مات المفكر الإسلامي التنويري
في الأسبوع الماضي مات أحد الكتاب (الملقبين بلقب مفكر إسلامي)، وما إن انتشر خبر وفاته حتى اشتعلت وسائل التواصل بالحديث عنه ما بين داع له بالرحمة ، وداع عليه بالجحيم ، ما بين مترحم عليه وآخر لاعن له .
وصراحة أنا لم أكن أعرفه قبل هذا اليوم ولم أقرأ له ولم أسمع به ، لكن حينما قرأت الآراء التي نسبت للرجل ( وله لقاءات ومقالات عديدة ) رأيت فيها جرأة غريبة على الدين تحت دعوى أنه مفكر إسلامي أو عنده قراءة جديدة للنص القرآني أو عنده فهم عصري للإسلام !!!
فوددت أن أتكلم اليوم معكم عن هذه المسألة ،أقصد كيف أننا نساهم في نشر هذه الأفكار دون أن ندري ، فقد تعلمنا من علمائنا :
اذكر الخير فينتشر ودع الشر فيندثر.
هل تعلمون أن هناك الكثير من الأعمال وكثير من الأشخاص والوجوه نقوم نحن بالدعاية المجانية لهم بدون قصد أو بحسن قصد عن طريق الانفعال والتوتر والحماسة نقول : فلان الفلاني ينكر كذا …يقول كذا ….الخ ، وكلها طبعا ليست أقوال صحيحة بل هي أقوال ضالة وأنت كمسلم نيتك أن تدافع عن دينك وتبين للناس أن هناك من يتصدر للمشهد وهو واقع بأفكار غير سليمة تخالف صحيح الدين …الخ .
لكن من أدراك أن كل من ترسل إليهم علماء ، من أدراك أن هناك شبهة يثيرها هذا الكاتب ، ثم تقع في قلب مريض أو ضعيف أو جاهل لا يدري فتصيب منه مقتلا وفتنة في دينه ؟
ما يدريك وأنت تعرض لهذه الشبهة أن يتولد عنها شبهات أخرى ويصبح هذا الرجل نجما على كل الفضائيات والقنوات والمواقع؟
فلا بد إذن أن نضبط البوصلة ، وحينما نريد ضبط البوصلة نجعلها في وضعها الصحيح ، ونجد الخبراء ينصحوننا عند استعمالها ألا تكون قريبة من سطح معدني أو مجال ممغنط ، كل هذا لتشير البوصلة إلى الاتجاه الصحيح .
احذف الاسم وضع الفكرة على الميزان:
حينما نناقش شيئا نحذف الاسم فأنا لا يعنيني أن أذكر اسمه ، فهذا المكان (يقصد المنبر) ليس لمناقشة أشخاص ؛ إنما لبيان صحيح الدين وتصحيح المفاهيم ، احذف الاسم وضع الفكرة على الميزان ميزان الشريعة هل الفكرة مقبولة أم مرفوضة ؟ إن كانت مقبولة فالحمد لله ، وإن كانت مرفوضة فلا نعمل على نشرها والدعاية المرادة لها.
بداية القصة تاريخيا مع موضوع التطور وما حدث من صراع بين الدين والعلم ، والطفرة الصناعية بعد اكتشاف الآلة أدت إلى تغير وجه الحياة ، صار هناك تطور في كل شئ فتطورت العادات والملابس والأزياء والمدن وحدث بعد ذلك قفزة هائلة في التكنولوجيا .
وفي المائة سنة الأخيرة حدثت أمور كثيرة جدا نقلت البشرية نقلة كبيرة جدا ما كان أحد يتوقعها قبل مائة سنة ، وهذا التطور مقبول لأنه تطور في وسائل الحياة واكتشاف الكماليات وتحقيق الرفاهية لراحة الإنسان ، واتساع التجارة وسرعة التواصل …الخ .
