هل يقبل الله حج الظالم الآكل لحقوق الناس؟
الحج يكفر جميع الذنوب الصغائر والكبائر في الراجح من أقوال العلماء، ومن قال بذلك من أهل العلم احتجوا بظاهر حديث أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) متفق عليه.
وفضل الله تعالى واسع .
لكن الذي يكفره الحج هو الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى ، أما ما يتعلق بحق العباد فلا يسقطها الحج – ولا الجهاد ، ولا الهجرة ، ولا غير ذلك من الطاعات ؛ لأن الشريعة قد شددت على حقوق العباد أعظم تشديد ، فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:” أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام ، وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار .
وقال صلى الله عليه وسلم : (يحشر الله العباد ، عراة حفاة غرلا بهما ، قال: قلت: ما بهما؟ ، قال: ليس معهم شيء وينادي مناد بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ، أنا الملك الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة يدخل الجنة ، وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة، حتى اللطمة ، قال: قلت: وكيف وإنما نأتي عراة غرلا بهما؟ ، قال: الحسنات والسيئات .) أخرجه أحمد في المسند وحسنه الشيخ الألباني في “صحيح الترغيب والترهيب” .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه “الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 493)”: “إن صحة التوبة فيما بينه وبين الله لا تسقط حقوق العباد من العقوبة المشروعة في الدنيا؛ فإن من تاب من قتل، أو قذف، أو قطع طريق، أو غير ذلك، فيما بينه وبين الله – فإن ذلك لا يسقط حقوق العباد من القود، وحد القذف، وضمان المال، وهذا السب فيه حق لآدمي، فإن كانت التوبة يغفر له بها ذنبه المتعلق بحق الله وحق عباده، فإن ذلك لا يوجب سقوط حقوق العباد من العقوبة”.
وقال ابن عبد البر في “التمهيد” (15/12) :” التوبة أن يترك ذلك العمل القبيح بالنية والفعل ، ويعتقد أن لا يعود إليه أبدا ، ويندم على ما كان منه فهذه التوبة النصوح المقبولة إن شاء الله عند جماعة العلماء “. انتهى
فإن كان الذنب متعلقا بحق من حقوق العباد فيشترط فيه شرط رابع ، وهو أن يتحلله من صاحبه في الدنيا بأن يرد إليه الحق ، أو يطلب منه العفو .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( “من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء ، فليتحلله منه اليوم ، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). أخرجه البخاري .