الخوف من كلام الناس
ما معنى كوننا مسلمين ؟
أيها الإخوة الكرام ، إن معنى كوننا مسلمين أننا استسلمنا لله فى كل أوامره ونواهيه، فنحن عبيدُ لله عز وجل نُسلم له فى كل ما يأمرنا به ، وفى كل ما ينهانا عنه.
والقرآن الكريم أوضح لنا أن أعلى صور العبودية الصحيحة لله عز وجل هى : الاستجابة لأمر الله تعالى، وإن خالفك جميع الناس ونلحظ هذا فى أنبياء الله أجمعين ، فقد أثنى الله تعالى على أعلى الخلق منزلةً ودرجةً ، وهم الأنبياء بأنهم عباد الله فسمى نبينا عبدالله قال تعالى : (وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ یَدۡعُوهُ كَادُوا۟ یَكُونُونَ عَلَیۡهِ لِبَدࣰا) [الجن :19]
وقال تعالى : (سبحان الذى أسرى بعبده) [الإسراء :1]
وقال: (وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَاۤ أَیُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥۤ أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بِنُصۡبࣲ وَعَذَابٍ) [ص : 41]
وقال عن أنبيائه: ( وَٱذۡكُرۡ عِبَـٰدَنَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ أُو۟لِی ٱلۡأَیۡدِی وَٱلۡأَبۡصَـٰرِ) [ص : 45]
والنبي صلى الله عليه وسلم رأي مشهد الأنبياء كما في الحديث عَنِ ابنِ عباسٍ رضِي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلّي الله عليه وسلم: «عُرِضتْ عليّ الأممِ، فرأيتُ النبيَّ ومعه الرُّهيْط، والنبيَّ ومعه الرجلُ والرجلان، والنبيَّ وليس معه أحدٌ»
فهذا بيان وتوضيح أن الحق لا يعرف بموافقة الناس وإن كانوا كثرةً غالبة إنما يعرف بموافقة منهج الله.
الخوف كلام الناس :
حديثنا عن هذا الموضوع: أنه ينبغى أن ترضي الله لا أن ترضي الناس، فإن رضا الله غايةٌ لا تترك ، ورضا الناس غايةٌ لا تدرك أيهما أسهل أن ترضي واحداً أم ترضي آلاف وملايين ؟
لا شك أني إن أرضيت واحدا ، وهو الله جل جلاله، سيكون أسهل من إرضاء آلاف.
وقد بين الله تعالى مشهد التوحيد بهذه الصورة فقال : (ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا رَّجُلࣰا فِیهِ شُرَكَاۤءُ مُتَشَـٰكِسُونَ وَرَجُلࣰا سَلَمࣰا لِّرَجُلٍ هَلۡ یَسۡتَوِیَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ ) [الزمر 29] متشاكسون أي متنازعون مختلفون.
فهذا مثل ضربه الله لعبد مملوك لمجموعة من السادة كل سيد منهم له رأي يختلف عن صاحبه، يأمره بكذا وينهاه عن كذا ، ويخالف صاحبه ، والثاني، والثالث، وهكذا متشاكسون …. (ورجلاً سلماً لرجل)، هل يستوى العبد المشتت بين مجموعة من السادة المتشاكسين مع عبد لسيدٍ واحد ؟!
كل الناس تفعل هكذا :
إذن أنا فى حياتي أضع فى قناعاتى التى لا تتبدل إرضاء الله أولاً حتى وإن خالفنى الناس، يُقال هذا الكلام لأن هناك دليل جديد يستدل به الناس فى زماننا بعد الكتاب والسنة والإجماع والقياس، قالوا: كل الناس تفعل هكذا … هذا دليل جديد !!
ومتى كان الناس مصدراً لأدلة الأحكام؟
الأدلة على جواز الشئ أو حرمته لا يؤخذ به من كلام الناس !!!
فالناسُ بشر يصيبون ويخطئون، والناسُ سعيهم شتى، وعقولهم متباينة، ورب العزة قال: (وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۖ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ ) [هود 118-119]
فالإختلاف فى البشر كبير وكثير ومتنوع فمن أُرضى؟
وكيف يكون الناس مصدرا لِحل الشئ أو حرمته ؟
فهذا أمر خطير بُلينا به أن الكثير اذا سأل عن حكم شرعي، وقلت له : الجواب كذا يقول لك: كل العالم يفعلون هكذا !!! (ولو أن كلمة العالم كلمة فيها بحبحة) ولو تفحصت الأمرلعلمت أن كلمة العالم هذه ربما اثنين من أصدقائه أو ثلاثة من معارفه … هذا هو العالم بالنسبة لصاحبنا !!!
فكل العالم يفعلون هكذا، كل الناس يذهبون الى كذا … هذا ليس دليل شرعي.
فمجاراة الناس فى معصية الله أو فى أعرافهم الخاطئة أوعاداتنا فى بعض المناسبات مثل : الإسراف في الأفراح أو البدع فى الأحزان، أو ما شابه ذلك من بعض العادات الظالمة فى المجتمعات كحرمان البنات من الميراث ؛ هذه من الأعراف الباطلة.
والعجب أن تسمع بعض أصحاب العقليات (المُودِرن) يقول : أنا سأسوى بين أبنائى الذكور والإناث فى الميراث!!
ويخالف حكم الله وفرض الله فى الميراث أو ما شابه ذلك من هذه الأمور كلها .
هذه كلها غير مقبولة أنا عبدُ لله أنا افعل ما يرضى الله عز وجل لا ما يرضى الناس ولذلك تجد الحديث واضحا في هذا السياق ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ ، رَضِيَ الله عَنْهُ ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَسْخَطَ عليه الناس ) رواه ابن حبان والترمذي بلفظ : ( مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ) وقد اختلف في رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ووقفه على عائشة.
قصة زيد بن محمد (بن حارثة):
قبل بعثة نبينا المصطفى الكريم صلي الله عليه وسلم تبنى النبي صلى الله وسلم …وكان زيد حرا لكنه بيع بعد إحدى الغارات وأخذوه أسيراً ، وبيع بَيْع العبيد، فاشتراه حكيم بن حزام ،ثم أهداه إلى خديجة فأهدته للنبي صلى الله وسلم… وجاء أبوه وعمه يطلبونه على أن يدفعوا فيه ما يشاء النبي فداء له.
قال : أو خير من ذاك؟ قالوا وما ذاك؟
قال: نأتي بالغلام ونسأله … قال: تعرف من هذين؟ قال أبي وعمي.
قال أي الأمرين تختار أن تبقي معى أو أن تذهب مع أبيك وعمك؟
قال بل أبقى معك !!
هذا قبل الإسلام اختار زيد النبى صلي الله عليه وسلم !!
فإكراماً له بعد هذا المشهد، وطمأنةً لأبيه وعمه؛ وقف النبي عند الكعبة، وقال: أيها الناس، زيدُ ابنى أرثه ويرثني وصار يُعرف: بـ(زيد بن محمد) ومضت السنون وكان من ضمن التشريعات أو الأعراف الجاهلية أن الابن المُتبنى إذا تزوج بإمرأة ثم طلقها لا يحل لأبيه بالتبني أن يتزوجها.
أراد الله عز وجل إبطال هذه المسألة الجاهلية، لأن هذا التبنى ليس حقيقةً ، واحد سمى طفل ونسبه لنفسه هذا لا يعني انه أبوه فعلاً، فلا ينبنى على هذه الأبوة الكاذبة شيئا … تزوج زيد من زينب بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وبيّن الله عز وجل لنبينا أن زيد سيطلق زينب وأنك ستتزوجها، والنبي يستحى أن يدعى الناس عليه شيئا، فلا يخبر بذلك ، فأنزل الله وحياً يُتلى وقال لنبينا: ( وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَاه﴾ [الأحزاب 37] هذا كلام رب العالمين لنبيه المصطفى الكريم حينما استحى من الناس أن يبلغهم أنه سيتزوج زوجة ابنه بالتبنى … طبعا حُرم التنبى قبل ذلك بقوله تعالى : (ادعوهم لأبائهم) وصارزيد ينسب لأبيه ( زيد بن حارثة) وليس زيد بن محمد ،وإكراما له رضي الله عنه فهو الصحابي الوحيد الذى ذكر باسمه بالقرآن قال تعالى : (فَلَمَّا قَضَىٰ زَیۡدࣱ مِّنۡهَا وَطَرࣰا زَوَّجۡنَـٰكَهَا لِكَیۡ لَا یَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ حَرَجࣱ فِیۤ أَزۡوَ ٰجِ أَدۡعِیَاۤىِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡا۟ مِنۡهُنَّ وَطَرࣰاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولࣰا﴾ [الأحزاب 37] فأم المؤمنين زينب لم يتول تزويجها أهلها ولا أحد من أوليائها إنما زوجها الله، وكانت تفتخر على زوجات رسول الله بهذا وتقول: زوجكنَّ أهاليكن وزوجنى الله من فوق سبع سموات !!
فالوحي يتنزل لإبطال عرف جاهلي يخالف شرع الله ، ويُعاتب النبي صلى الله عليه وسلم من رب العالمين (وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه) ويثني على أولياءه فيقول : (ٱلَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسَـٰلَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا یَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِیبࣰا) [الأحزاب 39]
إذن طالما أنك على حق فلا يضرك من خالفك،لأنك ترضى الله وحده لا شريك له.
ترك المعصية خوف الناس:
الأمر الثاني ترك المعصية خوف الناس لا أجر لك فيه، وفعل الطاعة حياءاً من الناس لا أجر لك فيها ينبغى إذا فعلت طاعة تفعلها لله وإن تركت معصية تتركها لله .
مثال ذلك: شخص لا يليق بأسرته ومكانته أن يُعلم عنه أنه يشرب خمر فترك هذه المعصية ليس حياءاً من الله إنما خوفاً من أن يعرف عنه أنه يفعل هذا.
مثال ثان: واحد كان يتكسب مال حرام وكذا وكذا فخشي أن تعرف زوجته أوأهل زوجته وأصهاره يعرفون أنه يفعل ويفعل ويفعل فتركها خوفا من هذا الأمر .
مثال ثالث: واحد يصلي أمام الناس فى المناسبات وهو ليس في نيته الصلاة أصلاً ولكنه صلى حياءاً من الناس.
فإذا تركت معصية لله يعنى خوفاً من الله كان لك أجر فى ذلك.
وإذا فعلت طاعة لله كان لك فيها أجرُ من الله.
أما إذا فعلت طاعة من أجل الناس فهذا رياء… وهذا شأن المنافقين فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما كانوا يصلون معه الصلوات النهارية يصلون الظهر، والعصر، والمغرب أما العشاء والفجر فلا داعي لأن الظلام يعم الكون ولا أحد يرانا ، سبحان الله ، قال تعالى : (یَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا یَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ یُبَیِّتُونَ مَا لَا یَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا یَعۡمَلُونَ مُحِیطًا﴾ [النساء 108]
أما عن عمل الطاعة لله عز وجل فقد قال : ( فَمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ لِقَاۤءَ رَبِّهِۦ فَلۡیَعۡمَلۡ عَمَلࣰا صَـٰلِحࣰا وَلَا یُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦۤ أَحَدَا) [الكهف 110]
ترك الشبهات لسلامة الدين والعرض :
وقد يكون على المسلم أن يتحرى كلام الناس فى الشبهات.
ما هي الشبهات؟
أي أمر فيه شبهة وشك فلا بد من توضيحه؛ فلا تضع نفسك فى موقف تحتاج فيه أن تدافع وأن تبرر وأن توضح، لأن أغلب الناس عندهم مبدأ: (الحسنات تطوى والسيئات تنشر)، فلذلك قال علي بن أبى طالب: ( إياك وما يسبق الى القلوب انكاره ولو كان عندك إعتذاره)
والنبي صلى الله عليه وسلم كان فى الإعتكاف وجاءته زوجته صفية، وصفية كانت فى بيت أخر غير حجرات النبي التى فى المسجد يعنى كانت تسكن فى بيت خارج المسجد ، طبعا الجو ليل ومظلم فخرج النبي ليردها إلى البيت ، فلما رأه اثنان من الصحابة أسرعا الخطا.
والحديث عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً فحدّثته، ثم قمتُ فانقلبت، فقام معي ليقلبني -وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما-، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( على رسلكما، إنها صفية بنت حيي ) ، فقالا: سبحان الله يا رسول الله!، فقال: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يَقذف في قلوبكما سوءا -أو قال شيئا- ) متفق عليه، واللفظ للبخاري .
فقصد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الموقف الاستبراء للعرض وعدم الوقوف في مواقف الريبة؛ حتى يقطع دابر الفتنة، ويحمي المسلم سمعته أن تلحق بها تهمة؛ ذلك أن الخواطر تبدأ فكرةً، ثم لا يلبث اللسان أن يبوح بها لقريب أو صديق، ومع مرور الوقت تتناقل الألسنة قالة السوء، ليوصم صاحبها بما هو بريء منه ولا حيلة له في دفعه، فتضيع الثقة وتشوّه السمعة.
يقول الإمام الخطابي : ” في هذا الحديث من العلم استحباب أن يحذر الإنسان من كل أمر من المكروه مما تجري به الظنون ، ويخطر بالقلوب ، وأن يطلب السلامة من الناس بإظهار البراءَة من الريب ” .
إنها صفية زوجتى قُطع الأمر…. بان الأمر واتضح .
لأن بعض الناس يفترض أمور بسجيته وطيبته ويقول: لا أنا أي واحد يتكلم سأقطع لسانه!!
وكيف ستقطع لسان الخلق يا أخى ؟
لا بد إن كان موضع شبهة أن توضح، إنها صفية زوجتى !!!
أي موطن كنت فيه وظننت و لو واحد بالمئة أن الذى أمامك سيوقعك ولو فى قلبه بإضمارشبهة أو اتهام، فلا بد أن تنفي عن نفسك التهمة؛ فهذا مما راعاه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه )
بمعنى أنك تطلب البراءة في دينك بالسلامة من الشبهة ولعرضك من أن يذمك الناس، أو أن يقولوا عنك شيئا يؤذيك أو يشوه سمعتك .
من الحكمة مراعاة كلام الناس في مآلات الأمور:
راعى النبي صلي الله عليه وسلم أيضا كلام الناس فيما تؤول إليه الأمور، يعنى حينما تكون على حق، ولكن من الحكمة أن لا تتكلم بهذا الحق إلا فى وقته وفى حينه.
مثال ذلك: عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين آذى النبي أذى شديدا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له نقتله، قال: (حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)، وهذا من حكمته صلى الله عليه وسلم، لأن الإعلام المعادى والدعاية المضادة موجودان في كل زمان ، فلا يلزم أن يكون الإعلام قنوات أو صحف … قديما كان الإعلام هو ركب المسافرين، الأشعار، الأخبار، كانوا يتناقلونها … أي نعم في بطئ ليس كما هو الحال الآن لكن كان في نقل للأخبار، فمن سينقل الخبر لن يقول: قتل ابن سلول لأنه قال فى النبي : ( ليخرجن الأعزمنها الأذل) ، ورمي عائشة بالإفك ….الخ جرائمه.
فلن يقولوا هذا؛ إنما سيقولون: هذه عاقبة من يتبع محمد، هناك خلاف على الزعامة … هناك خلاف على الملك… عبدالله بن سلول يتنازع مع محمد فى الملك… قتله حتى لا يستولى على الحكم منه …. قتله حتى لا يتصدر الزعامة دونه…
وتتعدد الرؤى والتحليلات على وفق أهواء المعادين، سبحان الله!!!
فهنا النبي قال: (حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) وهذا من حكمته … سيُقتل ابن سلول لكن الدعاية المضادة أثرها وعاقبتها أسوء من قتله فالأولى إبقاؤه حياً حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
مثال ثان: لما بنت قريش الكعبة قصرت بهم النفقة فبنوا الكعبة على غيرقواعد الخليل إبراهيم كما هي الصورة الأن، عندنا الكعبة وعندنا حجر إسماعيل هذا من الكعبة، هذا كما بنته قريش…
لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال لعائشة: ( لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لهدمت البيت وأقمته على قواعد إبراهيم) ، فلم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم لماذا؟
خوفا من أن يتقول الناس وخاصة ( أعداء الإسلام ) سيقولون: أول ما دخل الكعبة هدمها… لو كان نبياً ما تجرأ على ذلك ، هدم الكعبة استباح الحرمة، فهنا راعى النبي عقلية الناس وأنهم حديثو عهد بالإسلام ولم يهدم الكعبة.
الشاهد هنا : أنه من حكمة المسلم أن كلمة الحق تحتاج إلى حكمة فى قولها في وقتها في سياقها ، كل فعل حق يحتاج الى حكمة فى الفعل وفى اختيار وقته.
مثال ثالث: رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمارا وأمه وأباه يؤذون ويعذبون فى مكة، ماذا قال؟
لم يفعل فعلا متهوراً ولم يأمر باغتيال أبي جهل ، لأن هذا ليس وقت المواجهة، إنما قال: صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة هذا أقصى ما يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم آنذاك.
فى موطن أخر بعد الهجرة إلى المدينة قال الله تعالى : (أًذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا)[الحج39 ] فصار للمسلمين أرض ودولة صار لهم قوة صارلهم ظهر يحميهم (أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا)
خلاصة الخطبة:
1- أننا عبيدُ لله وطالما أننا عبيدُ لله ، فعلينا أن نرضى الله فإذا كان رضا الله يتعارض مع رضا الناس، اختر رضا الله عز وجل فلا تقدم كلام الناس على كلام الله أو أعراف الناس الباطلة والخاطئة على كلام الله عز وجل (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)
2- ترك المعصية حياءاً من الناس لا أجر لك عليها إنما تتركها لله ، وفعل الطاعة حياءاً من الناس أو خوفاً من كلام الناس لا أجر لك عليها، افعلها لله عز وجل.
3- أن مراعاة ما تؤول إليه الأمور يعنى النتائج المترتبة على القول أو الفعل هذا أمر مطلوب وهذا من الحكمة أن يفعل الإنسان الفعل فى وقته وحينه وأن يقول القول فى وقته وحينه فإن كان الأذى فى الكلمة ، وإن كانت حق فمن الحكمة أن تؤخرها ، وإن كان الأثر أو المفسدة المترتبة على فعل الحق فيه ضرر بالغ فمن الحكمة أن تؤخرها.
4- إنها صفية زوجتى، منهج بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأي موطن فيه شبهة ينبغى أن تجنب نفسك هذا الموطن، فإن وضعت فيه فوضح وإن لم يسألك الناس ؛ بل لا تنتظر سؤالهم.
أسأل الله العظيم الكريم جل وعلا أن يوفقنا الى ما يحبه ويرضاه.
AlAz
أننا مسلمون —ومضت السنون–موضع قيم سدد الله خطاكم
abojannah
تم التصحيح
بارك الله فيك