فقه الجلوس على الكراسي لأصحاب الأعذار
هل تحسب الجماعة للجالسين إذا صلوا ركعتين منفصلين عن الصف والصف غير موصول ؟
وما حكم من صلى الصلاة كاملة والصف منقطع وغير موصول!؟
وما هو فقه الجلوس على المقاعد لأصحاب الأعذار؟
▪︎جزاكم الله خيرًا وحفظكم ونفع بكم وبعلمكم العالمين.
❪❫ الجَــــــوَاب :
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحِيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﷺ، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعــد:
❐ فإن وجود الكراسي في المساجد ظاهرة لا تخطئها العين، وتتنوع أماكنها في المسجد من مسجد إلى آخر، فهناك مساجد توضع فيها الكراسي آخر المسجد، فيصلي كبار السن بعيدًا عن الصفوف، وهناك مساجد تجعلها في الصف الأول، وأحيانًا تتوزع الكراسي حسب حاجة من يصلي على الكرسي.
ويلاحظ أيضا أن بعض من يصلي على الكرسي يبقى جالسًا عليه في جميع صلاته، حتى وإن كان قادرًا على القيام في بعض أركان الصلاة؛مما قد يبطل صلاة البعض، لتخلف الحاجة إليه؛ أو نقصان ثوابها إلى النصف في صلاة النافلة.
والجلوس على المقاعد لأصحاب الأعذار في الصلاة مشروع، لما عجز المصلي عن القيام به من أعمال الصلاة على هيئته الأصلية، فيشرع عند عدم القدرة على القيام، أو على الركوع، أو على السجود، أو على الجلوس للتشهد الأوسط، أو الأخير.
❐ومن الأدلة على ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبيﷺعن الصلاة فقال:(صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ).
قال النووي-رحمه الله- في المجموع: ( 4 / 226 ) : أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ولا إعادة عليه، قال أصحابنا:
ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام ؛ لأنه معذور ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله ﷺقال : ( إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا ) .
❐وهذا التيسير مناطه العجز وعدم القدرة، لأن التكليف مناطه القدرة، والضابط الفقهي في هذا: أن ما استطاع المصلي أن يفعله على الهيئة المشروعة أصلًا؛ وجب عليه أن يأتي بها على تلك الهيئة، فإذا عجز عنه كانت الرخصة.
❐ بيد أن اعتياد الصلاة على الكرسي بدون مسوغ ليس من الشريعة في شيء، فإن مشروعية الصلاة على الكرسي مناطها كما سبق العجز، وعدم القدرة على الإتيان بالفعل بالهيئة المشروعة بالأصالة، فمن عجز عن القيام فله الجلوس على الكرسي أثناء القيام، لكن يجب عليه أن يأتي بالركوع والسجود على هيئتهما دون الجلوس على الكرسي ما دام قادرا على هذا، وكذلك إن كان عاجزا عن الركوع أو السجود فلا بأس أن يجلس على الكرسي وقتها ويومئ قدر استطاعته.
❐فإن جلس في موضع القدرة؛ وكان ذلك في صلاة الفريضة بطلت ركعته، فإن لم يأت بالركعة؛ بطلت صلاته. فإن ما أبيح للحاجة أو الضرورة؛ يقدر بقدرها.
❐ومما يتعلق فقه الجلوس على المقاعد لأصحاب الأعذار محاذاة المصلي عليه الصف، فلا يجوز له أن يتقدم عن الصف أو يتأخر؛ لأن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة، وعلى من يصلي على كرسي أن يبذل جهده في سبيل استقامة الصف دون أن يضر بالمصلين، فإذا عجز عن تمام المحاذاة مع الصف فلا حرج عليه في ذلك لأنه معذور وقد قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:16] وقال أيضاً: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]
❐وعلى هذا فإذا كان سيصلي جالسا من أول صلاته فلا يطالب باصطفاف رجليه مع أرجل القائمين، لأن مقعدته في هذه الحالة تقوم مقام رجليه، وعليه فإن وضع الكرسي في هذه الحالة أن تكون قائمتاه الخلفيتان على خط الصف مما يجعل المصلي متقدما بأرجله عند الجلوس هو الصواب إذا كان يؤدي الصلاة كلها جالساً.
جاء في الموسوعة الفقهية: (والاعتبار في التقدم وعدمه للقائم بالعقب وهو مؤخر القدم لا الكعب، فلو تساويا في العقب وتقدمت أصابع المأموم لطول قدمه لم يضر.. والعبرة في التقدم بالألية للقاعدين وبالجنب للمضطجعين) انتهى مختصراً
أما إن كان سيبتدئ صلاته بالقيام ثم يجلس عند الركوع والسجود، فإن العبرة بالقيام فيحاذي الصف عند قيامه، وعلى هذا سيكون الكرسي خلف الصف، فينبغي أن يكون في موضع بحيث لا يتأذى به من خلفه من المصلين.
ففي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء ببلاد الحرمين: فيما يتعلق بالجلوس على المقاعد لأصحاب الأعذار في الصف: المريض يصلي على حسب استطاعته، قائمًا أو قاعدًا أو على جنب، أو مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة، ويومئ بركوعه وسجوده، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، ولا بأس أن يصلي على الكرسي إذا شق عليه الجلوس على الأرض، ولا بأس أن يوضع في الصف الأول، ولا يؤثر ذلك على اتصال الصف، وينبغي لإخوانه المسلمين أن يرفقوا به ويفسحوا له المكان المناسب، وإذا لم يجد مكانا مناسبا فليكن في طرف الصف دفعا للشقاق. انتهى.
❐كما أنه لا ينبغي أن يضع الكرسي في طرف الصف يمنة أو يسرة، ويترك الصلاة في الصف، لما ورد من النهي عن الصلاة منفردًا خلف الصف، فلا ينبغي لأحد أن يصلي منفردًا خلف الصف إلا لعذر.
❐ وفي صحة الصلاة خلف الصف خلاف فقهي، والجمهور على صحتها خلافا للحنابلة، واستدلوا بأن النبي ﷺلم يأمر أبا بكرة حين ركع قبل أن يدخل الصف أن يعيد الصلاة، فقد روى البخاري عن أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي ﷺوهو راكع فركع، قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي ﷺفقال: زادك الله حرصا ولا تعد) [رواه البخاري 783]
واستدلوا كذلك بأن النبي ﷺ أدار ابن عباس من ورائه في أثناء الصلاة [ متفق عليه ]
❐ فإذا جاز أن يكون الانفراد في جزء من الصلاة، جاز أن يكون في جميعها ؛ إذ لو كان مبطلاً للصلاة لم يكن بين قليله وكثيره فرق، ثم استدلوا كذلك بالقياس على المرأة فإن صلاتها منفردة خلف الصف صحيحة.
والنساء شقائق الرجال في الأحكام وهذا الواجب وهو المصافة، وألا ينفرد خلف الصف كغيره من الواجبات؛ يسقط بالعجز عنه عجزاً شرعياً، أو عجزا حسياً مع تعذر البدائل، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} التغابن/16 .
وقول النبي ﷺ: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) [ متفق عليه ]
فيجب القيام في الصف إذا وجد مكاناً فيه، فإن لم يجد مكاناً ولم يأت احد ليصافه، ولم يتمكن من المصافة مع الإمام، سقط عنه هذا الواجب، ولأهل العلم تفصيل في هذه البدائل ليس هذا موضع بسطه.
هذا ولا ينبغي لمن جاء متأخرا ولم يجد مكانا في الصف أن يسحب أحدا من الصف المكتمل المتقدم ليصافه لما في ذلك من المحاذير أحدها : فتح فرجة في الصف، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالمصافة، ونهى أن ندع فرجات للشيطان، ولما في ذلك من ظلم للمجذوب بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول ، ولكونه قد يشوش عليه صلاته، وربما نازعه أو شاتمه إذا فرغ منها .
أما ما روي من قوله ﷺأنه قال لمن رآه يصلي وحده خلف الصف : ( ألا دخلت معهم أو اجتررت أحداً) فإنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة[ رواه الطبراني]في الأوسط 8/374 وقال الهيثمي : ضعيف جدًا .
ومما هو جدير بالذكر أنه لا ينبغي تحجير مواضع الصلاة في المساجد، بل هي لمن سبق، إلا لمن كان في المسجد سلفًا، وقد ذهب لقضاء حاجة كوضوء ونحوه
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:عمن تحجّر موضعاً من المسجد بسجادة أو بساط أو غير ذلك هل هو حرام؟
وإذا صلى إنسان على شيء من ذلك بغير إذن مالكه هل يكره أم لا؟
فأجاب رحمه الله: ليس لأحد أن يتحجّر من المسجد شيئاً، لا سجادة يفرشها قبل حضوره ولا بساطاً ولا غير ذلك، وليس لغيره أن يصلي عليها بغير إذنه، لكن يرفعها، ويصلي مكانها في أصح قولي العلماء. انتهى (الفتاوى الجزء الثاني والعشرين : 193.)
ومن الحلول المقترحة في المساجد الكبيرة:
إتاحة كراسي خفيفة الحمل في كل نواحي المسجد: من الأمام، ومن الخلف، ومن الجوانب، ومن قدم ممن يحتاج إليها تناول واحدًا منها، وجلس عليه،
ويكون موضعه من الصف بحسب مجيئه، فلا يحرم من الصفوف الأولى إن جاء مبكرًا، ولا يحرم منها غيره إن جاء متأخرًا!
ثم يعاد الكرسي إلى موضعه بعد ذلك، وهذا هو ما عليه الحال في الحرمين الشريفين.
والله تعالى أعلى وأعلم
رابط الفتوى