شرح الأربعون النووية 2-حديث جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان

تاريخ الإضافة 29 يناير, 2023 الزيارات : 921

 شرح الأربعون النووية 2-حديث جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان

عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أقَال : بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ذَاتَ يَوْمٍ إَذْ طَلَعَ عَلَيْناَ رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثّياب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنا أحَدٌ حَتى جَلَسَ إلَى النبِي فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفيْهِ عَلَى فَخِذِيْهِ وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : ” الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إلَه إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله ، وَتُقِيْمَ الصَّلاَة ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً ” قَالَ: صَدَقْتَ، فَعجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرِنيْ عَنِ الإِيْمَانِ، قَالَ: ” أَنْ تُؤمِنَ بِالله، وَمَلاِئكَتِه، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَومِ الآَخِر ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ” قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ فَأخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: ” أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ” ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ ، قَالَ : ” مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأعلم مِنَ السَّائِلِ ” قَالَ : فَأخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها ، قَالَ : ” أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يتطاولون فِي البُنْيَانِ ” ثْمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثتُ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ : ” يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ ” قُلْتُ اللهُ وَرَسُوله أعلم قَالَ: ” فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلَّمُكُمْ دِيْنَكُمْ “، رواه مسلم

شرح الحديث:

الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يجلس بين أصحابه يوما، وبينما هم جلوس إذ أقبل عليهم رجل شديد بياض الثياب، وعمر بن الخطاب دقيق الملاحظة  يعرف كل جالس من هو، والمدينة في حالة مواجهات عسكرية مع الكثير في قريش وغيرها ، فأي شخص يأتي من سفر بعيد سيبدو عليه من السفر غبرة أو عرق  والملابس صفراء ومتسخة وشعره أشعث لأن شعورهم طويلة فكانوا يلبدونها بالدهن، و مع السفر الطويل الشعور تهيش فيكون المسافر أشعث أغبر، فمن يأتي من سفر طويل ، لا يلتفت إلى هيئته لطول سفره، وشعره لأنه لا يجد ما يسكنه به، هذا الرجل الذي طلع عليهم طلع عليهم في هيئة حضري بكلام بدوي، هيئة حضري يعني واحد مقيم معهم في المدينة، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد منهم، فلو كان رجلا غريبا مسافرا لجاء يلبس ثيابا فيها العرق ويظهر على شعره أنه أشعث ، فعمر يتعجب أنه لا يرى عليه أثر سفر ولا هو من أهل المدينة، وطبعا كون أن سيدنا عمر يقول : (ولا يعرفه أحد منا ) معناه أنهم سألوا بعضهم، و- سبحان الله- العظيم وصف سيدنا عمر يبين لنا القدرة التحليلية للمعلومات عند سيدنا عمر فاستطاع أن يحلل أن هذا الرجل عليه علامة استفهام كبيرة، لأنه ظهر بدون مقدمات وأنه لا يبدو عليه آثار السفر وأنه لا يعرفه أحدا من أهل المدينة.

 جاء الرجل فجلس في مواجهة النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى أنه أسند ركبتيه (هو جبريل) يعني أسند ركبتيه إلى ركبتي النبي- صلى الله عليه وسلم-(فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يده على فخذيه) الضمير هنا عائد على جبريل أم على النبي؟

بعض العلماء قالوا : على جبريل هذه هيئة المتعلم إنه وضع يده هكذا من باب الأدب والإنصات وليتعلم.

 والبعض قال وهذا هو الراجح أنه وضع يده على فخذي النبي من باب التعمية أكثر، إن هذه هيئة أو أسلوب الأعراب.

 فوضع يده على فخذي النبي وفي رواية النسائي (قال: حتى وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم)

والصحابة تعلموا من الهدى الرباني أنهم لما ينادون على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقولون: يا محمد إنما يقولون: يا رسول الله و يا نبي الله .

أما جفاة الأعراب لأنهم يعيشون في الصحراء لم يكن عندهم هذه المدنية بمعنى التأدب والذوق ومناداة الناس بالألقاب، فهو معتاد على الغلظة في التعامل والخشونة، ولذلك في سورة الحجرات قال تعالى : ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ [الحجرات: 4-5]

لأنهم قعدوا يقولون يا محمد اخرج إلينا يا محمد اخرج إلينا، فرب العزة قال : (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا،) الرسول ليس كواحد منكم، فمن باب الأدب والتكريم لرسول الله، لا تنادوه باسمه كما ينادي أحدكم صاحبه.

 فجبريل- عليه السلام- مبالغة في التعمية أو إخفاء شخصيته قال: ( يا محمد أخبرني عن الإسلام ) لأنه لو قال يا رسول الله فمعناه أن أحد الطرفين يعرف الآخر، حتى العلماء قالوا : هل النبي كان يعرف أنه جبريل ؟ بعض العلماء قالوا نعم عرفه حينما جاءه بهذه الهيئة وأدرك ذلك، وبعضهم قالوا: عرفه فيما بعد، جبريل أخبره بأنه هو الذي أتاه، وهذا يبين أن وجود الملائكة في الصورة البشرية لا يجعلنا نشك أبدا أنهم بشر، وهذه قدرة جعلها الله تعالى في الملائكة.

 وسيدنا جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم وصفه أن له ستمائة جناح كل جناح منها سد الأفق ، الآن يأتي في صورة بشرية، هذا خارج نطاق قدرات إدراكنا ، يعني نحن ندرك هذا كله بقدرة الله- عز وجل- ولذلك في سورة مريم لما ظهر لها جبريل في خلوتها قالت: ( إني أعوذ بالرحمن منك) وكان جبريل قد تمثل لها بشرا سويا يعني كامل الهيئة لا تشك أنه بشر، يعني ليس مثل أفلام الخيال العلمي مخلوق بثلاثة عيون وخمسة أيادي، والعيون لامعة مدببة وكبيرة …، بشرا سويا كامل الهيئة والخلقة فلا تشك أنه بشر، ولذلك (قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا)،- سبحان الله-!

ولما جاءت رسل الله جبريل ومن معه من الملائكة إلى سيدنا إبراهيم لم يشك أنهم بشر، فجاء بعجل سمين ذبحه وسوى اللحم وطبخ وقدمه لهم، لم يشك إبراهيم أنهم بشر، وهذا معناه أن الملك إذا تحول إلى الصورة الآدمية لا يشك أحد في هذه الصورة أنه بشر مثله مثل الملائكة ، والملائكة إذا تمثلوا بصورة بشرية لا تراه إلا في أحسن هيئة وفي أحسن صورة ولا يخيفك، فالملائكة لا تخيف المؤمنين ، والجن عندهم هذه القدرة أيضا، لكن الجن المؤمنين يظهرون في صورة حسنة ، أما الشياطين فغالبا ما يظهرون بصورة ، سيئة- سبحان الله-  صورة الكلاب السوداء والحيوانات .

 وكل هذا بقدرة الله- عز وجل- هذا أمر ربما لا نستطيع الإدراك الكامل له، لكن المؤمن يقول: آمنا به كل من عند ربنا، طالما أن القرآن ذكر ذلك وطالما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك نؤمن به.

 إذن فهنا نلاحظ فطنة سيدنا عمر ودقة فهمه وتحليله ، ونلاحظ أيضا تعمية جبريل على الناس، وقدرة الملائكة على التشكل بأشكال حسنة، وهذه إحدى الصور التي كان يأتي بها جبريل إلى النبي ،فقد كان يأتيه مثل صلصلة الجرس وكان يلقي في روعه يعني في قلبه الكلام، وكان يأتي في صورة رجل وأغلب ما كان يأتيه كان يأتيه في صورة صحابي اسمه دحية الكلبي- رضي الله عنه-، وكان حسن الهيئة حسن السمت فكان يأتي بصورته، هذه المرة جاء بهيئة غير معروفة، لكنها هيئة جميلة.

(قال يا محمد أخبرني عن الإسلام، قال الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه)

 يعني المفترض أن السائل، إذا سأل فهو جاهل بالجواب، لكن إذا سأل وصدق بالجواب وعنده معرفة بالإجابة، فهو سأل سؤال العالم وليس سؤال الجاهل، المعلم لما يسألني هو لا يسأل لأنه جاهل، إنما يسأل ليعلم هل أنا أعلم أم لا أعلم.

  فجبريل يسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- والنبي يجيب فيقول له : صدقت سيدنا عمر مركز جدا، (قال فعجبنا له يسأله ويصدقه) يعني ليس أعرابيا وليس جاهلا.

ما الفرق بين الإسلام والإيمان؟

 جبريل قال: أخبرني عن الإسلام ثم قال: أخبرني عن الإيمان ، فما الفرق بينهما؟

الإسلام هو الانقياد الظاهري، بمعنى الاستسلام، من أسلم بمعنى انقاد لله، يعني، أنا أقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، معناه أني صرت مسلما مطيعا لأوامر الله- عز وجل- ، فأنا مسلم عندي دين يأمرني وينهاني، لكن الإسلام متعلق بالجوارح، فالعبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج، كلها عبادات ، لكن ما في القلب هو الإيمان.

والظاهر لنا الإسلام، لأن الإسلام انقياد ظاهري بالجوارح، واحد أعلن إسلامه وفي باطنه الكفر أو منافق، تجري عليه أحكام الإسلام، لنا الظاهر والله يتولى السرائر.

وفي قصة أسامة ابن زيد لما كانوا في معركة وواحد من المشركين قتل عددا من المسلمين، فسيدنا أسامة بارزه، فغلبه حتى علاه بالسيف فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فقتله، وقال للنبي إنما قالها اتقاء السيف، يا رسول الله، فغضب رسول الله غضبا شديدا، وقال له : (وما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاء يحاججك بها أمام الله) أنت لك الظاهر قالها اتقاء رياء نفاق صدقا كذبا ما لك شأن، ليس مهمتك، فالإسلام نطق باللسان، لكن الإيمان عمل قلبي لا يطلع عليه إلا الله.

 وأول ما واحد يدخل الدين بنطق الشهادتين يكون اسمه مسلم، لكن كلمة مؤمن هذه درجة بعد ذلك، ولذلك في آية سورة الحجرات ﴿قالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡ‍ًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ [الحجرات: 14]

(لما ) يقولون عليها أداة تنفي حصول الفعل في الزمن الماضي وإمكان حدوثه في المستقبل، ولما يدخل الإيمان في الماضي لم يدخل الإيمان بعد، لكن، ممكن يحصل فيما بعد، أن الإيمان يدخل في قلوبكم في المستقبل.

فالإسلام انقياد لله، إسلام الوجه لله أنا مسلم يعني أنا متبع لمنهج الله الذي أوحى به إلى نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم.

إذن الركن الأول الشهادتين، ثم (إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، وتصوم رمضان) طبعا لا نحتاج للتفصيل في أركان الإسلام، وإن شاء الله سيأتي حديث (بني الإسلام على خمس)

قال: (وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) فربط الله تعالى القدرة على الحج  بالاستطاعة المادية، والاستطاعة البدنية أنك تقوى على أداء النسك.

(قال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال فأخبرني عن الإيمان، قال إن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال صدقت)

 أركان الإيمان لنا خمس سنوات بفضل الله نشرح فيها الإيمان بالله وملائكته وكل أركان الإيمان موجودة الحمد لله الدروس على اليوتيوب لمن أراد أن يتابع، لكننا سنذكر أمورا مختصرة.

 كلمة الإيمان معناها مطلق التصديق، (وما أنت بمؤمن لنا)، إخوة يوسف قالوا لأبيهم وما أنت بمؤمن لنا يعني أنت لن تصدقنا ولو كنا صادقين، فمعنى الإيمان بالله التصديق بالله، لأن الله بالنسبة لنا غيب، أركان الإيمان كلها إيمان بالغيب، وفي أول البقرة (الذين يؤمنون بالغيب)، ربنا غيب بمعنى ، أننا لم نره آمنا به ولم نره قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ [الملك: 12]،

هل رأيت الله ؟

كلا مستحيل أنك تقدر على رؤيته في الدنيا، لكن -إن شاء الله-  سنراه في الآخرة، فآمنا به جل وعلا وهو غيب بالنسبة لنا، لم نره بحواسنا، لكنا أدركناه من خلال الشرع الذي أوحى الله تعالى به إلى نبيه ومصطفاه- صلى الله عليه وسلم-،

وملائكته: هؤلاء خلق مطهرون خلقهم الله تعالى لطاعته من نور لا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة لا رجال ولا نساء ولا أطفال ولا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون، إنما يسبحون الليل والنهار لا يفترون، لا ينقطعون عن عبادة الله- عز وجل-، والنبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ( أطت السماء وحق لها أن تئط ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم أو ملك راكع أو ملك ساجد، فإذا قامت القيامة قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.)

وكتبه : تؤمن بالكتب المنزلة على الرسل ، وعندنا القرآن كتاب الله- عز وجل- نزل علينا والكتب المنزلة: التوراة على موسى الإنجيل المنزل على عيسى، الزبور المنزل على داوود، صحف إبراهيم التي ذكرها الله في القرآن، ولم يذكر شيء بعد ذلك، يعني هذا ، مجمل ما ذكر.

لكن القرآن معنا موجود في المصاحف، هل رأيت القرآن وهو ينزل من السماء؟ هل رأيت جبريل وهو ينزل بالوحي على رسول الله – صلى الله عليه وسلم-؟

كلا، إذا فتصديقك أن هذا القرآن أو هذا المصحف فيه كلام الله هو من الإيمان بالغيب.

ورسله: تؤمن بجميع الرسل وهناك من رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- ، لكن الإيمان بالرسول غيب، لأن الرسول جاء وقال: أنا رسول رب العالمين، لم يأتنا يقين رأي عين بأن الله قال :هذا رسولي، لكن أدلة مثل المعجزات والآيات والإخبار عن الغيب والمستقبل أمور كثيرة فيدخل في دائرة الإيمان بالغيب، ومثله الأنبياء السابقين نؤمن بجميع الرسل، نؤمن بكل من ذكرهم القرآن إجمالا، الخمسة وعشرون نبيا ورسولا من أول آدم نهاية بسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-.

 واليوم الآخر: يوم القيامة واسمه اليوم الآخر لأنه يوم لا ليل بعده، كل أيام الدنيا فيها نهار وليل نهار وليل، يوم القيامة هو يوم لا ليل بعده، انتهت الدنيا، انتهى الليل، فسمي اليوم الآخر، وهو اليوم الذي يبعث الناس فيه بين يدي رب العالمين فيبعثهم من قبورهم ويسألهم عن أعمالهم، ويجازيهم عليها.

قال: وتؤمن بالقدر خيره وشره: تؤمن أن الله- سبحانه وتعالى- سبق في علمه مقادير الأشياء، وهذا من علمه وحكمته، والبعض لما يحاول أن يفهم موضوع القدر يتعب ولا يفهم ويقول لك: ربنا عارف كل حاجة ويحاسبنا على كل حاجة؟

 نقول لك: الموضوع بسيط جدا لو ضربنا مثال بمعلم الفصل، هذا المعلم يعيش مع الطلبة ما بين ثلاثين لأربعين ساعة أسبوعيا، والدراسة هنا عشرة شهور، لو قيل له قم بوضع درجات للطلبة، هل يستطيع؟

نعم يستطيع، ولو عمل امتحان لن تختلف هذه الدرجات كثيرا، لكن سيأتي طالب حصل على درجة سيئة ليقول له: امتحني، فأنا متفوق ، ومن حصل على تسعين يقول له: امتحني فأنا استحق مئة، فالحل إن المعلم يجري الامتحان، الإجابة موجودة والدرجات مسجلة بعد الإجابة على الأسئلة، ولله المثل الأعلى، الله تعالى هو الذي خلقنا، ويعلم من المؤمن ومن الكافر ، وسبق في علمه من أهل الجنة ومن أهل النار، لكن لو قضى بما سبق في علمه أن هؤلاء هم أهل الجنة فيذهبون إليها، و هؤلاء أهل النار فيذهبون إليها لاحتجوا عليه، وقالوا إنك لا تظلم أحدا مثقال ذرة، فأجرى الله تعالى هذه الدنيا، لجنة اختبار كبيرة ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ [الملك: 2]

عندك الدنيا تسعى فيها وعندك مواد الاختبار ستمتحن فيها، عندك خمس عشرة سنة على الأقل فترة الصبا ربنا عفا عنك، يجري القلم بالحسنات ولا يجري بالسيئات، فكل حسنات الطفل الصغير تكتب له، صام صلى عمل صالحا، يكتب، لكن سيئاته ولا سيئة تكتب حتى يبلغ،  بلغت يجري القلم بالحسنات والسيئات، فأنت تقول يا رب أنا مؤمن، اعمل بعمل أهل الجنة .

ولذلك لما قالوا للنبي – صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله فيم العمل وقد قدر الله كل شيء ففيم العمل قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، وتلا قول الله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ [الليل: 5-10]،

 وربنا- سبحانه وتعالى- لا يعجزه أن يخلقنا مثل الملائكة، الذين لا يعرفون إلا طاعة ربنا، وليس عندهم غرائز، لا شهوة نساء ولا طعام ولا شراب، ولا يشتهي النوم، أو يشتهي السيادة والرياسة ، فهذه الشهوات ركبت فينا وأقدرنا الله على الفعل ،ولذلك من يقول لك الإسلام انتشر بحد السيف نقول لهم لو كان الأمر كذلك لكان أولى به الله، يعني رب العالمين- سبحانه وتعالى- أليس بقادر أن يجبر كل الخلق على أن يعبدوه وحده لا شريك له بلى قادر، فهو لم يفعلها- سبحانه وتعالى-، فتزعمون أن رسول الله فعلها وأن الإسلام انتشر بحد السيف، هذه تهمة كاذبة،- سبحان الله-!

بل الإسلام أول دين في زمانه يطلق الحرية الدينية، الملوك زمان فارس والروم وغيرهم كانوا يقتلون من يخالف دين الملك، الناس على دين ملوكهم هذه حقيقة تاريخية مستمرة، إلى زمان قريب، بل الاختلاف في المذهب بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية، الكنيسة الرومانية والكنيسة المصرية (الأرثوذكس والكاثوليك حاليا ) أدى إلى سفك دماء يقولون ما بين الخمسين إلى السبعين الف لأنهم اختلفوا في طبيعة المسيح فقط ، لم يكفروا بالمسيح هم اختلفوا في طبيعته : الناسوت واللاهوت يعني الجزء البشري والجزء الإلهي .

فالشاهد أن الإسلام جاء ليقول: (لا إكراه في الدين)، (ليس عليك هداهم)، (لست عليهم بمسيطر)، ويعيش في ظل الدولة الإسلامية يهود، ومشركين ونصارى كل هؤلاء كانوا موجودين، وكان لهم حرية العبادة في زمن كان من يخالف الملك في مذهبه فقط وليس في الدين يقتل يسفك دمه.

فرب العزة أعطانا الاختيار وأقدرنا على الفعل والترك، ربنا أعطى عينك القدرة على الإبصار، فترى بها خير وشر حلال وحرام ، سمعك الأذن قادرة على السمع ، لسانك قادر على الكلام، يدك رجلك فكل ما أعطاك الله جعل فيه القدرة على العمل، والحرية في الاختيار، وأرسل لك رسولا، والرسول يوضح المنهج الذي يريده الله من عباده فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر،

والهداية ليست بالوراثة، وأعطانا الله مثال ابن نوح، رسول من أولى العزم وابنه لم يسلم، تخيلوا! واحد خرج من بيت أبوه نبي من أولى العزم الخمسة ويخرج كافر، وفرعون تؤمن زوجته- سبحان الله-!

فلا الهداية تورث ولا الضلال يورث، – سبحان الله- العظيم.

فالله أقدرنا على الفعل والترك حتى يتحقق الاختبار، لو حال الله بيننا وبين القدرة على فعل المعاصي أو فعل الطاعات، فمعنى هذا لا معنى للاختيار.

 هل الإنسان مسير أم مخير؟

 أنت فيما خيرت فيه محاسب وفيما أجبرت عليه غير محاسب، يعني واحد عامدا مدركا أكل وشرب في نهار رمضان، صيامه باطل لأنه أكل وشرب باختياره، أما إذا شرب ناسيا، هل يفطر لا يفطر، الناسي والمخطئ والمكره صيامهم صحيح، لأنه لا إرادة له فيما فعل.

فما خيرت فيه محاسب وفيما أجبرت عليه غير محاسب، أنت مجبر على اسمك، وعلى أبيك وأمك وعلى بلدك وعلى بشرتك وشكلك وجنسك ولونك، ولذلك غير مقبول أن تلوم أحدا على شكله، أو على هيئته أو أن يعير بأمه أو يعير بأبيه، أو بلونه، أو ببلده، أو بطوله أو بقصره …. الخ ، لأنك تعيب على الله الذي خلقه وليس هو، فلم يكن أمره إليه حتى يشكل نفسه، إنما الإنسان يعاتب أو يحاسب إذا قصر.

وإذا وقع الأمر على خلاف ما تحب بوقوع مكروه أو شر تصبر وتحتسب وتقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، (قدر الله وما شاء فعل)

 وهنا الرسول قال: بالقدر خيره وشره، والعلماء قالوا: نؤمن أن الله هو الخالق المقدر لكل شيء خير كان أو شرا، لكن الشر لا ينسب إلى الله تأدبا، من باب الأدب مع الله لا ينسب إليه الشر، كما قال إبراهيم- عليه السلام- ﴿وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ [الشعراء: 80]، لم يقل: (وهو الذي يمرضني فهو يشفيني)، إنما نسب المرض لنفسه رغم أن الذي يمرضك بقدره هو الله- سبحانه وتعالى-، والذي يفعل الخير والشر ويقدرهما جميعا هو الله- سبحانه وتعالى-، فإذا وقعت المصيبة أو وقع البلاء تؤمن به تقول: (قدر الله وما شاء فعل)

وابن القيم ذكر كلاما طيبا في كتاب اسمه (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل) قال وأنقل الكلام بمعناه: إن الشر والخير باعتبار ما ينسبون إليه، يعني ممكن يكون الأمر خير في أصله وشر بالنسبة لما أضيف إليه، مثل المرض عافاكم الله جميعا ، هو شر بالنسبة لك وبالنسبة للطبيب خير، فهذا عمله، وهو خير للصيدلي، وخير لصانع الدواء، فهو شر بالنسبة لما أضيف إليك، وخير بالنسبة ، لما أضيف لغيرك.

ومثل من يكفن الموتى يسمونه الحانوتي، لما ربنا يكرمه بميت يفرح ويقول: جاء لنا رزق!! بالنسبة له رزق، وبالنسبة لأهل الميت مصيبة، وهكذا في أمور كثيرة، ومن هنا قالت العرب مصائب قوم عند قوم فوائد.

نحتج بالقدر في المصائب وليس في المعائب:

قال العلماء: نحتج بالقدر في المصائب وليس في المعائب، من يحتج على الله بقدره في المعائب (أي فعل المعاصي) فهو كاذب على الله، فمن قتل شخصا ويحتج بأن هذا قدره أن يموت على يده فهو كاذب، وكذلك من يسرق، لماذا سرقت؟ فيقول هذا رزقي قدره الله لي في جيوب الناس، فلا يحتج بقدر الله على فعل المعصية، فلا يقل عصيت لأن الله قدر على هذه المعصية، لكن في المصائب تحمد الله وتقول: (قدر الله وما شاء فعل)

ما الفرق بين القضاء والقدر؟

هناك كلام طويل لأهل العلم ، والخلاصة: لو أن قاضيا حكم حكما فهذا قضاء، أن يسجن فلان مثلا سنتين، هذا قضاء، طيب متى ينفذ فيه الحكم؟ إذا نفذ الحكم كان قدرا، ممكن هذا الذي حكم عليه قضاء يعمل استئناف مثلا أو أن تظهر أدلة جديدة في القضية فيعاد التحقيق فيها ، أو يموت، أو الملك ولا الرئيس يصدر له عفوا أو أنه يهرب فلا يستدلون عليه فلا ينفذ فيه الأمر فحصل قضاء لكن لم يقع القدر.

هذا بالنسبة للأمور الدنيوية، أما بالنسبة لله- عز وجل- فقد سبق في علم الله أن فلان سيولد في اليوم الفلاني، إن فلانا سيتزوج بفلانة، إن فلانا سينجب ذكرا أو أنثى أو عددا من الذكور والإناث، فهذا قضاء، قضاه الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-.

ومن يقصر في الأخذ بالأسباب، ويقول ربنا مقدر علي الفشل، هذا كذب على الله، بل الفشل هو نتيجة تقصيرك في الأخذ بالأسباب.

والصحابة رضوان الله عليهم ورسول الله معهم، رب العزة قال لهم: ﴿أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ [آل عمران: 165]

في غزوة أحد لما كان خمسون من الرماة يحمون ظهور المسلمين ، وأوصاهم الرسول ألا يتركوا أماكنهم، فتركوا أماكنهم لما انتهت المعركة والغنائم كثيرة، فقام خالد بن الوليد وكان قائد سلاح الفرسان ومعه 200 فارس فاحتل هذا المكان فطوق المسلمين من الخلف وبقي عشرة من الخمسين فقتلهم، وأمطر المسلمين بالسهام والنبال فكانت مقتلة وانتكاسة كبيرة جدا، فهؤلاء الكرام كان فيهم رسول الله فلما قصروا في الأخذ بالأسباب لم يحاب الله صحابة نبيه وهو فيهم ومعهم، لنتعلم.

وهذا معنى قول العلماء: (نؤمن بالقدر ولا نحتج به)

قال: (صدقت فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)

الإحسان على درجتين:

الأولى: أن تعبد الله كأنك تراه، يقولون عليه مقام المشاهدة، والمقصود هنا أن تستحضر عظمة الله وقرب الله تعالى منك وجلاله وهيبته وعظمته فلما تقف في الصلاة تقف وأنت على يقين أن الله يراك جلا في علاه، وأنك تسمعه ، الحمد لله رب العالمين يقول لك الله : حمدني عبدي… وهكذا.

 الرتبة الثانية في الإحسان فإن لم تكن تراه لم تصل إلى مرحلة المشاهدة فإنه يراك، هنا مرحلة المراقبة، فاستشعر أن الله هو الذي يراني، يراني في صلاتي، يراني في خلوتي، يراني وأنا قادر على فعل المعصية، يراني وأنا أستطيع أن أكذب فلا أكذب، وهذا هو معنى التقوى.

إذن فالدرجة الأولى: الإسلام ثم الثانية الإيمان ثم الدرجة الثالثة الإحسان.

قال: ( فأخبرني عن الساعة) كلمة الساعة هي جزء من الوقت لكن ليس المراد بها ما تعارفنا عليه إن الساعة ستون دقيقة والدقيقة ستون ثانية هذا تعريف حديث، لكن عند العرب الساعة هي جزء من الزمن، ولذلك الآية: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة) يعني أقل جزء من الزمن ، فلا تأخير إذا جاء أجل الله.

وعندنا مثلا حديث ( من اغتسل غسل الجنابة ثم راح يوم الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة،) فليس المقصود إن هي ساعة ستين دقيقة، لأنك لو حسبت من الفجر للجمعة فمعناه إنك ستأتي في الصباح الساعة 6 المسجد وهذا لم ينقل عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم بل هي ساعة يعني جزء من الوقت مما اعتاد الناس ، الذهاب والرواح فيه إلى المساجد، ولم يثبت أن صحابة رسول الله كانوا يصلون الفجرويبقون بالمسجد إلى وقت الجمعة أو كانوا يبكرون جدا جدا يأتون في الصباح الباكر لصلاة الجمعة لم يثبت هذا، إنما هي جزء من الوقت مما اعتاد الناس أن يأتوا فيه إلى الجمعة.

والقيامة اسمها الساعة لأنها الساعة المنتظرة المرتقبة التي تنتهي فيها الدنيا، ويقوم الناس فيها لرب العالمين(يسألك الناس عن الساعة) فصار الاسم علما على هذا اليوم فيقال يوم الساعة وهكذا.

 قال: ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل) يعني أنا وأنت لا ندري، حتى جبريل لا يدري نعم، حتى جبريل لا يدري فوقت الساعة لا يعلمه أحد إلا الله كما قال تعالى: ( لا يجليها لوقتها إلا هو) – سبحانه وتعالى-، يظهرها وقت ما شاء.

 قال: (فأخبرني عن أماراتها) جمع أمارة وهي العلامة، علامة الشيء أمارته يعني علامته.

 قال: (أن تلد الأمة ربها أو ربتها) على اختلاف النطق في الروايتين، (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة، يتطاولون في البنيان)

 هنا ذكر النبي علامتين من علامات الساعة:

 العلامة الأولى: أن تلد الأمة ربها: الأمة هي المملوكة، الذكر يقال له عبد، ويقابله في النساء الأمة، فهي المرأة المملوكة لسيد،

ومعنى ربها: سيدها، يقال: رب البيت معناها السيد المالك المتصرف المسئول ، وعبد المطلب قال: أما الإبل فأنا ربها وأما البيت فللبيت رب يحميه، ولذلك ليس من الحرمة استعمال لفظ الرب في الكلام لأنه من الألفاظ المشتركة.

والمعنى: أن العرب كانوا يستنكفون أن يتزوج السيد الشريف من الأمة، بل يتزوج حرة شريفة مثله، أما الأمة فتتزوج عبدا مثلها، جاء الإسلام وجعل من وسائل تحرير العبيد والإماء أن تعامل الأمة المملوكة معاملة الزوجة فإذا أنجب منها صارت اسمها أم ولد، أم ولد هنا ليس معناه ذكر فقط ؛ إنما تشمل ذكر أو أنثى فصارت بمنزلة الزوجة.

بعد الفتوحات الإسلامية وهذا كان عرف في القانون الدولي وقتها ، أن السبايا غالبا من النساء والأطفال يباعون بيع العبيد، فبدلا من معاملة هؤلاء معاملة العبيد كان الرجل يعامل الأمة معاملة الزوجة، فيطؤها أو يجامعها وتحمل منه ، وتكون أم ولد عنده، فوصل الأمر إلى أن في ملوك أو خلفاء أو أمراء أمهاتهم في الأصل إماء، فولي العهد سيتولى الخلافة أو سيتولى الإمارة فيما بعد وهو ابنها، فولدت الأمة ربها، يعني هي في الأصل كانت أمة، الحرلا يتزوج أمة، الإسلام قال لك لا، تزوجها وعاملها معاملة الزوجة، يسمونها ملك اليمين، هذا الرجل هو الخليفة، أو هو الأمير، أنجب منها أولادا، هم أولادها، في يوم من الأيام هذا الولد صار هو الأمير، صار هو الملك، فصار ربها ، فهذا إشارة إلى انتشار الإسلام، وأن العرب ستتنازل عن الشرط الذي كانوا يجعلونه في الزواج وهو أن الحر يتزوج بالحرة والحرة تتزوج بالحر، فالإسلام قال لك تعامل الأمة معاملة حسنة وتسمى ملك اليمين … إلى آخره، وطبعا هذا الكلام حصل بعد زمن من وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم- وهذا من الإخبار عن الغيب.

العلامة الثانية: أن ترى الحفاة العراة، حفاة يعني ليس في أقدامهم نعال، وعراة : مبالغة في التعبير عن الفقر، يعني لما واحد يكون بالكاد عليه شيء يستر عورته المغلظة، فتقول عليه عاري، رعاة الشاة أو رعاء الشاء بالهمزة كلاهما صحيح.

 رعاة جمع راع، والشاة جمع شاة، وهي واحدة الضأن، واحدة الضأن.

البدو الرحل الذين كانوا يرحلون خلف الماء والكلأ والعشب، الرسول أخبر أن هؤلاء الأعراب الذين هم شديدو الفقر، ضعيفو الحال سيعملون بنايات ضخمة، ويتطاولون في البنيان، وهذا حصل فعلا بعد البترول، فصار هؤلاء الذين كانوا يعيشون بدوا رحلا في الصحراء من ملاك البنايات الضخمة أصحاب الثروات الكبيرة هذا أمر مشاهد الآن.

سؤال : وهل يحرم أن نبني بنايات كبيرة؟

 كلا، الرسول قال: يتطاولون في البنيان يعني أن هذا من علامات الساعة أن يكون التفاخر والتعالي في البنيان، إنما البنيان نفسه ليس حرام، والرسول بنى الحجرات وبنى المسجد، والصحابة بنوا بيوتهم فهذا ليس حرام، والبنايات الضخمة ليست حرام، بل صارت من ضروريات الحياة خاصة في المناطق الحيوية والمدن الكبرى والسياحية.

 وليس كل علامة من علامات الساعة ذكرها الرسول حرام، يعني الرسول ذكر من علامات الساعة فشو التجارة، أي انتشارها، هل معنى هذا أن التجارة حرام؟ كلا، إنما ذكرها النبي- صلى الله عليه وسلم- كعلامة من علامات الساعة.

 ليس معنى أن الرسول ذكر علامات وتحققت أن القيامة ستقوم الأسبوع القادم، إنما معناه قرب الوقوع – صلى الله عليه وسلم- وأخبر عن علاماتها حتى نعلم أنها حق، وأنها ستقع.

نختم الحديث:(ثم انطلق فلبث مليا) انطلق هذا السائل لم يكن الصحابة يدرون شيئا عنه، (فلبث مليا) في رواية : ثلاثة أيام.

ثم قال لي الرسول- صلى الله عليه وسلم- : (يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت الله ورسوله أعلم )

حين تقول هذه الكلمة تقولها في الأمور الشرعية، الله ورسوله أعلم في الأمور الشرعية، لكن في أمور الدنيا الله أعلم فقط لأن الرسول لا يعلم الغيب إلا إذا أطلعه الله عليه، الله وحده هو الذي يعلم.

 قال: (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) جبريل جاء يعلمكم الدين بهذه الأسئلة الواضحة الجامعة، علمهم ما هو الإسلام وما هو الإيمان وما هو الإحسان وهذا من ضمن أساليب التعليم السؤال والجواب، لأن السؤال يستثير فيك ملكة حب المعرفة، ثم تسمع الإجابة.

فوائد هذا الحديث:

 1-  هذا الحديث يُطلَق عليه أُمُّ السُّنَّة؛ لاشتماله على جميع مراتب الدين، وهو من الأحاديث التي عليها مدار الدين.

2- دقة الملاحظة والفطنة عند سيدنا عمر بن الخطاب.

3-  أن الملائكة أعطاها الله القدرة على التشكل، وإن الملائكة تتشكل بصورة حسنة.

4- مفتاح العلم السؤال.

5- تواضع النبي بجلوسه بين أصحابه وتركه لهذا الرجل بأن يضع يده على فخذه .

6- معرفة ما هو الإسلام والإيمان والإحسان.

7- الإحسان من مراتب الدين وهو أخص من الإيمان والإسلام

8- من أخطأ “لا أدري” أصيبت مقاتله: فينبغي لمن سئل عن شيء لا يعلمه، أن يقول: لا أعلم، أو: لا أدري، ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته, بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه وتقواه

9- – لا يعلم متى الساعة إلا الله عز وجل.

10- أن الساعة لها علامات وقعت وأخرى ستقع وفيها دلالة على صدق الرسول – صلى الله عليه وسلم-.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1034 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع