في ظلال عرش الله
(2)” شاب نشأ في عبادة الله “
وقد خَصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم الشَّابّ بالذكر لِكَوْنِهِ مَظِنَّة غَلَبَة الشَّهْوَة لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّة الْبَاعِث عَلَى مُتَابَعَة الْهَوَى ؛ فإن الشباب شعبة من الجنون ، وَهُوَ داع للنفس إلى استيفاء الغرض من شهوات الدنيا ولذاتها المحظورة ، فمن سلم مِنْهُ فَقَدْ سلم ، وَ مُلازَمَة الْعِبَادَة مَعَ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَدَلّ عَلَى غَلَبَة التَّقْوَى .
وفي الحَدِيْث : ( عجب ربك من شاب ليست لَهُ صبوة) حسنه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال الألباني إسناده جيد .
ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على شباب أمته أنه حذرهم من التفريط في ذلك العمر؛ لأنه زمن القوة والاكتمال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( اغتنم خمساً قبل خمس ـ وذكر منها ـ وشبابك قبل هرمك ) أخرجه الحاكم عن ابن عباس
فعدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الشباب غنيمة، وحث على تداركها قبل فواتها؛ وذلك لأن تلك المرحلة يستطيع العبد أن يحصّل فيها ما يعجز بعد فواته.
ومن حرص الشارع الحكيم على تلك المرحلة أنه بين أن العبد مسؤول عنها بعينها، لعظم شأنها.
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه …)أخرجه الترمذي
فهو يسأل عن عمره كله مرة واحدة ثم سؤالا خاصا بمرحلة الشباب إشارة إلى أهميتها .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ” نشأ في عبادة الله ” وهذا يشير إلى أثر البيئة التي ينشأ فيها الشاب وقوله: (نشأ في) ولم يقل : ( نشأ على) وكأن عبادة الله كانت له كالحقل ينبت فيه أو كالبيت تربى فيه .
وهو ما يشير إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (كل مولود يولد على الفطرة ….)ولذلك لابد من الاهتمام بالتربية الإيمانية لأبنائنا من الصغر فالتعويد على الصلاة والصيام والآداب والأخلاقيات الإسلامية من الصغر أمر لا يغفل أبدا ، فمن أحسن الغرس جنى الثمر ومن زرع الشوك جنى الجراح ، ومن شب على شيء شاب عليه .
– والإشكالية هنا في أن بعض الآباء يغفل عن أبنائه حتى إذا شبوا وصاروا في الخامسة عشر أو أكثر انتبه لابنه أو ابنته ويسأل ماذا أفعل الآن ابني كبر ابنتي كبرت ؛ كلا (فإن الأغصان إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب )
– ومن الآباء من جعل كل همه أن يوفر لأبنائه الطعام والشراب مما لذ وطاب وأن يلبسهم أحسن الثياب ونسي أن هذا كله إنفاق وليس تربية فالأب ليس مورد مالي ولا أمين خزينة إنما مهمته التربية والتوجيه وتنشئة الجيل الصالح .
فأولادنا غرس ينبغي أن نتعاهده من الصغر بتربيته وتشكيل عقليته وتصوراته بالصورة الإسلامية ؛ فينشأون ويشبون كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء .
كما أن في الحديث توجيها لمجانبة رفقاء السوء خوفا من التأثر بهم لأن الصاحب ساحب و (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )
“شاب نشأ في عبادة الله ”
والبعض يظن من أول وهلة أن قوله صلى الله عليه وسلم ” شاب نشأ في عبادة الله ” معناه شاب تنشأ ليكون ملازما للمسجد وحفظ القرآن فقط ، وهذا قد فعله بعض الشباب حين تركوا دراساتهم العلمية في الكليات المختلفة بحجة طلب العلم الشرعي !!!
وهذا يدل على عدم فهمنا للمعنى الحقيقي للعبادة وحصرها في مفهوم أنها هي الصلاة وقراءة القرآن …. أو بمعنى أدق حصر مفهوم العبادة في الشعائر التعبدية
كلا فإن العبادة كما عرفها ابن تيمية (اسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.)
وعلى هذا فالعبادة تتضمن:
– الفرائض والأركان التعبدية: الصلوات الخمس، والزكاة الواجبة، وصوم رمضان والحج.
– السنن والمستحبات التعبدية: السنن المؤكدة والنفل المطلق من الصلوات، وصدقة التطوع. -الأخلاق القلبية : الصبر والرضا والتأني وحسن الظن.
– آداب الأكل والنوم والحديث والطريق ….الخ .
– المعاملات الاجتماعية مع الغير: حسن المعاملة، والوفاء بالحقوق والوعود، وأداء الأمانات، والصدق في الحديث، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والإحسان إلى اليتامى والمساكين والضعفاء.
– المعاملات المالية : أداء الحقوق وحفظ الأمانة .
والحياة ميدان رحب للعبادة إذا قرن العمل بالنية الصالحة قال الله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)
وعن كعب بن عجرة أن رجلا مر على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم ، فقالوا : يا رسول الله ، لو كان هذا في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ان كان يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله ، وان كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين ففي سبيل الله ، وان كان خرج يسعى على نفسه ليعفها ففي سبيل الله ، وان كان خرج يسعى على أهله ففي سبيل الله ، وان كان خرج يسعى تفاخرا وتكاثرا ففى سبيل الطاغوت” أخرجه الطبراني وهو حديث حسن
وعلى هذا نقول للشاب أن أي حركة وأي عمل صحت فيه النية والقصد فهو عبادة لله فدخول الشاب إلى جامعة يتعلم فيها العلم النافع ويدرس ويتفوق وينفع الله به فهذا العمل عبادة .
وخروجه من بيته لعمل حلال وكسب طيب يعف نفسه وأهله هذا عبادة لله
وإذا أراد الزواج بذات الدين التي أوصانا الشرع بها فزواجه عبادة لله .
وإذا ربى أولاده رباهم على الإسلام وأحسن تربيتهم حتى يشبوا ويكبروا فهذا عبادة لله
وهكذا إخواني كل قول أو فعل صحت في النية والقصد فهو عبادة لله .
قوة الأمة بقوة شبابها :
فثروة الأمم ليست في المذخور في باطن الأرض ولا في المنشور على ظاهرها فقط .
ليست ثروتها في معادنها ولا في ذهبها وفضتها ؛وليست ثروتها فيما تملكه من أرصدة البنوك .
ليست هذه هي الثروة كما يتصور البعض
الثروة الحقيقية هي :الإنسان
الإنسان هو أعظم ثروة ، والشباب هم العنصر الأهم لهذه الثروة الإنسانية ولهذا إذا أحببت أن تعرف مستقبل أمة فاسأل ما موقع شبابها ؟ما الذي يهمهم ؟وما أهدافهم في الحياة ماذا يصنعون ؟ وفيم يفكرون ؟
مفاهيم عجيبة للشباب
بعض الشباب ظن أن كلمة شاب معناها النوم والراحة والكسل أو سجائر ومخدرات وصحبة السوء أو لعب للكرة ومشاهدة المباريات ومتابعة الأخبار والقنوات الرياضية فصارت الكرة كأنها وثن يعبد .
ومنهم من عكف على سماع الأغاني ومتابعة الأحدث منها ومعظم الأغاني التي تسمع في هذا العصر تدور حول محور واحد هو الحب والغرام والعشق والهجر والوصال ،كأنه ليس في الدنيا شئ إلا الحب وكأنه ليس هناك حب إلا حب المرأة وحب جسدها…. وحب المرأة الأجنبية لاحب المرأة الزوجة ولا حب المرأة الأم
ومنهم من جعل الشباب مصادقة الشاب للفتاة والفتاة للشاب وحب هذه والجري وراء تلك
أو أن كلمة شاب معناها أن يتخنث الشاب فيلبس سلسلة في رقبته وانسيالا في يده وحليا كالنساء وتسترجل الفتاة ، الإسلام لا يريد أن يمشي الواحد في الطريق فلا يعرف من أمامه أهو رجل فيتحسر على الرجولة الضائعة أم فتاة فيتحسر على ضياع الحياء … سبحان الله
جمال الرجل ليس في إظهاره لشعر صدره تتدلى من رقبته سلسلة إنما جمال الرجل في خشونته ،أن يبقى الرجل رجلا .
وليست الأنوثة أن تسترجل الفتاة ، أو إبراز مفاتنها وإثارة الغرائز ؛إنما جمال أي فتاة في حيائها ،فإذا نزع الحياء من فتاة نزع منها أغلى شئ .
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال رواه البخاري تحديد الهدف :
ومن العجب أن تجد شابا يهيم على وجهه في الدنيا كالريشة في مهب الريح
فالشاب الضائع أو المائع الذي ينقاد لغيره ، ألغى شخصيته فذابت مع غيره .
لابد وأن يوطن نفسه ويستقل بذاته عن غيره كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا ) سنن الترمذي
ومن ندامة أهل سقر في النار والعياذ بالله (وكنا نخوض مع الخائضين )
وأذكر أن أحد مشايخنا سألنا في درس له سؤالا قال :لماذا يجري 22 لاعبا في مباراة كرة القدم وراء الكرة هذا يضربها والآخر يركلها ؟
فذهب الناس مذاهب فمنا من قال لإحراز الهدف …لا
للفوز بالمباراة …..لا
لإثبات المهارة في اللعب فقال : كلا ؛
إن السبب أن هذه الكرة منفوخة على الفاضي ( منفوخة هواء )
وأي واحد منفوخ هواء سهل أن يُشاط (كالكرة )
الشخصية التافهة المائعة لا وزن لها:
فتحديد الهدف وتكوين الشخصية المتزنة القويمة أمر هام جدا لأن الذي يعرف هدفه ينطلق إليه وبسرعة كالسهم .
إذن فنحن نريد الشاب
القوي في جسمه
القوي في روحه
القوي في تفكيره
القوي في إيمانه
القوي في سلوكه.
اللهم احفظ شباب المسلمين وأجرهم من الفتن واحفظهم من كل سوء
وأظلنا بظل عرشك يا أكرم الأكرمين
آمين