على ظاهره، وبلغه المراد؛ فإنما يتعثر مَن لم يخلص. والصادق الموفق يزين سريرته للحق كما يزين علانيته للخلق.
كتب الإمام الماوردي رحمه الله تعالى:
جاء في ترجمة الإمام الماوردي رحمه الله تعالى كما ذكر ذلك ابن خلكان في كتابه: وفيات الأعيان قال: إن الماوردي لم يظهر شيئاً من تصانيفه في حياته، وإنما جمعها كلها في موضع، فلما دنت وفاته قال لشخص يثق إليه: إن الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي، وإن عاينت الموت ووقعت في النزع فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها وعصرتها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء منها فاعمد إلى الكتب وألقها في نهر دجلة ليلا، وإن بسطت يدي ولم أقبض على يدك فاعلم أنها قبلت وأني قد ظفرت بما كنت أرجوه من النية الخالصة،
قال ذلك الشخص: فلما قارب الموت وضعت يدي في يده فبسطها ولم يقبض على يدي؛ فعلمت أنها علامة القبول فأظهرت كتبه بعده.
اللهم اجعلني مع صاحب النقب :
وقال ابن قتيبة فى كتابه عيون الأخبار: حاصر مسلمة بن عبد الملك حصنا، وكان فى ذلك الحصن نقب- أى ثقب فى الحائط- فندب الناس إلى دخوله، فما دخله أحد فجاء رجل من عرض الجيش- أى من عامته غير معروف- فدخله ففتح الله عليهم الحصن فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد، فنادى: إنى قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلا جاء، فجاء رجل إلى الآذن فقال: استأذن لى على الأمير، فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه، فأتى الآذن إلى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له، فقال الرجل لمسلمة: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثا: ألا تسودوا اسمه أي لا تكتبوه فى صحيفة إلى الخليفة، ولا تأمروا له بشىء، ولا تسألوه ممن هو؟ أى من أى قبيلة هو قال مسلمة: فذاك له. قال الرجل أنا هو.
فكان مسلمة بعد هذه الحادثة لا يصلى صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.
النقب: هو خرق أو فتحة في جدار وكان هو مجرى خروج فضلاتهم من بول وبراز من الحصن.
الشرط الثاني: المتابعة ، بمعنى أن العمل يكون على وفق ما شرع الله.
بأن يكون العمل على وفق ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فكل عمل على خلاف ذلك فإن الله لا يقبله من عامله، ولو أراد به التقرب إلى الله، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 2 – 4].
فهؤلاء عملوا أعمالا لكنها على خلاف شرع الله، قال تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف: 103] وقال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]
فلا بد أن يكون العمل على وفق ما دل الكتاب والسنة عليه، وقد أنكر الله تعالى على من اهتدى بغير كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 21].
{ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }
ونجد هذا المعنى واضحا في قول الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } لم يقل: أيكم أكثر عملا، بل قال :{ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } وكذلك قول الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ولم يقل أيهم أكثر.
ويذكرعن الفضيل بن عياض -رحمه الله- أنه قرأ هذه الآية: {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} فقال: أخلصه وأصوبه، فقيل: ما أخلصه وأصوبه يا أبا علي ؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
ونلحظ هذا في قوله تعالى حكاية عن سليمان : ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ﴾[سورة النمل الآية: 19] فهذا العمل الذي تمناه أحد الأنبياء, قيده بأن يرضى الله عنه؛ أي أن يقبله.
فيجب موافقة العمل للشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يُعبد إلا به، وهو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الشرائع فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ” رواه مسلم
قال ابن رجب رحمه الله : هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها ، كما أن حديث ” إنما الأعمال بالنيات ” ميزان للأعمال في باطنها ، فكما أن كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى ، فليس لعامله فيه ثواب ، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله ، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله ، فليس من الدين في شيء . جامع العلوم والحكم ج 1 ص 176 .