أولا / معناها :
لا حول ولا قوة إلا بالله : الحول: هو التحرك.
فمعنى لا حول ولا قوة إلاّ بالله أي: لا انتقال من حال إلى حال، ولا حصول قوة للعبد على القيام بأمر من الأمور، إلاّ بعون الله وتوفيقه وتسديده .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في ( لا حول ولا قوة إلاّ بالله) لا حول بنا على العمل بالطاعة إلاّ بالله، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلاّ بالله .
وقيل معناها:( لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلاّ بالله) .
وهذه الكلمة استسلام وتفويض وتبرؤ من الحول والقوة إلا بالله، وأن العبد لا يملك من أمره شيئًا وليس له حيلة في دفع شر، ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى، فلا تحوُّل للعبد من معصية إلى طاعة، ولا من مرض إلى صحة، ولا من ضعف إلى قوة، ولا قوة له على القيام بشأن من شؤونه إلا بحول الله وقوته بالله العظيم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا رادَّ لقضائه، ولا معقب لحكمه ، وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أعلّمك – أو قال – ألا أدُلُّك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنّة ؟ تقول : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، فيقول الله عزّ وجلّ : أسلم عبدي واسْتسلم ) رواه الحاكم بسند صحيح .
أي: استسلم لعظمة الله، وفوَّض أمورَه كلَّها إليه، وتبرء من الحولِ والقوةِ إلاّ بالله.
ثانيا / فضلها :
1-عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم َقَالَ له : “يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ! قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ”« من كنز الجنة» رواه البخاري
والْمُرَاد أن أجرُها مُدَّخَرٌ لقائلها وشبهه بالكنز إشارة لعظم الأجر وكثرته كما قال ابن القيم – رحمه الله -: “ولمَّا كان الكنز هو المال النفيس المجتمع الذي يخفى على أكثر الناس، وكان هذا شأن هذه الكلمة، كانت كنزًا من كنوز الجنة فأوتيها النبي صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش، وكان قائلها أسلم واستسلم لمن أزمّة (جمع زمام )الأمور بيديه، وفوض أمره إليه”[ شفاء العليل ص112].
وقال النووي – رحمه الله -: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى، واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره، ولا رادَّ لأمره، وأن العبد لا يملك شيئًا من الأمر، ومعنى الكنز هنا أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس، كما أن الكنز أنفس أموالكم” شرح صحيح مسلم (17/ 28-29).
2- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ دواء من تسعة و تسعين داء أيسرها الهم ) رواه ابن أبي الدنيا في الفرج وضعفه الألباني .
والحديث وإن كان في سنده ضعف إلا أنه يشهد له الحديث السابق (أنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ) لأن العبد إذا تبرأ من الأسباب وتخلى من وبالها انشرح صدره وانفرج همه وغمه وجاءته القوة والعصمة والغياث والتأييد والرحمة ، وظاهره أن هذا الذكر شفاء هذا العدد المذكور ويمكن أن يكون خارجا مخرج المبالغة كما في قوله تعالى (ذرعها سبعون ذراعا ) فيكون المراد أنه شفاء من جميع الأمراض والعلل التي أيسرها الهم .
قال ابن القيم – رحمه الله -، “وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – يذكر أثرًا في هذا الباب، وهو: “أن الملائكة لما أُمروا بحمل العرش، قالوا: يا ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك؟ فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فلما قالوها حملوه”
وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة، وتحمل المشاق، والدخول على الملوك، ومن يُخاف، وركوب الأهوال”[ الوابل الصيب، ص186-187
3- عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
ثُمَّ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه مسلم
قال النووي : وإنما استحب للمتابع أن يقول مثل المؤذن في غير الحيعلتين فيدل على رضاه به وموافقته على ذلك أما الحيعلة فدعاء إلى الصلاة ، وهذا لا يليق بغير المؤذن ، فاستحب للمتابع ذكر آخر ، فكان لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، لأنه تفويض محض إلى الله تعالى .
4- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ – يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ – بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ يُقَالُ لَهُ كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ ) رواه الترمذي وصححه الألباني ، وفي رواية أبي داوود زيادة ( فيقول له شيطان آخر : كيف لك بِرَجُلٍ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ ) .
قوله: (يقال له) القائل ملك من الملائكة.
قوله: (كفيت) أي: صرف عنك الشر.
قوله: (ووقيت) أي: حفظت عن الأشياء الخفية عنك من الأذى والسوء.
قوله: (وهديت) إلى طريق الحق والصواب، حيث وفقت على تقديم ذكر الله تعالى، ولم تزل مهدياً في جميع أفعالك، وأقوالك، وأحوالك.
قوله: (وتنحى عنه) أي: بعد عنه الشيطان
(كيف لك برجل) يعني: ما بقي لك يد في رجل قد هُدي بذكر الله، وكُفي شرك، وَوقي من مكرك وكيدك.
5- عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما على الأرض أحد يقول لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر”قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. و حسن الحديث الألباني.
ورواه أحمد في المسند بزيادة سبحان الله والحمد لله،بلفظ ” مَا عَلَى الأَرْضِ رَجُلٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، إِلاَّ كُفِّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ” رواه أحمد
6- عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُم اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ” رواه البخاري ، ومعنى تعارّ من الليل : التعار: استيقاظ يصحبه كلام
7- عن قيس بن سعد بن عبادة أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه، فأتى عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت ركعتين، قال: فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: “أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ؟” قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: “لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ” أخرجه الترمذي وصححه الألباني
ثالثا / تنبيهات :
1- ما صحة هذا الحديث في فضل لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ؟
ذهب عوف بن مالك الأشجعي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال له: يا رسول الله ، إن ابني مالكًا ذهب معك غازيًا في سبيل الله ولم يعد ، فماذا أصنع ؟ فقال رسول الله : ( يا عوف ، أكثر أنت وزوجك من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله) ، فذهب الرجل إلى زوجته ، فقالت له: ماذا أعطاك رسول الله يا عوف؟ ، قال لها: أوصاني أنا وأنتِ بقول: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ،قالت: صدق رسول الله ، وجلسا يذكران الله بقول: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وأقبل الليل بظلامه ، وطُرِق الباب، وقام عوف ليفتح فإذا بابنه مالك قد عاد ، ووراءه رؤوس الأغنام ساقها غنيمة ، فسأله أبوه : ما هذا ؟ ، قال: إن القوم قد أخذوني وقيّدوني بالحديد وشدّوا وثاقي ، فلما جاء الليل حاولت الهروب فلم أستطع لضيق الحديد وثقله في يدي وقدمي وفجأة شعرت بحلقات الحديد تتّسع شيئًا فشيئًا حتى أخرجت منها يديّ وقدميّ ، وجئت إليكم بغنائم المشركين هذه ، فقال له عوف: يا بني ، إن المسافة بيننا وبين العدو طويلة ، فكيف قطعتها في ليلة واحدة ؟! ، فقال له ابنه مالك: يا أبت، والله عندما خرجت من السلاسل شعرت وكأن الملائكة تحملني على جناحيها!
وذهب عوف إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ليخبره ، وقبل أن يخبره قال له الرسول عليه الصلاة والسلام: أبشر يا عوف ، فقد أنزل الله في شأنك قرآنًا: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )
اشتهرت هذه القصة على مواقع التواصل الاجتماعي وهذا الحديث رواه الطبراني في “الدعاء” وهو حديث ضعيف من جميع طرقه، وبعضها أشد ضعفا من بعض .
2- البعض ينطق لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ بشكل غير صحيح، فيقول: (لَا حَوْلِ اللَّهِ يا رب ) وهذا نفي أن يكون الحول بيد الله كقول القائل (لا إله) فلابد من تمامها (لا إله إلا الله) ، ومثله قول البعض (يا حول الله) وهذا تحريف للمعنى الأصلي(لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ )
3- أيضا بعضهم يستخدمها في غير موضعها، فيقول عند المصائب أو سماع خبر سيء (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) والصحيح أنها كلمة استعانة، لا كلمة استرجاع، والصواب قول : ( إنا لله وإنا إليه راجعون )
4- ما الأصح أن نقول (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) أم نقول (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)؟
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الترغيب في الإكثار من قول (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) وصح عنه أيضاً الترغيب فيها بزيادة (العلي العظيم)، ففي البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة: ( لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها من كنز الجنة. ذكره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وقال: صحيح لغيره، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تخريج المسند .
وجاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: إنِّي لا أستَطيعُ أن آخذ منَ القرآنِ شيئًا فعلِّمني ما يُجزئُني منهُ، قالَ: ” قُل: سُبحانَ اللَّهِ، والحمدُ للَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبرُ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ العليِّ العظيمِ، قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، هذا للَّهِ عزَّ وجلَّ فَما لي، قالَ: قُل: اللَّهمَّ ارحَمني وارزُقني وعافِني واهدِني، فلمَّا قامَ قالَ: هَكَذا بيدِهِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أمَّا هذا فقد ملأَ يدَهُ منَ الخيرِ”حسنه الألباني في صحيح أبي داود
ومن هذا يعلم أن من قال لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فقط ،أو أتى بزيادة ( العلي العظيم ) معها قد وافق الصواب .