ما الدليل على أن تحويل القبلة كان فى ليلة النصف من شعبان؟
القبلة اولا كانت إلى المسجد الأقصى ثم حولت إلى المسجد الحرام، ولكن متى وقع تحويل القبلة؟
عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ «صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ» فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وَكَانَتِ اليَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143
ووقع في رواية عند الإمام مسلم بصيغة الجزم أنه ستة عشر شهرا الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا» حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144] فَنَزَلَتْ بَعْدَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَمَرَّ بِنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَحَدَّثَهُمْ، فَوَلُّوا وُجُوهَهُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ
وعند البزار وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْف سَبْعَة عشر من غير شك.
فالروايات ثلاث:
ستة عشر شهرا، وسبعة عشر شهرا، والشك ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا.
يقول الحافظ ابن حجر في شرح فتح الباري:
والجمع بين الروايتين سهل:
بأن يكون من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرا وألغى الزائد ومن جزم بسبعة عشر عدهما معا، ومن شك تردد في ذلك.
وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور ورواه الحاكم بسند صحيح عن بن عباس وقال بن حبان سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام وهو مبني على أن القدوم كان في ثاني عشر شهر ربيع الأول
فلو عددنا من أول شهر ربيع ستة عشر شهرا نجده في جمادى الآخرة، و لو عددنا سبعة عشر شهرا نجده في رجب.
ثم يقول الحافظ ابن حجر: وشذت أقوال أخرى ففي بن ماجه من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق في هذا الحديث ثمانية عشر شهرا وأبو بكر سيء الحفظ وقد اضطرب فيه فعند بن جرير من طريقه في رواية سبعة عشر وفي رواية ستة عشر وخرجه بعضهم على قول محمد بن حبيب أن التحويل كان في نصف شعبان وهو الذي ذكره النووي في الروضة وأقره مع كونه رجح في شرحه لمسلم رواية ستة عشر شهرا لكونها مجزوما بها عند مسلم ولا يستقيم أن يكون ذلك في شعبان إلا إن ألغى شهري القدوم والتحويل وقد جزم موسى بن عقبة بأن التحويل كان في جمادى الآخرة ومن الشذوذ أيضا رواية ثلاثة عشر شهرا ورواية تسعة أشهر أو عشرة أشهر ورواية شهرين ورواية سنتين وهذه الأخيرة يمكن حملها على الصواب وأسانيد الجميع ضعيفة والاعتماد على القول الأول فجملة ما حكاه تسع روايات
فتحويل القبلة في شعبان بنص ابن حجر في شرحه للبخاري لا يستقيم وإن كان مشتهرا بين الناس، ولعل ارتباط التحويل بليلة النصف من شعبان لتحويل قلوب العباد وأحوال العباد إلى رب الأرباب.
فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري 1/ 96.