القلق الأسباب والعلاج (2)الخوف من المستقبل

تاريخ الإضافة 13 يناير, 2023 الزيارات : 7498

القلق الأسباب والعلاج (2)الخوف من المستقبل

ما هو المستقبل ؟

هو اللحظة القادمة وما بعدها ، والمستقبل كله لا يعلمه إلا الله لأنه بالنسبة لنا غيب قال تعالى (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا )لقمان 34 أي ما يدري أحد ماذا يحدث له في غد، وماذا يفعل من خير أو شر.

 لماذا الخوف من المستقبل ؟

1- الاستجابة لهواجس الشيطان :

الهَاجِسُ : الخاطر ، والجمع : هَواجِسُ ، وهي ما يلقيه الشيطان على فكرك من شرور ومخاوف ، لأن الشيطان يدخل على المسلم بالهواجس ؛ ليكون فاقد الصلة بالله ، سيء الظن بربه بكثرة الشكوك والظنون والأوهام كما قال تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا و الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) البقرة

2- الاستجابة للافتراضات الوهمية :

كثير من الناس يعانون من حالة الخوف الدائم من المستقبل، ويعيشون كوابيس مصدرها “ماذا لو”، فالمسلم على يقين أن الله لا يبتلي أحدا إلا أنزل به رحمة ولطفا، و سوف نجد أن بعض أحداث حياتنا الصعبة لو كنا علمناها قبلها لظن الواحد منا أنه لن يحيا بعدها يوما واحدا ، فلا نشغل أنفسنا بما لا علم لنا به .

3- الجهل بسنن الله في هذه الدنيا :

الدنيا دار ابتلاء ؛ وكل إنسان معرَّض في هذه الحياة الدنيا للابتلاء قال تعالى (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه) و (لقد خلقنا الإنسان في كبد) أي في مكابدة ومعاناة منذ يولد الإنسان

أيضا “ما كل ما يتمناه المرء يدركه” والحياة فيها مفاجآت كثيرة، يفقد عزيزاً يصاب بشيء كثير لديه، يفقد مالاً، يفقد أهلاً، يفارق وطناً، طبيعة الحياة الدنيا كطبيعة الإنسان أيضاً، هي بالبلاء محفوفة وبالكَدَرِ موصوفة.

كما قال الشاعر أبو الحسن التهامي:

جبلت على كدر وأنت تريدها         صفواً من الآلام والأكدار
ومكلِّف الأيام ضد طباعهـا          متطلب في الماء جذوة نار

4- النظر دائما إلى نصف الكوب الفارغ :

الكثير منا يصر على أن ينظر إلى النصف الفارغ من الكوب ولا ينظر إلى النصف المملوء من الكوب .

والكثير من الناس يقع تحت سيطرة نقاط ضعفه ، وبتركيزه النظر إليها تجعلها تحبطه وتقلل من عزيمته وتجعله يردد أنا لا أستطيع أن أنجح ، ولا أستطيع أن أحقق، أو أنجز، لأني لا أملك كذا وليس عندي كذا ولا يتوفر لدى كذا، عليك أن تقاوم أي نقص أو عجز، قاوم في نفسك أي قيد قد ينمى لديك شعورا باليأس.

انظر إلى النصف المملوء من الكوب ، وانظر في نفسك واعلم أن الله سبحانه وتعالى حباك بنعم عظيمة ومزايا كثيرة أنت متفرد بها عن غيرك عليك أن تحددها أو تنظر إليها وتنميها وتقويها ، لا تنسى أن اللحظات الصعبة لا تزيدك إلا قوة ، والإنسان لا يرى عظم نعمة ربه عليه إلا عندما يحرم منها، وهكذا تزيدك الأزمات قوة في الإيمان وتقديرا لنعمة ربك عليك فلا تنظر لها من نصف الكوب الفارغ ولكن انظر للنصف المملوء!!!

العلاج

1- تقوية الإيمان بالله :

من أهم وسائل العلاج تقوية إيمان المسلم بربه، لأن الإيمان حصن منيع يحجز طوفان هذه المشكلة من العبور إلى نفس الإنسان، فلا تستطيع بواعث القلق أن تتسلقه أو تخترقه، وإذا حدثت شقوق في هذا الحصن أمكن السيطرة عليها وعلاجها.

وكيف يستبد به القلق، ولماذا يقلق أساساً من يعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما كتب له لن يذهب لغيره، وما لم يكتب له لن يحصل عليه بقوته.

المستقبل بيد الله وهو خالق هذا الكون وعالم بأسراره ومدبّر أموره، فهو الضامن للحياة والأرزاق والأمن وجميع مقومات الحياة.

2- عدم الاستجابة لهواجس الشيطان :

أفضل علاج للهواجس عدم الاسترسال معها ومجاهدتها ، والإعراض عنها ؛ فلا يجعلها المسلم شغله الشاغل لأنه إن تمادى بها تمكن الشيطان منه فإذا دافعه وجاهده زال عنه بإذن الله ، فالشيطان ضعيف وكيده ضعيف قال تعالى: «إنّ كيد الشيطان كان ضعيفا» وأما من أصغى للهواجس فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين ،واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يُخرجه من الإسلام ، وهو لا يشعر قال تعالى : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) فاطر / 6 .

وقال العز بن عبد السلام: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني ، وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأنه يقاتله ، فيكون له ثواب المجاهد ؛ لأنه يحارب عدو الله ، فإذا استشعر ذلك فر عنه .

3- التقرب إلى الله بالعمل الصالح :

قال الله تعالى:   {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} النحل (97)

الحرص على الانتفاع بثمار العبادات المختلفة، والمداومة على الأذكار الشرعية المأثورة من الكتاب والسنة، لأن المشاعر النفسية لا تتحكم إلا في القلب الفارغ مما ينفع، ومما لا ريب فيه أن قراءة القرآن الكريم من أفضل العبادات وهو وقاية وشفاء للأنفس والأبدان، من كل الأمراض، قال المولى عز وجل: “قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء” سورة فصلت آية 44.

وكذلك الأذكار التي يحسن بالمسلم أن يتعاهدها، وان يشغل نفسه بها، والذكر سبب من أسباب طمأنينة القلب، حيث قال سبحانه وتعالى: “الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ” سورة الرعد آية 28.

4- الإيمان بالقضاء والقدر :

ثم إن الأحداث التي يتخيلها الواحد منا هي خيال محض ، فلا تقتنع بما تتخيله فهو مجرد أفكار لن تبرح ذهنك وردد ما قاله النبي لابن عباس : (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك.) ‌

وقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)، هو توجيه إلى الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، فقوله: (واعلم أن ما أخطأك) أي من المقادير فلم يصل إليك، (لم يكن) مقدراً عليك (ليصيبك)؛ لأنه بان بكونه أخطأك أنه مقدر على غيرك، (وما أصابك) منها (لم يكن) مقدراً على غيرك (ليخطئك)، وإنما هو مقدر عليك؛ إذ لا يصيب الإنسان إلا ما قدر عليه، ومعنى ذلك: أنه قد فرغ مما أصابك أو أخطأك من خير وشر، فما أصابك فإصابته لك محتومة لا يمكن أن يخطئك وما أخطأك فسلامتك منه محتومة، فلا يمكن أن يصيبك.

فلابد من الإيمان بأن كل ما يصيب العبد مما يضره وينفعه في دنياه فهو مقدر عليه، وأنه لا يمكن أن يصيبه ما لم يكتب له ولم يقدر عليه ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهــم جميعاً. قــال تعالى: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بالله يهـدِ قَلْبَـهُ والله بكُـلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التغابن

الرضا بما قضى الله :

فما أصابك هو مراد الله فيك فلا خطأ ولا خلل ، ولا كما يقول البعض فلان محظوظ أو فلان منحوس ، فنحن المسلمين لا نعتقد بما يسمى الحظ والنحس لأننا نؤمن أن كل شيء بقضاء الله وقدره فلا مغالبة في الرزق أو الأجل أو دفع ضر أو جلب نفع ، فكل شيء بإرادة الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير ,احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تَعْجَز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل فإن لَوْ تفتح عمل الشيطان” رواه مسلم .

5- فهم حقيقة الدنيا :

قيل للإمام علي رضي الله عنه: صف لنا الدنيا، فقال للسائل: وماذا أصف لك من دار أولها بكاء وأوسطها عناء وآخرها فناء.
فإذا علم المؤمن أن الدنيا فانية، ومتاعها قليل، وما فيها من لذة فهي مكدّرة ولا تصفو لأحد ، إن أضحكت قليلاً أبكت طويلاً، وإن أعطت يسيراً منعت كثيراً.

والمؤمن فيها محبوس كما قَالَ رَسُولُ الله صلى الله  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ رواه مسلم

وهي كذلك نصب وأذى وشقاء وعناء ولذلك يستريح المؤمن إذا فارقها كما جاء عن أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ : ” مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ قَالُوا : يَا رَسُولَ الله مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟

قَالَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ الله .

وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ “رواه البخاري

إن هذا المعنى الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا يهوّن عليه كثيراً من وقع المصاب وألم الغمّ ونكد الهمّ لأنه يعلم أنه أمر لا بدّ منه فهو من طبيعة هذه الحياة الدنيا.

ودائما ما نتناسى أن الحياة تدور بنا ودوام الحال من المحال، فلن تجد أبدا شرا يدوم أو خيرا يدوم وهي سنة الحياة فاقبلها بدلا من أن تقف ضدها وترهق نفسك في أحوال لن تغيرها ولا تملك فيها من الأمر شيئا، وحين تقبلها وتسلم أمرك إلى الله وتتوكل عليه فسوف تكون قد أزلت من على ظهرك حمل ثقيل، كما أنك حين تثق في أن الله لا يأتي لعبده بمكروه أبدا ولكن حتى ابتلاءه له يحط من سيئات عبده ويضيف إلى حسناته ويدعوه به للتضرع له وعند صبره سيعوضه خيرا مما كان، كما عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى في الحديث الصحيح بقوله : (عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ) رواه مسلم

6- التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمر إليه :

يقول ابن القيم رحمه الله ” فمن علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه وأنه أعلم بمصلحة العبد من العبد وأقدر على جلبها وتحصيلها منه وأنصح للعبد لنفسه وأرحم به منه بنفسه، وأبرّ به منه بنفسه.

وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقى نفسه بين يديه وسلم الأمر كله إليه، و انطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قاهر، له التصرف في عبده بما شاء ، وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه ، فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات، وحمل كل حوائجه ومصالحه من لا يبالي بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها، فتولاها دونه وأراه لطفه وبره ورحمته وإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ، ولا اهتمام منه، لأنه قد صرف اهتمامه كله إليه وجعله وحده همه، فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه ، وفرغ قلبه منها ، فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه.

وأما من أبى إلا تدبيره لنفسه واختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه، خلاه وما اختاره وولاه ما تولى فحضره الهم والغم والحزن والنكد والخوف والتعب، وكسف البال وسوء الحال ، فلا قلب يصفو، ولا عمل يزكو، ولا أمل يحصل ، ولا راحة يفوز بها ، ولا لذة يتهنى بها، بل قد حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقرة عينه . فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش ولا يظفر منها بأمل ولا يتزود منها لمعاد. ” الفوائد لابن القيم ص : 209

7- القناعة :

ويلحق بهذا ضرورة أن يوطن المسلم نفسه على القناعة وهي الرضا بما آتاه الله تعالى وسؤاله المزيد.
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيس الغِنَي عَن كثْرَةِ العَرضِ ، وَلكِنَّ الغنِيَ غِنَي النَّفسِ » متفقٌ عليه .

« العَرَضُ » بفتح العين والراءِ : هُوَ المَالُ .

ومعنى الحديث الغنى المحمود غنى النفس وشبعها وقلة حرصها لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة لأن من كان طالبا للزيادة لم يستغن بما معه فليس له غنى

فالقناعة مال لا ينفد لأن القناعة تنشأ من غنى القلب بقوة الإيمان ومزيد الإيقان ومن قنع أمد بالبركة ظاهرا وباطنا لأن الإنفاق منها لا ينقطع إذ صاحبها كلما تعذر عليه شيء قنع بما دونه ورضي فلا يزال غنيا عن الناس ولهذا كان ما يقنع به خير الرزق .

وأهم شئ أن تعلم جيدا أنه ليس هناك إنسان على وجه الأرض معافى ولكن كلُ له مشاكله التي تؤرقه وسيظل هكذا حتى يموت، وذلك لأننا في دار ابتلاء وليس علينا أن نحلم باليوم الذي نحل فيه مشاكلنا لنحيا حياة سعيدة ولكن ما علينا إلا أن نتعلم من أزماتنا كيف نأقلم أنفسنا ونقويها حتى نجتاز هذه العقبات بيسر ورضا.

وقد عبر النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذا المعنى بأبلغ عبارة حينما قال: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) رواه البخاري في “الأدب المفرد” وحسنه الألباني

( في سِربه ) أي : في نفسه ، وأهله وعياله

( معافى ) صحيحاً سالماً من العلل والأسقام .

( عنده قوت يومه ) أي : كفاية قوته من وجه الحلال .

( فكأنما حيزت ) من الحيازة ، وهي الجمع والضم .

وورد بزيادة كلمة ” بحذافيرها ” أي : بتمامها ، والحذافير الجوانب ، والمعنى : فكأنما أعطي الدنيا بأسرها “

ومعنى الحديث: من جمع الله له بين عافية بدنه ، وأمن قلبه حيث توجه ، وكفاف عيشه بقوت يومه ، وسلامة أهله ، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها .

ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع

فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل، رأى نفسه يفوق قطعاً كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها ، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال ، فيزول قلقه وهمه وغمه ، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها .

وكلما طال تأمل العبد في نِعم الله الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ، رأى ربه قد أعطاه خيراً كثيراً ودفع عنه شروراً متعددة ، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم ، ويوجب الفرح والسرور.

ما الفرق بين الطموح والطمع؟

الطامح يرغب في تغيير وضعه إلى الأحسن ، فهو يرغب في وظيفة أرقى وبيت أكبر وسيارة أفخر وأحسن إلى غير ذلك.. لكن هذا الشخص – وهنا يكمن السر – راض بوضعه الحالي مرتاح سعيد مطمئن لكنه يطمح إلى الأفضل، كما قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-:إن لي نفساً تواقة؛ طمحت إلى الإمارة، فلما نالتها طمحت إلى الخلافة، فلما نالتها زهدت فيها وطمحت إلى الجنة.

أما الطامع فهو كذلك يريد تغيير وضعه إلى الأحسن فهو يريد منصبا أعلى ومرتبا أكبر ومنزلا أوسع لكن هذا الشخص غير راض عن وضعه الحالي ولا يطيق أن يستمر فيه لذلك تجده كثير التذمر واللوم والنقد يائسا أو محبطا من وضعه.

كيف تعرف أنك تطمح أو تطمع في الشيء؟

حتى تعرف ذلك اسأل نفسك هذا السؤال إن لم أحصل على ما أريد فماذا سيحدث؟

فإذا حصلت على شعور بالرضا وقلت مثلا لا بأس أنا مستمر ومستمتع بوضعي وليست لدي أي مشاكل فاعلم أنك طامح – بالحاء-.

أما إذا حصلت على شعور بالسخط والإحباط وغيره وقلت مثلا لا يمكنني أن أستمر وتبدأ في المعاناة فاعلم أنك تطمع ولا تطمح.

الطامح يحمل طاقة ايجابية في قلبه تجعله دائما يخطط ويعمل وهو متوكل على الله ، تجده في الغالب يحقق أكثر مما يرغب ، وتجد حياته تمشي بسهولة وسلاسة لذلك تجده سعيدا مستمتع بحياته، أما الطامع فيحمل طاقة سلبية في قلبه تضره أولا وبمن حوله، لا يخطط لحياته ولا يسعى في تحسين وضعه فقط يكثر على الله الأماني، لا يهنئ ولا يرتاح له بال حتى وان حصل على ما يطمع فهو مستمر في التذمر واللوم والنقد والتيئيس، لذلك تجد حياته معقدة ولا يحصل على ما يريد بسهولة وفي الغالب تجده تعيسا لا يجد للحياة طعم.

8- ألا تكون الدنيا أكبر همنا :

عن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه و جمع له شمله و أتته الدنيا و هي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه و فرق عليه شمله و لم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ” . ‌ رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني
قال ابن القيم رحمه الله : إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله عنه سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كلّ ما أهمّه، وفرّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته ، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكَلَه إلى نفسه ، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق ، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره.. فكلّ من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلِيَ بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته. قال تعالى : { ومن يعْشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين } . الزخرف / 36 ” الفوائد ” ( ص 159 ) .

9- اللجوء إلى الله بالدعاء :

قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) غافر آية 60، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء عبادة بقوله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم: استعاذ من الهم والحَزنَ فقد أخبرنا خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه عن حاله معه بقوله: (كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل فكنت أسمعه كثيراً يقول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) رواه البخاري

فالحَزَن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها، والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، وهذا الدعاء مفيد لدفع الهم قبل وقوعه والدفع أسهل من الرفع.

ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :  ” اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ ” رواه مسلم

وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا : ” أنه ما من مؤمن يصيبه همٌّ أو غمٌّ أو حزن فيقول : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمَتك ، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي : إلا فرَّج الله عنه ” رواه الإمام أحمد وصححه الألباني

هذا الحديث العظيم الذي يتضمن اعتراف العبد أنه مملوك لله وأنه لا غنى له عنه وليس له سيد سواه والتزام بعبوديته وإعلان الخضوع والامتثال لأمره ونهيه ، وأن الله يصرّفه ويتحكّم فيه كيف يشاء وإذعان لحكم الله ورضى بقضائه وتوسل إلى الله بجميع أسمائه قاطبة ثم سؤال المطلوب ونشدان المرغوب
وكذلك أيضاً أن يقول : ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ” كما في الحديث : ( دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت ، سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط ، إلا استجاب الله له) صححه الألباني

ويقول جعفر الصادق :عجبت لمن ابتلى بأربع كيف يغفل عن أربع

1- عجبت لمن ابتلى بالضر كيف يغفل عن” رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين “فإن الله تعالى قال بعدها :” فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمه من عندنا وذكرى للعابدين “

2- عجبت لمن ابتلى بالغم كيف يغفل عن” لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين “فإن الله تعالى قال بعدها :” فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين “

3- عجبت لمن ابتلى بموجبات الخوف كيف يغفل عن” حسبنا الله و نعم الوكيل “فإن الله تعالى قال بعدها :” فانقلبوا بنعمه من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم “

4- عجبت لمن ابتلى بالمكر كيف يغفل عن” وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ” فإن الله تعالى قال بعدها :” فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب “


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 351 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم