سؤال حول الآية (لا يمسه إلا المطهرون)
المطهرون هنا هل معناها الطهارة من الجنابة أم من الحدث أيضاً، بمعنى آخر … هل يجوز مس المصحف لمن ليس على وضوء بالرغم من طهارته من الجنابة؟
الجواب
الاستدلال بعموم قوله تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) ليس بصواب ذلك أن الآية مرتبطة بما قبلها
قال الله تبارك وتعالى : ( إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون ) فالذي في الكتاب المكنون هو ما في اللوح المحفوظ ، وقد تكرر وصف القرآن بذلك . قال الله جل جلاله : ( بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ )
هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى فإن المقصود بـ ( المطهّرون ) هم الملائكة . وأما البشر فإنهم لا يُطلق عليهم ( مطهّرون ) لأنهم يتطهرون، ولذا قال الله عز وجل في شأن البشر ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )
وقال في أهل قباء : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا ) وقال في شأن النساء : ( فإذا تطهّرن ) فالناس يتطهّرون ، ولا يُوصفون بأنهم ( مُطهّرون ) قال ابن عباس : ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال : الكتاب الذي في السماء .وقال مرة ثانية : يعني الملائكة .
وكذا ورد عن ابن مسعود حيث قال : هو الذِّكر الذي في السماء لا يمسُّه إلا الملائكة . قال قتادة : ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال : لا يمسُّه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسُّه المجوسي النجس، والمنافق الرجس ، وقال وهي في قراءة ابن مسعود ( ما يمسُّه إلا المطهرون ) .
وقال أبو العالية ( لا يمسه إلا المطهرون ) قال : ليس أنتم . أنتم أصحاب الذنوب .
قال الإمام مالك أحسن ما سمعت في هذه الآية : ( لا يمسه إلا المطهرون ) إنما هي بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى ؛ قول الله تبارك وتعالى : ( كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة ) .يعني أن المقصود به الصحف التي بأيدي الملائكة . إذاً سقط الاستدلال بالآية على منع المُحدث من مسّ المصحف .
وقد بوّب البخاري – رحمه الله – باباً في الصحيح فقال : تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ، وقال إبراهيم : لا بأس أن تقرأ الآية ، ولم يَــرَ ابن عباس بالقراءة للجنب بأساً .
قال ابن حجر في توجيه التبويب : والأحسن ما قاله ابن رُشيد تبعا لابن بطال وغيره : إن مراده الاستدلال على جواز قراءة والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف ، وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة ، وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ، ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك ، فكذلك الجنب لأن حدثها أغلظ من حدثه .
ولما سُئل سعيد بن جبير : يقرأ الحائض والجنب ؟ قال : الآية والآيتين .
وهذا الذي رجّحه الشيخ الألباني – رحمه الله – ومن قبله الشوكاني . بل إن الشيخ الألباني – رحمه الله – يرى جواز قراءة الجنب للقرآن ، وأنه لا يوجد دليل صحيح يمنع الجنب من قراءة القرآن ، وإن كان الأولى أن يُقرأ القرآن على طهارة كاملة .
وقد ناقش الشيخ الألباني – رحمه الله – هذه المسألة في تمام المنة ، ورجّح أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم : لا يمسّ القرآن إلا طاهر
أن المقصود بـ ( الطاهر ) المؤمن .
والمشرك نجس بنص القرآن ، والمؤمن طاهر بنص قوله صلى الله عليه وسلم : المؤمن لا ينجس . متفق عليه . قال – رحمه الله – : والمراد عدم تمكين المشرك من مسِّـه . ويُراجع قوله – رحمه الله وتفصيله في المسألة .
ثم إن البراءة الأصلية تقتضي عدم منع الجنب أو الحائض من مس المصحف أو من قراءة القرآن ، إذ الأصل عدم التكليف .
وهذه المسألة مما تعمّ به البلوى ، أعني الجنابة والحيض ، ومع ذلك لم يرد حديث واحد صحيح في منع الجنب أو الحائض في قراءة القرآن .
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله – : وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما لم يَـقـُـل ، أو من إبطـال مـا قـد شرعـه لعباده بلا حُجـة .
وخُلاصة القول بالنسبة للمصحف أنه لا يُمنع المسلم من مسِّه ولو كان على غير طهارة كاملة ، إلا أن الأفضل له الوضوء عند قراءة القرآن .
وأما الأشرطة أو تفسير القرآن فليس لها حُـكم المُصحف فلا يُمنع من مسِّها .ومثلها المصاحف التي كُتِبت بطريقة ” برايل ” للمكفوفين .
والأشرطة الإسلامية بما فيها أشرطة القرآن وكذلك تراجم معاني القرآن يجوز إهداؤها للكافر الذي يُرجى إسلامه .
والله أعلم .