صفات عباد الرحمن
12- الدعاء بصلاح الأزواج والذرية
والإمامة في الدين
ما زلنا نعيش في رحاب القرآن في صحبة عباد الرحمن واليوم نتناول الصفة الأخيرة من صفاتهم وهي الواردة في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ )الفرقان:74
فعباد الرحمن يدعون الله ويسألونه أن يهب لهم من أزواجهم وذرياتهم ما تقر به أعينهم وتسر به قلوبهم وتنشرح به صدورهم ، وأن يجعلهم أئمة وقدوة للمتقين
وقرة العين معناها: سكونها.
والعين بطبيعتها دائماً تتحرك وتلتفت يميناً وشمالاً تبحث عن الأفضل، لكن حينما تحصل العين على مطلوبها من زوجة صالحة أو من ولد صالح تقر هذه العين، أي: لا تلتفت إلى غيرها من النساء ، ولا إلى أولاد الناس، فلا تكثر هذه العين الحركة، فهم يريدون أن يكون لهم أهل صالحون وأولاد صالحون وتقر عيونهم بهؤلاء الصالحين.
فعين المؤمن تقر بامرأة صالحة ؛ تسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ، وتحفظه إذا غاب ، وتعينه على طاعة الله ، وتحذره من المعصية .
قال تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) البقرة : 201
قال الإمام الشوكاني في تفسيره لهذه الآية: قال: قيل إن حسنة الدنيا هي الزوجة الصالحة، وحسنة الآخرة هي الحور العين.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر:
(ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء ؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته) (رواه أبو داود).
والمرأة أن وعت معنى الطاعة وأدّتها بحقّها فإنها تملك قلب زوجها ، وتكسب ثقته ، ودوام حبّه ، فيقابلها بأضعاف ما أعطته حتى يصير الأمر كأنه هو الذي يطيعها ، ويلبّي رغباتها.
قليل من النساء من يفهم ذلك ، وأقل منهن من تعمل به ، لاشك أن الطاعة تقوّي أواصر المحبة بين الزوجين ، وعندما تحب الزوجة زوجها ستؤدي جميع حقوق زوجها عليها ، وما ذلك إلا صورة عملية وإشعار لزوجها بالحب الذي استقر في قلبها ، لهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ، إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا اقسمت عليها ابرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في عرضها ومالها “.
انها زوجة صالحة ، محبة ، تبتسم لزوجها حينما ينظر إليها فلا تقطيب للحاجبين ، ولا نظرات شزرة بل ابتسامات مفعمة بالحب والبشر .
فالمرأة الصالحة عون للزوج في الدنيا والآخرة
يقول الشاعر:
وزوجة المرء عون يستعين به على الحياة ونور في دياجيها
مسلاة فكرته إن بات في كدرٍ مدّت له تواسه أياديها
في الحزن فرحته تحنو فتجعله ينسى آلاماً قد كان يعافيها
وزوجها يدأب في تحصيل عيشه دأباً ويُجهد منه النفس يشقيها
إن عاد للبيت وجد ثغر زوجته يَفْتُرُ عمّا يسُّر النفس يُشفيها
وزوجُها مَلِكٌ، والبيت مملكةٌ والحب عطر يسري في نواحيها
والمرأة الصالحة ليست كالمرأة التي تقول لزوجها هات وهات ، ألست كفلان وفلان الذي يكتسب كذا وكذا ، ويأتي لزوجته بكذا وكذا …. كل يوم موضات وتقليعات .. ماكياجات وتسريحات وإكسسوارات .. وإزاء كل هذه المعروضات تجد نفسها في مسابقة ومنافسة مع أقرانها في مسايرة كل جديد وما أكثره كل يوم .. فيكون العبء في توفير ذلك على الزوج ... من أين لا يهم .. من حلال أو حرام .. من سحت أو غيره .. لا يهم !! فإذا خرج من البيت كانت قائمة الطلبات الكثيرة أمامه .
فإذا قال لها ومن أين لي ثمن ذلك ؟!
تقول: لا يهمني ! مثل ما فعلوا افعل !! وربما تعيره بفقره وقلة ذات يده فيركب مركب السوء فيهلك .
وفي هذا المعنى قال أحد الشعراء لزوجته:
فأنت التي إن شئتِ أشقيتِ عيشتي وأنتِ التي إن شئت أرحتِ باليا
فأشهد عند الله أني أحبها فهذا لها عندي فما عندها ليا
لقد كانت المرأةُ من نساء السلف الصالح تقول لزوجها إذا خرج لكسبٍ أو تجارة : اتق الله فينا ، إياك وكسبَ الحرام فإنا نصبر على الجوع والعطش ،ولا نصبر على حرِّ النار وغضب الجبار.
فما أحوج المؤمن إلى زوجة تذكره بالله وتوقفه عند حدود الله وهي التي أوصانا
بها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال(ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة مؤمنة صالحة تعينه على آخرته) أخرجه أبو نعيم والحاكم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من سعادة بن آدم ثلاثة، ومن شقوة بن آدم ثلاثة:
من سعادة بن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح.
ومن شقوة بن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء.) رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة من السعادة، المرأة الصالحة، تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة (ذلول سريعة السير)، تلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق.
وثلاثة من الشقاء: المرأة تراها فتسوءك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفاً (بطيئة)، فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق) حسنه الألباني في صحيح الجامع.
الأولاد قرة العين :
الأولاد هم ثمار القلوب، وعماد الظهور، وهم من زينة الحياة الدنيا وبهجتها، بهم تسر النفوس، وتقر العيون قال سبحانه وتعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاة الدُّنْيَا ) الكهف:46
وحب الأبوين لأولادهما حب بالفطرة، والوالدان هما مظهر الحنان والرحمة والشفقة بما أودعه الله فيهما من تلك المعاني، ولولا ذلك ما اهتم الوالدان برعاية أولادهما، ولا بكفالتهم، ولا بالقيام بأمورهم، والسهر من أجلهم.
قال تعالى: ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) الأنفال:28
ومعنى الآية : واعلموا – أيها المؤمنون – أن أموالكم التي استخلفكم الله فيها، وأولادكم الذين وهبهم الله لكم اختبار مـن الله وابتلاء لعباده أيشكـرونه عليها ويطيعونه فيها أو ينشغلون بها عنه ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع وكلكم مسئول، فالإمام راع وهو مسئول، والرجل راع على أهله وهو مسئول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول ) رواه البخارى
والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه , وما هو تحت نظره, ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه, والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته، ومن هنا نفهم أن المسئولية ليست فقط فى الإنفاق ولكن فى غرس القيم والمباديء الإسلامية.
فعلى الأبوين الاهتمام بحسن تنشئة الأولاد، ويسألان الله تعالى بما دعا به عبادُ الرحمن ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) الفرقان:74
ومع الدعاء يجب الأخذ بالأسباب، فيراعَى التوازن في معاملة الأولاد، فلا مبالغة في اللين معهم مبالغة تدفعهم إلى التسيب والفساد، ولا مغالاة في الشدة بما يضرهم في الدين والدنيا، وذلك يحتاج إلى تعاون وثيق بين الأبوين ليقوم كل بدوره.
بعد ذلك يقولون: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )الفرقان:74
فانظروا إخواني إلى الطموح، إنه طموح عظيم، فهم لا يريدون فقط أن يكونوا متقين، بل ولا يريدون أن يكونوا تبعاً للمتقين، وإنما يريدون أن يكونوا أئمة وهداة للناس إلى تقوى الله عز وجل، وهذا هو الطموح الذي يجب أن يتنافس فيه الناس، فالناس عليهم أن يتنافسوا في مثل هذه الأمور، كما قال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )المطففين:26
فهم يريدون أن يكونوا هم قادة الفكر ودعاة الحق في هذا العالم، ويُقتدى بهم في تقواهم وطاعتهم لله عز وجل، أما أن يكونوا تبعاً فهذا طيب، لكن خير لهم أن يكونوا أئمة يُقتدى بهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)
وليس معنى ذلك أنهم يريدون السلطة والكبرياء في الأرض، فهناك فرق بين من يريد أن يكون إماماً في تقوى الله عز وجل وبين من يريد أن يكون صاحب سلطة، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبحث الإنسان عن السلطة، اللهم إلا إذا كانت لمصلحة هذا الدين، وقد قال عليه الصلاة والسلام لـعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه: (يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها).
ولذلك المسلم يجب عليه أن يكون طموحاً لأن يكون قدوة في الخير، أما أن ينافس الناس على المناصب الدنيوية العالية فهذه ليست صفة المؤمن، اللهم إلا إذا كان الأمر كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) يوسف:55
وذلك إذا رأى فساداً في المجتمع، ورأى أنه باستطاعته أن يصلح في أوضاع هذا المجتمع، فيمكن أن يكون طموحاً إلى مثل هذا المركز، لا من أجل أن يتخذه وسيلة لأن يتخذ أمر المسلمين كالوسادة ليحقق مآربه، إلى غير أهله، ولا ليريد أن يطغى من خلال هذا المنصب أو يفرض قوة فوق قوة الله عز وجل كما يعتقد، وإنما يريد فقط أن يصلح في هذا المجتمع، ففي مثل هذه الحال يطلب المنصب.
العلاقة بين الدعاء بصلاح الأزواج والذرية والإمامة في الدين
لو تدبرنا العلاقة بين قوله سبحانه وتعالى ( واجعلنا للمتقين إماما ) وما قبلها يتضح ما يلي :
1 ـ إن صلاح الزوج ( يشمل الزوجين ) والذرية من أهم ما يعين على تحقيق الإمامة إذ يحس بالسكن والطمأنينة مما يعينه على الوصول إليها والقيام بحقوقها .
2 ـ إن من صفات من يكون للمتقين إماما : أن يعني بزوجه وذريته فهم أحق الناس بإمامته ..