هل يجب اتباع أحد المذاهب الفقهية ؟

تاريخ الإضافة 29 نوفمبر, 2022 الزيارات : 902

هل يجب اتباع أحد المذاهب الفقهية؟

كنا تكلمنا في خطبة سابقة بعنوان (هل أنت سلفي؟)، وتبعا لهذه الخطبة نتكلم عن مسألة المذاهب الأربعة، وهل يجب على المسلم اتباع أحد المذاهب الفقهية؟

 ما هي المذاهب الفقهية؟

المذاهب الفقهية الأربعة المعتبرة لدى الأمة هي:

  • المذهب الحنفي نسبة إلى الإمام أبي حنيفة.
  • مذهب المالكية نسبة إلى الإمام مالك.
  • مذهب الشافعية نسبة إلى الإمام الشافعي.
  • مذهب الحنابلة نسبة إلى الإمام أحمد.

 هذه المذاهب الأربعة لا تمثل كل علماء المسلمين، لكن هي تمثل مدارس فقهية كان أئمتها لهم طلبة علم، هؤلاء الطلبة فيما بعد حرصوا على تدريس فقه الكتاب والسنة بقواعد وفهم علمائهم ومشايخهم، وكان هناك أوقاف توقف للإنفاق على هذه المدارس.

وهناك بعض الحكام عبر العصور المختلفة في الأمة، تبنوا أحد هذه المذاهب فصار مذهبا رسميا للدولة، فمثلا عندنا الخلافة العثمانية كان المذهب الرسمي لها ولكل الدول الإسلامية التي تتبعها: المذهب الحنفي.

ولذلك سنجد أن المذهب الحنفي لا يزال باقيا منتشرا في الشام ومصر وتركيا.

والمذهب المالكي يعتبر المذهب الرسمي لكل دول المغرب العربي، وأغلب المشايخ هناك والمدارس الفقهية يتبنون المذهب المالكي في الإفتاء والتدريس.

والمذهب الحنبلي هو الأغلب في دول الخليج بدءا بالسعودية وما جاورها، فيغلب عليهم الإفتاء والتدريس بالمذهب الحنبلي.

وإخواننا في الهند وباكستان وأفغانستان عندهم المذهب الحنفي.

وهكذا نجد هذا التنوع موجودا في دول العالم الإسلامي.

 هل يجب اتباع أحد المذاهب الفقهية؟

إن هذه المذاهب لا يجب على المسلم أن يتمذهب بمذهب منها، فالأصل هو اتباع الكتاب والسنة، هذان هما النبعان الصافيان.

والأصل أن المسلم متبع لكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن هذا الدين ليس دينا مؤقتا لمرحلة زمنية أو لبلد من البلاد جعل الله تعالى فيه ثوابت لا تتغير، وجعل فيه عوامل سعة ومرونة نظرا لتمدد الإسلام عبر الزمان والمكان.

ولو شاء الله تعالى لجعل كل الدين قطعيات واضحة، لكن هذا سيكون فيه تضييق على عباده، فأذن الله تعالى بمساحات من المرونة والسعة؛ وخاصة فيما يجدّ من مسائل ويجدّ من اجتهادات وما يتغير بسبب الزمان وبسبب المكان.

فمن هنا جاء الاجتهاد، ومن هنا جاء التوسع في الفروع الفقهية.

قال لي بعض الإخوة: لماذا لا يجتمع المشايخ على مستوى العالم؟ ويخرجون لنا بمذهب واحد ونريح رؤوسنا، قال الشافعي …. قال مالك …. قال احمد …. قال كذا…. نحن نضيع مع هذه الاختلافات الفقهية!! فاجتمعوا، واتفقوا على شيء واحد ونحن سنوافق عليه.

قلت له لو شاء الله تعالى لجعل الأمر بالوحي على نبيه صلى الله عليه وسلم، تنزل الأمور قطعية واضحة ثابتة، ثم من يخالفها فقد أصبح على الباطل.

 لكن لأن الإسلام دين يحمل شريعة خاتمة ليس كالشرائع السابقة فقد كان النبي يبعث إلى قومه خاصة في حيز محدد في الزمان والمكان.

أما نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – فقد بعث إلى الإنس والجن كافة كما هو معلوم، فمن هنا ضمن الله تعالى مساحات سماها النبي – صلى الله عليه وسلم – منطقة العفو، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها)

 فمنطقة العفو هذه هي منطقة الاجتهاد ومنطقة الأخذ والرد بين العلماء.

إذن الأصل أنه لا يلزم المسلم أن يتبع مذهبا محددا، فيقول: أنا مالكي أنا حنفي أنا شافعي.

طيب لو فرضنا أن واحد نشأ هكذا بلده مثل إخواننا في المغرب المذهب الرسمي هو المذهب المالكي، فترى العلماء والمفتين والمدرسين على المذهب المالكي، هل يجوز أن انتقل من المذهب المالكي إلى غيره من المذاهب؟

 نعم. لا بأس بذلك، لان الأصل اتباع الكتاب والسنة.

حتى وان كنت أرى في هذا الأمر تيسيرا على نفسي؟

 نعم وهذا هو الأصل، وما خير رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما.

أحد الإخوة أرسل لي سؤالا قال: أنا حنفي المذهب وأسافر كثيرا والحنفية لا يرون الجمع والقصر إلا في عرفة ومزدلفة، هل يجوز أن أجمع وأقصر وأخالف المذهب الحنفي الذي أنا عليه؟

 قلت: نعم، لا بأس لأنه قد ثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – جمع وقصر في السفر وفي غير السفر جمع فقط، أما الجمع والقصر في عرفة ومزدلفة فهذا قول الحنفية لكن الأدلة كثيرة ومجتمعة أن الجمع مشروع لأسباب أكثر من ذلك.

وهذا قول شائع عند كثير من الناس: طالما أنا على مذهب محدد إذن لا يجوز أن أخالفه!!!

من الذي قال هذا؟

 الأصل اتباع الكتاب والسنة، والإمام مالك رحمه الله قال قاعدته الذهبية: (كل الخلق يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر) وأشار إلى قبر النبي صلى عليه وسلم.

اضرب لكم مثالا آخر: العدد الواجب في الجمعة:

حينما كنا نصلي الجمعة أيام كورونا- نسأل الله العافية للجميع- كان العدد المسموح به في المساجد أحيانا خمسة وعشرين وأحيانا عشرة.

وهذا على مذهب الشافعية والحنابلة الجمعة باطلة، لأنهم يقولون إن العدد لا يقل عن أربعين.

 فكنا نصلي 10، ثم 25، لأن هذا هو المتاح بسبب إجراءات كورونا، فالمسجد فارغ ولا يسمح لك بعدد أكبر من هذا.

هل إذا أخذنا بقول أبي يوسف من الحنفية وهو أيضا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية: أنها تنعقد بثلاثة رجال، وصلينا بهذا الشكل نكون أصبنا الحق؟ أم أن جمعتنا باطلة؟

أقول قد أصبنا الحق طالما أنه مذهب فيه تيسير على المسلمين، ما المانع من الأخذ به؟

ما المانع من أن نصلي الجمعة؟ لأن هذا وضع طارئ بهذا الشكل.

وأيضا نحن كنا نصلي الجمعة مع دخول وقت الظهر، وطبعا مع تغير التوقيت الصيفي الأسبوع المقبل ستكون صلاة الجمعة الأولى قبل دخول وقت الظهر قبل الزوال.

ونحن نأخذ فيها بمذهب الحنابلة، وأغلب المساجد هنا تأخذ بهذا المذهب من باب التوسعة على المسلمين، في وقت الجمعة هناك طلبة هناك إخوة عندهم فترة الراحة الساعة الثانية عشر فيصعب عليه أن ينتظر إلى الساعة الواحدة، ولا يؤذن له في عمله أن يستمر في راحة ساعتين، فمن باب التيسير نأخذ بهذا الرأي.

وهذا مذهب متبنى وقول معتمد عند الحنابلة وفيه أدلة صحيحة، منها:

 عن جابر ـ رضي الله عنه كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصلِّي الجمعة ثم نذهب إلى جِمالنا فنُريحها حين تزول الشمس ، رواه مسلم .

فإراحةَ الجِمال حين الزوال بعد صلاة الجمعة دليل على أنّها صُلِّيَت قبل الزوال.

ومعنى هذا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان أحيانا يخطب الجمعة قبل وقت الظهر.

إذن فالأخذ بمذهب الحنابلة طالما أن الدليل يحتمل. وفيه تيسير على المسلمين ما المانع من ذلك؟

مثال ثان: هل الكحول نجس؟

أيام كورونا كان لابد من تعقيم الأيادي وتطهيرها بالكحول منعا لانتشار العدوى، فبرزت مسألة وهي هل هذا الكحول نجس؟ وهل يجوز بعد استعماله يجوز الدخول إلى الصلاة أم يجب غسل اليد مباشرة؟

جمهور العلماء أن الخمر نجسة، وذهبت طائفة إلى القول بطهارتها وهم: ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك، و المزني صاحب الإمام الشافعي، والليث بن سعد، والشوكاني والصنعاني ومن المتأخرين ابن عثيمين، وأحمد شاكر والألباني، والقرضاوي رأوا جميعا أن الخمر طاهرة، وأن المحرم إنما هو شربها، وهو الراجح، ويستدل أيضاً أن الصحابة عند تحريمها قاموا بإراقتها في طرق المدينة، ولو كانت نجسة لما فعل الصحابة ذلك ولنهى الرسول عنه كما نهى عن التخلي (قضاء الحاجة) في الطرق ولا ننسى أن أغلبهم كانوا يمشون حفاة.

ولعل الفقهاء شددوا قديماً في القول بنجاستها من باب التنفير منها، أما الآن فنحن نحتاج إلى الكحول كمطهر ومعقم ويدخل في صناعة العطور، والروائح البرفان (perfume).

وحملوا الرجس في الآية على الرجس المعنوي، لأن لفظ (رجس ) خبر عن الخمر ، وما عطف عليها كالميسر والأنصاب والأزلام، وهو لا يوصف بالنجاسة الحسية قطعا ، فالمراد الرجس المعنوي لا الحسي، ولأنه وصف هذا الرجس بكونه من عمل الشيطان، وأن الشيطان يريد به إيقاع العداوة والبغضاء فهو رجس عملي معنوي. قال تعالى : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) فالأوثان رجس معنوي ، لا تنجس من مسها.

وليس كل محرم نجس، فكل نجس محرم وليس العكس، يعني الذهب حرام على الرجال، فلا يلزم من أنه حرام أنه نجس، فكذلك الخمر أو الكحول يحرم شربه، لكنه ليس ينجس.

 إذن ما المانع إن المسلم يكون عنده مرونة في التنقل بين آراء العلماء طالما أنها لا تخالف الكتاب والسنة، وليس تنقلا تبعا للهوى أو الميوعة أو المزاج الشخصي إنما أقوال علماء معتبرة.

مثال ثالث: المسح على الجوارب:

 عندنا في المذاهب عند الحنفية والشافعية والمالكية مسألة الجوارب في الشتاء كلهم يشترطون اني يكون الخف من جلد. أو يكون من قماش سميك عند بعض الفقهاء. ويمكن المشي عليه.

 في زماننا تغير الحال لا أحد يمشي بالجوارب أبدا. ونحتاج إلى هذه الرخصة في كل وقت وخاصة في الشتاء.

فما المانع ان نأخذ بمذهب الحنابلة في جواز المسح على الجوارب؟

وان كان لم يرد عن النبي أنه مسح على الجوارب إنما مسح على الخف فقط، لكن ورد عن الصحابة انهم مسحوا على الجوارب.

والصحابة هم أكثر فهما منا للكتاب والسنة لأنهم قريبو العهد بالنبوة. فاذا مسح الصحابة على الجوارب فهذا دليل على الجواز.

إذن فأنا إذا مسحت على الجورب في الوضوء وضوئي صحيح.

فهذه بعض الأمثلة السريعة أريد أن أبين فيها أن الأخذ بالتيسير والأخذ بأقوال العلماء فيما فيه تيسير على المسلمين لا يمنع منه أبدا.

الإشكالية هي في التعصب والإنكار على المخالف في مسألة من فرعيات الدين.

واذكر أن أحد الإخوة في رمضان وضع عطر عليه الكحول فجاءه أحدهم وقال يجب عليك ألا تصلي في هذه الملابس لأنها نجسة، قال نجسة؟

 قال: وعليك أن تغتسل كغسلك من الجنابة!!!

 قال لكني لم احتلم أنا جئت للصلاة. يعني كيف هذا الكلام؟

 قال أشم فيك رائحة العطر الذي عليه الكحول!!! وهذا نجس.

فقلت سبحان الله يعني إذا كان هذا اختيارك الفقهي تقلد فيه العالم أو الشيخ فلان لكن لا تلزم بقية المسلمين به.

وبعض الإخوة يمسح على الجوارب عند الوضوء فقال له أحدهم: أنت بذلك صلاتك باطلة. لا يجوز.

هذا من بدع السعودية- هكذا قال- وهل أهل السعودية لهم دين غير دين الإسلام لا حول ولا قوة إلا بالله؟

 يقول هذا شيء اخترعه مشايخ السعودية!!!

كلا كلا هذا أمر ورد عن الصحابة، وقال به أئمة متبوعون وعلماء أجلاء.

فأنت إذا احتطت لنفسك، ولا ترى هذا الأمر فلا تنكر على غيرك.

والإمام النووي -رحمه الله – قال: (المختلف فيه لا إنكار فيه)

 الفرق بين الإجماع وقول الجمهور:

أيضا هناك مسألة وهي أن قول الجمهور غير إجماع العلماء، ما معني قول الجمهور؟

 جمهور العلماء يعني أغلب العلماء كلمة جمهور يعني الكثرة، لكن ليس معنى أن قولا قال به الجمهور أنه القول الصحيح القطعي الذي لا يجب مخالفته؛ إنما إذا قال العلماء هذا محل إجماع فهذا الذي لا يجوز مخالفته.

يعني من خالف إجماع المسلمين فهو على ضلال.

أجمع المسلمون على وجوب صيام رمضان.

 فلو جاءنا أحدهم وقال: إن صيام رمضان سنة!!

 نقول له أنت على باطل، لأن الأمة أجمعت على وجوب صيام رمضان، صيامه طبعا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.

مثلا الربا أجمعت الأمة على حرمة الربا، من يقول لنا إن ربا البنوك ليس حراما ولم يرد في القرآن تحريم ربا البنوك، هذا ضلال لأن الربا سواء مع الأفراد مع الأشخاص مع الحكومات مع الهيئات مع البنوك مع مؤسسات مع جمعيات الربا هو الربا.

 لا يتغير حكمه إذا أضيف إلى ما أضيف إليه، فالربا بالكتاب والسنة والإجماع حرام. (وأحل الله البيع وحرم الربا) فمن جاء ليخالف ذلك نقول له أنت بذلك على ضلال.

وأنتم ربما تعجبون من هذه الأمثلة، لكننا في زمن العبث… والله نحن في زمن العبث. ولا حول ولا قوة إلا بالله، جاء من يشكك أن الخمر حرام أو يشكك أن الربا حرام. ومن يقول إن الحجاب ليس فريضة إنما هو فريضة على زوجات الرسول!!!

 نقول: هذا خلاف الإجماع، الحجاب فريضة بالكتاب والسنة والإجماع.

فمن خالف الإجماع فهو على ضلال، أما من خالف الجمهور واتبع رأيا فقهيا معتبرا في مسألة من المسائل فهذا ليس على ضلال هذا قلد عالما مجتهدا في فتواه أو في استنباطه للأدلة من الكتاب والسنة.

هل التشدد مذهب السلف؟

أيضا عندنا البعض هذا مزاج شخصي وليس شرعي يحب الأمور التي فيها تشدد وهي التي يرتضيها ويحبها، وهي التي يحرص على إشاعتها وإفتاء الناس بها… هذا غير صحيح.

ومن قال إن التشدد مذهب السلف؟

 أو أنه مبدأ ديني عند العلماء، من زعم هذا؟

 التمسك بالكتاب والسنة ليس معناه التشدد، التشدد معناه شخص يحتاط عند الشبهات ولا بأس بهذا، إنما واحد يلتزم بمذهب فقهي أو بشيخ من المشايخ، ثم يلزم الناس به فهذا غير صحيح… وتسمع من يقول إن هذا الشيخ من السلف الصالح ومن سواه من المبتدعة!!!

فهذا كله غير صحيح، وكذلك من يرى أن المذهب الحنبلي هو مذهب السلف، ومذهب الشافعي أو مالك مذهب بدعة وضلالة …

هذا جهل وحماقة.

 فالتشدد يحسنه كل أحد، إنما ينبغي أن نأخذ العلم والرخصة من عالم ثقة.

وما يدرينا لعل الذي تشدد تشدد في أمر خاص بزمانه خاص بوقته، ثم جاء التيسير بعد ذلك وهناك مسائل تتغير بتغير الزمان والمكان وفتاوى تتغير بتغير الزمان والمكان.

يعني أقرب مثال: لو قرأنا في التاريخ الإسلامي علماء الجزائر كانوا يفتون أن من أخذ الجنسية الفرنسية فقد خان الأمة، وكانوا يحكمون بكفره، لماذا؟

 لأن فرنسا كانت محتلة للجزائر، ومعنى أنه يرضى بحمل جنسية لدولة محتلة أنه يرضى بهذا الاحتلال، ويرضى عن هذه الدماء التي أريقت مليون ونصف المليون شهيد… إلى غير ذلك.

أما الآن وقد تغير الزمان وتغير المكان فالفتوى تتغير، الفتوى تتغير في مسألة الجنسية بصفة عامة، ومثل هذا أمور كثيرة.

هل للقاتل توبة؟

هذا ليس المقصود به تلون في الدين، إنما المقصود هنا ما يحاط بالفتوى من ملابسات، بل وتختلف فتواه من شخص إلى آخر.

مثال: الإمام عبد الله بن عباس حبر الأمة رضي الله عنهما لما جاءه شاب يسأله هل للقاتل من توبة؟

 قال نعم للقاتل توبة، وتلا قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان 68:70]

بعد مدة جاءه رجل يسأله هل للقاتل توبة؟

 قال لا. ليس للقاتل توبة، قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]

 تلامذته يسجلون ويرصدون قالوا: يا إمام أنت أفتيت هذا أن له توبة وأفتيت هذا أنه ليس له توبة. قال: أما الأول فقد جاء وعليه علامة الانكسار والتوبة والندم فسألني هل للقاتل من توبة؟ قلت نعم للقاتل توبة.

أما الآخر فقد جاء والشر بين عينيه، يعني جاء يأخذ الفتوى ليقتل.

فإذا قلت له إن للقاتل توبة. استسهل الأمر ويذهب فيقتل، ثم يقول سأتوب.

هذا فقه العالم يا إخواني، هذا فقه العالم وفتواه.

والعلماء قالوا: إذا نزلت إلى مكان أو إلى مسجد باعتبارها لها مرجعية فقهية قالوا من الأدب ألا أخالف مذهبهم أو أفتي بخلاف ما يفتي به علماؤهم، منعا للفتنة ومنعا للتشويش، وهذا من احترام العلماء.

الإشكال أن هناك من يرى الشيء إما أنه سنة وإما بدعة.

طيب لماذا يا أخي لا ترى السنة فيما وسعه الله تعالى من آراء العلماء. فمن أخذ بهذا أصاب ومن أخذ بهذا أصاب.

لماذا تقول إنه مبتدع؟ رغم أنه مجتهد في ظلال الكتاب والسنة، وكلهم من رسول الله ملتمس.

وكما قال سفيان الثوري: (التشديد يحسنه كل أحد) كلمة حرام ليست صعبة كلمة بدعة ما أسهلها، (التشديد يحسنه كل أحد، انما الفقه الرخصة من ثقة)

 الخلاصة:

  • الأصل اتباع الكتاب والسنة.
  • هذه المذاهب لم تكن في زمن النبي ولا صحابته ولا التابعين إنما نشأت فيما بعد كمدارس فقهية وصار لها معلمون وطلبة علم وأوقاف إلى غير ذلك.
  • من تبع عالما من العلم فالحمد لله مذهبه مذهب مفتيه الذي يثق فيه.
  • ومن تنقل بين المذاهب أخذا بالأيسر بدون اتباع لهوى أو تمييع للدين فهذا لا بأس طالما ان القول ليس فيه خرقا لإجماع وليس فيه اتباعا لهوى أو إرضاء لسلطان.

 أخيرا أقول :

من سمات عصرنا والحمد لله أنه بدل من المرجعية التراثية اللي هي المذاهب الفقهية صار عندنا المرجعيات العلمية في المجامع الفقهية الكبرى في عالمنا الإسلامي.

ولعل أشهر ما يخص المسلمين في أوروبا وأمريكا المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية.

إن هذين المجمعين الآن من كبار المجامع التي تضم علماء من كبار علماء العالم الإسلامي، عندهم من الخبرة والكفاءة والنظر والقدرة العلمية على الاستدلال من كتاب الله وسنة رسول الله وكلام العلماء ما يكفي لأن نعتبرهم مرجعية معتمدة لنا كمسلمين في الغرب في مسائل كثيرة، والحمد لله مواقعهم موجودة على الإنترنت وهناك تطبيقات على الهواتف الذكية.

 فهذه من سمات عصرنا وأنا أرى أن فتوى من مجمع فقهي أقوى بكثير من فتوى من شيخ واحد.

لما نتكلم عن مجمع فيه قرابة ستين إلى مئة عالم اجتمعوا واتفقوا على رأي أو صدر قرارهم بالأغلبية فهذا أفضل وأحسن وأقوى من اتباع فتوى شيخ واحد.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين.

اللهم امين.

 

 

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 86 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع