الرسول ﷺ (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)

تاريخ الإضافة 26 أغسطس, 2025 الزيارات : 8716

الرسول ﷺ

(بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)

أكرم الله هذه الأمة بأن جعلها خير الأمم ، وشرفها بأن أرسل إليها خير الرسل وخاتمهم محمد ﷺ وأنزل عليها خير الكتب القرآن الكريم .

عناصر الخطبة:

أولا/ قوله تعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ )

ثانيا/(عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حريص عليكم)

ثالثا/ (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )

 

أولا/ قوله تعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ )

يقول الحق تبارك وتعالى ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]

في هذه الآية المباركة يبين الله عز وجل صفة رسول الله ﷺ والتي سنتناولها بالشرح في هذا اللقاء بعون الله وتوفيقه.

قوله تعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) لها تفسيران:

  • بشراً مثلكم وليس ملَكا ، ليكون قادراً على أن يتفاهم مع البشر، وتكون الأسوة به سهلة.
  • من نفس القبيلة التي تنتمون إليها معشر قريش، فتعلمون تاريخه، ولقد سميتموه الصادق الأمين.

إذن فالرسول كان من أنفسهم بشرا مثلهم تتحقق به القدوة الكاملة ، لم يأت رسول الله ﷺ من السماء ملكا رسولا ولم يسقط على الناس من كوكب آخر، إنما هو رسول يعرفهم ويعرفونه ،عاش بينهم أربعين سنة قبل البعثة يلقبونه بالصادق الأمين ، لم يحتاجوا أن ينقبوا عن تاريخه ولم يبذلوا جهدا كبيرا لتفحص سيرته قبل الأربعين قبل أن يوحى إليه، إنما هو من أنفسهم ولذلك سماه في القرآن في العديد من المواضع بالصاحب فقال تعالى :  ( وما صاحبكم بمجنون ) [التكوير/22] و ( ما ضل صاحبكم وما غوى ) [النجم/2] 

فهو صاحبكم الذي طالت حياته فيكم وصحبته لكم تعرفونه وتعرفون أهله وأصله ؛ فهو من أنفسكم ؛ بشر تقتدون به ليس ملكا معصوما أو له قدرات ملائكية لا يستطيع البشر أن يقتدوا به ، فالملائكة منهم من هو قائم يسبح الله ومنهم من هو راكع ومنهم من هو ساجد ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) [الأنبياء/20] أما النبي ﷺ فإنه بشر مثلنا يصيبه ما يصيب البشر من الألم ويصح ويمرض ويجوع ويعطش ويشبع ويرتوي.

ولما جاء الثلاثة نفر إلى أحد بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها فقالوا : وأين نحن من النبي ﷺ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.

 فجاء رسول الله ﷺ إليهم فقال: ” أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني”

ومعنى رغب عن الشيء : تركه، فمن أعرض عن سنة رسول الله ﷺ فليس على سنته .

الادعاءات الكاذبة على النبي ﷺ:

لما بعث الرسول ﷺ قالوا فيه ادعاءات كاذبة، وكانوا هم أدرى الناس بكذب ما يدّعون ، ومما قالوا من أكاذيب:

  • قالوا : إنه مجنون وهم يعلمون أنه كان من أعقلهم وأحكمهم .
  • وقالوا أيضا: جاء بالقرآن من عند نفسه وأنه افترى هذا القرآن ،وهم يعلمون أنه الصادق الأمين ﷺ.
  • وقالوا عنه كاهن وهم يعلمون أن كلامه ليس سجع الكهان.
  • وقالوا عنه أنه شاعر هم يعلمون أن القرآن ليس فيه أوزان الشعر ولا قوافي الشعر ،إنما هو كلام رب العالمين.

ومن المواقف التي تبين كذب كل هذه الادعاءات:

  • قصة الحجر الأسود

لما بلغ رسول الله – ﷺ – خمساً وثلاثين سنة ـ قبل بعثته بخمس سنوات ـ، اجتمعت قريش لتجديد بناء الكعبة لِما أصابها من تصدع جدرانها، وقد تم تقسيم العمل في بناء الكعبة بين القبائل، وتولت كل واحدة منها ناحية من نواحي الكعبة، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دبَ الشقاق بين قبائل قريش، فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر الأسود إلى موضعه، وكادوا أن يقتتلوا فيما بينهم، حتى جاء أبو أمية بن المغيرة المخزومي فاقترح عليهم أن يحكّموا فيما اختلفوا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام، فوافقوا على اقتراحه وانتظروا أول قادم، فإذا هو رسول الله – ﷺ – وما إن رأوه حتى هتفوا: هذا الأمين، رضينا به، هذا محمد، وما إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر، فقال : ( هلمّ إليَّ ثوبا )، فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم قال : ( لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ) ففعلوا، فلما بلغوا به موضعه أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه.

  • قصة زيد بن حارثة :

واعجبوا معي لهذه القصة عن زيد بن حارثة أتدرون ما قصته ؟
لقد كان زيد بن حارثة حرا في ديار قومه بني كلب أحد بطون قضاعة فذهبت أمه لزيارة لأهلها، فأغارت قبيلة على أهلها وأخذ زيد أسيرا فباعوه في سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام ثم أهداه لعمته خديجة بنت خويلد ، فلما تزوجها النبي محمد وهبته له.

ثم مر زمن، وحج أناس من قبيلته كلب، فرأوه فعرفهم وعرفوه، ثم عادوا وأخبروا أباه بمكانه، فخرج أبوه وعمه يفتدونه، والتقوا بالنبي محمد ﷺ وطلبوا فدائه، فدعاهما إلى تخيير زيد نفسه إن شاء بقي، وإن شاء عاد مع أهله دون مقابل.

ثم دعاه النبي ، وخيره فقال زيد: «ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أنت مني بمكان الأب والأم»، فتعجّب أبوه وعمه وقالا: «ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟!»، قال: «نعم. إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي اختار عليه أحدًا أبدًا»

 فلما رأي النبي محمد منه ذلك، خرج به إلى الحجر عند الكعبة، وقال: «يا معشر قريش اشهدوا أن زيدًا ابني أرثه ويرثني» فصار زيد يُدعي «زيد بن محمد “ثم حرم التبني كما نعلم فيما بعد .

  • وصف خديجة لأخلاق النبي قبل البعثة:

وانظروا لأخلاق النبي قبل البعثة لما أوحى الله تعالى إليه، ورأى النبي جبريل أول مرة لم يكن يدري ما جبريل ولا الوحي ولا الرسالة ، فذهب فزعا إلى خديجة رضي الله عنها فأخبَرَها الخبر وقال: (لقد خشيتُ على نفسي!)، والإنسان لو تجمل على الدنيا كلها لا يستطيع أن يتجمل على زوجته فهي أدرى وأخبر الناس بحاله .

 فقالت له رضي الله عنها: “كلَّا! والله لن يخزيك الله أبدا وتروى لن يحزنك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق””

تَحمِل الكَلَّ: أي تتحمَّل مؤونة الكَلِّ، وهو الضعيف واليتيم وذو العيال، فتُنفِق عليه، وتقوم على حاجته.

تَكسِب المعدوم: أي تكسب المالَ وتبذُل من هذا المال للمحتاج أو المعدوم (المعدم).

تقري الضيف: والقِرى هو ما يُقدَّم للضيف من طعام وشراب، أي: أنت تكرم الضيف.

تعين على نوائب الحق: النوائب جمع نائبة، وهي الحادثة أو المصيبة، أي تُعين الناس فيما يصيبهم من خير أو شر.

فهي رأت من زوجها هذه الأخلاق الكريمة ، وهذا كله قبل البعثة تدري من هو محمد وما أخلاقه فقالت مقسمة : كلَّا! والله لن يخزيك الله أبدًا ، ولذلك خديجة رضي الله عنها كانت أول من آمن به ﷺ

  • ما جربنا عليك كذبا قط

والنبي لما وقف على جبل أبي قبيس ليجهر بالدعوة بعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية قال: يا معشر قريش ، أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ ” قالوا : نعم ؟ ما جربنا عليك كذبا قط . هذا كلامهم ما جربنا عليك كذبا قط .

  • فهل كنتم تتهمونه بالكذب؟

وفي حديث طويل لأبي سفيان في حوار له مع هرقل عظيم الروم لما أرسل النبي له رسالة يدعوه فيها للإسلام سأل هرقل أبا سفيان عدة أسئلة منها:

قال: كيف نسبه فيكم؟

قلت: هو فينا ذو نسب‏.

قال هرقل: فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها

قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟

قلت: لا‏.

فقال هرقل لم يكن ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله .

  • أخ كريم وابن أخ كريم:

ولما رجع النبي ﷺ إلى مكة وفتحها ، وأصبح أهل مكة بين يديه بإشارة واحدة منه يأمر بقتل من يقتل ممن يستحق القتل من هؤلاء ، قال لهم ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم !!!

هؤلاء هم الذين كانوا من عدة سنوات يقولون ساحر وكاهن وشاعر ، فهم يعرفون النبي ويعرفون أصله وفصله .

الشاهد : أن الرسول ﷺ كانوا يعرفونه ويعرفون أخلاقه، والإنسان فينا ربما يتجمل أمام الناس بطريقة كلامه بأفعاله ، لكن لن يستطيع أن يتماسك أربعين سنة في وسط أهله وبين زوجته وبين خدمه ، سبحان الله العظيم!!!

ثانيا/(عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حريص عليكم)

(عَزِيزٌ عَلَيْهِ) أي يعز عليه مشقتكم، والعنت : المشقة ، وأصل التعنت التشديد ، فإذا قالت العرب : فلان يتعنت فلانا ويعنته فمرادهم يشدد عليه ويلزمه بما يصعب عليه أداؤه .

والعزيز : الغالب . والعزة : الغلبة . يقال عزّه إذا غلبه ، ومنه { وعزني في الخطاب } [ ص : 23 ] ، فإذا عُدي بعلى دل على معنى الثقل والشدة على النفس .
والمعنى : يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها.

ولذلك يقول تعالى في تصوير هذه الحالة النفسية التي كانت تحدث للرسول ﷺ : {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً} [الكهف: 6] ومعنى باخع نفسك أي مهلكها لشدة حرصه على هداية الناس .

وفي الحديث يقول النبي ﷺ َ «مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها. وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها. قال: فذلكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار. هلم عن النار. هلم عن النار. فتغلبوني تقحمون فيها.»

وعن أبي ذر قال . تركنا رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما – قال : وقال ﷺ : ” ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم ” .

حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ

معنى الحِرص : توجُّه الإرادة مع التصميم الشديد ، فلان يريد أن ينجح ، وفلان حريصٌ على أن ينجح ، الحرص أشدّ من الإرادة، أيْ حريصٌ على هُداكم ، حريصٌ على سلامتكم ، حريصٌ على سعادتكم ، حريصٌ على فوزكم بالجنة .

ثالثا/ (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )

رءوف : الرأفة أشد الرحمة، فكان ﷺ يدعو لأمته في صباحه ومسائه، كان يدعو لهم في كل حاله، أي إنسان منا أول هم يحمله هم أولاده، وأهله ؛ لكن سبحان الله الرسول كان يحمل هم أمة بأكملها!!

وكما يحكي عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} [إبراهيم: 36] الآية، وقال عيسى عليه السلام: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118]،

 فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك) رواه مسلم.

دعاء النبي لعائشة ولأمته ؟

ودعا رسول الله يوما لعائشة رضي الله عنها قال : اللهم اغفر لعائشة ما قدمت وما أخرت وما أسرت وما أعلنت فضحكت عائشة،( فرحت فرحا شديدا لأن الرسول يدعو لها بهذا الدعاء) فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها.
فقال رسول الله : أسرك دعائي؟
قالت وكيف لا يسرني دعاءك يا رسول الله.
قال والله إني لأدعو به في كل صلاة لأمتي.

طبت حيا وميتا يا رسول الله ! يدعو لنا ﷺ في كل صلاة، صدق من سماه (رؤوف رحيم )

يا رب أمتي، يا رب أمتي :

حتى في أشد ساعات الموقف العظيم بين يدي الله عز وجل، كل الأنبياء يخافون من هيبة وجلال رب العالمين، كلهم يقول نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري.

حتى يأتي العباد إلى رسول الله ﷺ …. يقول : ( فانطلق، فأسجد تحت العرش، فيفتح الله علي بمحامد يعلمنيها، فيقول الله جل وعلا لنبيه ومصطفاه يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعط، (اسأل ما شئت واطلب الشفاعة فيمن شئت.)

فلا يزيد ﷺ على قوله:يا رب أمتي، يا رب أمتي.

فيقول الله جل وعلا يا محمد أدخل من لا حساب عليهم من أمتك من الباب الأيمن من الجنة وهم شركاء الأمم فيما سوى ذلك من الأبواب.

 والذي نفسي بيده ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر. [1]

فكان ﷺ بالمؤمنين رؤوف رحيم. كان لا ينسى أبدا هذه الرحمة التي كانت سمة من سماته في تعامله مع كل من حوله.

شوق النبي لمن آمن به ولم يره :

بل كان النبي ﷺ يبين شوقه إلينا قبل أن نراه ويرانا،  فقد كان جالسا في أصحابه يوما فقال ‏‏: وددت أني قد رأيت إخواننا فقالوا : يا رسول الله ألسنا بإخوانك قال : ( بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض ) فقالوا : يا رسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك قال : ( أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله) قالوا : بلى يا رسول الله قال : ( فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض…”

والمعنى لو أن رجلا عنده ( خيل غر) الغرة بياض في جبهة الفرس.

 ( محجلة ) من التحجيل وهو بياض في ثلاثة قوائم من قوائم الفرس .

( في خيل دهم ) جمع أدهم والدهمة السواد ( بهم ) الذي لا يخالط لونه لون آخر اي أنها سوداء شديدة السواد.

( قال : فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين ) والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمته ﷺ .

( وأنا فرطهم ) أنا من اسبقهم على الحوض .

اللهم اسقنا بيده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا .

رحمة النبى ﷺ بالمخالفين :

روى البخاري ومسلم من حديث عائشة أنها قالت للنبي ﷺ : هل مر عليك يا رسول الله يوم أشد عليك من يوم أحد ؟ فقال المصطفى:” والله لقد لاقيت من قومك ما لقيت يا عائشة، وكان أشد ما لاقيت منهم حينما يوم العقبة إذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كلال” وأنتم تعلمون ما فعله أهل الطائف بالنبي طردوه وسبوه وضربوه بالحجارة يقول :” فعدت وأنا مهموم على وجهى ولم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب”.

تأملوا كم كان الهم الذى حمله النبى في قلبه لدرجة أنه مشى ما يزيد على سبعة كيلو مترات لم يشعر بشيء.

 ولم يستفق من كثرة الهموم في قلبه إلا بسحابة قد أظلته فرفع رأسه فرأى في السحابة جبريل عليه السلام يسلم عليه يقول: السلام عليك يا رسول الله لقد سمع الله قول قومك لك وقد أرسل الله إليكم ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم”.

يقول ﷺ :” فسلم على ملك الجبال وقال: يا رسول الله لقد سمع الله قول قومك لك ولقد أرسلني فمرنى بما شئت فيهم ثم قال ملك الجبال: لو أمرتني أن أطبق الأخشبين لفعلت “.[2]

والله لو كان رسول الله ﷺ ممن ينتقم لذاته ولنفسه لأمر ملك الجبال فتتحطم هذه الرؤوس الصلدة والجماجم المتعنتة العنيدة ، ولكن رسول الله ما خرج ليثأر لنفسه قط وما انتقم لذاته أبدا.

 قال ملك الجبال:” لو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت” فقال الرحمة المهداة: ” لا إنما أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً”. .

إنه الرحمة المهداة هذه رحمته بمن رموه بالحجارة وقذفوه، لأنه في مقام دعوة والدعوة تحتاج إلى رفق وإلى رحمة.

وجاءه الطفيل بن عمرو الدوسي إلى النبى ﷺ وقال: يا رسول الله: كفرت دوس ادع الله عليهم فرفع النبى يديه إلى السماء والله لو دعا عليهم لهلكوا إلا أنه الرحمة فرفع يديه وقال:” اللهم أهد دوسا وأت بهم”.

فاستجاب الله دعاء حبيبه ﷺ فهدى الله دوسا وأتى الله بهم وعلى رأسهم الطفيل وأبو هريرة رضوان الله عليهم جميعاً.

قصة إسلام أم أبي هريرة -رضي الله عنهما- :

روى الإمام مسلم في صحيحه؛  عن أبي هريرة، قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله ﷺ ما أكره.

 فأتيت رسول الله ﷺ وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة.

فقال رسول الله ﷺ :«اللهم اهد أم أبي هريرة».

فخرجتُ مستبشرًا بدعوة نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء.

 قال: فاغتسلتْ ولبستْ درعها وعجلتْ عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

قال: فرجعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله، أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة.

فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا، قال: قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا.

قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم حبب عبيدك هذا -يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين»، فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.

الخلاصة:

معنى الآية : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم )[التوبة 128]

يمتن تعالى على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي الذي هو من أنفسهم، يعرفون حاله، ويتمكنون من الأخذ عنه، ولا يأنفون عن الانقياد له، وهو ﷺ في غاية النصح لهم، والسعي في مصالحهم.

عزيز عليه ما عنتم أي: يشق عليه الأمر الذي يشق عليكم ويعنتكم.

حريص عليكم فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه.

بالمؤمنين رءوف رحيم أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم.

ولهذا كان حقه مقدما على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمان به، وتعظيمه وتوقيره وتعزيره.


[1] المصراعين أحد جُزْأي الباب ؛ بالدارجة يقولون دَرْفَة الباب، والأفصح دلْفة الباب وهما مصراعان أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار

[2] ” والأخشبان جبلان عظيمان يقال للأول: أبو قبيس ويقال للثاني: الأحمر

Visited 325 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14348 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع