شعبان .. شهر يغفل عنه الناس

تاريخ الإضافة 11 فبراير, 2024 الزيارات : 13152

شعبان .. شهر يغفل عنه الناس

إن من رحمة الله بعباده أن يسر لهم مواسم الطاعات والخيرات وجعل لهم في أيام دهرنا نفحات ليتعرض لها العباد ، فها هي قد أظلتنا مواسم المغفرة والطاعات ، وها هي الشهور المباركة تهل علينا ؛ فشهر شعبان يبشرنا قدومه بمقدم شهر رمضان الضيف الكريم الذي ننتظره من العام إلى العام ؛ فهو شهر الصيام والقرآن والرحمات .

استقبال النبي –صلى الله عليه وسلم – شهر شعبان :

عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان » رواه البخاري ومسلم

وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان ، وإنما كان يصوم أكثره .

ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : « ما علمته – تعني النبي صلى الله عليه وسلم – صام شهرا كله إلا رمضان »

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ، فقال :

ذاك شهر تغفل الناس عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ” رواه النسائي .

إذن فصيام شعبان استعدادا لرمضان وتعميرا لأوقات الغفلة بالطاعة والعمل الصالح ، فقد كنا في رمضان الماضي كلنا نشاط وهمة وطاعة ومسارعة بالخيرات ، فلما انتهى رمضان انشغلنا بالدنيا وغفلنا كثيرا عن الطاعة … وتكاسلنا …. وفرطنا …. فأنعم الله علينا بشهر شعبان لنحسن ختام العمل في نهاية السنة الإيمانية ، وليكون بداية تنشيط الهمم للعمل الصالح استعدادا لشهر رمضان .

غفلة بين رجب ورمضان :

أما شهر رجب كان معظما في الجاهلية فهو من الأشهر الحرم التي حرموا القتال فيها؛  وكان يُسمى عندهم رجب الأصم لأنه لا يُنادى فيه بالقتال أو لأنه لا يُسمع فيه صوت السلاح .

وسُمي رجبٌ رجباً لأنه كان يُرجَّب أي يُعظَّم ، وكانوا يعتمرون فيه ويذبحون فيه ذبيحة تسمى “العتيرة ” فجاء الإسلام فأقرهم على كونه من الأشهر الحرم دون تخصيصه بعمرة أو ذبيحة .

 وأما شهر رمضان في الإسلام فيه ما فيه من الفضل .

ومعنى الغفلة في شعبان بأن يترك الناس الاجتهاد والطاعات ويقصرون فيها فيقول القائل ممنياً نفسه : ها هو رمضان قد أوشك على القدوم ، وإن شاء الله في رمضان أعوض ذلك كله ،فيفتح لنفسه باب الأماني سأصوم في رمضان …..سأقيم اليل في رمضان …..سأتلو القرآن ….وهكذا فيقعد عن العمل الصالح في شعبان ويتكاسل عنه ،وذلك التسويف والتأجيل من أماني النفس البشرية التي تحب الكسل والنوم في العسل وتكره العمل ، حتى يأتي رمضان وهو ضعيف الهمة مستثقلا العمل الصالح فيقول ما زلنا في أول أسبوع سأنشط بعد أيام ….سأجتهد في النصف الثاني ….لا لا في العشر الأواخر …..سأحرص على حضور ليلة القدر في أحد المساجد …..وهكذا حتى ينتهي رمضان وقد ضيع الكثير والكثير .

فعلينا أن نجدد النية ونقوم برفع اللياقة الإيمانية في شعبان استعدادا لرمضان إن شاء الله ، والله تعالى تكفل لمن أقبل على طاعته بأن يوفقه ويعينه ويسدده كما في الحديث القدسي “من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة.

 وهذا الحديث الصحيح يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود، فهو أسرع إليهم بالخير والكرم والجود منهم في أعمالهم، ومسارعتهم إلى الخير والعمل الصالح،  فالله سبحانه وتعالى ما أمرك أن تدعوه إلا ليجيبك، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك، وما أمرك أن تتوب إلا ليتوب عليك، فلولا توفيق الله لهلك العبد ، والشيطان دوما يوسوس لنا ليقعدنا عن العمل الصالح ، فتتعلل بضعف بدنك وقلة وقتك وكثرة مشاغلك وأسفارك وعملك ومالك وولدك ، فتضعف حينئذ عن العمل الصالح ، وخير طريق لذلك الاستعانة بالله في مجاهدة النفس ومغالبة وساوس الشيطان بالاستعاذة بالله منه فهو وحده الموفق والمعين .

فضل العبادة في أوقات الغفلة :
1-
الفوز بمحبة الله : فالله يحب من ينتبهون لأوقات الغفلة فيتقربون إلى الله بالعمل الصالح ، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة ، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة .

2- أنه أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل  .

3-  العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس ، لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل ، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين ، وعادة بعض الناس في زماننا الإعراض والانشغال عن الطاعة والعمل الصالح والملل منها والضيق بها وكأن أثقل شيء على نفوسهم هو الإقبال على الله ،فالسعي للدنيا يجعلهم يهرولون عليها ويسارعون ويتنافسون عليها ، أما إن كان السعي لله وجدت العلل والأعذار الواهية ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليـه أجر خمسين منكم قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم» صححه الألباني

 والمعنى : أن من عمل عملا كان الصحابة يعملون مثله ينال عليه أجرا مضاعفا خمسين ضعفا عما كان يناله الصحابة، والسبب في هذا أن الصحابة كانوا يجدون على الخير أعوانا، وهؤلاء لا يجدون على الخير أعوانا كما ورد في بعض روايات الحديث الأخرى .

فزاد أجرهم بزيادة مشقة هذه الأعمال على نفوسهم ، وليس المقصود أنه أفضل من الصحابة ؛وإنما المقصود أن العمل الواحد يوازن ذلك ؛أما مجموع عمل الصحابي فلا يحصل أحد بعدهم درجتهم وشرف صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم .

وعند مسلم من حديث معقل بن يسار : ” العبادة في الهرْج كالهجرة إلي “أي العبادة في زمن الفتنة ؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك بدين الله كالقابض على الجمر.

رفع الأعمال إلى الله  :

كما جاء في الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قالقلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع الإعمال فيه إلى رب العالمين, فأحِبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني .

ورفع الأعمال إلى الله تعالى مع كونه صائماً أدعى إلى القبول عند الله تعالى ؛ فلكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يختم السنة الإيمانية بالصيام في شعبان كما ابتدأها بالصيام في رمضان ، والصيام خير الأعمال ، وأعظمها أجرا

وهذا لا ينفي فضيلة بقية الأعمال الصالحة من قيام الليل والنوافل والذكر والدعاء …..الخ


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم