احذر ثلاثة أخطاء في شعبان
مضى أسبوع من شهر شعبان، وها نحن نقترب رويدًا رويدًا من أنفاس وبركات شهر رمضان، شهر الصيام والقرآن والقيام. نسأل الله أن يبارك لنا فيما بقي من شعبان، وأن يبلغنا رمضان. اللهم آمين.
فضائل شهر شعبان:
وشهر شعبان فيه العديد من الفضائل:
1- هو شهر رفع الأعمال إلى الله عز وجل، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم.
2- وفيه تم تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة.
3-وفيه أيضًا نزلت آية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” (سورة الأحزاب: 56).
4- وفي هذا الشهر ليلة ستوافق يوم الخميس المقبل، إن شاء الله، وهي ليلة النصف من شعبان. يطلع الله تعالى فيها على جميع خلقه، فيغفر لهم جميعًا إلا لمشرك أو مشاحن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ونحن نريد – يا إخواني – في خلال خطب هذا الشهر أن نحيي القلوب، وأن نفك الأقفال التي عليها لنستقبل شهر رمضان ونحن في حالة إيمانية راقية، لأن رمضان ميدان التنافس. وأي مسابقة نحتاج فيها إلى إعداد، فإن قوة الإعداد وإتقانه يؤثران على حالتنا في السباق، فنحن الآن نستعد لشهر رمضان.
رفع اللياقة الإيمانية:
الطريق إلى الله عز وجل لا يحتاج إلى لياقة رياضية أو بدنية، لا يحتاج إلى عضلات مفتولة، ولا يحتاج إلى قوام ممشوق، بل يحتاج إلى قلب سليم وصحيح.
والطريق إلى الله لا يُقطع بالأقدام، وإنما يُقطع بالقلوب، كما قال ابن القيم رحمه الله.
ونحن في هذا الشهر عندنا ثلاثة أخطاء تتكرر كثيرًا:
الخطأ الأول: الغفلة عن شهر شعبان:
وقد أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا ، فالبعض حينما تكلمه مثلًا عن الصيام أو عن العمل الصالح، يقول: “إن شاء الله في رمضان، الصيام سنصوم في رمضان، القيام إن شاء الله سنصلي التراويح، طيب القرآن؟ إن شاء الله سأختم في رمضان”. فيظل هكذا يسوّف ويؤجل، رغم أن بداية الاستعداد من الآن تعني انطلاقة كبرى في رمضان، إن شاء الله عز وجل.
فبدلًا من أن تكون البداية في رمضان ضعيفة، نبدأ من الآن، ونتزوّد، فنستعين بالله عز وجل، حتى نكون في رمضان في حالة رقي إيماني، وإقبال، وتسابق، وتنافس على الخيرات.
رمضان هذا العام يأتي في وقت الشتاء، والحمد لله، النهار قصير، والليل طويل، يعني بالنسبة للسنوات الماضية التي عشناها، كان النهار يتجاوز 18 ساعة، أما الآن، فقد صار الوضع أسهل بكثير، إن شاء الله.
فميدان التنافس في مرضاة الله عز وجل في أيامه ولياليه يحتاج إلى استعداد من الآن.
فالنبي نبه إلى أن شهر شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان.
الأمر الثاني: هو سلامة القلوب:
وسلامة القلوب تعني أن ننقي قلوبنا من أمراضها، وأن ندخل رمضان بقلوب سليمة.
كل من كانت بينك وبينه عداوة أو خصام أو شحناء، اذهب وتصالح معه وبالكلمة الطيبة، والاعتذار إن كنت أخطأت، ولعل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: “إن الله ليطلع على جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لهم إلا لمشرك أو مشاحن”، كان فيه إشارة ضمنية إلى أنه ينبغي قبل رمضان أن ننقي قلوبنا من كل ما فيها من أمراض أو أشياء تعيقها عن العبادة.
القلب الذي فيه حسد أو غل أو حب التشفي والانتقام لا يعرف معنى الخشوع، ولا يعرف معنى الخضوع لله عز وجل.
هذا القلب لا يطيب له أن يدعو الله ويناجيه، لأنه قلب عليل، قلب مريض، نسأل الله العافية.
فعندنا فرصة في هذا الشهر أن تبحث عمن حولك ممن آذيتهم بكلمة، أو حصل – كما يحصل بين البشر جميعًا – سوء تفاهم أو غضب أو أي شيء من هذا القبيل، وتحاول بالكلمة الطيبة والاعتذار أن تصلح ما بينك وبينهم.
وأقول: لست مطالبًا أن يحبك جميع الناس، ولكنك مطالب بألا يكون بينك وبين مسلم قطيعة.
قد لا يكون بينك وبينه مودة، فهذا أمر لا يعلمه إلا الله، ولكنك لست مطالبًا بحب كل الناس، إنما الذي نُهيت عنه هو عداوة الناس. فالمجتمع إذا كان مفككًا، والناس يتباغضون ويتدابرون، كان مجتمعًا ضعيفًا مهلهلًا، ينفر بعضه من بعض.
والعبادات في الإسلام كلها جماعية: نحن نمسك في وقت واحد، ونفطر في وقت واحد، ونقف في صفوف الصلاة، والإمام يكرر: “استقيموا، استووا”، لأن مساواة الأبدان تعني ائتلاف القلوب.
هذا الاجتماع(أقصد صلاة الجمعة) الذي نجده الآن ربما نجد أضعافه في بعض الأوقات مع الحر الشديد، ولا ينفر أحد من أخيه، فـكتف بكتف، وقدم بقدم، وتلاحم وتقارب، حتى تتماسك الصفوف، ولا يضيق أحد بغيره، لأننا جميعًا في ميدان الرحمة.
وطالما أن القلوب مؤتلفة، سنجد إقبالًا أكثر على الله سبحانه وتعالى.
الواحد منا- نسأل الله أن يرزقنا حج بيته الحرام-، عندما يذهب ويرى هذه الملايين التي جاءت من كل فج عميق تبتغي مرضاة الله عز وجل، يسأل نفسه: هل له مكان وسط هؤلاء الملايين عند الله عز وجل؟ هل يجد له درجة عند الله أن يدعو، وأن يبتهل، وأن يتضرع؟
سبحان الله! الواحد منا يلتمس هذه العظمة الإلهية، كيف أنه جل وعلا لا يشغله سمع عن سمع، وكيف أنه سبحانه وتعالى يعلم سر كل واحد وعلانيته، وكيف أن الله تعالى ربط بين هؤلاء برباط الإيمان، وجمعهم جميعًا على نداء واحد، جاءوا من آفاق الأرض يطوفون ببيت الله العتيق ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى.
هذا هو الإسلام أن نكون إخوة متحابين في الله، قلوبنا مؤتلفة على طاعة الله عز وجل.
الأمر الثالث:هو كثرة الجدال:
ألاحظ مع انتشار السوشيال ميديا وحرية الكتابة والتعليق والتعقيب والنشر أن الناس أوتوا جدلًا، وأن كثيرًا من المناسبات الإسلامية وأوقات الطاعة تحولت إلى مباريات للمجادلة.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل”، فالجدال بلا هدف، وبلا سبب، وفي كل شيء، هو علامة من علامات الانحراف عن صراط الله المستقيم.
ولذلك، قال رب العالمين: “فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم” (سورة البقرة: 213).
فالاختلاف وارد، ووجهات النظر متعددة، لكن توسيع مدى المجادلة بالباطل، والمشاجرة، والخصام، والمناكفات، يذهب روح العبادة.
أنا أتكلم عن العبادات، ويسعنا كمسلمين ما وسع المسلمون قبلنا، وما وسع العلماء، وما وسع الصحابة والتابعون، فلا ينبغي أن يكون عندنا دائمًا حب الجدل والخصام، ولا الإعجاب بالرأي والاستئثار به، ولا التكبر عن قبول الحق.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”، سأله أحد الصحابة: “إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فهل هذا من الكبر يا رسول الله؟” فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس”.
بطر الحق: يعني التعالي عن قبول الحق، ورفضه، والإصرار على الخطأ، وعدم الاعتذار عند الإساءة.
وغمط الناس: يعني احتقارهم، والشعور بأن الإنسان أعلى منهم وأرقى وسيد عليهم.
فالمتكبر لا يرد على الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”.
فلنحذر – إخواني – من هذه الثلاثة:
- الغفلة عن شهر شعبان.
- عدم الحرص على سلامة القلوب من الأمراض والعلل، كالغل والحسد وما يعوق السير إلى الله ويضعف العبادة.
- كثرة الجدال، فلا نجادل إلا بالتي هي أحسن، لبيان الحق، ولكن لا نجعل مواسم الطاعة مواسم للمجادلة.