كيف نواجه الإرهاب ونحقق الأمن والأمان (خطبة مفرغة)
أحبابي وإخواني الكرام، في يوم الأحد الماضي ذهبنا ومعي مجموعة من مشايخنا الكرام الأئمة هنا لمدينة كيبيك للتضامن مع إخواننا بالمركز الإسلامي الذي جرى فيه الحادث الإرهابي.
والتقينا بالإخوة هناك في المسجد والتقينا ببعض أسر الشهداء وبعض الجرحى واستمعنا إليهم وسمعوا إلينا. …وتفاصيل الزيارة يطول الكلام فيها لكن أريد أن أركز على أمر هام جدا وهو أن الكثير من الإخوة والأخوات وأبنائهم يشتكون من مسألة الخوف !!!
ما بعد الحدث، الحدث خلف ضحايا … أطفال مات آباؤهم، أطفال شهدوا الحادث، أطفال آباؤهم ما زالوا في المستشفى. الأمر في نفسياتهم صعب بالإضافة إلى من يخالط هؤلاء، الأمر ما زال صعب ….دخول المسجد وتذكر مواضع الحادث والرصاص الذي علم في الحيطان وعلم في الزجاج وعلم في كل مكان. …..
هذه المشاهد التي لم تغب عن الوعي إلى الآن ذكرني بنعمة عظيمة ربما لا نلتفت إليها كثيرا هي (نعمة الأمن)
ما قيمة الحياة مع انعدام الأمن؟
ما قيمة المال والثروات والكنوز مع انعدام الأمن؟
فمن أعظم نعم الله تعالى علينا بعد الإسلام نعمة الأمن والأمان. ولذلك امتن الله تعالى علينا بقوله: “فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”.
والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن من أسباب سعادة الإنسان في هذه الدنيا إستشعاره معنى الأمن ؛ قال: “من أصبح معافى في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها ”
ماذا يريد بعد ذلك؟
(معافى في بدنه، آمنا في سربه ) يعني أهله وعياله . …(عنده قوت يومه) ما يستطيع أن يتعايش به ليوم.
هذا الشخص ماذا يريد من الدنيا أكثر من ذلك؟
( فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها ) يعني بجميع جوانبها.
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة أراد أن يشيع الأمن في كل مكان فأرسل أبا سفيان وقتها ينادي:
أيها الناس من دخل البيت الحرام فهو آمن.
من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
من أغلق عليه باب بيته فهو آمن.
إشاعة جو الأمان بين الناس حتى يعلموا قيمة هذه النعمة. لن يدركوها إلا عند فقدها عند استشعار الخوف.
طيب كيف نحقق هذا الأمر أو هذا المعنى؟
يا إخواني، نحن جميعا رأينا بأعيننا كيف أن المجتمع كله وقف وقفة إنسانية قبل أن تكون سياسية مع المسلمين في هذا الحدث؛ بل ورأينا إيجابية من كل طوائف المجتمع حتى أن الكثيرين منا رغم أننا بعيدين عن الحدث في مدينة كيبك إلا أننا من زملائنا وجيراننا ومن يتعاملون معنا جاؤوا يعزوننا بأنفسهم وكأن المصاب واحد وكأنهم يعلمون أن ما أصاب إخواننا هناك هو مصابنا نحن ، ويعلمون أن هذا الفعل القبيح وهذا الإعتداء الآثم هم برآء منه ! سبحان الله العظيم !
إذن كيف ينظر الإسلام لتحقيق معنى الأمن والأمان؟
سأتكلم عن الموضوع من عدة جوانب:
الجانب الأول تحقيق الأمن بالعدل:
الأمن لن يتحقق بكثرة رجال الشرطة و لا الجيش ولا بانقلابات عسكرية ولا بحكم ظالم ولا بقاضي فاجر ولا بالأخذ أو الضرب بيد من حديد على الناس ولا محاسبة الناس على ما يدور في رؤوسهم ، أو خفقات صدورهم…… الأمن لن يتحقق بالتكنولوجيا ، ولا بالرفاهية ولا بالأشياء الأخرى التي يهتمون بها.
الأمن يتحقق بالعدل
كثير منا يا إخواني يظن أنه صاحب الحق المطلق ؛ وأنه (لأنه صاحب الحق المطلق) هو الذي له حق الحياة ، وما دونك ، ومن يخالفك فليذهب إلى الجحيم كما يقولون.
الإسلام بين لنا أن الجميع يتسع له نطاق العدل، من كان على دينك ومن يخالفك في دينك.
الرسول أول ما دخل للمدينة لم يكونوا كلهم على الإسلام. كان فيه مسلمين…. كان فيه يهود. …كان فيه مشركين….
وعلى الرغم من هذا النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بعمل اتفاقية – إن صحت التسمية الحديثة الآن – اتفاقية للتعايش أو للأمن المجتمعي أو السلم المجتمعي…. اتفاقية للتعايش مع الجميع المسلمين وغير المسلمين. ورفع شعار لهم ما لنا وعليهم ما علينا ؛ الكل في هذا الأمر سواء ؛ العدل يسع الجميع ؛ لا يظلم أحد بسببه دينه ولا يعادى لأنه يخالفني في معتقدي ولا يحل ذلك ماله ولا عرضه ولا أهله.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم في نصوص كثيرة جدا عن إيذاء الذمي…. بعض الناس يعتقدون كلمة الذمي هذه سبة ؛ الذمي يعني له ذمة الله ورسوله ؛ يعني هذا يعيش في ضمانة الله ورسوله؛ فمن يستطيع أن يخرق ذمة الله ورسوله بالاعتداء عليه أو على ماله أو على عياله؟
هذه ليست سبة …. هذه ليست – كما يروج البعض – مواطنين درجة ثانية أبدا ، إنما يقصد النبي صلى الله عليه وسلم بعمل هذا الأمر أن يعيش المجتمع في سلام.
أول بيان النبي صلى الله عليه وسلم أصدره عند دخوله إلى المدينة، قال: “أيها الناس، أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.”
لما سرقت امرأة من قريش وكانت شريفة فيهم، قالوا من يشفع لنا عند رسول الله؟
قالوا أسامة. الرسول كان يتبنى أبوه زيد بن حارثة ، وكان يلقب بالحب بن الحب (يعني الحبيب إبن الحبيب ) هو يشفع لنا عند رسول الله.
فلما ذهب أسامة يشفع عند رسول الله غضب وقال : ” لقد أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله (يقسم يمينا بالله) لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها. ”
كلام فصل ليس بالهزل. لو أن فاطمة ابنته هي التي سرقت لن يتردد في قطع يدها. لماذا؟
إقامة للعدل. إقامة للأمن. فإذا اختل ميزان العدل اختل معه كل شيء.
سؤال: ما أسباب الفوضى في ليبيا، في مصر، في اليمن، في العراق، في سوريا؟ ما أسباب هذه الفوضى؟ ما أسباب هذه الثورات؟
لأنه ليس هناك عدل. لأن الظلم هناك طال الناس جميعا. لأن الغلاء والوباء والظلم صاروا مجتمعين على الناس. لو أن الناس يعيشون عيشة فيها العدل وفيها الأمان ما فكروا في هذا الأمر. ما فكروا في هذه الثورة.
لو تأملنا أن كل الأصناف وكل الطوائف الموجودة في بلادنا العربية المشتعلة فيها النار الآن موجودين هنا الآن في كندا يعيشون آمنين سالمين لتأملنا أن هناك مَن مِن مصلحته إشعال النار، مَن مِن مصلحته أن تبقى النار دائما لا لا تخبو أبدا.
فإقامة العدل يا إخواني!
أرسل رجل من ولاة عمر بن عبد العزيز في زمانه قال : “إن أسوار حمص قد تهدمت، قال حصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم “
الرجل الفارسي الذي جاء ليقابل عمر بن الخطاب الذي هز عرش كسرى. يبحث عنه في كل مكان. أين عمر؟
لعله في السوق.. لعله في المسجد…
حتى رآه نائما تحت شجرة. فقال كلمته: عدلت، فأمنت، فنمت.
الأمن والأمان سواء للحاكم أو المحكومين لا يتحقق أبدا مع الظلم.
لا يتحقق مع اختلال ميزان العدل.
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ويهدم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة.
الحاكم لو مسلم، هذا بينه وبين ربه لكنه ظالم أذاه يتعدى للخلق فهذا يهدم الله دولته….. أما الحاكم إذا كان عادلا فإنه بعدله يسع العباد.
ولذلك النبي بعد التضييق على المسلمين في مكة قال اذهبوا إلى النجاشي…. بماذا وصفه رسول الله؟
قال فإنه ملك لا يظلم عنده أحد.
رغم أنه كان في هذا الوقت نصراني…. ميزه النبي أو ذكر النبي أبرز صفة فيه قال (ملك لا يظلم عنده أحد)
إقامة العدل يا إخواني أول سبب لأسباب الأمن والأمان.
اختلال الميزان أن يتفاضل الناس على وفق أجناسهم أو أعراقهم أو أديانهم أو ولائهم للحاكم أو عدم ولائهم له أو هذا تبع كذا وذاك تبع كذا.
هذا كله يؤدي إلى التناحر وإلى الاختلاف والتنازع والاقتتال….. فهذا عن الأمن بالعدل.
الجانب الثاني الأمن الفكري:
الأمن الفكري يعني ماذا؟!!
يا إخواني، أخطر شيء سرقة العقول، تزييف الوعي…. إذا كان هناك لصوص يسرقون الأموال فإن من يسرقون العقول أشد فتكا وأثرا.
أنت الآن في عصر السماوات المفتوحة كما يسمونه، عندنا فوضى في التوجيه. شبابنا في هذا البلد الآن تركوا المساجد واتجهوا إلى الإنترنت… فنجد موجات الإلحاد ونجد موجات الانضمام لداعش …. ونجد موجات أخرى الله بها عليم.
الشاب تربة خصبة تزرع فيها كيفما شئت…. تزرع خيرا تجد خيرا …. فإن تركت هذه الأرض زرع غيرك.
ولذلك نريد في هذه المرحلة المقبلة الاهتمام بالشباب، الاهتمام بتوجيه العقول.
الناس وما يعتقدون… لما تملأ الرأس بأفكار فيها العنف ، أو فيها التطرف أو العداء…. الشحن المتصاعد دوما ، هذا يؤدي إلى إشاعة الرعب بين أفراد المجتمع .
ونذكر من أسبوعين لما كنا نتكلم عن الحادث الإرهابي الذي حدث ؛ قلت إن هذا الشاب لم يستيقظ من نومه ليتثاءب ويقول :
اليوم أقتل المسلمين!!
أبدا…. هذا الشاب – يعني الله أعلم لم تكشف التحقيقات إلى الآن – لكن بلا شك قبل الحادث كان عنده شحن كبير وكمية حقد عجيبة ؛ أدت إلى أنه يقوم بإفراغ المسدس ثلاث مرات على رؤوس الناس العزل الذين لا حول لهم ولا قوة وهم يصلون .
كل ما خزنة السلاح تفرغ يملأها ثانية حتى انتهى الرصاص معه!!!
حقد بالغ إلى حد عجيب.
لا إله إلا الله! ما الذي بلغ به الحقد إلى هذا الحد؟
إنه شُحن. شُحن بالعداء والكراهية أدى هذا إلى اتجاهه إلى أن ينتقم…. إلى أن يرعب الناس…. إلى أن يؤذيهم.
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
فنحن يا إخواني بحاجة إلى أن يكون هنالك توجيه للعقول. .. الخطاب الإعلامي السيء الذي كان موجودا وما يزال عند البعض، تصيد الكلمات ثم بعد ذلك تفسيرها على وفق هوى المتحدث.
تغييب المسلمين نهائيا على أن يتكلموا بصوتهم أو باسمهم.
هذا أمر لا ينبغي أن يعود مرة أخرى؛ ينبغي أن نبلغ صوتنا للإعلام.
أن يسمعنا الناس.
أن نربي شبابنا.
أن يكون هنالك توجيه للعقول وغرس للقيم والأخلاقيات.
إنما ترك الأمور هكذا، لا تظنن أن الأمور ستمر بسلام.
الشباب وحتى البنات الذين سافروا إلى داعش منذ عدة أشهر…. الأمر مفتوح أن يتكرر لو أننا بقينا مكاننا.
لو أننا استسلمنا لهذا الواقع.
الشاب القاتل الإرهابي الذي قتل إخواننا في المسجد الأمر قابل للتكرار.
والرسول صلى الله عليه وسلم شبه المجتمع بركاب سفينة قال فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها.
الذين في الطابق السفلي يريدون شرب الماء ؛ كلما أرادوا أن يشربوا الماء أصابهم جهد يصعدون ويأتون بالماء ثم ينزلون ، فقال بعضهم لو خرقنا في نصيبنا خرقا !!! نخرق خرق في الطابق السفلي ونشرب من الماء!!!
قال النبي : ” فلو تركوهم وما أرادوا لهلكوا وهلكوا جميعا ولو أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعا.”
قلت من قبل و أكرر نحن لا ننادي أبدا بتقييد الإعلام ولا بتقزيم الناس المتكلمة ولا يعني موضوع قانون الإسلاموفوبيا أن الناس لا تتكلم عن الإسلام بأي شيء …. إنما لغة الكراهية، لغة الحقد، لغة الشحن. …. هذه اللغة ينبغي أن تختفي من مجتمعنا هذا.
هذا الأمر يجذب عدد المشاهدين (حسنا) حققت أموال (حسنا)
لكن بعد ما حققت من شهرة ومعجبين ومشاهدين ومتابعين، هل حققت الأمن للمجتمع؟
هل المجتمع سيعيش في سلام؟
فهذه مسألة مهمة يا إخواني. الأمن الفكري. تشكيل الوعي. عدم تزييف عقول الناس. عدم ملء رؤوسهم بالأفكار المعادية.
نحن كمسلمين نهتم بشبابنا ونخاطب من حولنا بأن يهتموا بشبابهم حتى يشيع هذا المعنى في المجتمع.
يا إخواني، الإسلام علمنا أن من خالفنا في ديننا وسعه الله في ملكه.
أن من خالفنا في ديننا أمره بينه وبين الله.
يا إخواني انتبهوا! الرسول صلى الله عليه وسلم فعل به المشركون ما فعلوا يوم أحد وسالت دماؤه صلى الله عليه وسلم على وجهه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول : “كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم” فينزل الله قرآنا يتلى: ” لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ “. حسابهم على الله.
أما أن نعيش كل واحد معتقد أن من يخالفه في دينه هو عدوه يعني هذا معناه أن الإنسان لن يعيش في أمان أبدا.
كل من يخالفني فهو عدوي، من زعم هذا؟
بعض الناس يأتي بكل آيات القتال في القرآن الكريم ويقول لك القرآن قال وقال….. يا أخي متى قالها وما سياقها وما مناسبتها؟
أي دستور لأي دولة في العالم فيه كل شيء فيه نظام الحكم، فيه النظام الإداري، فيه نظام العدالة، فيه نظام الدفاع عن الدولة. سبحان الله!
هل يعقل أن هناك دولة ليس لها نظام للدفاع عن نفسها؟ ليس لها جيش؟ ليس لها أي عقيدة لتدافع إذا اعتدي عليها؟
القرآن هكذا. جاء ليقول للمسلمين: ” … فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ …” المسألة ليست كما يظن البعض أن المسلم دائما في قتال وتفكير واعتداء وانتقام. لسنا هكذا يا إخواني أبدا.
من يريدون إشاعة هذا عن الإسلام إنما يريدون تسميم الأفكار.
من ينتزع النصوص من سياقها ويقول قال الله وقال الرسول… انتبه أنت تكذب على الله بما تقول. تكذب على الله لأنك تأخذ الآية في غير سياقها.
أنت تضع الحديث في غير ما قيل فيه والأمثلة كثيرة لا يتسع الأمر للتفصيل.
لكن أقول كل أمر في سياقه… فمن يزعم أن الإسلام جاء لتدمير غيره أو أن المسلم لا يطيق العيش مع غير المسلم أو إن أي طائفة…. سموها اليمين المتطرف ……اليمين المتشدد …..المسلم الجهادي….. كل هذه التسميات إنما المقصود منها أن الشحن الإعلامي والشحن المعنوي والعقدي يستمر يستمر …..والنزاعات تستمر ….. والصراعات والعداوات.
فأخطر شيء يا إخواني الأمن الفكري.
إنك تزيف وعي مجتمع….. أن الناس تصل لمرحلة لا ينفع أن نعيش مع بعض…. أنت كافر وأنا مسلم. وهو ينظر إليك نفس النظرة. فلا بد يا إخواني أن نعلم هذا الأمر. …سبحان الله … الأمن الفكري.
النقطة الثالثة: الأمن المجتمعي :
الإسلام ربانا على أن المجتمع حولنا نحن جزء منه لا ننفصل عنه. قال الله تعالى:”… وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا….”
طيب من يخالفني كيف أتعامل معه؟ قال:” ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…”. ”
و “لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ”. و ” لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ “. ” و ” وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ” وهكذا.
وعلمنا النبي أن المسلم ينطلق في كل مكان ليكون نافعا ؛ فيكون المسلم كالغيث أينما وقع نفع.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “خير الناس أنفعهم للناس” و “ أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.” و ” والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قالوا من هذا يا رسول الله خاب وخسر؟ قال من لا يأمن جاره بوائقه” (يعني الأذى)
وهذه عامة في كل جار … أي جار لك لا يسلم من أذاك ….. الرسول أقسم بالله ثلاثا أنه لا يؤمن (ومعنى هنا أنه لا يؤمن يعني أنه لم يحقق معنى الإيمان الكامل بالله).
فما فائدة أن تصلي وتصوم وتتلو القرآن ثم تؤذي جارك أو تعتدي عليه أو تهضمه حقه.
يقول : “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. “
(الأمن المجتمعي). الرسول في الحديث الذي قلته قال: أيها الناس أطعموا الطعام… الطعام للجميع….. أطعموا الطعام !!
وأفشوا السلام. لو أنا في ظلمة الليل قابلت أحد الناس من بعيد فخفت منه فلما اقترب قال السلام عليكم. يداخلني الشعور بالأمان… فهذه تحيتنا.
أفشوا السلام….. فأفشي السلام كتحية وأفشي السلام عند التعامل مع الناس.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “من حمل السلاح فليس منا.” و ” من أشار إلى أخيه بحديدة (مجرد مزاح) قال : لم تزل الملائكة تلعنه حتى يضع ” (حتى يترك هذا الشيء).
أخذوا سلاح أحد المسلمين وهو نائم ففزع، قال لا يحل لمسلم أن يفزع أخاه أو يروع أخاه. لا إله إلا الله!
الأمن المجتمعي فرض علينا الزكاة. لا يكن في المجتمع غني ينفخ بطنه ويعلو كرشه من كثرة الأكل وكثرة الثروات والأموال ، وفقير عنده أنيميا يعني يهلك من الأمراض والفقر والجوع. لا…
فرض الله الزكاة تؤخذ من أغنيائنا وترد على فقرائنا….. هذا الأمن المجتمعي.
أنا إذا كنت فقير أرى أن الغني إذا زاد ماله فاض علي أفرح ، لكن فقير وأرى الغني يزداد مالا وثروة وغنى وأنا أزداد فقرا وضعفا وهزالا كأني أعيش حياة الأموات. لا شك أنني سأحقد…. لا شك أنني سأحاول أن أسرق … أن أعتدي…. أن أن أن…
فجاء الإسلام هنا ليعلم كيف يكون هنالك توزيع عادل للثروات.
كيف يكون عدم وجود طائفة من المجتمع لا تملك قوت يومها.
حتى في أعيادنا الإسلام علمنا زكاة الفطر في عيد الفطر وسنة الأضحية في عيد الأضحى نذبح ونطعم كل من حولنا. لماذا؟ للأمن المجتمعي.
كلما يأتيني خير من جاري من قريبي نشعر بالترابط بالتماسك .
ولذلك -سبحان الله العظيم -هذه المسألة لا ينبغي أن تكون محل نقاش. هل أستطيع مساعدة غير المسلم؟
هل أتطوع ؟ هل هل…
أنت في مجتمع كن إنسانا نافعا.
بعض الإخوة يطلع بفتاوى غريبة يقول لك التبرع بالدم لا يجوز لغير المسلم. من قال هذا يا أخي؟
هذا إنسان ونحن شركاء في معنى الإنسانية ؛ فإذا أعنته بما أعطاك الله من صحة فأنت بذلك تؤدي زكاة عن جسدك ،نحن في ديننا نمنع الأذى عمن حولنا عبادة لله.
نحسن لمن حولنا عبادة لله.
نحمل الخير للناس عبادة لله.
نحن لا نفعلها اتيكيت ولا مدنية وحضارة فحسب إنما نفعلها قبل كل شيء إرضاء لله سبحانه وتعالى.
ديننا الذي علمنا الرحمة بالحيوان ،هل يكون هنالك مجال للعنف مع الإنسان؟
ديننا الذي علمنا أن امرأة دخلت النار في هرة في قطة حبستها. ما بالك بمن يؤذي الإنسان بمن يعتدي عليه.
ديننا الذي علمنا أن الله غفر لرجل سقى كلبا فشكر الله له فغفر له.
ديننا الذي علمنا الحفاظ على البيئة بأن لا تقطع شجرة نافعة ولا مثمرة.
هل بعد كل هذا نقول أن ديننا دين العنف أو ديننا يأمر بكذا وكذا؟
فالأمن المجتمعي يا إخواني بأنك تعيش في سلام مع غيرك مع من حولك.
بعض الإخوة بعد الحادث الذي حدث – سبحان الله – يعني تكلمنا عن موضوع أن نؤمن المساجد ونعمل أبواب حديدية وفيها أجهزة إلكترونية لاكتشاف الأسلحة. طيب تمام… حصنت المساجد؟
هل ستحصن نفسك خارج المساجد؟
هل ستحصن زوجتك وابنتك في مكان دراسة أو مكان عمل أو مكان تسوق؟
حصن نفسك مع المجتمع !! حينما وقعت النكبة وقعت الحادثة وقف المجتمع كله معنا. لماذا؟ هم لسانك … أنت تعيش معهم.
والحمد لله المسلمون في هذا البلد يعيشون مع غيرهم بالوداعة والأمن والأمان والسلامة.
الحمد لله علاقاتنا مع كل من حولنا جيدة ورائعة.
لا نعرف مسلما جاء لهذا البلد ينوي بأهله شرا أو غدرا فلما حدثت الفاجعة الكل وقف معنا. …الكل أحاطنا ورأينا في الإعلام كيف وقفوا حول المساجد عبارة عن حلقة لتحصين المساجد وهذا المعنى وإن كان معنى رمزي لكن له أثر معنوي كبير ومؤثر في القلوب أنك لست وحدك.
أعبد ربك ونحن نحميك.
وهكذا يا إخواني… فالأمن المجتمعي أن لا يكون عندنا نبرة العداء ونظرة الانتقاص للآخر. الآخر ليس منا. الآخر يعادينا. الآخر الآخر… لا يا أخي. لماذا جعلت هذه النظرة دائما؟ المسلم يحمل هذه القيم والمعاني ولسان حاله كما قال الشاعر:
أنا نفس محبة كل خير كل شيء حتى صغير النبات
فأنت أيها المسلم سلام على من حولك، سلام على من معك، سلام مع من تعاملهم، سلام مع كل من يحتك بك لا يشعر برعب ولا قلق ولا أذى إنما يعلم يقينا أنك سلام.
ديننا الإسلام.
ديننا دين السلام.
ليس دين الوحشية ولا الإجرام ولا الانتقام… أبدا.
ولا ينبغي أبدا أن يكون هذا في وعي أحد أو في حسه.
لا ينبغي أبدا أن نفكر بهذه الأفكار التي ما جلبت على المسلمين إلا النكبة.
البعض يقول هم يفعلون وأمريكا و العراق وكذا وكذا… يا أخي نحن لا نتعبد إلا لله سبحانه وتعالى.
نحن لا ننظر إلى الناس على ما يفعلون إنما نطيع الله عز وجل في خلقه.
كما كان بعض السلف يقولون: لن نجد فيمن عصى الله فينا إلا أن نطيع الله فيه.
ليس مبرر أن هناك من اعتدى أن تعتدي.
طيب هناك من اعتدى والذي تعتدي عليه هنا هل هو من اعتدى؟ ديننا يعلمنا لا تزر وازرة وزر أخرى.
كنت أحمل هما كبيرا بعد الحادث أن يصاب البعض بالتشنج أو بالتوتر فيأتي من المسلمين أو من شبابنا بحركة ما يعني لا فائدة من ورائها.
فالحمد لله الذي رزقنا هذا الهدوء ورزقنا هذه الوداعة.
رد الفعل بعد الحادث من المسلمين كان موزونا بفضل الله.
رد الفعل كان فيه فهم ووعي.
وقوف المجتمع كله من حولنا امتص أي فتيل غضب في نفس واحد منا.
إذن يا إخواني فالأمن المجتمعي نحن جزء من المجتمع نندمج فيه نقدم للعباد الخير نبذل ما نستطيع ما في وسعنا.
الأعمال التطوعية ينبغي أن نبصر بها شبابنا.
المشاركة في رعاية المسنين المحتاجين.
المشاركة في أي نشاط مجتمعي تطوعي حتى يعلم الجميع أننا كمسلمين جزء منهم وهم جزء منا.
النقطة الرابعة هي الأخذ على يد المفسد :
وهذا كلام الشرطة قالته لنا لما اجتمعنا بهم كأئمة وبعض المسؤولين بالمساجد ؛ قالوا : أي واحد يخطب خطاب كراهية أو عنف أو فيه شحن للناس أو يعني تسخين للأحداث بلغوا عنه !!
وثبت – والإعلام نشر هذا الكلام- القبض على عدد من الشخصيات التي فعلت هذا الأمر وأبلغ عنها.
هذا معناه أنك تحقق بهذا الأمر العدالة والأمن.
الأمن المجتمعي مسؤولية الجميع كما قلنا في قصة السفينة.
الأمن المجتمعي مسؤوليتنا جميعا. لو أخ اعتدي عليه أو أخت اعتدي عليها لا تقل خلاص قضي الأمر.
اذهب إلى الشرطة. بلغ الشرطة. اعمل تقرير لأن هذا الأمر يرصد ويتابع فلا ينبغي أبدا أن أسكت وهذا يسكت… ما هي النتيجة؟
أن هذا المتشنج الذي يفعل ما يفعل سيزداد أكثر وأكثر وأكثر.
ثم بعد ذلك لا تتوقف المسألة. القانون هنا رادع للجميع بفضل الله.
العدل موجود ومتحقق.
فأي أخ أي أخت يعتدى عليه حتى ولو لم يكن عندك شواهد بلغ الشرطة.
عثرت على شيء على مواقع التواصل مثل الفيس بوك أو غيرها أو موقع من المواقع فيه شحن أو كراهية أو لغة الاعتداء بلغ الشرطة.
هذه مسألة لا ينبغي أبدا التفريط فيها يا إخواني.
إذا أردنا أن نحقق الأمن لا ينبغي أن نسكت على الفساد، لا ينبغي أن يبقى في مجتمعنا من يشعل النار أو يشعل فتيل النار ومن يحرص على لغة العداء والكراهية.
ديننا علمنا في سورة الحجرات -وقد تعرضنا لها في خطب الجمعة- أنه إن بغى مسلم على مسلم قال الله تعالى:”… فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ….”. حتى يكون هناك سلاما للمجتمع ككل.
فلا ينبغي أبدا أن نسكت على فاسد أو على من يعتدي أو على من يبرر هذا الأمر ويشحن الناس حولنا فنلتزم بهذه النقطة.
النقطة الأخيرة كانت هي مسألة الحوار مع غيرنا وأن يسمع بعضنا صوت البعض هذه نرجئها للأسبوع القادم إن شاء الله نتكلم عن الحوار وكيف نتحاور مع من يخالفنا وما هي القيم التي تضبط حياتنا مع من يخالفنا.