ما حكم تكرار العمرة أكثر من مرة؟
تكرار العمرة يكون بالخروج من الحرم والذهاب إلى أدنى الحل للإحرام منه؛ كالتنعيم مثلا.
وقد اختلف الفقهاء في حكم تكرار العمرة أكثر من مرة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يكره تكرار العمرة أكثر من مرة في السنة ، وهو قول الحسن، وابن سيرين، ومالك.
وقال النخعي: ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة.
واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله.
القول الثاني: يجوز تكرار العمرة أكثر من مرة مطلقا، بل الإكثار منها مستحب مطلقا، وهو مذهب جماهير علماء المسلمين سلفا وخلفا، وهو قول الحنفية والشافعية، وقول جماعة من المالكية؛ ورواية عن الإمام أحمد.
واستدلوا بالآتي:
1- قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين أن تكونا في سنة أو سنتين، والمطلق يؤخذ على إطلاقه ما لم يأت ما يقيده.
2- أن الإكثار من مكفرات الذنوب مطلوب شرعا مطلقا، ويؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة» أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
فالتكرار والموالاة يدخلان في عموم الأمر بالمتابعة بين الحج والعمرة كما هو ظاهر.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري” (3/ 598، ط. دار المعرفة): [وفي حديث الباب دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار، خلافا لقول من قال: يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية، ولمن قال: مرة في الشهر من غيرهم، واستدل لهم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة وأفعاله على الوجوب أو الندب، وتعقب بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله؛ فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لرفع المشقة عن أمته، وقد ندب إلى ذلك بلفظه؛ فثبت الاستحباب من غير تقييد، واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بأعمال الحج إلا ما نقل عن الحنفية أنه يكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ونقل الأثرم عن أحمد: إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام ليمكن حلق الرأس فيها، قال ابن قدامة: هذا يدل على كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام] اه.
3- أن العمرة عبادة غير مؤقتة (غير محددة بوقت ثابت كالحج)، فوجب أن تكون من جنس ما يفعل على التوالي والتكرار، كالصوم والصلاة.
4- وقال علي رضي الله عنه: “في كل شهر مرة”.
5- وكان أنس رضي الله عنه إذا حمم رأسه خرج فاعتمر. رواهما الشافعي في “مسنده”.
6- وقال عكرمة: يعتمر إذا أمكن الموسى من شعره.
7- وقال عطاء: إن شاء اعتمر في كل شهر مرتين.
وقال الإمام النووي في “المجموع” (7/ 149-150): [واحتج الشافعي والأصحاب وابن المنذر وخلائق بما ثبت في الحديث الصحيح: “أن عائشة رضي الله عنها أحرمت بعمرة عام حجة الوداع فحاضت فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تحرم بحج ففعلت وصارت قارنة ووقفت المواقف، فلما طهرت طافت وسعت، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قد حللت من حجك وعمرتك»، فطلبت من النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن يعمرها عمرة أخرى، فأذن لها فاعتمرت من التنعيم عمرة أخرى” رواه البخاري ومسلم مطولا ونقلته مختصرا.
قال الشافعي: وكانت عمرتها في ذي الحجة ثم أعمرها العمرة الأخرى في ذي الحجة فكان لها عمرتان في ذي الحجة، وعن عائشة أيضا أنها اعتمرت في سنة مرتين؛ أي: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي رواية ثلاث عمر(ثلاث مرات)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه اعتمر أعواما في عهد ابن الزبير رضي الله عنه مرتين في كل عام. ذكر هذه الآثار كلها الشافعي ثم البيهقي بأسانيدهما] اهـ.
3- القول الثالث: وخالف في ذلك الحنابلة؛ فأجازوا تكرار العمرة ثم كرهوا الموالاة بينها، مع نقلهم جواز التكرار عن كثير من الصحابة والتابعين، وتجويز التكرار مع كراهية الموالاة
واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لم ينقل عنهم الموالاة بينهما، وإنما نقل عنهم إنكار ذلك، والحق في اتباعهم.
قال طاووس: الذين يعتمرون من التنعيم، ما أدري يؤجرون عليها أو يعذبون؟ قيل له: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء، وإلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء]
الخلاصة
بناء على ذلك فإنه يجوز -بل يستحب- للمسلم أن يعتمر ويكرر العمرة ويوالي بينها، وهذا هو مذهب جماهير العلماء سلفا وخلفا، وذلك بأن يخرج في كل مرة إلى أدنى الحل فيحرم منه بالعمرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.