أحكام النذور
النذر هو التزام قربة غير لازمة في أصل الشرع بلفظ يشعر بذلك ، مثل أن يقول المرء : لله علي أن أتصدق بمبلغ كذا ، أو إن شفى الله مريضي فعلي صيام ثلاثة أيام ونحو ذلك .
النذر عبادة قديمة :
ذكر الله سبحانه عن أم مريم أنها نذرت ما في بطنها لله فقال : – ( إذ قالت امرأة عمران ربي إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ) [ سورة آل عمران آية 35 ]
وأمر الله مريم به فقال : ( فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) ( مريم آية رقم 26 )
مشروعيته في الاسلام :
وهو مشروع بالكتاب والسنة ، ففي الكتاب يقول الله سبحانه : ( وما أنفقتم مننفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ) ( سورة البقرة آية رقم 270 )
ويقول : ( ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق )سورة الحج آية رقم 29 .
وقال في مقام مدح عباده المؤمنين : (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا . عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا . يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) [ الإنسان 5-7]
وفي السنة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه ” رواه البخاري .
حكم النذر :
الوفاء بالنذر المشروع واجب لقوله تعالى : (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) [الحج : 29 ] والأمرهنا للوجوب .
وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة في النهي عن النذر وبيان كراهته عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تَنْذروا ، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا ، وإنما يستخرج به من البخيل ” رواه مسلم
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن النذر ويقول : ” إنه لا يرد شيئا ، وإنما يستخرج به من الشحيح ” رواه البخاري ومسلم .
فإن قال قائل كيف يمدح الموفين بالنّذر ثم ينهى عنه؟
فالجواب أنّ النّذر الممدوح هو نذر الطّاعة المجرّد دون تعليقه على شيء يُلزم الإنسان نفسه به حملا لها عن الطّاعة ومنعا للتقاعس والكسل أو شكرا على نعمة ، وأما النّذر المنهي عنه فأنواع منها نذر المعاوضة الذي يُعلّق فيه الناذر الطّاعة على حصول شيء أو دفع شيء بحيث لو لم يحصل لم يقم بالطّاعة وهذا محلّ النّهي ولعل الحكمة في ذلك تكمن في العلل التالية :
1- لأن الناذر يأتي بالقربة متثقلا لها ، لمّا صارت عليه محتومة وواجبة .
2- أن الناذر لما نذر القربة بشرط أن يحصل له ما يريد ، صار نذره كالمعاوضة التي تقدح في نية المتقرب ، فانه لو لم يشف مريضه ، لم يتصدق بما علقه على شفائه ، وهذه هي حالة البخيل ، فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل ، يزيد على ما أخرج غالبا .
3- أن بعض الناس عندهم اعتقاد جاهلي مفاده أن النذر يوجب حصول الغرض الذي من أجله كان النذر ، أو أن الله يحقق للناذر ذلك الغرض لأجل نذره .
أنواع النذر من حيث وجوب الوفاء :
أولا : نذر يجب الوفاء به ( نذر الطاعة ) :
وهو كل نذر كان في طاعة الله عزوجل كنذر الصلاة والصوم والعمرة والحج وصلة الرحم … كأن يقول : لله عليَّ أن أصوم كذا أو أتصدق بكذا أو كأن يقول لله عليَّ أن أحج هذا العام أو أصلي ركعتين في المسجد الحرام شكرا لله على ما أنعم به علي من شفاء مريضي .
أو كان على سبيل التعليق كأن ينذر نذرا يتقرب به الى الله تعالى معلقا بشيء ينتفع به يفعله إذا حصل له ذلك الشيء فيقول إن قدم غائبي أو كفاني الله شر عدوي فعليّ صوم كذا أو صدقة كذا .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه ” رواه البخاري .
ولو نذر المرءُ نذراً فيه طاعة ثمّ طرأ من الظروف ما أعاقه عن الاقتدار على الوفاء بنذره ، كأن نذرَ أن يصوم شهرا ، أو يحج أو يعتمر ولكنّ مرضا أصابه ، فمنعه القدرة على الصوم أو الحج أو الاعتمار أو يكون قد نذر صدقة ولكنه افتقر بما يحول بينه وبين إنفاذ ما نذر فإنه والحالة هذه ينتقل إلى التكفير عن نذره بكفارة يمين كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة اليمين . رواه أبوداود وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام : إسناده صحيح ، والحفّاظ رجحوا وقفه .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “الفتاوى” (33/49) : فإذا قصد الإنسان أن ينذر لله طاعة ، فعليه الوفاء به ، لكن إذا لم يوف بالنذر لله ، فعليه كفارة يمين عند اكثر السلف .
ثانيا : نذر لا يجوز الوفاء به وفيه كفارة يمين : ويشمل هذا النوع من النذر :
1 – نذر المعصية :
وهو كل نذر فيه معصية لله كأن ينذر أن يفعل معصية من المعاصي كالزنا أو شرب الخمر أو السرقة أو أكل مال يتيم أو إنكار حق أحد أو أن يقطع رحمه فلا يصلّ قريبه الفلاني أو لا يدخل بيته دون مانع شرعيّ فإن هذا كله مما لا يجوز الوفاء به بحال ، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ” رواه البخاري.
وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لا وفاء لنذر في معصية ” رواه مسلم
وعليه أن يكفّر عن نذره بكفارة يمين وهذا مذهب الاحناف وأحمد ، فقالوا : تجب الكفارة زجرا له وتغليظا عليه .
ويرى المالكية والشافعية أنه يحرم عليه أن يفعل شيئا من ذلك ولا كفارة عليه لأن النذر لم ينعقد بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا نذر في معصية ) .
2 – النذر المطلق :
وهناك نذور ليس فيها من أحكام تتعلق بها سوى التزام الناذر بكفارة اليمين تكفيرا عن نذره ومنها : – النذر المطلق (وهو نذر ما لم يُسمّ ) : فلو نذر المسلم نذرا ولم يسم المنذور بل تركه مطلقا من غير تسمية أو تعيين كأن يقول : عليَّ نذر إن شفى الله مرضي ولم يُسمّ شيئا كان عليه كفارة يمين ، وقد روى عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كفارة النذر كفارة اليمين . رواه مسلم
ثالثا / النذر المباح :
وهو كل نذر يتناول أمرا من أمور المباحات ، كأن ينذر أن يلبس ثوبا بعينه ، أو يأكل طعاما مخصوصا ، أو يركب دابة بذاتها ، أو أن يدخل بيتا محددا ونحو ذلك .
حكمه :
قال جمهور العلماء : ليس هذا بنذر ولا يلزم به شئ ، روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر وهو يخطب إلى أعرابي قائم في الشمس فقال : ما شأنك ؟ قال : نذرت أن لا أزال في الشمس حتى يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخطبة . فقال الرسول : ( ليس هذا بنذر ، إنما النذر فيما ابتغي به وجه الله ) .
وقال أحمد : ينعقد ، والناذر يخير بين الوفاء وبين تركه ، وتلزمه الكفارة إذا تركه .
ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود : ( أن امرأة قالت : يا رسول الله إني نذرت إذا انصرفت من غزوتك سالما أن أضرب على رأسك بالدف ، فقال لها : أوفي بنذرك ) وضرب الدف مباح ففيه دليل على وجوب الوفاء بالمباح .
وعن ثابت بن الضحاك قال : نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة ـ وفي رواية : لأنه وُلِد له ولد ذكر ـ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا : لا : هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ ، قالوا: لا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك فإنه لاوفاء لنذر في معصية الله ولا فيما فيما لا يملك ابن آدم رواه أبو داود
فهذا الرجل نذر أن يذبح إبلا ببوانة ( موضع وراء ينبع ) شكرا لله تعالى ، أن وهبه مولودا ذكرا ، فأجاز له النبي صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره ، ويذبح إبله في ذلك الموضع .