كيف الفرار من الوقوع في القلق والتوتر؟

تاريخ الإضافة 18 أكتوبر, 2022 الزيارات : 906
كيف الفرار من الوقوع في القلق والتوتر؟
إذا أردنا أن نطلق تسمية على عصرنا هذا لسميناه (عصر القلق )؛ فالإنسان منا لا يثبت فيه على حال… دائما في قلق أو توتر .
والدنيا دار ابتلاء واختبار لا شك، لكن عصرنا زادت فيه هذه الأمور إلى حد كبير، وظهرت الأمراض النفسية بصور متعددة وأعراض كثيرة.
والسؤال المطروح الأن :
كيف الفرار من الوقوع في القلق والتوتر؟
الحمد لله رب العالمين ديننا يربطنا بالله – عز وجل- الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ، وحينما يضيق الصدر يتطلع الإنسان إلى أمرين :
الأمر الأول : انشراح صدره 
والأمر الثاني : تيسير أمره
وقد ورد الأمران في سورة الشرح في قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إن مع العسر يسرا)
 ونبي الله موسى قال داعيا ربه : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي  يَفْقَهُوا قَوْلِي ) [سورة طه25:28]
 والشَّرْحُ حَقِيقَتُهُ:
فَصْلُ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، وَمِنْهُ يقال : الشَّرِيحَةُ لِلْقِطْعَةِ مِنَ اللَّحْمِ، وَالتَّشْرِيحُ فِي الطب، وهذا مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ الشَّرْحَ الْحَقِيقِيَّ خَاصٌّ بِشَرْحِ اللَّحْمِ، وَإِطْلَاقَ الشَّرْحِ عَلَى رِضَا النَّفْسِ بِالْحَالِ أَصْلُهُ اسْتِعَارَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الضِّيقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ عَلَى الْإِحْسَاسِ بِالْحُزْنِ وَالْكَمَدِ.
فيكون معنى “أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ “ نورناه وجعلناه فسيحًا واسعًا، يعني أن الله وسعه وفتحه بإذهاب ما حصل به الضيق، وصد عن كمال الإدراك؛ لأن الإنسان إذا حصل له الضيق في الصدر لم يعد في حال يتهيأ فيها للتلقي بصورة كاملة، فيبقى ذهنه منقبضًا، حتى إنه لا يكاد يعقل شيئًا.
فشرح الصدر توسيعه وخص الصدر هنا؛ لأنه محل القلب، فالقلب هو الذي يحصل به الانشراح، ويحصل به الضيق والانقباض، وهو محل الإدراك، وبه يعقل الإنسان، وأحوال النفس ترتبط به ارتباطًا وثيقًا، فإذا انفسح القلب انفسح الصدر.
وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل بنوعيه:
حكم الله الشرعي وهو الدين.
حكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان.
أما شرح الصدر لحكم الله الشرعي:
 فيقصد به الأوامر والتكليفات الإلهية وذلك لأن الشرع فيه مخالفة للهوى فيجد الإنسان ثقلاً في تنفيذ أوامر الله، وثقلاً في اجتناب محارم الله، لأنه مخالف لهوى النفس، والنفس الأمارة بالسوء لا تنشرح لأوامر الله ولا لنواهيه.
 فتجد بعض الناس تثقل عليهم الصلاة كما قال الله تعالى في المنافقين: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} [النساء: 142].
 ومن الناس من تخف عليه الصلاة بل يشتاق إليها ويترقب حصولها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «جعلت قرة عيني في الصلاة» و “أرحنا بها يا بلال”
وقال تعالى : (إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِیَتۡ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ) [ الأنفال 2]
وفي المقابل قال تعالى :  ﴿وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِینَ مِن دُونِهِۦۤ إِذَا هُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ﴾ [الزمر 45]
فمن نعم الله على العبد أن يشرح صدره للطاعة …لصيام التطوع …لقيام الليل… للإصلاح بين الناس ….. لنصرة الدين ….لطلب العلم أو نشره بالتعليم …وهكذا.

مثلا الإمام البخاري شرح الله صدره لطلب العلم وجمع الحديث الصححيح عن رسول الله وظل في عمل دؤوب ستة عشر عاما يجمع لنا ما صح من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى أخرج لنا صحيح البخاري.

 يقول أحدهم من شدة سروره بتلك النعمة : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا (لقاتلونا)عليه بالسيوف.
وقال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟
قال: محبَّة الله تعالى ومعرفته وذكره .

وقال ثابت البناني: كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة.
وقال بعضهم: سقت نفسي إلى الله وهي تبكي، فمازلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك .

وكان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل فإذا أصابه فتور أو كسل قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه ، والله لأزاحمنهم عليه ، حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالا !! ثم يصلي إلى الفجر .
وكان عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول : ما ألينك ولكن!!! فراش الجنة ألين منك ثم يقوم إلى صلاته .
وروي أن لصاً دخل بيت مالك بن دينار فما وجد شيئاً فجاء ليخرج فناداه مالك: سلام عليكم، فقال: وعليك السلام، قال: ما حصل لكم شيء من الدنيا فترغب في شيء من الآخرة – قال: نعم، قال: توضأ من هذا الماء وصلِّ ركعتين، ففعل ثم قال: يا سيدي أجلس إلى الصبح، قال: فلما خرج مالك إلى المسجد قال أصحابه: من هذا معك – قال: جاء يسرقنا فسرقناه. 

 فشرح الصدر للحكم الشرعي معناه قبول الحكم الشرعي والرضا به وامتثاله، وأن يقول القائل سمعنا وأطعنا.
 وأنت بنفسك أحياناً تجد قلبك منشرحاً للعبادة تفعلها بسهولة وانقياد وطمأنينة ورضا، وأحياناً بالعكس لولا خوفك من الإثم ما فعلت، فإذا كان هذا الاختلاف في الشخص الواحد فما بالك بالأشخاص.
وانفساح صدر المؤمن لحكم الله الشرعي يجعل قلبه حرًّا طليقًا لا تأسره شهوة ولا معصية، فلا يبقى في حبس، وضيق، فإن الحبس الحقيقي والسجن الحقيقي كما قال شيخ الإسلام: هو سجن القلب، وليس سجن البدن، والبدن تبع لهذا القلب، فإن كان القلب منعمًا فإن ذلك يسري إلى البدن فيظهر أثر ذلك على الوجه، ولو كان الإنسان يعيش في فقر أو يعيش في شدائد وأذى من الخلق، ولما دخل رحمه الله-  سجن القلعة وأغلق عليه الباب، قال : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى رُحت فهي معي لا تفارقني، حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة الإيمان. 

المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه، والله لو بذلت ملء القلعة ذهبًا ما عدل ذلك عندي شكر نعمة الحبس، وما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

ويقول تلميذه ابن القيم -رحمه الله-: وعلم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والتنعم، وما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق ومع ذلك فهو من أطيب الناس عيشًا وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرُّهم نفسًا، تلوح نظرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه؛ فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوة وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها.

وإذا كان العبد ضالّاً معرضاً؛ ضيّق الله عليه صدره وجعله حرجاً، وهذا ميزان عدلٍ لا يميل، وطريقٌ لا ينحرف، فمن أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى يسرّه الله لليسرى، ومن بخل واستغنى وكذّب بالحسنى يسرّه الله للعسرى.

قال تعالى : (فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰام وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ) [الأنعام 125] ومعنى قوله تعالى: ( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) أَيْ يُوَسِّعْهُ لَهُ، وَيُوَفِّقْهُ .

(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) الحرج: شِدَّةُ الضِّيقِ ، ومَكَانٌ حَرِجٌ وَحَرَجٌ أَيْ ضَيِّقٌ كثير الشجر لا تصل إليه الراعية.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَرَجُ مَوْضِعُ الشَّجَرِ الْمُلْتَفِّ، فَكَأَنَّ قَلْبَ الْكَافِرِ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْحِكْمَةُ كَمَا لَا تَصِلُ الرَّاعِيَةُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي الْتَفَّ شَجَرُهُ.
وقال عبيد بن عمير: قرأ ابن عباس هذه الآية فقال: “هل هنا أحد من بني بكر قال رجل نعم قال ما الحرجة فيكم قالوا الوادي الكثير الشجر الذي لا طريق فيه فقال ابن عباس: كذلك قلب الكافر”.
قال ابن عباس: “يجعل صدره ضيقا حرجا إذا سمع ذكر الله اشمأز قلبه وإن ذكر شيء من عبادة الأصنام ارتاح إلى ذلك”
وأما انشراح الصدر للحكم القدري:
 فهو الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره فالإنسان الذي شرح الله صدره تجده راضياً بقضاء الله وقدره، مطمئناً إليه، يقول: أنا عبد، والله رب يفعل ما يشاء، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له»
 الاستعاذة من الهم والحزن:
علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء أن ندعو به في كل صباح ومساء،وقصة هذا الدعاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أحد أصحابه أبا أمامة رضي الله عنه ملازما للمسجد،  فسأله رسول الله عن سبب جلوسه في المسجد في غير وقت الصلاة…. قال يا رسول الله هموم لزمتني وديون ركبتني.
قال فادع الله في كل صباح ومساء: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ.
فتعوذ بالله من هذه الثمانية: الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال”
وهذه الثمانية من أقوى الأمراض التي تصيب الإنسان نسأل الله أن يعافينا منها…. 
والإنسان عنده ثلاثة أحوال:
الماضي والحاضر والمستقبل.
فما وقع في الماضي يسمى ( حزن ) فالحزن هو أن تحزن على فوات خير أو وقوع شر في الماضي.
وما هو في اللحظة الحالية (الغم ) أن يدخل عليك ما يسوؤك، خبر سيء، تجارة خسرت، أمر وقع، إلى آخره. هذا إسمه الغم.
أما ما سيقع في المستقبل فهذا هو (الهم )
إذن فعندنا في الماضي حزن وفي الحالة الحاضرة غم  وفي الحالة المستقبلية هم.(أعاذنا الله وإياكم من الهم والغم والحزن)
فأنت تتعوذ بالله من هذه كلها وانتبه إلى أن وقوع هذه الأشياء بقدر الله….. يعني الإنسان لن ينفك في الدنيا عن هذه الثلاثة. …. لكن طبعا هناك غيرها يعني ليست كل حياتنا أحزان وليست كل حياتنا هموم وغموم، أنا أقصد إذا وقعت.
فأنا حينما يصيبني هذا الأمر فأنا في النعماء شاكر وعند البلاء صابر ، والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا أن (الطاعم الشاكر أفضل عند الله من الصائم الصابر)  أفضل عند الله لأنه وجد النعمة فداوم الشكر عليها.
ولما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هل نسأل الله العافية أم نسأل الله غيرها قال : (الله يحب معكم العافية.) و ( سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة.) فالمسلم يسأل العافية دوما.
 فأنا كمؤمن لا أنفك عن هذه الأحوال. يعني هي ملازمة لي في الدنيا. أن يكون هنالك عسر ويسر، غنى وفقر، مرض وعافية، فرح وحزن.
فإذا كنت في نعمة أشكر الله تعالى عليها.
وإذا كنت في مضرة فاصبر واحتسب عند الله جل وعلا.
أما ما مضى ( الحزن )  فأنت تعلم يقينا أن الله ربط على قلوبنا بالإيمان في موضوع الأحزان. إذا حدث ما يحزنك فإنه من فضل الله علينا نعمة النسيان…. النسيان لأن أي شيء يولد صغير ثم يكبر بعكس المصيبة…. أول ما تحدث تكون كبيرة ثم تصغر وتصغر …..حتى أن الدين سبحان الله علمنا الإيجابية في هذه الأمور. فالمسلم لا يحزن فوق ثلاث. لماذا؟
لأن الحياة لن تتوقف. الحياة ستستمر.
والرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه (لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث ) رغم أن الحزن بالنسبة للنساء يكون أمر صعب عليها أن تنسى وأمر صعب عليها أن تتجاوز المحنة لكن الرسول قال : (لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر (ربط الأمر بالإيمان بالله واليوم الآخر) أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)  وذلك لعظم حق الزوج.
ولا عزاء بعد ثلاث يعني المسلم يتسلى ويتصبر من إخوانه على المصيبة ثلاثة أيام بعدها لا يعزى. لماذا؟
الحياة تستمر. … فالإسلام يعلمنا أن المسلم مع الأحزان يطوي الصفحة ويستمر في حياته…..  لأن هذه هي طبيعة الدنيا ؛ فهذا عن الحزن.
أما عن ( الغم ) إذا جاءك ما يغمك في حالك في واقعك الآن فالإيمان بالله سبب للربط على القلوب…الحمد، الإسترجاع، الحوقلة (لا حول ولا قوة الا بالله) ليتيقن القلب أن هذا من قدر الله.
الإيمان بالقضاء والقدر ينفع في هذا الأمر….

 والرسول صلى الله عليه وسلم علمنا“احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل”

فانظر كيف جمع طبيبُ القلوب صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية القصيرة العظيمة “بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة على كل حال، والاستعانة بالله، وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار، وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة التي لا حيلة فيها، ومشاهدة قضاء الله وقدره، وجعل الأمور قسمين:
قسم يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه، أو دفعه أو تخفيفه، فهذا يُبدي العبد فيه مجهوده، ويستعين بمعبوده، وقسم لا يمكن فيه ذلك، فهذا يطمئن له العبد، ويرضى ويسلّم، فمن راعى هذا الحديث وجعله نبراساً سَعِد، وزال عنه من الهمّ والغمّ شيءٌ كثير، قل قدر الله وما شاء فعل….. هنا الإستسلام لقضاء الله وقدره…. طالما أنا أخذت بالأسباب…… طالما أنا حرصت على ما ينفعني فلا ينبغي أبدا أن أتوقف في هذا الجانب ويصيبني الإكتئاب والقلق والتوتر والحسرة والندم والإنطواء ، وأرى الدنيا سوداء ، وأفكر في أمور وأشياء…
أم سلمة رضي الله عنها لما مات زوجها، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم قولي : ( إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها.)  قالت يا رسول الله: وهل في الرجال من هو خير من أبي سلمة؟
(إمرأة صالحة ترى أن زوجها خير الرجال. هل إذا فقدته ستجد رجلا خيرا منه؟). اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها فأخلف الله عليها خير خلقه. تزوجت بالرسول صلى الله عليه وسلم.
فدع الأمر لتدبير الله عزوجل ، واعلم يا أخي أن الثبات عند حدوث المصائب إنما هو من رصيد الإيمان….. الثبات في المصائب والشدائد لا يأتي فجأة الثبات يأتي بالإيمان بالله، العمل الصالح….. رب العزة سبحانه وتعالى قال:” يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ …”. فالذين يثبتهم الله هم أهل الإيمان. أهل الإيمان الذين يربط الله تعالى على قلوبهم ويثبتهم بأعمالهم الصالحة. سبحان الله!
إذا  في الغم أستسلم لقضاء الله وقدره.
أما في (الهم) ما سيقع، فدائما تفاءل خيرا…. اللحظة القادمة أنا وأنت لا نعلمها…. لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى… ومن الممكن أنا وأنت أن نجتمع ونتكلم على مليون فرضية ستحدث بعد دقائق ثم لا يحدث ولا شيء مما ذكرنا….. هذا وارد….. فما في المستقبل هو في علم الله.
الشيطان يدخل للإنسان من هذا المدخل…. مدخل المستقبل، الخوف من المستقبل…الشيطان دائما ما يدخل الحزن على بني آدم، على المؤمن بالذات…. مسألة الهواجس، الكوابيس، التشاؤم، السواد، المستقبل المظلم، المستقبل الأسود… هذه العبارات تكررت كثيرا الآن وحالات الإكتئاب على مستوى العالم تسجل أرقاما قياسية لأن الناس فقدوا هذه المعاني .
فلا يكن التفكير السلبي دائما هو المسيطر على الواقع. …. الشيطان دائما يقول لك أنت ستفقد عملك، غدا سيموت والدك، بعد غد ابنك سيحدث له، لو ركبت كذا سيحدث لك كذا، العمل الفلاني غير دائم، رزقك، عملك، سعيك، إلى آخره… فدائما ما يخوف الإنسان…. دائما ما يجعل في قلبه القلق والوحشة.
ولذلك لما بعض الصحابة سأل النبي عن موضوع القلق والوحشة النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يتعوذ بالله من الشيطان وهذا معناه أن الذي يجعل هذا في القلب هو الشيطان، قال :( قل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون. ) إذن فممكن لو أنك استسلمت للشيطان في بعض الأمور المستقبلية، استسلمت لهواجسه يصيبك ضيق شديد جدا.
إذن فالمستقبل بيد الله…. إذا لم تقدر على نفسك استعن بالله…. ولهذا كان من أعظم مزايا عيش أولياء الله في الدنيا والآخرة أنهم: ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[يونس: 62] فهم لا يخافون من المستقبل، ولا يحزنون على الماضي.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 27 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع