وقفات إيمانية مع مرض السرطان
يوافق هذا الأسبوع وبالتحديد يوم 4 فبراير من كل عام اليوم العالمي للسرطان، و تهدف منظمة الصحة العالمية إلى جلب انتباه الناس على نطاق واسع إلى السرطان بوصفه أحد أكبر المشكلات الصحية في العالم. ويُعد السرطان من أهمّ مسبّبات الوفاة على الصعيد العالمي.
أولا /مقدمة عن مرض السرطان
ما هو السرطان ؟
أول من أطلق كلمة السرطان كاسم لهذا المرض هو “أبو قراط” أبو الطب في القرن الخامس الميلادي ، وذلك للتشابه الكبير بين هذا المرض والحيوان البحري المعروف علمياً باسم السرطان.
فالمرض كهذا الحيوان يطبق على فريسته في أي موضع من جسمها ثم يمد أطرافه المتعددة في جميع الاتجاهات.
ما هو تعريف مرض السرطان ؟
السرطان(CANCER ) هو ورم خبيث ينشأ عن نمو احدى خلايا الجسم نمواً غير عادي وهو خاضع لقوانين التغذية والنمو العادي في جسم الإنسان وليس لهذا النمو نهاية .
وبشكل عام يطلق هذا المصطلح على عدد من الأمراض تزيد 250 نوعاً نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : سرطان الثدي والبروستاتا والقولون والمستقيم والمثانة والمبيض والرحم والمعدة والكبد والقناة الهضمية والدم.
ما هي أسباب السرطان ؟
إن السبب الحقيقي وراء السرطان ما يزال مدار بحث بين العلماء ، لكنهم توصلوا إلى بعض المسببات التي تؤدي إلى السرطان ومنها :
– انه ليس مرضاً قاتلاً ، فالإنسان لا يموت من السرطان انما يموت من مضاعفات المرض حين يتأخر التشخيص الذي عادة ما يكون نتيجة تراخي المريض أو إهماله من العرض على الطبيب مما يعكس أهمية الاكتشاف المبكر للحصول على العلاج الشافي.
– إن أي إنسان معرض للإصابة بالسرطان ، بمعنى أنه لا يوجد إنسان لديه مناعة ضد الاصابة عوضاً عن أنه ليس هناك لقاحات واقية من المرض . وتشير الإحصائيات إلى أنه يتم اكتشاف ما يقارب 2 مليون حالة جديدة مصابة بالسرطان سنوياً في العالم.
ثانيا /وقفات إيمانية
الوقفة الأولى ضعف الإنسان امام قدرة الله :
هذا الإنسان الذي بلغ ما بلغ من العلم والحضارة والتكنولوجيا ولم يترك مجالا من مجالات المعرفة ‘إلا اقتحمه ؛ هذا الإنسان يقف عاجزا أمام قدرة الله عز وجل ، وقد وصف الله الأنسان بأنه خلق ضعيفًا، يقول تعالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ النساء 28
لا إله إلا الله ،يجب أن يدرك الإنسان حقيقة حجمه في هذا الكون؛ لقد اغتر الإنسان في هذا العصر بما عنده من العلم والقدرة، وظن أن لن يقدر عليه أحد، وتوهم أنه سيطر على الأرض وامتلك مقاليدها … غره علمه، وغرته قوته، وغرته سطوته … فأراد الله أن يعلمه الدرس وأن يبصره بحقيقته ؛ فهو لا يستطيع أن يقاوم أصغر الفيروسات..ليكشف حجم ضعفه أمام ميكروب لا يكاد يرى بالعين.
وكل مظهر من مظاهر مقاومته لهذه الأشياء فهو بفضل وإعانة من الله عز وجل، ولو تركه لضعفه ما قاوم مرضًا من الأمراض ، يتمثل فينا قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ الأعراف: 88 .
فالمرض على سبيل المثال يحمل رسالة تقول لكل منا:أنت ضعيف لم تستطع مقاومتي.
أنت عاجز لا تستطيع شفاء نفسك ودفع الضر عنها.
أنت جاهل لم تعرف أنك ستمرض في هذا الوقت.
أنت فقير إلى الله في دفع هذا المرض، ودوام حفظ عافيتك.
سبحان الله (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) الانفطار6
الوقفة الثانية / نعمة الألم
إن أخطر ما في مرض السرطان أن المريض لا يشعر بآلام المرض في بدايته إنما يشعر به عندما يبدأ المرض يفتك بالعضو المصاب ، وهذا يشعرنا بنعمة الألم …. نعم الألم الذي يهّد قوانا …ويبكينا…فيجعلنا نصرخ…ونتأوه.. ،فالألم وإن كان شيئا بغيضا نكرهه جميعا إلا انه نعمة من الله لأنه ينبهنا لنذهب مسرعين إلى الطبيب لمعرفة سبب ذلك الألم ، وكيفية علاجه ،فالألم نعمة .
الوقفة الثالثة / السرطان هل هو ابتلاء أم عقاب ؟
السرطان له أسباب منها ما هو قدري ومنها ما هو بسبب فساد الإنسان ومعصيته لله ،فالسرطان كابتلاء ربما يصيب إنسان من العلماء والصالحين وأهل الفضل فيصيبهم بقدر الله لزيادة درجتهم عند الله وليكون مثلا لعباده في الصبر على البلاء ويكتب لهم الأجر في الدنيا والفوز في الآخرة ،فليس كل ابتلاء بالمرض عقاب من الله ، يقول الله سبحانه وتعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) الآية 155 سورة البقرة .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: ” الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صُلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة “. رواه الترمذي
والكثير للأسف لما يصاب بالمرض يتساءل يا ربي ما كان ذنبي حتى فعلت بي هذا؟ ولهؤلاء أقول وهل هناك أكرم على الله من الأنبياء فقد ابتلاهم الله بالمرض وذكر لنا القرآن نبي الله أيوب، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فلقد ابتلى الله أيوب بماله وولده وبدنه: فقد المال كله! مات جميع أبنائه جملة واحدة! ابتلاه الله في جسده بمرض أقعده في الأرض وألزمه الفراش؛ فصبر، وامتلأ قلبه بالحب لله والرضا عن الله …….
ولما قالت له زوجته الصابرة الوفية: ادع الله أن يفرج كربك، فقال نبي الله أيوب: لقد عشت سبعين سنة وأنا صحيح، ولله عليَّ أن أصبر له سبعين سنة وأنا سقيم،!
وفي حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن نبي الله أيوب مكث في بلائه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من خواص أصحابه كانا يغدوان عليه ويروحان، فقال أحدهما للآخر في يوم من الأيام: والله إن أيوب قد أذنب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: مرض ثماني عشرة سنة ولم يرحمه الله!… ) إلى آخر الحديث رواه الحاكم في مستدركه وصححه على شرط الشيخين
فلما سمع أيوب بذلك خشي الفتنة، فلجأ إلى الله تعالى بهذا الدعاء الحنون، الذي سجله الله في قرآنه فقال جل وعلا: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83] فأجاب الله دعاءه: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:84]
ماذا حدث ؟ أمر الله جل وعلا نبيه أيوب أن يضرب الأرض من تحت قدميه “ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ “[ص:42] ، فضرب أيوب المريض المسكين الأرض ضربة هينة بقدمه, ففجر الله له عيناً من الماء، وأمر الله أيوب أن يشرب فشرب أيوب من الماء فشفاه الله من جميع أمراضه الباطنة، وأمره أن يغتسل فاغتسل، فشفاه الله من جميع أمراضه الظاهرة.
الشاهد قول أحد صاحبيه ” والله إن أيوب قد أذنب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين” وهذا غير صحيح غنما جعل الله ابتلاء أيوب مثالا في الرضا بقضاء الله والصبر على البلاء .
وهذا رسولنا وقدوتنا خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم ابتلي بالحمى، وانتفض جسد الحبيب من شدة حرارتها، ودخل عليه ابن مسعود فقال: (إني أراك توعك وعكاً شديداً يا رسول الله!
فقال صلى الله عليه وسلم: أجل يا عبد الله إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم) فقال ابن مسعود : ذلك بأن لك لأجرين يا رسول الله؟
قال: (أجل، فما من مسلم يصيبه أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها) الصحيحين
وقال أيضا : (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، رواه البخاري
وفي الحديث الآخر: (ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما له خطيئة)
متى يكون الابتلاء عقابا من الله ؟
وقد يكون سبب السرطان تفريط الإنسان في صحته كما في سرطان الرئة وهو أخطر أنواع السرطان وسببه الأساسي التدخين أو شرب الكحول ، أو سرطان الرحم في النساء وسببه تعدُّد الرجال على المرأة، أي الزنا والعياذ بالله .
يقول الأطباء :إن الأشخاص الذين يشربون المشروبات الكحولية يصابون بالسرطان أكثر من الذين لا يشربونها مع أنه من الصعب تحديد التأثير الدقيق للكحول لأسباب عديدة. أولها أن الأشخاص الذين يتناولونها غالبا ما يكونوا من مدخني السجائر. وهكذا، فإنه عندما يظهر السرطان، لا يعود باستطاعتنا الجزم فيما إذا كان بسبب الكحول أو السجائر. وتدخين السجائر مسؤول عن 90% على الأقل من حالات الإصابة بسرطان الرئة الذي يسبب عددا أكبر من الوفيات بين الرجال مما يسببه أي نوع آخر من أنواع السرطان.
والتدخين لا سيما تدخين الغليون، هو عامل معترف به من عوامل الإصابة بسرطان اللثة واللسان وسطح الفم, أيضاً له علاقة بسرطانات أخرى مثل سرطان المثانة ، سرطان المريء وسرطان الحنجرة..
و تزداد نسبة الإصابة بسرطان الرئة مع زيادة عدد السجائر فمن يدخن 25 سيجاره في اليوم تزداد نسبة إصابته بالسرطان إلى 25-30 مرة مقارنة بغير المدخنين.
ومن المشجع أن توقف المدخن عن التدخين قبل فوات الأوان يقلل خطر الإصابة بسرطان الرئة تدريجياً حتى يصل بعد عدد من سنوات التوقف إلى نسبة مقاربة لمن هم لم يدخنوا من قبل.
فتأتي الإصابة بالسرطان نتيجة للتفريط في أوامر الله بشرب الحرام أو الوقوع في الزنا كما في المثل (زرعت الشوك فاجنى الجراح) فما حرم الله شيئا إلا وفيه الخبث.
إحصائيات:
-التدخين يسبب 30 % من وفيات السرطان
-نوع الغذاء يسبب 30% من وفيات السرطان
-مصادر مرتبطة بالعمل 4%
-المسكرات (الكحول ) 3%
-الأشعة فوق البنفسجية 1%
-التلوث البيئي 1%
الوقفة الرابعة / هل من مات بسبب السرطان يعد شهيدا ؟
الموت بمرض السرطان شهادة لأن مريض السرطان مثل مريض الطاعون والبطن والسل، وهذه الامراض ورد فيها نص عن رسول الله، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تعدون الشهيد فيكم قالوا يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال إن شهداء أمتي إذاً لقليل قالوا فمن هم يا رسول الله قال من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهو شهيد ومن مات في البطن فهو شهيد. رواه مسلم.
والمتتبع لأصناف الميتات المذكورة في الأحاديث يجد أن فيها شدة، ويكون فيها المشرف على الموت حاضر العقل واعياً، متحسساً لآلامها، فبذلك يكون شهيداً على نفسه يوم أن يلقى الله تعالى، وكل ذلك زيادة لأجورهم وتكفيراً لذنوبهم، فيبلغوا مراتب الشهداء التي أعلاها القتل في سبيل الله.
وسبب إطلاق لفظ الشهادة على هذه الميتات، ما فيها من شدة الألم، فتفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل لها تمحيصا لذنوبها، وزيادة في أجورهم، حتى يبلغهم بها مراتب الشهداء.
وقد وضع بعض العلماء ضابطاً للشهيد فقال: “كل من مات في عِلَّةٍ مُؤْلمةٍ متماديةٍ، أو مرضٍ هائلٍ، أو بلاء مفاجئٍ، فله أجر الشهيد، فمن النوع الأول: المَبْطُون، ومن النوع الثاني: المَطْعُون، ومن الثالث: الغريق”.
ومرض السرطان بما ينتج عنه من آلام شديدة، يظل يعاني منها المصاب به مدة طويلة، إما أن يكون داخل في الأمراض السابقة بالنص، من خلال ما فسرت بها هذه الأمراض، أو بالمعنى لتحقق العلة التي ذكرها العلماء، بجعل هذه الأمراض موصلة للشهادة، وفضل الله واسع .
ولكن من شروط نوال أجر الشهادة الصبر على المرض، واحتساب العبد آلامه ومرضه عند الله تعالى، وأن لا يكون ذلك المرض بسبب تناوله الدخان أو المخدرات أو الخمور ، وغيرها من المحرمات ، إلا أن يكون قد تاب من ذلك توبة نصوحاً ، وامتنع عن تناول تلك المحرمات.
وهذا الشرط عام في كل من ذُكر في الحديث ، فالحامل من زنا وتموت في الطلق ليست من الشهداء ، والغريق إذا ركب البحر لمعصية أو فجور ومات غرقاً ليس من الشهداء ، وهكذا من تهدم عليه حائط وهو يزني أو يشرب الخمر لا يكون من الشهداء
فمن ابتلي بمرض السرطان فصبر وحمد الله على حاله ثم مات بسببه نال أجر الشهادة بإذن الله تعالى، فهذا المرض من أشهر الأمراض الفتاكة التي تؤدي إلى الوفاة في كثير من الأحيان، ولا يملك الإنسان لها شفاء حتى اليوم، فمن أصيب به فلا ينزعج ولا يضيق صدره، بل يبذل أسباب العلاج، ويُسلم الأمر لله تعالى راضياً بقضائه، يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، وأن الله كتب له أن يصطفيه مع الشهداء إذا صبر واسترجع.
الوقفة الخامسة /رسالة إلى المريض :
أخي الحبيب أيها المبتلى الصابر فضل الله جل وعلا عليك عظيم!
أبشر فإن المرض يكفر السيئات ويمحو الذنوب ، والابتلاء بالمرض فيه فائدة عظيمة للمؤمن، وخصوصاً المقصرين الغافلين ليستعدوا ويتزودوا للدار الآخرة بالأعمال الصالحة والتوبة النصوح، والتخلص من الآثام والاستعداد للقاء الله -عز وجل- فلقاء الله بعد هذا الابتلاء أفضل من أن يموت العبد وهو غافل بدون أي سابق إنذار ولم يتخلص من الآثام ، وأذكر لك بعض الأحاديث :
1 – عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من يرد الله به خيرا يصب منه ” رواه البخاري ومسلم
2 – ورويا عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ” ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه “
ـ نصب: تعب
ـ وَصَب: وجع أو مرض، وقيل: هو الوجع اللازم، ومنه قوله تعالى:
{ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } الصافات:9 ، أي: لازم
ـ الهم: يكون على مكروه يتوقع في المستقبل يهتم به القلب
ـ الحزن: على مكروه ماض من فوت محبوب أو حصول مكروه إذا تذكره أحدث له حزناً.
3 – روى مسلم عن صهيب بن سنان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير – وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن – إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ” .
و يا من ابتليتم بالأمراض المزمنة يا من تأخذ الدواء كل يوم أو تغسل كليتيك كل اسبوع أو عندك نقص في احد حواسك احتسب ذلك كله عند الله فهذا جزاؤه الجنة وما أغلاه من ثمن وما أعظمها من بشرى !!
عن عطاء بن رباح عن ابن عباس قال : ألا أريك امرأة من أهل الجنة فقلت : بلى ، فقال هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله تعالى لي .
فقال : ” إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك ؟ ” فقالت : أصبر ، ثم قالت ، إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف ، فدعا لها . رواه البخاري ومسلم
وإياك أخي الحبيب أن يتسرب إلى نفسك شك أو يأس وقنوط بل أبشر دائما برضوان الله وفضله عليك ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم من حديث صهيب الرومي
وأذكرك أخي المبتلى الصابر أنه كلما اشتد الألم زاد الله لك في الأجر وارتفعت درجتك عند الله فلا تدع على نفسك أو تيأس من حياتك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يتمنين أحدكم الموت لضر وقع به، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحييني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) .
وأختم لكم هذه الرسالة بهذه الكلمات لـشداد بن أوس -رضي الله عنه- إذ يقول: (أيها الناس لا تتهموا الله في قضائه، فإنه لا يظلم أحداً، فإذا أنزل الله بك خيراً تحبه فاحمد الله على العافية، وإذا أنزل بك شيئاً تكرهه فاصبر واحتسب، فإن الله عنده حسن الثواب).
الوقفة السادسة / رسالة إلى أهل العافية من البلاء :
أذكر نفسي وإياكم جميعاً، وأقول: اسجدوا لله شكراً على العافية بعد الإسلام، فإن الصحة تاج يتلألأ على رءوس الأصحاء لا يراه ولا يعرف قدره إلا المرضى! يا مَن مَنَّ الله عليك بالعافية بعد الإسلام! اسجد لربك شكراً على هذه النعمة، واعلم بأن نعم الله عليك بالعافية بعد الإيمان لا تعد ولا تحصى ” وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ “[إبراهيم:34]
يا من تستغل العافية -وهي نعمة من نعم الله- في معصيته أما تستحي!
يا من استخدمت بصرك لتتبع العورات والحرام أما تستحي! تذكر من فقد بصره! يا من استخدمت سمعك في سماع الحرام أما تستحي! تذكر من فقد سمعه!
يا من استخدمت يدك للبطش والظلم أما تستحي! تذكر من فقد يده!
يا من استخدمت قدمك للسعي في معصية الله أما تستحي! تذكر من ألزمه المرض الفراش!
يا من استخدمت منصبك وكرسيك الذي جلست عليه لظلم العباد، وللتسفيه والتحقير لخلق الله أما تستحي!
تذكر ضعفك وفقرك وعجزك، فأنت مسكين وضعيف، ولولا أن الله -عز وجل- قد أطلق البدن للزمت الأرض وللزمت الفراش، فإياك أن يغرك منصبك
وهناك من الناس من يظن أن الرزق هو المال، وينسى نعمة العافية، ونعمة الصحة، ونعمة الإسلام قبل ذلك.
وفي الحديث ان رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :“من أصبحَ معافًى في بدنِه آمنًا في سِربِه عندَه قوتُ يومِه فَكأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا بحذافيرِها”رواه البخاري في “الأدب المفرد” وحسنه الألباني
” قوله ( آمناً ) أي : غير خائف من عدو.
(في سِربه ) في أهله وعياله .
(معافى ) صحيحاً سالماً من العلل والأسقام.
( فكأنما حيزت ) فكأنما أعطي الدنيا بأسرها
ومعنى الحديث : من جمع الله له بين عافية بدنه ، وأمن قلبه حيث توجه ، وكفاف عيشه بقوت يومه ، وسلامة أهله ، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها ، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها ، بأن يصرفها في طاعة المنعم ، لا في معصية ، ولا يفتر عن ذكره .
الوقفة الأخيرة / الدعاء للمرضى وزيارتهم واجب على أهل العافية
ومن رسالتي لأهل العافية: لا تبخلوا على إخوانكم المرضى بالزيارة والدعاء، فحق المرضى علينا: الزيارة، كما في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس) الصحيحين
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يقول الله تعالى يوم القيامة: عبدي! مرضت فلم تعدني!
فيقول العبد: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!
فيقول الله جل وعلا: لقد مرض عبدي فلان، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟!…الخ الحديث) رواه مسلم
فمن حق المرضى علينا -نحن أهل العافية- أن نزورهم، وأن ندخل عليهم السعادة والبسمة والسرور، وأن ننفس لهم في الأجل، وأن نكثر لهم من الدعاء.