نعيش اليوم مع قول الحق جل وعلا –( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )- [الأحزاب45 /46] )
رسلا مبشرين ومنذرين:
الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل لهداية الخلق ، ومهمة الرسل تبليغ الخلق مراد الله تعالى منهم ، والله تعالى ما خلقنا عبثا ، خلقنا الله لعبادته -( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )- [الذاريات/56] ، ومن تمام عدله سبحانه وتعالى أنه لا يقيم الحجة على عباده إلا بعد أن يرسل إليهم رسولا يعلمهم ويرشدهم -( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما )- [النساء/165]
فأرسل الله نبينا ومصطفاه ليبلغ لنا هداية الله إلينا ، وأوامره وتشريعاته سبحانه وتعالى ،وحينما يكلف الله سبحانه وتعالى من يكلف من البشر بالرسالة فإن هذا اصطفاء منه جل وعلا ؛ وهذا الاصطفاء والاختيار لا ينبني لا على نسب بأن يكون من عائلة مميزة ، ولا على أموال بأن يكون من أغنى الناس ، ولا علم بأن يكون من أعلم الناس إنما هو اصطفاء من الله سبحانه وتعالى ،ولذلك قال الله لنبينا -صلى الله عليه وسلم-( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )- [الشورى/52]
( يا أيها النبي)
لما نادي الله سبحانه وتعالى الأنبياء في القرآن الكريم نادى كل نبي باسمه فقال﴿ يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾ [البقرة: 35].
و-( يا موسى إني اصطفيتك )- [الأعراف/144] و -( يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين )- [الصافات/105] و -( يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا )- [مريم/12] أما النبي المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم- فمن تمام التكريم والتشريف من الله جل وعلا ناداه بـ ( أيها الرسول ) و ( يا أيها النبي ) ونحن كلنا عبيد لله جل وعلا ، خلقنا من العدم وأنعم الله علينا بنعمة الوجود فإذا نادى الله من ينادي منا باسمه ، فهذا هو اللائق بحال العبد مع سيده، لكن أن يكرم الله سبحانه وتعالى أحد عباده ويلقبه فهذا كما قلت منتهى التشريف والتكريم ، وبيان الرفعة والقدر ، حينما تنادي على ابنك مهما بلغ ما بلغ من السن والشهادات العلمية لن تتكلف بأن تناديه بلقب فأنت تقول له يا فلان باسمه ، لكن حينما تريد أن تكرمه وتظهر بالغ امتنانك عنه تقول له : يا أستاذ فلان ، يا دكتور فلان، يا مهندس فلان، فأنت تلقبه تشريفا له ولله المثل الأعلى ، ميز الله نبينا عن سائر الأنبياء بأن ناداه (يا أيها النبي )
قال تعالى -( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا )- [الأحزاب/45]
شاهدا : الشاهد هو من يثبت الحق ويؤيده والله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء وهو الذي سيفصل بين عباده، لكن من تمام العدل أنه لن يقضي بأحد إلى جزائه إلا بعد إقامة البينة والشهود ، عندنا في الفقه الإسلامي أن القاضي لا يقضي بعلمه ، يعني القاضي لو عنده علم أن فلان هو الذي سرق، أو فلان هذا هو الذي قتل ، لا يصلح أن يكون القاضي قاضيا وشاهدا على المتهم في نفس الوقت ، فإما أن يسكت لا يتكلم حتى يسمع للشهود والأدلة والقرائن ، وإما أن يتنحى ليكون شاهدا ويقضي في القضية قاض آخر .
الله جل وعلا لا يخفى عليه شيء فهو بكل شيء عليم، لكنه لن يقضي بين العباد بعلمه ؛ إنما سيقضي بإقامة الحجة والشهود ، فجعل من تمام عدله كل أمة ستأتي يوم القيامة تأتي أمامها رسولها ، يأتي كل رسول لكل أمة فيشهد بما فعل مع أمته وهذا الذي قاله الله سبحانه وتعالى -( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )- [النساء/41] فيوقف كل رسول ويشهد على أمته بما كان منهم وما كان معهم ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما تلا عليه ابن مسعود هذه الآية من سورة النساء قال : حسبك فإذا عيناه تذرفان …بكى -صلى الله عليه وسلم-
ما سبب بكاء النبي عند سماع هذه الآية ؟
والعلماء قالوا إن بكاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إجلالا وخشوعا لله جل وعلا ، موقف مهيب ياإخواني ، من حضر منكم محكمة فيها قاضٍ من البشر وحراستها من البشر لها هيبة ، حينما ينادي القاضي على اسمك مثلا وتقوم ويكون هناك أخذ ورد وسماع وشهود ومرافعة …الخ المكان له هيبة ، ترقب سماع الحكم والنطق به له هيبة …. فما بالنا بالقيام بين يدي الله رب العالمين -( يوم يقوم الناس لرب العالمين )- [المطففين/6] فيوقفون ويؤتى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليشهد على أمته (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )- [النساء/41] فكان بكاؤه -صلى الله عليه وسلم- إجلالا وتعظيما لله جل وعلا، وهيبة لهذا المشهد الذي سيوقف فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشهد بما بلغ وبما كان بينه وبين أمته .
ومن العلماء من قال: إن بكاء النبي -صلى الله عليه وسلم- كان خوفا وشفقة على أمته ، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كما وصفه الله بالمؤمنين رؤوف رحيم -( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )- [التوبة/128]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي . وَبَكَى . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ ! اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ – وَرَبُّكَ أَعْلَمُ – فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ . فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ . فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ )
وعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : ” لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْسٍ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِي ، فَقَالَ : ” اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ ، وَمَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ ” ، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ ، قَالَ : فَقَالَ : لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَيَسُرُّكِ دُعَائِي ” ؟ قَالَتْ : وَمَا بِي لا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ ، قَالَ : ” وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدَعْوَتِي لأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلاةٍ “
إذن لما تلا عبد الله بن مسعود -( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )- [النساء/41] بكى النبي -صلى الله عليه وسلم- هيبة لله والقيام بين يديه، وشفقة على أمته حينما يأتي إمامهم -صلى الله عليه وسلم- ويشهد بما كان معهم، فجعل الله سبحانه وتعالى رسوله حجة قائمة على خلقه .
معنى قولك (أشهد أن محمدا رسول الله ):
طيب رسول الله توفي الآن ؟ أقول : إن شرعه وسنته حجة قائمة على الخلق ، ودائما ما أقول إن من تمام إيماننا بالغيب أننا حينما نسمع قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا …. فلكأني أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمامي يحدثني، وهذا معنى قولك (أشهد أن محمدا رسول الله ) فسواء بلّغني رسول الله أو بلّغني من سمع من رسول الله بسند متصل صحيح كليهما سواء ، هذا من الإيمان بالغيب ، إنما يأتي حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقول أن لا أريد أن آخذ بهذا الحديث، أو أنا غير مقتنع بهذا الحديث ، أو أنا أرد هذا الحديث ، فهذا مما ابتلينا به في زماننا ممن يقولون نأخذ بالقرآن وندع السنة ، لا بد وأن نتطور ، هناك أحاديث لم تعد مناسبة لعصرنا وزماننا ، هؤلاء نقول لهم : رسول الله بما جاء مبلغا عن ربه حجة على العباد ، والعباد ليسوا حجة على الله ، شرع الله الحكيم الخبير منزه عن العبث والنقص ، إنما فكرنا وعقولنا هي التي فيها الضعف والقصور والجهل وعدم الفهم الكامل ، وهذا أمر قدره الله فينا ، فلما أعجز عن فهم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو شيء من سنته لا أتهم شرع الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أتهم عقلي أنا بالقصور .
(ومبشرا ونذيرا ):
قوله تعالى : -( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا )- [الأحزاب/45] مبشرا البشرى هي الإخبار بالأمر السار ،والإنذار هو التخويف بشرٍّ أو عقاب مترتب على فعل ،فتجد الترغيب والترهيب سمة من سمات البيان النبوي من قال كذا فأجره كذا ، ومن فعل كذا فعليه كذا ….
ثلاثة لا ينظر الله إليهم …اجتنبوا السبع الموبقات …. ألا أنبئكم بأكبر الكبائر … وهكذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يبشر وينذر ، يرغب ويرهب ، حتى أنه قال ملخصا هذا الكلام كله ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى (رفض) قالوا ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى )
ليس هناك مانع من دخول الجنة لكن بشرط طاعة الله ورسوله ، أما من عصى فقد أبى رفض أن يسلك الطريق إلى الجنة فالرسول -صلى الله عليه وسلم- شاهدا ومبشرا ونذيرا .
وصفه في التوراة :
عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما فقلت: أخبرني عن صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، واللّه إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً} ، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخَّاب (سخّاب: أي كثير الصخب وهو الذي يرفع صوته في الأسواق) في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح ويغفر، ولن يقبضه اللّه حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا اللّه فيفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صما، وقلوباً غلفاً ”
(وداعيا إلى الله ) :
يقول تعالى : -( وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )- [الأحزاب/46] داعيا إلى الله إلى صراطه المستقيم ومنهجه ، بإذنه : فما قال النبي قط كلمة من عند نفسه -( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )- [النجم3 /4] مصدر كلامه ومصدر بيانه كل من عند الله -( وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما )- [النساء/113]
فالقرآن كلام الله نزل نصا فنقله النبي -صلى الله عليه وسلم- إلينا كما نزل عليه ، أما السنة فإنها علم الله الذي علمه لنبيه فبينه لنا بأسلوبه وكلامه لكن كليهما من عند الله ( الكتاب والسنة ) كليهما من عند الله ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، يقصد السنة ، وقال تعالى : -( ويعلمهم الكتاب والحكمة)- [آل عمران/164] فالكتاب القرآن والحكمة هي السنة كما قال بذلك جمهور المفسرين .
إذن فهو داع إلى الله بإذنه ، يستمد كل العلوم التي يذكرها والشرائع والسنن مما علمه الله جل وعلا ، أي واحد فينا لما أراد أن يتعلم ويحصل على شهادة ذهب إلى جامعة وتعلم وتخرج باسم هذه الجامعة وأخذ شهادة في التخصص الذي درس فيه ، أما حينما نقول أين تعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نقول : الذي علمه هو الله جل وعلا -( وعلمك ما لم تكن تعلم )- [النساء/113]
(وسراجا منيرا ) :
يقول تعالى : -( وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )- [الأحزاب/46] السراج هو المصباح الذي يضيء في الظلماء وقال منيرا لأن هنالك سراج ضوؤه ضعيف ربما لا يضيء إلا بالكاد ، لكن سراجا منيرا يعني يشع الضوء في المكان المظلم فيضيئه كله ، وهذه استعارة بأنه إذا كان السراج المنير تنكشف به الظلمة وتتبدد من المكان فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سراجا منيرا كشف الله به ظلمة الشرك ، والجهل ، ودفع عن العباد كفرهم وجهلهم بالله ، ولو أردنا أن نتكلم عن مجتمع مكة أو العرب بصفة عامة حينما بعث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا كما وصف الله -( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )- [آل عمران/164]
فالله سبحانه وتعالى أرسل نبينا في وسط هذه الظلمات ليبددها ، يعني سبحان الله لما تشرق الشمس ما يغني عنك ضوء الكهرباء ، لا تحتاج إليه لأن ضوء الكهرباء بالنسبة للشمس لا شيء :
كما قال الشاعر :
أغنى الصباح عن المصباح متى احتاج النهار إلى دليل
فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- كالشمس في ضحاها ، فنور الله تعالى به القلوب ونور به طريق العباد ، والبلاد فعلم الناس مبتدأهم ومنتهاهم وغاية الله حينما خلقهم ، ومراد الله من عباده فكان سراجا منيرا ، ولذلك الآية الأخرى من سورة المائدة -( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم )- [المائدة15 /16] والمعنى هنا كما يقولون عنه في اللغة مجاز استعارة أنه كما أن الظلمة تتبدد بضوء السراج كذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- دفع به الظلمة التي كانت في العباد من الجهل والشرك والكفر بالله .
رسول الله نور للهداية إلى الله :
وليس المقصود هنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان نورا في ذاته، نورا حسيا يتحرك ، هذا من الخلط الذي خلطه الكثير من الناس ويذكرون في ذلك أشعارا كثيرا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مخلوق من نور .
النبي مولود من أب وأم معروف تاريخ الميلاد وتاريخ الوفاة ، فقصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان موجودا قبل أن يخلق آدم أو أنه مخلوق من نور العرش هذا كلام غير صحيح ، النبي -صلى الله عليه وسلم- له تاريخ ميلاد محدد معروف من أبوه ومن أمه ؟
النبي بشر عاش حياة كلها طبيعية طفولة وصبا وشباب ونبيء في سن الأربعين ، الناس يعرفون حياته كلها لم يكن نورا حسيا بمعنى أنه لما يتحرك يكون عبارة عن كتلة من النور تتحرك هذا غير صحيح ، وهذا مما بالغ فيه المداحون في وصف النبي أنه نور ، لكن إذا كان على سبيل المبالغة فهذا باب تتسع له اللغة العربية لكن على سبيل الحقيقة لا .
وهذا الكلام لا يقصد منه كما يفهم البعض أننا ننتقص من قدر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلا ، هذا بيان للحق الواضح لأن الذين بالغوا في هذه المسألة وقعوا من حيث لا يشعرون في مسألة فصل النبي عنا كبشر مثلنا ، فقالوا : إن النبي كان نورا وذاته نور وإذا مشى كان لا يظهر له ظل وعائشة -رضي الله عنها – قالت ما رأى مني ولا رأيت منه ، وهذا حديث باطل ، وأن فاطمة كانت تخيط ثيابها في الظلام ووقعت الإبرة منها ، فدخل عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- فأضاء من الغرفة كل شيء ورأت الإبرة فالتقطتها ، ولا أدري قبل دخوله -صلى الله عليه وسلم- كيف كانت تخيط في الظلام أصلا ؟(وهذه أيضا قصة مفبركة)
رفع الله ذكره بأنه رسول الله :
النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرتفع شأنه عند الله ولم يرفع ذكره بين الناس لأنه مخلوق من نور ،كلا إنما أعلى الله قدره ورفع ذكره بأنه رسول الله ، الإنسان لا يرتفع لا بأصله ولا بجنسه ، إبليس ارتفع عن السجود لآدم أو تكبر وقال : -( قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )- [ص/76] أنا مخلوق من النار أعلى من مخلوق الطين فقال له الله سبحانه وتعالى -( قال فاخرج منها فإنك رجيم )- [الحجر/34] لا يلتفت الإنسان لا لأصله ولا لعنصره ، حتى الملائكة المخلوقة من نور -كما هي عقيدة أهل السنة – أهل التقوى والإيمان أرفع قدرا عند الله من الملائكة فليس من فطر على الطاعة كمن جاهد نفسه عليها ، الملائكة لا تعرف شيئا اسمه معصية ولا نوم ولا كسل ولا تفريط في فريضة أو تضييع لحق أوجبه الله أو فعل معصية ، الملائكة خلقوا هكذا لا يعصون الله ما أمرهم ، أما من جاهد واجتهد فهذا أفضل وأرفع عند الله سبحانه وتعالى .
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ):
فالرسول لم يكن في ذاته نورا أو في أصل تكوينه نورا ، إنما هو نور معنوي ، بمعنى سبب للرحمة في أي مكان يحل به، وعلى الرغم من هذا هناك من يوصف له الدواء فيقبله وينتفع به وهناك من يوصف له الدواء فلا يقبله فيكون وبالا عليه ، في ناس رأت الرسول وعايشته وكفرت به، وعادته وصدت عن سبيل الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى : -( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )- [الأنبياء/107] قال العلماء هو رحمة قبلها من قبلها ورفضها من رفضها ، فهو رحمة للعالمين لكن هناك من جعل هذه الرحمة وبالا عليه بإعراضه عن الله ورسوله ، ومن العلماء من فسرها رحمة للعالمين بتأخير العذاب عنهم كما قال تعالى : -( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )- [الأنفال/33]
الشاهد أن قوله تعالى -( وسراجا منيرا )- [الأحزاب/46] أي أنه نور يهتدى به في الطريق إلى الله يرفع عنا ظلمة الجهل والكفر والإعراض عن الله ويأخذ بأيدينا إلى الله فنقبل عليه وعلى شرعه ومنهجه .
-( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )- [الأحزاب45 /46] )
حظ الأمة من هذه الصفات الخمس :
هذه مهمة رسول الله ، وهي أيضا مهمتنا من بعده ، فقد ورثنا هذه الأمانة من رسول الله عن صحابته عن التابعين إلى يومنا هذا ، فهذه هي مهمة الأمة من بعده -صلى الله عليه وسلم- فكما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهيدا علينا فإننا سنكون شهداء على الأمم -( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)- [البقرة/143] نحن مهمتنا أن نبين الحق للعباد فنبشر وننذر، وندعو إلى الله بشرعه ومنهجه، ولا نبخل بأمر بمعروف، أو نهي عن منكر، ولا نبخل أن نأخذ الناس إلى الحق الذي هدانا الله إليه، فنحن نحمل نورا يشع لجميع العباد ، هذا النور ليس منهج بشري ولا نظرية لأحد المصلحين أو المفكرين ، إنه دين الله ، منهج الله سبحانه وتعالى ، فجعل الله نجاة البشرية من الظلمات في كل عصر وفي كل مكان بهذا الشرع، وهذا الدين القويم الذي هدانا الله إليه ، فكما أن هذه صفات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهي صفات أمته من بعده ، فنحن شهداء ومبشرين ومنذرين ودعاة إلى الله ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( بلغوا عني ولو آية )
والمؤمن في كل مكان يحل فيه هو سراج منير، وسبب للهداية والرحمة، وليس سببا للنقمة فيكره الناس الإسلام في شخصه ،إنما ندعو الناس بأخلاقنا وأقوالنا وأفعالنا ، فنكون مصدر نور وهداية يشع في الظلماء فيهدي الحائرين ويرشد الضالين .
جعلنا الله خير خلف لخير سلف اللهم آمين