هل تصح الرقية الشرعية بدون دليل شرعي عليها؟ وهل يجوز قراءة الرقية على الماء وشربها؟ وما حكم تكرار السور سبعًا, وإعادة الرقية ثلاث مرات في اليوم؟
هذا سؤال جيد بارك الله فيك والجواب أنه بإمكان الراقي أن يختار ما يناسب من الرقى حسبما يتسع له وللمرقي الوقت، كما أن له الاختصار في الرقية، بحيث يختار منها ما يناسب حال المرقي، وبخاصة في الرقية المطولة التي هي أكثر أقسام الرقية إسهابًا، وللراقي كذلك قراءة الرقية المطولة على مراحل، بحيث يستريح المريض بينها.
وبإمكان الراقي الاقتصار في الرقية على الآيات القرآنية أو التعوذات النبوية، لكن الأكمل في ذلك أن يجمع بينها.
وللتوضيح في الرقية المكتوبة فإن منها ما ورد به الدليل ومنها ما كان بناء على التجربة فما ذكر في هذه الرقية من الآيات القرآنية: فتشرع الرقية به, ولا يعتبر بدعة, فقد جاء في صحيح ابن حبان عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها, فقال: عالجيها بكتاب الله. صححه الألباني,
والرقية الشرعية هي ما اجتمع فيها ثلاثة أمور :
1 – أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته أو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم .
2 – ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية شرطاً وهو أن تكون باللسان العربي وما يعرف معناه : فكل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقي به فضلاً عن أن يدعو به ولو عرف معناه لأنه يكره الدعاء بغير العربية ، وإنما يرخص لمن لا يحسن العربية ، فأما جعل الألفاظ الأعجمية شعاراً فليس من دين الإسلام .
3 -أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى .
فإذا كانت هذه الشروط الثلاثة مجتمعة في الرقية فهي الرقية الشرعية ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ” لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً “. رواه مسلم .
وإن أنفع الرقية وأكثرها تأثيراً رقية الإنسان نفسه ، وذلك لما ورد في النصوص على عكس ما اشتهر عند كثير من الناس من البحث عن قارئ ولو كان عامياً أو مشعوذاً .
وسورة الفاتحة من أنفع ما يقرأ على المريض ، وذلك لما تضمنته هذه السورة العظيمة من إخلاص العبودية لله والثناء عليه عزوجل وتفويض الأمر كله إليه والاستعانة به والتوكل عليه وسؤاله مجامع النعم ، ولما ورد فيها من النصوص مثل رقية اللديغ الواردة في صحيح البخاري.
-عند رقية المريض يقول: ” بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك “. رواه مسلم .
وإذا اشتكى ألماً في جسده يضع يده على موضع الألم ويقول : ” بسم الله (ثلاثاً) ويقول: (سبع مرات) : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر “. رواه مسلم .
والرقية الشرعية تنفع من العين والسحر والمس وكذا الأمراض العضوية.
وقد تكون الإصابة من العين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ” العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين “. رواه مسلم
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : “أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نسترقي من العين” . رواه البخاري.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة جارية في وجهها سفعة فقال: ” استرقوا لها فإن بها النظرة “. رواه البخاري.
هل يجوز قراءة الرقية على الماء وشربها؟
نص أهل العلم على مشروعية القراءة في الماء, والشرب من ذلك الماء, والاغتسال به, قال ابن مفلح: وقال صالح بن الإمام أحمد: ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحًا فيه ماء، فيقرأ عليه، ويقول لي: اشرب منه، واغسل وجهك ويديك, ونقل عبد الله أنه رأى أباه – يعني أحمد بن حنبل – يعوذ في الماء، ويقرأ عليه ويشربه، ويصب على نفسه منه. اهـ
وما حكم تكرار السور سبعًا, وإعادة الرقية ثلاث مرات في اليوم؟
تكرار السور سبعًا, وإعادة الرقية ثلاث مرات في اليوم لا أعلم في السنة ما يثبته, ولكن أمور الرقى يباح ما جرب نفعه منها كما ذكرت إن لم يكن فيه شرك, فقد روى مسلم من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية, فقلنا: يا رسول الله, كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.
قال الشيخ عبد الرحمن السحيم في فتوى له على موقع المشكاة: سئلت هذا السؤال: هناك من يقول: إذا قرأت آخر عشر آيات من سورة الكهف تعينك على الاستيقاظ لصلاة الفجر هل يجوز فعل هذا؟ وهل له أصل؟
الجواب: يتسمح العلماء في هذا الباب، ويثبتون ما ثبت بالتجربة, وقد نقل الإمام القرطبي عن يحيى بن أبي كثير قوله: بلغني أن من قرأ سورة يس ليلًا لم يزل في فرح حتى يصبح, ومن قرأها حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي
قال: وقد حدثني من جربها، ذكره الثعلبي وابن عطية, قال ابن عطية: ويصدق ذلك التجربة . اهـ .
ومثله ما يكون في الرقى، فإذا جربت آيات في الرقية ونفعت فإنه لا مانع من الرقية بها، بل وتعليمها للناس, فيرى بعض العلماء أن ما ثبت بالتجربة في الرقية ونحوها أنه لا بأس به, ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: نزلنا منزلًا فأتتنا امرأة فقالت: إن سيد الحي سليم لدغ, فهل فيكم من راق؟ فقام معها رجل منا – ما كنا نظنه يحسن رقية – فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ، فأعطوه غنمًا وسقونا لبنًا، فقلنا: أكنت تحسن الرقية؟ فقال: ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب, قال: فقلت: لا تحركوها حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: ما كان يدريه أنها رقية؟ أقسموا واضربوا لي بسهم معكم.
قال ابن حجر بعد ذكر بعض روايات الحديث: وهو ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقي بالفاتحة، ولهذا قال له أصحابه لما رجع: ما كنت تحسن رقية. اهـ .
وبناء عليه, فلو جرب الراقي حصول النفع بالتكرار بعدد معين فلا حرج في ذلك, ما لم يعتقد كونه سنة ثابتة لا يجوز الزيادة ولا النقصان فيها. والله أعلم.