الدين والعقائد لا يجري عليها التطور:
لكن مالا يقبل التطور هو الدين ، العقائد ، فالله جل جلاله لا يتغير فهو واحد لا شريك له منذ الأزل -( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم )- [الحديد/3] الاعتقاد في الله والعمل بفرائضه لا تتغير .
هذه ثوابت لا يتجادل فيها أحد ، لا كلام عن أن الصلوات خمس أم لا ؟ ولا عن أن الزكاة فريضة أم لا ؟ لكن لما حدث الصراع بين الكنيسة والواقع الغربي وهذه قصة طويلة تعرفونها حدث الفصل بما عرف فيما بعد بالعلمانية ؛ أن تكون الكنيسة مختصة بالجانب الروحي فقط ويبقى الواقع يعيشه الناس كما يريدون لا علاقة للدين أو للكنيسة بمعنى أدق بالسياسة والاقتصاد والتجارة والفن والترفيه والتعليم …الخ ، فتبقى الحياة الكنسية أو الارتباط بالكنيسة ارتباطا روحيا رمزيا ، لا أكثر ولا أقل ، ثم لما بدأت البعثات التعليمية إلى بلاد الغرب حدثت عقدة تقليد الغالب باعتبار أن هذه الفترة كانت أغلب الدول العربية محتلة ، فرجع هؤلاء لينفذوا نفس الفكرة وهي فصل الدين عن الواقع وأنه حتى نتطور كما تطوروا لابد أن نقلدهم فيصير الدين شيئا رمزيا روحانيا ، وأما الحياة والواقع والسلوك فيخضع للتطور شأنه شأن ما حدث من تطور في أوربا وغيرها.
وطبعا لأن الدعوة قوبلت بصدود كبير وعدم رضا من الناس ؛ بدأت تتميع في أشكال عديدة :
أولها / أن الدين بتعاليمه السامية النقية الصافية كانت أيام النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام فهي لا تنفع في زماننا هذا ، فنحن ننزه الدين أن يكون مجلا للأخذ والرد ، فيبقى الدين في جانبه الروحاني الصافي الجميل ونعيش حياتنا كما نشاء !! هذه وجهة نظر لبعضهم كانت تردد وتقال .
صورة ثانية / الدين عبارة عن عادات وتقاليد :
البعض مثلا إذا سألوه عن الحجاب كان يقول : الحجاب من التقاليد العربية التي تحافظ عليها المرأة المسلمة ، والمقصود بإلحاق الحجاب بالتقاليد نزع الفرضية عنه فهو ليس أمر الله إنما هو مرتبط بالبيئة العربية والمجتمع فهو قابل للتغيير والتطور مع الزمن كسائر الأزياء والموضات التي تتغير وتتلاشى ، فلا علاقة له بالدين !! هكذا يريدون أن يقربوا للناس المسألة وهي التخلي عن الدين لا بد من التطور .
صورة ثالثة / التلاعب بالمصطلحات :
فتراهم يستعملون ألفاظا كبيرة يقولبون فيها الدين ، فكل من يتكلم في الدين أو يدعو الناس للالتزام بالدين هذا رجعي … متخلف …. من قوى الظلام …. من أعداء التطور …. من أعداء المدنية …..الخ.
صورة رابعة : تحويل الدين من وحي مقدس إلى آراء مشايخ وعلماء :
فلن يأتي أحدهم ويقول اكفروا بالله مباشرة ، أو يقول انكروا القرآن، إنما جعلوا الدين كالنظريات (التي فيها الصواب والخطأ ومن حقنا قبولها أورفضها ) فيخرجون علينا بقولهم الشيخ فلان يقول بتحريم الخمر !!! ماذا تقول ؟ تحريم الخمر ؟ هذا تشدد أيقول بتحريم الخمر؟ والأعجب أن الشيخ فلان الأكثر منه تشددا قال : إن الحجاب فريضة !!لا حول ولا قوة إلا بالله !!
ثم سيتطور الأمر ويأتي من يقول مستنكرا : إن شيخا أفتى أن الصلوات خمس !!! ، لا عندنا من يقول إنها ثلاثة لا ستة …. وهكذا يتحول الدين من أوامر وفرائض إلهية إلى أقوال بشرية؛ نتهمها حينا أنها آراء متشددة أو نضادها بأقوال العالم التنويري الحداثي (مع ألقاب فخمة ضخمة طبعا )فهذا يدعونا أن نتطور وأن نغير في الدين … ومن هنا تكون الفتن ويحدث تلبيس الدين على الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الدين ليس هو من صنع فلان وعلان أتى به من عند نفسه من أقواله أو اعتقاداته ، هنالك في الدين أصول ثابتة لا تتغير مثل الاعتقاد في الله ( الله واحد لا شريك له) فلا تغير في ذلك الاعتقاد ، الصلوات خمس ….الله حرم الخمر والربا هذه قطعيات ، لم يقل أحد في يوم من الأيام إن مذهب الشافعي تحريم الخمر مثلا !!أو مذهب الإمام مالك وجوب صيام رمضان ….لم يقل أحد بهذا لأن كلام الأئمة ليس في الثوابت والقطعيات إنما في الفروع والمسائل التي يحتمل النص الإلهي أو النبوي (القرآن أو السنة)الاجتهاد في فهمه ، واجتهاداتهم وليدة الفهم الصحيح للكتاب والسنة وليست وليدة التأثر بأفكار هنا أو هناك.
أنا مفكر إسلامي !!!
ودائما أقول : لو أردت أن أدرس الشريعة وعلوم الدين فلن أذهب لجامعة تدرس الطب وعلوم الصحة ، فأنا بذلك أخطأت الطريق ، ولو أردت دراسة المحاماة مثلا فلن أذهب إلى كلية العلوم أو الصيدلة ، فكل تخصص له أربابه ومعلموه الذين أذهب إليهم وأتعلم على أيديهم ، ثم بعد ذلك أخرج أو أتخرج فيكون معي هذا العلم ، فنفس الحال إذا أردت أن اجتهد في الدين فلا بد من أدوات الاجتهاد ،لا إنما واحد لا ندري ما ماضيه ولا شهاداته ولا مؤهلاته يأتي ويقول أنا مفكر إسلامي !!!
ما هي مؤهلاتك ؟
أنا لو زعمت الآن أني طبيب فأول سؤال أسأل عنه: ما هي مؤهلاتك؟ ما هي شهاداتك ؟ أين تعلمت الطب ؟ سبحان الله العظيم !!!
ومن الجرائم المعروفة في كل البلاد أن يمارس الطب من إنسان لم يحصل على شهادة علمية في الطب ، وكذلك نفس الحال في الهندسة أو المحاماة إلا الدين لا يسأل أحد عن دراساته أو أين تعلم ولا يسأل ما هي مؤهلاتك ؟ فالدين والكلام في الدين بابه مفتوح لكل من هب ودب .
إنما يعرض على الناس على أنه المفكر والناشط والمبدع والعبقري والفلتة !!!
فأكبر مؤهلاته ليستضيفه الإعلام أن يطعن في القرآن والسنة ،أو أن يطعن في العلماء ،أو في البخاري أو الشيخ فلان ….الخ .
الشيخ المتشدد :
فحينما يضحكون علينا في الإعلام بقولهم فلان يقول بحرمة كذا نتساءل ومن أين جاء بهذا الكلام ؟ أليس من كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا هو يقول بهذا لأنه متشدد !! لا حول ولا قوة إلا بالله .
ما هو رمز التشدد عندك ؟ ما هو معيار التشدد ؟
ربما ستجد معيار التشدد هو مجرد أن هذا الشخص صار يؤدي الصلاة بالمسجد !! أو معيار التشدد عند البعض هو صيام رمضان !!!
ياالله هذا متشدد جدا !! وفلانة متشددة لأنها تلبس الحجاب !!!لا حول ولا قوة إلا بالله .
فصار الكلام بهذا الشكل كنكتة الآن لكنه بعد زمن سيصير من الثوابت عند بعض العقليات التي لا أساس عندها لفهم الدين ولا ضوابط ولا معايير .
وربما هناك هوى في القلب فينصت لهذا الكلام ويتشبع به كما أشرب بنوإسرائيل عبادة العجل.
بنو إسرائيل وعبادة العجل:
بنو إسرائيل رأوا بأعينهم كيف تجمد البحر لهم وأنجاهم الله عز وجل من فرعون وجنده ثم ما إن عبروا البحر ولما تجف أقدامهم بعد عبدوا العجل من دون الله عز وجل ، الذين عبدوا العجل وصفهم الله بقوله : -( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم )- [البقرة/93] كان عندهم استعداد فطري لتقبل مسألة عبادة العجل ، كان عندهم استعداد وقبول للفتنة ، هناك من يريد أن يشرب الخمر لكن لا يدري أين تباع ؟ فقط هذا هو عذره أو ربما لا يجد المال الذي يشتري به الخمر ، أو يستحي من المحيط الاجتماعي حوله لأنه متدين فينكرون عليه هذا الأمر!!
لكن إذا زال هذا العذر فقلبه مستعد للفتنة .
فالتلاعب الذي يحدث هو أن ينسب الدين كثوابت ومعتقدات إلى أشخاص لتزول القدسية عن الدين ، بالإضافة لتشويه الفكرة والتلاعب بالأسماء والمصطلحات حتى تزول هيبة الدين من القلوب ، كذلك الحديث عن الدين على أنه عادات وتقاليد لا بد أن تتغير وأن تزول ، والكلام عن التدين المودرن الحديث الذي يتوافق مع العقلية الغربية أو العصرية …الخ .
ولذلك أقول : حينما نريد أن نحكم على شيء فإنا نحكم عليه من خلال المصدر المعصوم : الكتاب والسنة الذي لا يتلاعب فيه هوى أشخاص ، حينما يبعد القول عن الكتاب والسنة فمعنى ذلك أن الهوى هو المتحكم في هذا الكلام، وأن المزاج الشخصي يتوجه إليه الناس ، لكن حينما أقول قال الله : قال رسول الله : خلاص انتهت أنا كمسلم أقول سمعنا وأطعنا .
أساليب تزييف الوعي:
لكن من أساليب تزييف الوعي أن يكلمك على بعض الأمور التي لا وجود لها على أنها ثوابت أو بديهيات بمعنى لو قلنا : الشمس تشرق من المشرق وتغرب من المغرب !! نقول له ماذا أضفت ؟
هذه بدهيات يعني لا تحتاج كبير علم ، هم يريدون تنزيل كلامهم منزلة البديهيات والمسلمات، وهذا مذهب إبليس حينما أمره الله بالسجود لآدم قال : -( قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )- [ص/76] سؤال : على منطق إبليس هذا هل من خلق من النار لا يسجد للطين ؟ نعم هكذا زعم ، ليس هناك قانون يقول : إن من خلق من النار لا يسجد للطين لكن هو أراد أن يقول مبررا خطأه بكذبة .
كما قيل ويقال : لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ويطالبوننا أن نصدق هذا ونقول صدق الله العظيم !!! نعم ؟ هكذا يريدون منا أن يقولوا ما يقولون ونصدق على كلامهم على أنه قرآن منزل .
من زعم أنه لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ؟ من قال هذا ؟
وهل هي نظرية مسلم بها ومتفق عليها ؟ لكنهم يرددون هذا الكلام وكأنه وحي منزل من السماء .
نفس المبدأ بالضبط تزييف الوعي ، حينما يأتي أحدهم ويقرر فكرة فتسأله ما هذه الفكرة ؟
فيرد قائلا : كل الناس يقولون هذا الكلام !!! كل الناس ؟ كم عدد الناس ؟
عددهم بالنسبة له ثلاثة أو أربعة .
يقول : كل العالم يفعلون ذلك ، من هؤلاء العالم الذين تتكلم عنهم ؟ أصدقاؤه الذين يجالسهم على المقهى فقط !!! لا أكثر ولا أقل .
فتزييف الوعي مرتبط بإلغاء عقل المخاطب وبرمجته على التقليد ، وهذا يذكرنا بفكرة القرود الخمسة .
قصة القرود الخمسة:
مجموعة من العلماء و ضعوا 5 قرود في قفص واحد و في وسط القفص وضعوا سلم وفي أعلاه وضعوا بعض الموز
…في كل مرة يطلع أحد القرود لأخذ الموز يرش العلماء باقي القرود بالماء البارد
بعد فترة بسيطة أصبح كل قرد يطلع لأخذ الموز، يقوم الباقين بمنعه و ضربه حتى لا يرتشون بالماء البارد
بعد مدة من الوقت لم يجرؤ أي قرد على صعود السلم لأخذ الموز، على الرغم من كل الإغراءات خوفا من الضرب
بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة و يضعوا مكانه قرد جديد
فأول شيء يقوم به القرد الجديد أنه يصعد السلم ليأخذ الموز
ولكن فورا الأربعة الباقين يضربونه و يجبرونه على النزول
بعد عدة مرات من الضرب يفهم القرد الجديد بأن عليه أن لا يصعد السلم مع أنه لا يدري ما السبب
قام العلماء أيضا بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد و حل به ما حل بالقرد البديل الأول حتى أن القرد البديل الأول شارك زملائه بالضرب و هو لا يدري لماذا يضرب فلسان حالهم هذا ما وجدنا عليه من سبقونا .
تجربة أخرى :
بعض الأطباء النفسيين قام بهذه التجربة ( وهي منشورة على اليوتيوب ) وهي كالتالي :
يجلس مجموعة من الناس الذين سبق الاتفاق بينهم وبين الدكتور يندسون وسط المرضى في عيادته ، فيجلسون في قاعة الانتظار وفي لحظة معينة يصدر صوت التحذير (Alarm) فيقف هؤلاء المتفقون مع الدكتور فقط ، وفي المرة الثانية لما صدر الصوت وقف منهم 80% ثم في الثالثة وقف الجميع 100% لم يسأل أحدهم لماذا قمنا ؟ أو لماذا أقوم ؟
وهذا سببه تأثير العقل الجمعي ، أن يخلق تيارا عاما لفكرة تقنعك أن هذا هو الصواب ولا داعي أن تفكر في مخالفة الناس الذين تعيش معهم .
لا آخذ ديني من اليوتيوب ولا الفيس بوك:
يقولون مستنكرين : أنت متدين ؟ أنت تؤمن بالخرافات ؟ أنت ….؟
كلا كلا ، أنا مؤمن عندي دين وثوابت أتلقاها من القرآن والسنة ، وإذا احترت في أمر أسأل عنه أهل التخصص كما أذهب للطبيب أسأله عن صحتي أذهب للشيخ لاستفتيه في ديني ، أنا لا آخذ ديني من اليوتيوب ولا الفيس بوك ولا من القنوات الفضائية ، أنا آخذ ديني من أهل الذكر من العلماء ، طالما حذر الأطباء من أخذ معلومة طبية من الانترنت لأنها تكون معلومة مبتورة ، ليس لها خلفيات بحالة المريض الطبيب يعلم وهو يصف لك دواء ما هو قياس الضغط عندك ؟ نسبة السكر؟ حالة القلب ؟ امرأة حامل مرضع ….الخ ، فيصف لك الدواء المناسب.
نفس الحال : الشيخ المفتي يدرك أين زمانك ومكانك وحاجتك وفتواك ..الخ .
فلا ينبغي أبدا أن نجعل عقولنا مستسلمة لاستقبال أي شيء والاقتناع بأي شيء كل شيء يضبط عندنا بميزان الكتاب والسنة قال تعالى : -( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )- [النساء/59]
إنما كلما تكلم شخص نسمع له وننشر له ونعجب بهيئته وفكرته ثم يتبين لنا أنه خطأ ثم ننشر الخطأ للتحذير منه ، هذه دائرة مقصودة ليبقى الناس في تيه ويعيشون فوضى التوجيه .
فلا تحكموا على الأشخاص لأسمائهم ناقشوا الفكرة والقول بوضعه على ميزان الشريعة نزنه بعقولنا التي ميزنا الله بها عن سائر الكائنات
وأوضح الأمر أكثر بقصة الطفيل .
قصة الطفيل بن عمرو الدوسي :
قال: “كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي، فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش، فقالوا: إنك امرؤ شاعر سيد، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا، فإنه فرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وابنه، فوالله ما زالوا يحدثوني شأنه، وينهوني أن أسمع منه، حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني، قال: فعمدت إلى أذني فحشوتها كرسفا(قطن)، ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائما في المسجد، فقمت قريبا منه، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فقلت: في نفسي والله إن هذا للعجز، وإني امرؤ ثبت ما تخفى علي الأمور حسنها وقبيحها، والله لاتسمعن منه، فإن كان أمره رشدا أخذت منه، وإلا اجتنبته، فنزعت الكرسفة، فلم أسمع قط كلاما أحسن من كلام يتكلم به.
فقلت: يا سبحان الله ما سمعت كاليوم لفظا أحسن، ولا أجمل منه، فلما انصرف تبعته فدخلت معه بيته، فقلت: يا محمد إن قومك جاءوني، فقالوا لي كذا وكذا فأخبرته بما قالوا، وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فاعرض علي دينك، فعرض علي الاسلام، فأسلمت
إذن اعرف الأمر من منبعه من متخصصيه دع عنك هؤلاء كلهم ، لا تسمع لكذبهم وزيفهم ؛ هؤلاء يتقاضون أجورا عالية ورواتب مجزية ودعاية وإعلان ثمنها تشويه دينك واعتقاداتك ، ثم تتفاجأ بعد ذلك أن دينك الذي أخذته من هؤلاء أعور مشوه هش ضعيف .
والله تعالى علمنا احترام التخصص في كافة المجالات فقال : -( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )- [النحل/43] فخذ دينك من العالم المتخصص الثقة .
أما التأثر بالمحيط العام والإعلام والتقاليد الخاطئة وكلام الناس ثم أقول ماذا أفعل ؟ أنت الذي جنيت على نفسك .
فأغلى شيء عندك هو دينك ، دينك دينك لحمك دمك .
فلا ينبغي إخواني أن نساهم في نشر مثل هذه المقاطع التي تحمل أفكارا مشوهة عن الدين ويصير المتكلم نجما لا معا متألقا على كل الفضائيات والمواقع .
أنا المهدي المنتظر !!!
أحدهم كان ضيفا على كل القنوات لآرائه الشاذة في الدين وأخرجوا له مقطعا ذات مرة وهو في السوق يبيع سمكا ( وهذا ليس عيبا في المهنة إنما الإشكال ان يتصدى بائع السمك للإفتاء والاجتهاد ويظهر إعلاميا على أنه شيخ أزهري) المهم انزوت الكاميرات عن الرجل لأنه أفلس ولم يعد عنده فكرة يشكك بها في الدين فأوحى إليه شيطانه بفكرة ، اتصل بالمذيع الذي يتعامل معه قائلا أنا المهدي المنتظر !! أي نعم أنا المهدي المنتظر!!!
وفي المساء ظهر على الفضائيات : القناة الأولى والثانية …. وكل قناة يقبض منها بالدولار الأمريكي ، وهناك مقطع مسرب لأحدهم وهو يتفاوض مع إحدى القنوات على أن يأخذ ألفي دولار في الحلقة .
صدق الله العظيم حينما قال : -( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون )- [الأنعام/121] فالمغرر به والمضحوك عليه هو من يسمعهم ويصدقهم .
أسأل الله أن يحفظ علينا ديننا، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبتنا على الحق وعلى صراطه المستقيم، وأن يتوفانا وهو راض عنا ، اللهم آمين .