مع قوله تعالى: ” إليه يصعد الكلم الطيب…”
لقاؤنا اليوم عن تفسير قول الحق جل وعلا –( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )- [فاطر/10]
ما هي العزة ؟ العزة هي القوة والشرف
ما هو السبيل إلى العزة ؟
الناس في هذه الدنيا حينما يطلبون العزة يطلبونها بأكثر من طريق:
فمنهم من يطلبها مع ذوي السلطان والسيادة ، فيكون في ظلهم ويعيش في ركابهم ، يصفق ويطبل ويوافق وينافق، حتى ينال العزة كما يظن .
ومنهم من يبحث عن العزة عند أهل الغنى والثراء عسى أن يناله منهم خيرا أو شيئا من فتات الدنيا .
ومنهم من يطلب العزة بالنسب ويفخربعائلته الكبيرة القوية التي فيها من الوجهاء والكبراء فلان وفلان ….الخ
لكن في هذه الآية الكريمة بين الله سبحانه وتعالى أن كل هذه الأسباب تتلاشى … كلها لا شيء، لأن من أراد العزة فليطلبها من الله ، قال تعالى : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا)- [فاطر/10] لأن العزة ليست مسألة عضلات تظهر على الجسم، وليست ألقاب، وليست كثرة أموال بالجيوب، أو البنوك ، إنما العزة مسألة روحية نفسية يستشعرها الإنسان بداخله ، وهذا الأمر لا يملكه أحد ، ولا يهبه أهل السيادة، ولا أهل الأموال، أو غيرهم ، إنما يهبه الله عز وجل، قال تعالى : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا)- [فاطر/10] فهو الذي بيده الحول والطول والقوة ، فلا حول ولاقوة إلا بالله فهو الذي -( يدبر الأمر )- [يونس/3] و -( وإليه يرجع الأمر كله )- [هود/123]
وقال تعالى : -( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )- [آل عمران/26]
ولذلك أن تلين لعبد مثلك رجاء ما عنده فلن تحقق العزة ، أو أن تكون لغيرك ذيلا أو ظلا له فلن تنال العزة ، فأنت تنال الشرف والعزة بأن تكون عبدا لله ، ومن كان عبدا لله كان عزيزا بين خلقه ، وكما قيل : “كن عبدا لله تكن حرا ” لا تكن عبدا لغيرك، لا تكن عبدا لدنيا ، أو مال أو جاه ، بل كن عبدا لله تكن عزيزا كريما ، كما قال الشاعر :
العز في كنف العزيز *** ومن عبد العبيد أذله الله
نسأل الله أن يعزنا بطاعته اللهم آمين .
العزة بطاعة الله:
وبين الله في الآية هنا سبيل العزة فقال : -( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)- [فاطر/10] إليه وحده فهو الذي يتقبل الأعمال فيصعد إليه جل وعلا الكلم الطيب.
ما هو الكلم الطيب ؟
ذكر الله ( تسبيح ، تحميد، استغفار، صلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ) ، أيضا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إرشاد التائه ، إغاثة الملهوف بالكلمة الطيبة ، طمأنة الخائف ، الوعظ والتذكير ، ولا ننس خير الكلام كلام الله عز وجل القرآن الكريم .
فالكلم الطيب يصعد إلى الله سبحانه وتعالى
وقوله تعالى : ( والعمل الصالح يرفعه)- [فاطر/10] إذن في كلام وفي عمل.
لكن ضمير الغائب هنا في الفعل ( يرفعه ) يعود على من ؟
هناك ثلاثة أقوال :
القول الأول / أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب :
يعني لو أنا قلت سبحان الله هل لابد من عمل؟ وما هو هذا العمل ؟
كلا هناك أقوال يؤجر الإنسان بمجرد قولها كالذكر، والنصيحة ، وغيرها تؤجر على ذلك ، لكن هناك أقوال لا بد لها من عمل ، فما فائدة لا إله إلا الله بدون عمل ؟ فمن قال لا إله إلا الله وقلبه ليس فيه إخلاص لله ؛ يعبد الله رياء ونفاقا أو شركا ؛ فهذه لا تقبل، فلا بد من قول لا إله إلا الله، ويتبعها عمل يصدق هذه الكلمة ولذلك قال تعالى : -( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون )- [البقرة8 /9] فهم يقولون لا إله إلا الله نفاقا لا صدقا واعتقادا .
إذن فمعنى ( والعمل الصالح يرفعه)- [فاطر/10] أن العمل الصالح يصدق الكلم الطيب.
ومن العلماء من قال إن العمل الصالح هو ثمرة الكلم الطيب ، فلو قلت لك لا تسرق وأنا أسرق فما فائدة القول ؟
لقد دعوتك إلى الجنة بقولي ودعوتك إلى النار بفعلي فصرت بذلك فتنة لك ، لاأني قلت مالم أفعل .
ولو أن رجلا كان يصلي ويقول الكلام الطيب ويسمع الناس منه كل طيب ، ثم لما عاملته بالبيع والشراء أكل علي مالي ، فعمله كذّب قوله، فقالوا إن العمل الصالح ثمرة للكلم الطيب، فمن خالف فعله قوله كان ذلك دلالة على أن في قوله عدم قبول .
القول الثاني / العمل الصالح يرفعه الله سبحانه وتعالى:
فالكلم الطيب” يصعد” والصعود يكون من أسفل لأعلى كناية عن رفعه إلى الله والقبول ، والعمل الصالح يرفعه الله ، ويرفع صاحبه أيضا ، فيجعل لصاحبه مكانة وعزة ، لأن العزة بطاعته ، فمن عصى الله أذله الله كما قال الحسن البصري : “أبى الله إلا أن يذل من عصاه “
فمن كان يريد العزة فإن الله يرفعه بعمله الصالح ويعزه بطاعته .
القول الثالث / يرفع من كان يريد العزة :
( والعمل الصالح يرفعه)- [فاطر/10] العمل الصالح يرفع من ؟ يرفع من كان يريد العزة-( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا)- [فاطر/10] فمن أراد العزة فليستعز بطاعة الله (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون )- [المنافقون/8]
فالعز في الدارين الدنيا والآخرة بطاعة الله وترك معصيته ، العز أن تعلو بين الناس بدينك وأمانتك وأخلاقك وإخلاصك لله ، وبقصدك وجه الله سبحانه وتعالى ، فهل يعز الله من عصاه وأصر على معصيته قال تعالى -( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور )- [النور/40] و -( ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء )- [الحج/18] وقال أيضا -( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية )- [البينة/6] ثم قال بعدها -( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية )- [البينة/7]
فسبيل العزة طاعة الله واتقاء محارمه .
نسأل الله أن يعزنا بطاعته وأن يثبتنا على صراطه المستقيم اللهم آمين .