معنى قوله تعالى ” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30].
الفطرة في اللغة: مأخوذة من فطر الشيء يفطره، إذا شقه، فشقّ الشيء معناه فطره، وتفطر يعني: تشقق، والفطر هو الشق، وقال عز وجل: إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ [الانفطار:1]، أي: انشقت،
وفي حديث عائشة رضي الله عنها كما في البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه) يعني: تتشقق.
والفَطر هو الابتداء والاختراع، قال الله عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [فاطر:1]، يعني: خالقهما ومبتدئهما.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كنت لا أدري ما (فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما : أنا فطرت البئر، فهي بئري، يعني: أنا بدأتها. ففهم معنى الفطر من قول الأعرابي، فهذا من حيث اللغة.
أما من حيث الاصطلاح، فالفطرة هي دين الإسلام. كما في الآية التي معنا : قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30].
إن الحقيقة التي نستنبطها من القرآن في هذه القضية: هي أن كل مولود يولد على فطرة التوحيد، فقد دلتنا قصة آدم عليه السلام على أنه كان على عقيدة التوحيد، ودل القرآن الكريم والسنة النبوية على أن هذا لم يكن خاصاً بالإنسان الأول وهو آدم عليه السلام، وإنما هو عام في كل مولود.
يقول سبحانه وتعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30]. قال ابن كثير : أي: سدد وجهك واستمر واثبت على هذا الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية السمحة، ملة إبراهيم عليه السلام التي هداك الله لها، وكملها لك غاية الإكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فقد فطر الله تعالى العباد على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره.
وقوله: (حَنِيفًا ) يعني: مائلاً عن الأديان إلى الإسلام.
وقد اختلف العلماء في تفسير قوله تعالى: ((لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)) فقال بعض العلماء: إنها خبر بمعنى الطلب، كما تقول في الحديث: (لا ضرر ولا ضرار)، فلفظه لفظ الخبر، لكن المقصود به الأمر أو النهي ، أي: لا تضر غيرك سواء ابتداء أو على سبيل المقابلة. وكذلك مثل قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، فلفظه لفظ الخبر، والمراد به الطلب والتكليف، أي: لا ترفثوا ولا تفسقوا، بدليل أن الناس قد يرتكبون مثل هذا، فدل على أنه أمر شرعي إرادي، وليس أمراً كونياً قدرياً. إذاً: فقوله: ( لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) خبر بمعنى الطلب، أي: لا تبدلوا خلق الله، ولا تحرفوا الناس عن فطرتهم.
القول الثاني: أنها خبر على بابه، وليس المقصود بها الأمر أو التكليف، لكن المعنى أن الله سبحانه وتعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، فلا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بينهم في ذلك، فكل الناس يستوون في أنهم يفطرون على الفطرة المستقيمة السوية.
وفسر البخاري قوله تعالى: ( لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) قال: لدين الله، واستشهد أن قوله تعالى: خُلُقُ الأَوَّلِينَ [الشعراء:137] يعني دين الأولين، ثم قال: الفطرة الإسلام. وقال سبحانه وتعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213]، وزادها إيضاحاً في قوله: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [يونس:19]. فهذه الآيات الكريمات تدل على أن الدين الحنيف هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وأن ذلك هو الدين القيم الذي كان الناس عليه قبل أن يختلفوا. قال العلماء في تفسير قوله تعالى: (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً )) أي: أن الناس بقوا عشرة قرون على الدين الحق، وذلك قبل حدوث التغيير وظهور الشرك، فبقي الإسلام والتوحيد ولم يطرأ شرك إلا بعد ألف سنة من وجود البشرية في هذه الأرض، ثم طرأ الشرك بعد ذلك.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، )،
ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30] رواه البخاري ومسلم .
يقول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: ( ما من مولود ) يعني: ليس هناك مولود من بني آدم. قوله: ( إلا ويولد على الفطرة ) ، أي: على دين الإسلام