الأنس بالله عزو جل

تاريخ الإضافة 22 أغسطس, 2023 الزيارات : 11164

الأنس بالله عزو جل

الأنس: ضد الوحشة؛ والوحشة هي انقباض النفس من المكروه أو المجهول أو وجود الإنسان في مكان بدون معارف وأحباب.

وفي المقابل الأنس : ويطلق على السرور والانشراح، وهوأيضا اطمئنان النفس بالمطلوب أو المحبوب.

ومعنى الأنس بالله :

السكينة والانبساط والارتياح الذي يحصل للعبد عند تعرّفه على الله.

وهو روح القرب من الله قال تعالى: ( َإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة 186

فاستحضار القلب هذا البر والإحسان واللطف : يوجب قربه من الرب سبحانه وتعالى، وقربه منه يوجب له الأنس، و الأنس ثمرة الطاعة والمحبة؛ فكل مطيع مستأنس وكل عاص 

مستوحش.
كما قيل :

              فإن كنت قد أوحشتك الذنوب * فدعها إذا شئت واستأنس

والأنس بالله شعور يمتزج بالهيبة والخشوع، يغمر كيان الإنسان كله مما يجعله يجد سعادته في خلوته، وهنائه في وحدته، يناجي ربه . . يشكو همه إليه . . يشكره على نعمته . . يتغنى بالدعاء له والثناء عليه والتسبيح والتقديس له عز وجل، ويشعر بأن كل ما في الكون من مخلوقات تشترك معه في التسبيح لله عز وجل فيحس بأن هناك ألفة ومودة بينه وبين جميع المخلوقات في الكون . . إنه يفهم لغة الكون . . والكون يفهم لغته، وهذه اللغة المشتركة بينهما هي التسبيح والشكر لله والإحساس بآثار حب الله في القلب.

ولا يشعر المؤمن المحب لله بالأنس في أوقات العبادة فقط .. فإن فضل الله عليه عظيم حيث يفيض الله عليه بالأنس في أوقات الانشغال والاهتمام بأمور الحياة اليومية لأن الله يغمره ويملأ قلبه وكيانه كله، فأصبح الأنس بالله يحيط به سواء في وقت الانشغال أو في وقت العبادة.
                         من كان في سخطه محسنا ** فكيف يكون إذا ما رضي

الفرق بين الوحدة والأنس:

وبعض الناس يعتقدون أن الوحدة تعنـي أن يعيش الإنسان وحيداً أي منعزلا عن الناس ، في حين أن الإنسان المستأنس بالله في كل لحظة أيقن وعرف أن هذا ليس هو مفهوم الوحدة أو الغربة ، فإن الشعور بالوحدة هو فراغ القلب من حب الله ، والشعور بالغربة هو فراغ القلب من الأنس بالله ، فإذا كان نعيم الجنة كله لا يساوي شيئا بالنسبة إلى لذة النظر إلى وجه الله الكريم فكذلك نعيم الدنيا لا يساوي شيئا مقارنة بنعيم الأنس بالله .

فإن الأنس الحقيقي هو الأنس بالله وليس الأنس بالإنسان، والفراغ الحقيقي هو فراغ القلب من حب الله وليس فراغ الوجود الإنساني.

وإذا كان البعض يؤدب بالحبس الانفرادي فإن المسلم في خلوته يستشعر حلاوة الأنس بالله، فمن الممكن أن يكون الإنسان حوله حشد من الناس ومع ذلك يشعر بالوحدة والفراغ القلبـي، ومن الممكن أن يعيش وحيداً ولكنه يحس بالأنس وكأن المخلوقات والكائنات جميعها اجتمعت وحضرت لتؤنس وحدته مع أنه في الحقيقة يعيش وحيداً بمفرده.

ورحم الله ابن تيمية حينما قال ( إن سجني خلوة ، وقتلي شهادة ، ونفيي سياحة )

وقال أحد السلف : ” مساكين أهل الدنيا ، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها ، قيل : وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، والتنعم بذكره وطاعته“.

وذكر الاستاذ مصطفى مشهور أن أحد الإخوة كان محبوسا انفراديا في زنزانة مغلقة ليل نهار لا يتصل بأحد ولا يتحدث مع أحد ،فقط يخرج في حراسة السجان لقضاء حاجته مرة صباحا وأخرى مساء ،لو تصورنا هذه الحالة بالمقاييس المادية لتوقعنا أن تكون حالة هذا الأخ النفسية شديدة وحرجة ،ولكن أخانا كان في خلوة مع الله وكان كتاب الله خير جليس له يتلوه ويتدبره وينهل من نوره ….

وكان الأخ يدخل في صلاة خاشعة وركوع وسجود طويلين يشعر خلالهما بقربه من الله فيدعو ويلح في الدعاء، كان يقوم في وقت السحر يناجي ربه في هدأة الليل ويطرق باب الكريم بركعات وسجدات ودمعات من خشيته سبحانه وهكذا يعيش جوا من السعادة الروحية ، والأنس بمعية الله وكأنه في الكون الفسيح وليس بين جدران أربعة وباب مغلق .

ويحكي أن السجان كان يرق له فكان ينتهز الفرصة فيفتح له الباب نصف فتحة يقول أن أنسه كان يقل ، ويشعر بوحشة عما كان الباب مغلقا ،هكذا نرى كيف أن الربانية بمعانيها تجعل الهم فرجا والكرب سعادة والوحشة أنسا. (كتاب بين الربانية والمادية ص85)

إذن فليس معنى الوحدة هو الانعزال عن الناس ، وإنما هو فراغ القلب من حب الله ومن الأنس بالله.

وفي هذا المعنى قال بعض العلماء : العارف بالله أنس بالله فاستوحش من غيره ، وافتقر إلى الله فأغناه عن خلقه ، وذلّ لله فأعزه في خلقه .

أما من كان قلبه فارغاً من حب الله والأنس بالله ، فإنه سيشعر بالوحدة والغربة والعزلة حتى ولو كان حوله الناس جميعاً ، وهنا سيغلق القلب أبوابه وستفتح النفس أبوابها التـي تقود الإنسان إلى سبيل الشهوات والنزوات والهوى، فيضل السبيل ويسلك طريق الضياع، والحيرة ، والتخبط، والهلاك الذي يودي به حتماً إلى الشقاء.

فالقلب دائماً يفتح أبواب طريق النور، أما النفس فتفتح أبواب طريق الهوى.

وفي الدعاء المأثور :(أستغفرك من كل لذة بغير ذكرك، ومن كل راحة بغير أنسك، ومن كل سرور بغير قربك، ومن كل شغل بغير طاعتك…).

فمن وجد الله ماذا فقد ، ومن فقد الله ماذا وجد ؟

ويقول الإمام ابن القيم: إذ استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنس الناس بأحبائهم فأنس أنت بالله، وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله.

الأنس ثمرة الطاعة :

ولذا فإن الأنس بالله تعالى ثمرة الطاعات والتقرب إلى رب الأرض والسماوات ، كما قال ابن القيم رحمه الله : ” فكل طائع مستأنس ، وكل عاص مستوحش” .

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
إنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة ؛ لأن المخالفة توجب الوحشة ، والموافقة مبسطة المستأنسين ، فيا لذة عيش المستأنسين ، ويا خسارة المستوحشين ” انتهى من ” صيد الخاطر ” (ص 213
) .

وقيل للعابد الرباني وهيب بن الورد رحمه الله : ” هل يجد طعم العبادة من يعصيه ؟ قال : لا ، ولا من يهم بالمعصية” .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقولمن أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية ” . انتهى

وأمامك ثلاث أدوات رئيسية لتحقيق الأنس بالله:

1ـ القلب:

سئل أبو سليمان الداراني – رحمه الله – : ما أقرب ما يُتقرب به إلى الله عز وجل ؟ فبكى ، ثم قال : مثلي يسأل عن هذا ؟ أقرب ما يتقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة غيره جل وعلا .

ويقول ابن القيم: في القلب شعت لا يلمه إلا الإقبال على الله وفي القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفي القلب خوف وقلق لا يذهب إلا بالفرار إلى الله، وفي القلب حسرة لا يطفئها إلا الرضا بالله’.

وقد جعل الله سبحانه القلب محلاً لعبوديته ولذا نجد الكثير من أعمال القلوب من خوف ورجاء ومحبة وتوبة وصبر وأنس ورضا وطمأنينة كلها من أقرب وسائل الاتصال بالله تعالى .

والقلب المريض هو القلب الذي يتعذر عليه أداء الوظيفة التي خلق من أجلها فالقلب خلق لمعرفة الله ومحبته .

يقول ابن القيم : نقلا عن شيخه ابن تيمية في قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) إذا كانت الملائكة المخلوقون يمنعها الكلب والصورة عن دخول البيت فكيف تلج معرفة الله عز وجل ومحبته وحلاوة ذكره والأنس بقربه في قلب ممتلئ بكلاب الشهوات وصورها

حـلاوة العـمل في القلب:
قال ابن القيم: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحا فاتهمه ؛فإن الرب تعالى شكور، يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عينفحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول.  

2ـ اللسان:
اللسان وسيلة اتصال قوية وفعالة مع ربك قال تعالى في كتابه الكريم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} البقرة:152

وفي حديث الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله (ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه )

وقال صلى الله عليه وسلم: ( يقولُ الله – عز وجل – : أنا مع ظنِّ عبدي بي ، وأنا معه حيث ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرتُهُ في نفسي ، وإنْ ذكرني في ملأ ، ذكرته في ملأ خيرٍ منه ، وإنْ تقرّبَ منِّي شبراً ، تقرَّبتُ منه ذراعاً ، وإن تقرَّبَ منِّي ذراعاً ، تقرَّبتُ منه باعاً ، وإن أتاني يمشي ، أتيته هرولةً(

ولك أن تتصور هذا الاتصال الراقي في حال ذكر الله فكلما ذكرت الله ذكرك الله وكان معك.
ويقرب هذا المعنى ما حدث للإمام الجنيد عندما قال يوما لتلاميذه تعالوا بنا نذكر الصالحين فبذكرهم تحل البركة ، فقال بعض طلبته يا شيخنا إذا ذكرنا الصالحين تحل البركة فماذا إذا ذكرنا الله ؟

فاطرق الشيخ قليلا ….ثم رفع رأسه فقال إذا ذكرنا الله حلت الطمأنينة في القلوب (ألا بذكر الله تطمئن القلوب )

وقال ذو النون: من اشتغل قلبُه ولسانُه بالذِّكر ، قذف الله في قلبه نورَ الاشتياق إليه.
وقال أيضا  : ما طابتِ الدنيا إلا بذكره ، ولا طابت الآخرةُ إلا بعفوه ، ولا طابت الجنَّة إلاّ برؤيته.

وذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله في الفوائد :
أن العبد يستطيع أن يتلمس أثر حب الله في قلبه في مواطن عديدة منها:

الموطن الأول : عند أخذ المضجع حيث لا ينام إلا على ذكر من يحبه وشغل قلبه به.

الموطن الثاني : عند انتباهه من النوم ، فأول شيء يسبق إلى قلبه ذكر محبوبه.

الموطن الثالث : عند دخوله في الصلاة ، فإنها محكُ الأحوال وميزان الإيمان … فلا شيء أهم عند المؤمن من الصلاة ، كأنه في سجن وغمّ حتى تحضر الصلاة ، فتجد قلبه قد انفسح وانشرح واستراح ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال : “أرحنا بها يا بلال“.

الموطن الرابع : عند الشدائد والأهوال ، فإن القلب في هذا الموطن لا يذكر إلا أحب الأشياء إليه ولا يهرب إلا إلى محبوبه الأعظم عنده” .
وتزداد الحاجة إلى الثبات في هذا الموطن الأخير لكون المؤمن أشد عرضة للبلاء من غيره من البشر

قال ثور بن يزيد : قرأتُ في بعضِ الكُتب : أنَّ عيسى – عليه السلام – قال : يا معشر الحواريِّين ، كلِّموا الله كثيراً ، وكلِّموا الناسَ قليلاً ، قالوا : كيف نكلِّمُ الله كثيراً ؟ قال : اخلُوا بمناجاته ، اخلوا بدُعائه.

وقال مسلم بنُ يسار : ما تلذَّذ المتلذِّذونَ بمثلِ الخَلْوةِ بمناجاةِ اللهِ – عز وجل.

3ـ الجوارح:
والجوارح أمامها خيارات كثيرة جدًا للاتصال بالله من صلاة وصيام وصدقة وحج وإماطة الأذى عن الطريق ومساعدة الآخرين وزيارة المريض وغير ذلك وهكذا تظل بقلبك ولسانك وجوارحك في تقرب إلى الله واتصال بالله إلى أن تفوز بما جاء في الحديث القدسي:
(وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه )

فهذا الرجل الذي يحبه الله على اتصال دائم بالله وعينه على اتصال دائم بالله وأذنه ورجله ويده إنه دائمًا مع الله.

أوصت امرأة صالحة أولادها فقالت (تعودوا حب الله وطاعته فإن المتقين ألفوا الطاعة فاستوحشت جوارحهم من غيره فإن عرض لهم الملعون بمعصية مرت المعصية بهم محتشمة فهم لها منكرون )

مجالات الأنس بالله : 

1-الخشوع في الصلاة

2- التفكر في الكون

3- ذكر الله في الخلوة

4- قيام الليل

5-الدعاء وبث الهم والشكوى لله.

العلامات على بلوغ مرتبة الأنس:

1.  الخلوات، فذكر الله خالياً حتى تفيض العين، من علامات الأنس بالله.

2.  – الوحشة من الناس دليل كذلك.

3. – التلذذ بالطاعات، والتلذذ بالطاعات درجات، ومنها الشوق إليها وانتظار وقتها.

4.– الشجاعة في الحق.

توصيات عملية :

1-أكثر من ذكر الله وخاصة في الخلوة فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره .

2-احرص على صلاة ركعتين في وقت السحر واقرأ فيهما مما تحفظ وتدبر كل آية تتلوها .

3- احرص دائما على بث همومك وشكواك إلى الله فإن من أفضل أبواب العبودية المناجاة وكثرة السؤال والإلحاح في الطلب .

4- اعلم أن كل طاعة تقربك من الله وكل معصية تبعدك عن الله.

تذكر:  طاعة / قرب / محبة / أنس بالله

تذكر : معصية / بعد / كره / وحشة


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم