الحكمة الإلهية في زلزال سوريا وتركيا
مرت أيام عصيبة بعد الزلزال الذي حدث في جنوب تركيا وشمال سوريا، أيام عصيبة وصعبة على الكثير ممن له أهلون في هذه البقاع سواء كانوا على قيد الحياة وهم الآن يعالجون أو دفنوا بالفعل، ولذلك أكرر التعازي لكل إخواننا، ونسأل الله- سبحانه وتعالى- أن يتغمد الشهداء، الذين ارتقوا إلى ربهم أن يتغمدهم بواسع رحمته وفضله، وأن ينزل السكينة على قلوب إخواننا وأهليهم وذويهم اللهم آمين.
تساؤلات كثيرة:
هناك تساؤلات كثيرة حول موضوع الزلزال، تتعلق بالجانب السوري، قالوا إن تركيا كدولة متماسكة قوية، كانت هناك حركة سريعة ومنظمة وإعانات دولية، أما سوريا فالوضع فيها صعب وكارثي، وهل كان أهل سوريا على ما هم عليه من حرب منذ أكثر من عشر سنوات وشدائد ومجاعات وتضييق بحاجة أن يصيبهم الزلزال؟
هل أهل سوريا كانوا عندهم فائضا من الابتلاءات حتى يضاعف لهم هذا البلاء بهذا الشكل؟
هذا سؤال تكرر كثيرا جدا وأرسل إلى مرات ومرات، وهناك بعض الملحدين نشطوا في هذا الجانب، وبدأوا يذيعون إساءة أدب مع الله- عز وجل- ويتكلمون عن الله ذي العزة والجلال وكأنهم يتكلمون عن زعيم سياسي أو رئيس حكومة !!!
أولا/ الدنيا ليست دار الخلود:
إخواني وأحبابي الكرام الكثير منا يغيب عن وعيه أن هذه الدنيا ليست دار الخلود، هذه ليست دار الأبد، هذه ليست دار النعيم، وجودنا في هذه الدنيا مؤقت، والأصل أننا فيها كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم- (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، لسنا مخلدين فيها ولسنا معمرين فيها أبد الدهر، أعمارنا بالنسبة للأمم السابقة لا شيء كما في الحديث: ( أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين ) وهذه نسبة من الناحية التاريخية لا شيء، فنحن هنا كلنا مؤقتون، وكلنا عن الدنيا راحلون، والله- سبحانه وتعالى- قال: ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإن مت فهم الخالدون) [الأنبياء 34]
فكتب الله الموت على جميع أهل الدنيا فلن يخلد فيها أحد، والموت قدر قدره الله- عز وجل- قبل أن يخلقنا وقبل أن نولد، هذا القدر نافذ بأمر الله تعالى، يأتي من يأتي منا ليعيش عمره الذي قدره الله له، ثم يترك الدنيا في الموعد الذي قدره الله له، قال تعالى : ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)[الأعراف :34]، فهذه مسألة دق فهمها عند كثير من الناس لاعتقادهم أن من يموت فقد حرم الدنيا، وحرم الأنس بأهله وحرم من السلام وحرم من الأمان!!
نقول لك: ولماذا لا تقول انتقل إلى دار الراحة لماذا لا تقول استراح من الدنيا وعنائها وآلامها لقد قال لنا النبي ذلك حتى ننظر إلى الأمور نظرة إيمانية عميقة، لما مرت عليه جِنَازَةٍ، فَقالَ: (مُسْتَرِيحٌ ومُسْتَرَاحٌ منه. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما المُسْتَرِيحُ والمُسْتَرَاحُ منه؟ قالَ: العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِن نَصَبِ الدُّنْيَا وأَذَاهَا إلى رَحْمَةِ اللَّهِ، والعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ منه العِبَادُ والبِلَادُ، والشَّجَرُ والدَّوَابُّ.)
فالموت للمؤمن ليس عذابا ولا حرمانا إنما الموت هو نهاية رحلة كل واحد منا في هذه الدنيا ثم لقائه برب العالمين جل وعلا، هذه هي نظرة المؤمنين للأمر، والذين ارتقوا إلى ربهم شهداء هؤلاء أكرمهم الله تعالى بشدة الموت ليرفع درجاتهم، فهم عند الله شهداء نالوا درجة عالية في الجنة، لمشقة وصعوبة ما رأوا.
إذن يا إخواني الدنيا ليست هي النهاية، كلنا ميتون، كلنا راحلون، (إنك ميت وأنهم ميتون)، هذا كلام رب العالمين.
الأمر الثاني/ البلاء غير مختص بأهل سوريا:
الأمر الثاني يا إخواني أن هذا ليس مختصا بإخواننا أهل سوريا، أعزهم الله وفرج الله الكرب عن الجميع، البلاء ليس علامة حب الله أو غضب الله، البلاء ليس علامة على الرضا أو الغضب من الله- سبحانه وتعالى-، ادخل أي مستشفى، هل فرق المرض بين الناس في أجناسهم أو أديانهم؟ أبدا.
الزلزال الذي وقع هل كل الذين ماتوا مسلمين؟ هل كل الذين ماتوا عرب؟ هل كل الذين ماتوا من أهل سوريا؟!!
تأملوا ما حدث في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم-، النبي حدث له من صنوف الابتلاء الكثير، من صغره نشأ يتيما ماتت أمه وهو ابن ست سنوات، وجده وهو ابن ثماني سنوات، مات جميع أبنائه في حياته إلا ابنته فاطمة الزهراء، ابتلي- صلى الله عليه وسلم- بالأذى والتضييق عليه وعلى أصحابه ، وحوصر والمؤمنون معه ثلاث سنوات في شعب أبي طالب حتى أكلوا ورق الشجر، واجه ما واجه صلوات ربي وسلامه عليه ولم يقل لرب العالمين لماذا يا رب؟ إنما قال إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي.
عمر بن الخطاب ومن في مثل عدل عمر وإيمان عمر وتقوى عمر، حدث في زمانه مجاعة، وسمي العام الذي وقعت فيه المجاعة عام 18 هجرية عام الرمادة، لأن الأرض من قلة الماء كانت تبدو محترقة كالرماد، واشتد البلاء بالمسلمين اشتدادا عظيما، لتسعة أشهر.
وفي نفس العام حدث بلاء كبير في الشام اسمه طاعون عمواس ولقي الكثير من الصحابة ربهم وارتقوا شهداء مع هذا الطاعون، مثل أبو عبيدة ابن الجراح أمين الأمة المبشر بالجنة، بلال ابن رباح مؤذن الرسول- صلى الله عليه وسلم-، معاذ بن جبل أسماء كثيرة من الصحابة، ارتقوا شهداء في الطاعون، هل هذا غضب من الله؟ أبدا هذه كرامة أكرم الله بها من شاء من خلقه.
ولما ألح بعض الصحابة على عمر أن يدخل وقالوا له تفر من قدر الله؟ قال نفر من قدر الله إلى قدر الله.
هكذا كان إيمانهم رضوان الله عليهم، فعلموا أن الابتلاء في هذه الدنيا واقع وكائن، وفي الحديث الشريف: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة.) أخرجه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.
فهذه أمور يا إخواني ثوابت لا ينبغي أن نغفل عنها، فالبلاء ليس مخصوصا بأهل سوريا -أعزهم الله – إنما البلاء في الدنيا كلها، لكن يتنوع البلاء في كل مكان بشكل أو بآخر فهذه هي الدنيا.
الأمر الثالث / أن الله تعالى يجعل في الشر خيرا:
أنت لا تدري ما هي النعم التي أرادها الله والمنح التي قدرها الله بعد هذه المحنة الشديدة، الناس تتناول عبر الفيس بوك والواتس آب كثير من الآيات العجيبة التي حدثت ومنها:
1- إحدى الأخوات بقيت تحت الأنقاض خمسة أيام قالت إنها في اليوم الثالث أو الرابع على ما اذكر أحست بعطش شديد كادت أن تهلك، قالت وإذا بالمطر ينزل ويأتي إلي واشرب وهي – سبحان الله- محاطة بكتل خراسانية لا ينفذ منها الضوء.
2- يقُول أحد الشّاب المسعفين وهو من رجال الإنقاذ كنَّا نضرب جدارًا بقوّة لإزالة الأنقاض وهذا بعد أن مرّت خمسة أيَّام على الزِّلزَال ولم يكُن هناك مؤشر واحد يوحِي أنَّ تحت تلك الأنقاض أناس على قيد الحياة ..
جاءت امرأَة تجري وتصرخ وتقول أولادِي الإثنين تحت هذا الجدار أحيَاء وأنهم بالطريقة التي يحاولون كسر الجدار سيوقعونهُ عليهم ويتسببون في موتهما.. وتوسلت إليهم لينقذوا أبناءها.
استجابُوا لطلبهَا وطمأنوهَا وهدأوا من خوفها ثمَّ بَدأُوا بالحفر اليدوِي على الرَّغم مِن انعدام الإِشارة عنْ وُجود حياةٍ تحتَ الجِدار، استمروا في الحفر إلى أن وصلوا فعلاً لولدين تحت الجدار وكانا على قيد الحياة، بَعْدَ إخراجهما بدأ رجال الإنقاذ بالبحثِ عن أمهما لإخبارها بالأمر وتبشيرهَا بنجَاة أولادهَا ليتبيّن لهم بأنها غير موجودَة، فنطق أحد أبنائها وقال لهم والدتِي توفيت منذُ أربع سنوات!
من هذه المرأة؟ لماذا ساقها الله- عز وجل-؟ حتى لا يموت الطفلان … هذه آيات الله إخواني.
3- البنت ذات الخمس سنين التي قالت إنها كان يأتيها كل حين رجل منور يطعمها ويسقيها ويمشي.
من هذا؟ هل هؤلاء خلق من خلق الله سخرهم الله تعالى ليري هؤلاء الذين تحت الأنقاض بعض آياته؟
يا إخواني هذه الآيات مما تزيدنا إيمانا أن الله- عز وجل- لا ينسى عباده ولا يغفل عنهم، من كان له عمر مد الله له في العمر وقدر له أسباب السلامة، ومن ليس له عمر فقد ارتقى عند الله شهيدا.
هذا غير أن هناك اكتشاف حالات فساد لبعض المقاولين لأن هذه المنطقة كما يقول الجيولوجيون منطقة زلزالية، كل عدة سنوات يحصل فيها زلزال كبير، فاكتشفوا أن الحكومة التركية عاملة اشتراطات في البناء، في حاجة اسمها كود الزلزال من الناحية الهندسية أن تصمم المباني لتحتمل الزلازل، وقد تبين أن هناك غشا كبيرا في المباني وهناك عدة مبان لم يصبها أي سوء لأنها صممت بشكل أو بآخر هندسيا مقاومة للزلازل، فاكتشفوا فساد بعض المقاولين الذين ربحوا على حساب دماء الناس، هذا من إفساد الإنسان في الأرض.
ففروا إلى الله:
فهنا إخواني الله- سبحانه وتعالى- يقدر هذه الأمور ليظهر آياته، ليظهر آياته العظام، ليعود العباد إلى الله- عز وجل-، أنا حينما أخاف لا أهرب إلى مجهول ولا شيء موهوم، اهرب إلى الله، أفزع إلى الله الذي بيده الملك- سبحانه وتعالى-.
وحالة الابتلاء ليست هي الدائمة، الأصل الصحة، والمرض طارئ، الأصل قرار الأرض، الأرض ثابتة والحمد لله، نمشي عليها ونبني وننشئ عليها والزلزال طارئ.
والله تعالى قدر الشيء وضده لتتبين الأمور للناس، فلولا المرض ما عرفنا فضل العافية، ولولا ظلمة الليل ما عرفنا فضل النهار، ولولا الظلم ما عرفنا قيمة العدل ولولا الخيانة والغش لعرفنا قيمة الأمانة والصدق، فنحن نرى نعم الله- سبحانه وتعالى- ونرى عافيته، هكذا يدبر الله الأمور ليعلم العباد وليطلع العباد على آلائه ونعمه التي غمسنا فيها- سبحانه وتعالى-، ( وما بكم من نعمة فمن الله) سبحانه جل في علاه، فأنا حينما أفزع أو أشعر بالخوف أو أضع نفسي في هذا المكان مكان الزلزال والأنقاض وكذا وكذا، أنا أفزع إلى الله الملك، الذي بيده الملك.
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان
المخاوف كلهن مع الله أمان، من يفزع إلى الله فهو في أمان، قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) [الأنعام 82]
أخيرا لا ننسى أبدا الدعاء:
الدعاء بالعافية، الدعاء بالأمان الدعاء بالستر، الدعاء بأن يعافينا الله من عقوبات ذنوبنا فإن للذنوب عقوبات، النبي لما اشتد البلاء على صحابته الكرام في غزوة الأحزاب قالوا: ما نقول يا رسول الله قال: قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا.
ومن دعائه- صلى الله عليه وسلم- اللهم إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر، فأتم علي نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا الآخرة، النبي علمنا أن من يدعو بهذا الدعاء كان حقا على الله أن يتم عليه، النعمة والعافية والستر.
الدعاء اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
حينما ترى الزلزال حدث في سبعين ثانية فقط، سبعون ثانية حولت مدن بأكملها إلى ركام، عدد الشهداء إلى الآن أربعين ألف ارتقوا إلى الله من الدار الدنيا إلى الدار الآخرة، في سبعين ثانية تغيرت خريطة الدنيا في سبعين ثانية كان ما كان من هول وفزع وأمور وأمور الله بها عليم، فهنا تدرك معنى دعاء النبي اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
ما حكم تعجيل الزكاة:
الزكاة تجب بشرطين، الشرط الأول أن يبلغ المال النصاب خمسة وثمانون جراما من الذهب عيار أربعة وعشرين حوالي (6700$ دولار كندي) اليوم، ومرور عام هجري كامل، وأعلم أن الكثير منا متعود أن يخرج الزكاة في رمضان، لكن حضر من حاجة إخواننا ما يدعونا للتكافل والإنفاق وأن نبادر لنجدتهم وإسعافهم، فالكثير منا يريد أن يخرج الزكاة الآن قبل مرور العام الهجري كاملا، هل يجوز؟ نعم يجوز، لأن الزكاة كما قلت لها سببان، تحقق السبب الأول فجاز أن نخرجها، فأنت معك النصاب بلغ مالك النصاب يجوز أن تعجل بإخراج الزكاة.
طيب لو انتظرنا إلى رمضان؟ أليس هذا أفضل؟
نقول لك الأفضل الآن تفريج الكربة، الأفضل الآن إحياء نفس، الأفضل الآن أن نمدهم بما يحتاجون من طعام أو شراب أو دواء أو إيواء أو مساكن وكل هذه النفقات التي نراها في جهود الإسعاف والإغاثة يحتاجونها، فما معنى تأخيرها إلى رمضان؟
نعم الصدقة في رمضان لها أجر، لكن الأجر الآن أعظم لأن الحاجة أشد، فإطعام الجائع غير إطعام الشبعان، و كسوة العاري غير كسوة الذي يلبس، وعلاج المريض خير من أن ندخر علاجا للصحيح وهكذا، كلما كانت الحاجة أشد كلما كان الأجر أعظم، (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).
وهذا التكافل العظيم الذي رأيناه من الدنيا بأسرها، سواء أمة المسلمين التي هي أمة واحدة أو الدول والحكومات المختلفة هذا يبين أن بين العالم كله مشتركات إنسانية لا ينبغي أن تغفل ولا ينبغي أن نتجاهلها ومن كان عنده القدرة أن يراسل هيئات الإغاثة في مختلف أنحاء العالم سواء إغاثة إسلامية أو غير إسلامية فليخاطبهم لأن إخوانكم ما زالوا في أمس الحاجة إلى الكثير والكثير من الدعم لما هم فيه من بلاء شديد.
فيجوز تعجيل الزكاة ويجوز الإنفاق في هذا الباب لأنه حضر واجبا أوجب من أي شيئا آخر.
والله نسأل أن يجعلنا من أهل العافية وسببا لعافية إخواننا ودفع هذا البلاء الشديد عنهم اللهم آمين
اللهم أنزل سكينتك على قلب إخواننا وأهليهم وذويهم ورضهم بقضائك، واجعلهم من الصابرين الشاكرين، وارحم اللهم شهداءنا، اللهم ارحم شهداءنا ارحم شهداءنا اللهم ارحم شهداءنا واجعلهم في عليين، اللهم اشف مرضانا اللهم اشف مرضانا وداوي جرحانا، وعاف مبتلانا، واللهم اجز خيرا كل من ساهم بجهده أو وقته أو ماله، أو نصحه في سبيل نجدة إخوانه في هذا الظرف العسير ، وأخلفهم في أبنائهم وأولادهم وذويهم بخير ما تخلف به عبادك الصالحين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلى الله وسلم وبارك على نبينا المصطفى المختار وعلى آله وصحبه الأطهار وسلم تسليما كثيرا.