صفات عباد الرحمن
4 – الاستعاذة بالله من النار
لا زلنا نعيش مع عباد الرحمن ،الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وقد حدثنا الله عن حالهم في أنفسهم أنهم (يمشون على الأرض هونا ) ،وعن حالهم مع الناس فهو حال من لا يشغل نفسه بالسفهاء ولا يخاطب الجاهلين إلا سلاما (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) وعن حالهم مع الله ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾
ونتساءل مالذي دفعهم لذلك ؟
إنه الخوف والطمع ، إنه الخوف والرجاء، خوفهم من الله وتذكرهم للآخرة ، أيقنوا أنهم مهما عاشوا في هذه الدنيا فإنهم ميتون وأنهم بعد الموت مبعوثون ،وأنهم بعد البعث محاسبون فإما إلى جنة ،وإما إلى نار .
لهذا وصفهم الله بقوله (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) الفرقان:65
وأي مقام أسوأ ، وأي مستقر أقبح من جهنم التي (وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) التحريم 6
ولقد أخبرنا النبي عن أقل أهل النار عذابا فقال : (إن أهون أهل النار عذابا رجل في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل بالقمقم)
والقمقم ما يسخن به الماء من نحاس وغيره.
و (إن أدنى أهل النار عذابا الذي له نعلان من نار يغلي منهما دماغه)
فعباد الرحمن وضعوا جهنم نصب أعينهم وكأنها تريد أن تلفحهم فكان دعاؤهم (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا )
لأن كل الناس وارد عليها مار بها كما قال تعالى (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا )مريم 72،71
والمعنى: أن الجميع يردون النار، والورود على الشيء: المرورعليه، فمن الناس من يمر ويدخل النار، ومنهم من يمر فوقها وينجو، نسأل الله العفو والعافية
وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) رواه البخاري عن أنس
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات الأربع بعد فراغه من التشهد وقبل أن ينتهي من صلاته (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال ) رواه مسلم
قوله تعالى: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا )
أي: ملازماً، وهي مأخوذة من الغريم، والغريم هو: الإنسان الذي تستلف منه، وتتدين منه، فالعادة أنه يلازمك ولا يفارقك مطالباً بحقه، فكأن النار -والعياذ بالله- عذابها يلازم أهل النار ملازمة الغريم لصاحبه، حتى ينجي الله عز وجل من يشاء بفضله وبرحمته سبحانه .
فلا بد للمسلم كلما تشوفت نفسه لفعل المعصية ، أو غفلة عن الله ، أو ظلم لعباده أن يذكر النار وشدتها وحرها ففي الحديث (نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، قالوا يا رسول الله إن كانت لكافية (يعني لو كانت كنار الدنيا فهي عذاب موجع مؤلم فكيف وقد تضاعفت ؟ ) قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا )متفق عليه
ويروى عن داوود عليه السلام (إلهي لا صبر لي على حر شمسك فكيف أصبر على حر نارك ؟ )
وتلقفها بعض الشعراء فقال :
جسمي على الشمس ليس يقوى ولا على أهون الحرارة
فكيف يقوى على جحيم وقودها الناس والحجارة
إن الله تعالى وصف أولي الألباب الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم بأنهم يقولون ( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ) آل عمران 192،191
(فقد أخزيته ) أهنته وذللته فالنار مع عذابها الحسي ؛ ففيها من العذاب المعنوي الكثير : الخزي والذل والهوان
حينما يقال لهم ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) المؤمنون 108
أي خزي وأي هوان أشد من هذا
المؤمن بين الخوف والرجاء :
إن على المؤمن أن تكون عبادته بين الخوف والرجاء ، فإذا كثرت الذنوب وتزاحمت المعاصي ، فعلى الإنسان أن يغلب الخوف على الرجاء ، أن يتذكر ذنوبه ولا ينساها ،أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب ، وأن يزن أعماله قبل أن توزن عليه ، عسى أن يتدارك ما قد فات ، ويرجع إلى الله قبل الممات .
عن أبي هريرة قال لما أنزلت هذه الآية ” وأنذر عشيرتك الأقربين ” دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ) رواه مسلم
فكل إنسان عليه أن ينقذ نفسه من النار ، ينقذها بعمل الصالحات واجتناب السيئات ، بأداء الحقوق حق الله، وحق الناس
ما ينجي من عذاب الله :
1– التوبة: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) التحريم:8.
قال ابن كثير: (التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه كلما ذكرته)
2- المحاسبة: محاسبة النفس لازمة للنجاة يقول عمر: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا) فما وجدته من خير فأحمد الله عليه وما وجدته من شر فاستغفر الله عنه واعزم على أن يكون غدك خير من يومك ويومك خير من أمسك.
3-العمل الصالح : فما ذكر الله الإيمان إلا واتبعه بذكر العمل الصالح الذي يصدقه، والذي يوزن يوم القيامة هي الأعمال: (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية )القارعة:7-9.
(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) الزلزلة:7-8.
فيكون لنا في كل باب من أبواب الخير نصيباً كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا النار ولو بشق تمرة)
4) حفظ الجوارح والحواس عن الحرام: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا )الإسراء:36.
وحديث (من يضمن لي ما بين لحييه (عظما الحنك أي اللسان) وما بين رجليه (الفرج كناية عن الزنا) ضمنت له الجنة).
5- سؤال الله الجنة والتعوذ بالله من النار : لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:ما سأل رجلٌ مسلمٌ الله الجنة ثلاثاً, إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة, ولا استجار رجلٌ مسلمٌ الله من النار ثلاثاً إلا قالت النار: اللهم أجره مني“صححه الألباني