أبناؤنا ومستقبل اللغة العربية في بلاد الغرب

تاريخ الإضافة 18 ديسمبر, 2022 الزيارات : 12841

أبناؤنا ومستقبل اللغة العربية في بلاد الغربصور_قواعد_اللغة_العربية_x (نسخ)

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية

ما هواليوم العالمي للغة العربية :

يحتفل الناطقون باللغة العربية باليوم العالمي للغة الضاد، الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، وهو التاريخ الذي أقرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغة العمل في الأمم المتحدة.

فعند إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 اعتمدت خمس لغات حية هي الإسبانية والإنجليزية والروسية والصينية والفرنسية، بحيث تكون لغات توثيق المحاضر الرسمية وأوراق العملأثناء الاجتماعات، والمعتمَدة في الترجمة الحية المباشرة أثناء المؤتمرات تحدثا وكتابة.

وفي 18 ديسمبر1973 تقدمت المغرب والسعودية باقتراح لإدراج اللغة العربية لتكون لغة سادسة فأقر المجلس التنفيذي لليونسكو اعتماد العربية لتكون لغة رسمية سادسة تتحدث بها الوفود العربية، وتصدر بها وثائق الأمم المتحدة، وأصبحت لغة رسمية في الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات الفرعية التابعة لها.

اللغة العربية عالميا :

وتأتي اللغة العربية حاليا في المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، من حيث ترتيب اللغات في الكرة الأرضية، وهي تعد من أكثر اللغات انتشارا في العالم، يتكلم بها أكثر من 422 مليون نسمة (موسوعة ويكبيديا)

واللغة العربية من أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية، فعلى سبيل المثال، يحوي معجم لسان العرب لابن منظور من القرن الثالث عشر أكثر من 80 ألف مادة، بينما في اللغة الإنجليزية فإن قاموس صموئيل جونسون، وهو من أوائل من وضع قاموسًا إنجليزيًا، من القرن الثامن عشر، يحتوي على 42 ألف كلمة .

ومما يعزز وجودها أنها لغة القرآن الكريم والدين الإسلامي، الذي يعتنقه كل يوم أفواج من البشر من مختلف أنحاء الأرض.

مكانة اللغة العربية في الإسلام :

اللغة العربية عنوان هويتنا العربية الإسلامية، وإهمال استخدامها إضعاف لهويتنا التي هي أساس نهضتنا وتطورنا.

واللغة العربية نزل بها القرآن بلسان عربي مبين، فهي محفوظة بحفظ الوحي المنزل بها، قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)الحجر9

وإذا كانت كل أمة تتسابق لتسمو وتتشرف بين الأمم بلغاتها، فإن شرف أمتنا في اختيار الله تعالى للغة العربية لتكون لغة أفضل كتبه، وهو القرآن الكريم، قال سبحانه:( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)) الشعراء
وقال تعالى:( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) يوسف 2  

فالقرآن هو الذي حفظ لهذه اللغة بقاءها ونماءها وتطورها وتجددها وحيويتها، ومعلوم أن لغات أوروبا كلها أصلها اللاتينية، ولكن لما انقسمت وتعددت دول أوروبا ظهرت عشرات اللغات فيها كالفرنسية والألمانية والبرتغالية والاسبانية ….. الخ

أما اللغة العربية فبقيت محفوظة ببقاء القرآن، وإن تعددت اللهجات ، ولكن إذا تحدثت بالعربية الفصحى يفهمك أخوك العربي في أي مكان.

وأذكر أننا التقينا في أحد ليالي رمضان بعد صلاة التراويح وكنا متعددي الجنسيات فقال أخ اردني : (أنا هسه تعبان وأحتاج ان انام !!!) فقال أحد الجالسين ما معنى (هسه) فتبسم قائلا : هي اختصار كلمة هذه الساعة بالدارجة الأردنية ؛ يعنى بالفصحى (الآن )

فقلت لهم كل واحد منا يذكر كلمة (الآن) ماذا تعنى في اللهجة الدارجة ببلده ؟

فقال اللبناني  : هلا ، وقال التونسي : في التو ، وقال المغربي : دابا ، وقال الجزائري : ضرك ، وقلت أنا كمصري : دلوقت  !!!

فسبحان الله !!!كلنا يفهم كلمة (الآن ) بدون عناء لأنها فصحى .

ولهذا فإن علينا أن نفخر بإنتمائنا للأمة العربية وللدين الاسلامي معا.. وعلينا أن نحرص على التحدث بها، ولا نستحي منها، ولا يكون عندنا عقدة نقص فنتشدق ببعض الكلمات الأجنبية التي نحفظها ونهجر العربية، لغة القرآن.

ورحم الله الشاعر حافظ إبراهيم حينما قال:

رجعـت لنفسي فاتهمـت حصــاتي**** وناديت قومــي فاحتسـبت حياتي
رمونـي بعقـم في الشـباب وليتنـي**** عقمـت فلـم أجزع لقـول عداتـي
وســـعت كتاب الله لفظا وغــاية ****وما ضقـت عن آي به وعظــات
فكيف أضيق اليوم عن وصــف ****آلة وتنســيق أسماء لمخترعــــات
أنا البحـر في أحشائه الدر كــامن*** فهل سألوا الغواص عن صدفاتــي

إن اللغة العربية هي شعار الدين ووعاؤه، والقرآن لا يقرأ كما أنزله الله تعالى إلا بالعربية، ولا يتعبد بتلاوته إلا بها، وكل النصوص التي جاء فيها فضل قراءة القرآن، فإنما مرادها قراءته بلسان العرب، ومن هنا كان تعلم اللسان العربي لكل مسلم دائرا بين الواجب والمستحب؛ فما لا تتم العبادة إلا به كقراءة الفاتحة لا بد أن يقرأها الأعجمي بلسان عربي، ولا تغنيه ترجمتها أو فهم معانيها شيئا، ولا تصح صلاته إلا بها.

يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى: (اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية).

واللغة العربية مصدرُ عزٍّ للأمة:لا بد من النظرِ إلى اللغة العربية على أنها لغةُ القرآن الكريم والسنة المطهرة، ولغةُ التشريع الإسلامي؛ بحيث يكون الاعتزازُ بها اعتزازًا بالإسلام، وتراثه الحضاري العظيم، فهي عنصرٌ أساسي من مقوماتِ الأمة الإسلامية والشخصية الإسلامية، والنظر إليها على أنها وعاء للمعرفةِ والثقافة بكلِّ جوانبها، ولا تكون مجردَ مادةٍ مستقلة بذاتها للدراسة؛ لأنَّ الأمَّةَ التي تهمل لغتَها أمةٌ تحتقر نفسَها، وتفرضُ على نفسِها التبعية الثقافية.

يقول مصطفى صادق الرافعي – رحمه الله – مبينًا هذا: “ما ذلَّت لغةُ شعبٍ إلاَّ ذلَّ، ولا انحطَّت إلاَّ كان أمرُه في ذَهابٍ وإدبارٍ”

اللغة هوية كل أمة :

لو نظرنا إلى غيرنا من الامم وأصحاب اللغات الأخرى لوجدنا اعتزازهم بلغاتهم وحرصهم عليها فعلى سبيل المثال :

فهؤلاء اليهود قد أخرجوا عبريتهم من قبرها، وأحيوا مواتها، وجعلوها اللسان الوحيد بينهم، وارتضوها لغة التدريس لطلابهم، حتى في المواد العلمية والتجريبية لا يدرسونها لأولادهم إلا بالعبرية.

واليابانيون الذين بلغوا من التقدم ما بلغوا حافظوا على لغتهم، وجعلوها لغة العلم في بلادهم، وترجموا كتب الغربيين إليها، ولم يفرضوا اللغات الغربية على طلابهم.

وهكذا فعل الكوريون وهم في الصناعة والتقنيات ما تعلمون، وأما الصينيون فأمرهم عجب؛ إذ ما يصدر اليوم كتاب علمي في الغرب إلا وينبري له المترجمون ليطبع من الغد باللغة الصينية.

يقول الأستاذ د. جابر قميحة في مقال له عن العربية، ذاكرًا اعتزازَ الآخرين بلغتهم : “كان رئيس وزراء الصين (شو إن لاي) يلتزم الحديث باللغة الصينية في لقائه مع السياسيين الأجانب وفودًا وأفرادًا، مع أنه يتقن ويحسن الإنجليزية والفرنسية، وعلَّل ذلك بأن اللغة القومية هي قطعة من الوطن، وتاريخه، وتراثه“.

فهل يغار هؤلاء على لغاتهم، ويحافظون على ألسن طلابهم، مع أن لغاتهم لا تساوي شيئا أمام لغة القرآن في مفرداتها وجملها وبلاغتها واستيفائها لحاجات العصر ومصطلحاته ومتطلباته، ويتنكر العرب للغتهم العربية التي اختارها الله تعالى لهم، وأنزل كتابه بها؟! فيزاحمونها باللغات الأجنبية بحجة التقدم والتطور، واستيفاء حاجات العصر!!

اللغة العربية كانت اللغة الاولي عالميا لأنها لغة الحضارة والعلم :

في عهد الحضارة الإسلامية انتشر الإسلام شرقا وغربا، ونشر الصحابة اللغة العربية، فتغلغلت في جميع نواحي الأرض من المغرب إلى الهند ، واكتسحت اللغة العربية سائر اللغات المستعملة في تلك البلدان؛ كالسريانية واليونانية والقبطية والبربرية، وأثرت في اللغات الأخرى كالأردية والفارسية تأثيراً عظيماً، واكتسحت اللغة العربية اللغة اللاتينية في أسبانيا في العصور الوسطى، حتى أن أهل الذوق من الإسبان بهرتهم نصاعة هذه اللغة، واحتقروا لاتينيتهم، وأقبلوا على تعلم هذه اللغة، وإحصائية القاموس الإسباني والبرتغالي تشهد بأن ربع كلمات الإسبانية والبرتغالية أصولها مشتقةٌ من اللغة العربية .

فلما كنا سادة وقادة، كان العالم لنا تبعاً، وكانت لغتنا هي اللغة السائدة، وكانوا يتعلمونها لأنها اللغة التي كتبت بها العلوم وقتئذ ، فلا يمكن لهم تقدمٌ إلا بتعلمها، فأقبلوا عليها يتعلمونها ، وجاءوا من أنحاء أوربا إلى الأندلس ليتعلموا اللغة العربية في الأندلس ، وبعثوا البعثات إليها.

يقول بعض المستشرقين: إن أرباب الفطنة والتذوق من النصارى سحرهم رنين الأدب العربي، فاحتقروا اللاتينية، وصاروا يكتبون بلغة القوم القاهرين ؛ حتى قال أحد القساوسة من النصارى: واأسفاه! إن الجيل الناشئ من المسيحيين لا يحسنون أدباً أو لغةً غير الأدب العربي واللغة العربية، وإنهم ليلتهمون كتب العرب ويجمعون منها المكتبات الكبيرة بأغلى الأثمان.

وكتب الفارو مقران في عام (854م) إلى أحد أصدقائه رسالة يقول فيها: إننا لا نرى غير شبان مسيحيين هاموا بحب اللغة العربية، يبحثون عن كتبها، ويقتنونها، ويدرسونها في شغف، ويعلقون عليها، ويتحدثون بها في طلاقة، ويكتبون بها في جمال وبلاغة، ويقولون عليها الشعر في رقة وأناقة، يا للحزن! مسيحيون يجهلون من كتابهم وقانونهم ولاتينيتهم، وينسون لغتهم نفسها، ولا يكاد الواحد منهم يستطيع أن يكتب رسالة معقولةً لأخيه مسلِّماً عليه، وتستطيع أن تجد جمعاً لا يحصى يظهر تفوقه وقدرته وتمكنه من اللغة العربية.

وهذه بعضَ اقوال علماء الغربُ عن ميزات لغتنا، (والفضل ما شهدت به الأعداءُ)

من كتاب الفصحى لغة القرآن؛ أنور الجندي (ص301 وما بعدها)

1-   قال المستشرق المجري عبدالكريم جرمانوس: “إنَّ في الإسلامِ سندًا هامًّا للغة العربية أبقى على روعتِها وخلودها، فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة، على نقيضِ ما حدث للغاتِ القديمة المماثلة كاللاتينية؛ حيث انزوت تمامًا بين جدرانِ المعابد، ولقد كان للإسلامِ قوة تحويل جارفة أثرت في الشعوبِ التي اعتنقته حديثًا، وكان لأسلوبِ القرآن الكريم أثرٌ عميق في خيالِ هذه الشعوب، فاقتبست آلافًا من الكلماتِ العربية، ازدانت بها لغاتها الأصلية، فازدادت قوةً ونماءً، والعنصرُ الثاني: الذي أبقى على اللغةِ العربية هو مرونُتها التي لا تُبارى، فالألماني المعاصر مثلاً لا يستطيع أن يفهمَ كلمةً واحدةً من اللهجةِ التي كان يتحدث بها أجدادُه منذ ألف سنة، بينما العربُ المحدثون يستطيعون فهمَ آداب لغتِهم التي كتبت في الجاهليةِ قبل الإسلام“.

2-   وقال المستشرق الألمانييوهان فك“: “إنَّ العربيةَ الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزِها العالمي أساسيًّا لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنَّها قد قامت في جميعِ البلدان العربية والإسلامية رمزًا لغويًّا لوحدة عالم الإسلامِ في الثقافة والمدنية، لقد برهن جبروتُ التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كلِّ محاولةٍ يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامِها المسيطر، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائلُ، فستحتفظ العربيةُ بهذا المقامِ العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية“.

 

3-   وقالجوستاف جرونيباوم“: “عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمَّدٍ  – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنزلها قرآنًا عربيًّا، والله يقول لنبيِّه: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ﴾ مريم: 97، وما من لغةٍ تستطيعُ أن تطاولَ اللغةَ العربية في شرفِها، فهي الوسيلةُ التي اختيرت لتحملَ رسالةَ الله النهائية، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودعَ الله في سائرِ اللغات من قوةٍ وبيان، أمَّا السعة فالأمرُ فيها واضح، ومن يتتبع جميعَ اللغات لا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللغة العربية، ويُضاف جمال الصوت إلى ثروتِها المدهشة في المترادفات، وتزين الدقة ووجازة التعبير لغة العرب، وتمتازُ العربيةُ بما ليس له ضريب من اليسرِ في استعمالِ المجاز، وإن ما بها من كناياتٍ ومجازات واستعارات ليرفعها كثيرًا فوق كلِّ لغة بشرية أخرى، وللغةِ خصائصُ جمَّة في الأسلوبِ والنحو ليس من المستطاع أن يكتشف له نظائر في أيِّ لغةٍ أخرى، وهي مع هذه السعة والكثرة أخصرُ اللغاتِ في إيصال المعاني، وفي النَّقلِ إليها، يبين ذلك أنَّ الصورةَ العربية لأيِّ مَثَل أجنبيٍّ أقصر في جميعِ الحالات“.

وهذه رسالة عجيبة من ملك أوروبي كبير إلى خليفة المسلمين في الأندلس يلتمس فيها قبول الطلاب الأوربيين في معاهد العلم الإسلامية

إلى صاحب العظمة – خليفة المسلمين – هشام الثالث جليل المقام:

من جورج الثاني ملك انكلترا والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الجليل المقام

بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقيّ العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة.

وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس البعثة من بنات أشراف الإنكليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة، والحدب من قبل اللواتي سوف يقمن على تعليمهن، و قد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص..

من خادمكم المطيع

جورج. م. أ

جواب الخليفة الأندلسي هشام الثالث:

بسم الله الحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين، وبعد:

إلى ملك انجلترا و ايكوسيا واسكندنافيا الأجلّ..

اطلعت على التماسكم، فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين، دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي.

أمّا هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، و بالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية، وهو من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا.. و السلام.

خليفة رسول الله في ديار الأندلسهشام الثالث

المرجع: كتاب (العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى)لمؤلفه المؤرخ الإنجليزي السير جون دوانبورت.

المؤامرة على اللغة العربية في بلادنا :

ولما كانت هذه هي منزلة العربية من دين الإسلام؛ فإن أعداء الملة كرسوا حربهم لها، وسلقوا ألسنتهم بتحقيرها وتصغيرها، وسنوا أقلامهم لنقدها وعيبها؛ لأنها لسان القرآن وبيانه، ولعلمهم أنها وعاء الإسلام وشعاره، فتنفير الناس منها، وصرفهم عنها ما هو إلا صرف عن كتاب الله تعالى وعن دين الإسلام.
واشتدت على لغة القران حربهم، وتنوعت أساليبهم ووسائلهم، وما وهنت عزيمتهم، ولا يأسوا من تحقيق مرادهم، وكان من محاولاتهم البائسة: ادعاؤهم صعوبة العربية، ودعوتهم إلى إصلاحها والتعديل عليها:فمنهم من دعا إلى إلغاء الإعراب وتسكين أواخر الكلمات.

وسخر أحدهم من قواعد العربية، ودعا إلى تركها في مقالة عنونها بقوله: (هذا الصرف وهذا النحو أمَا لهذا الليل من آخر)

وآخرون منهم ركزوا هجومهم على الخط العربي، ودعوا إلى كتابة العربية بالأحرف اللاتينية بعد أن أقنعهم بعض المستشرقين بهذا الإثم المبين، وألفوا كتبا في ذلك، وقاموا بتجارب ومحاولات استجلبوها من فعل الترك لما كتبوا اللغة التركية بالأحرف اللاتينية.

وكانت أكبر محاولة لإلغاء لغة القرآن دعوة بعضهم إلى اللهجات العامية المحلية بديلا عن اللغة العربية، ونشط المستشرقون وأذناب المستعمرين لإنجاح هذه المحاولة.

وفي القرن الماضي بذلوا جهودا مضنية في هذا السبيل المظلم، وتفرغ بعض الأوربيين لدراسة لهجات مدن مصر والشام، وألفوا كتبا فيها، ووضعوا بزعمهم قواعد لها.

ودعا أحدهم إلى أن تكون اللهجة العامية هي اللغة الوحيدة للبلاد المصرية.

وألقى مستشرق محاضرة قال فيها: إن ما يعيق المصريين عن الاختراع هو كتابتهم بالفصحى!!.

وهذا مفتون آخر يقول: فتَّشْتُ طويلاً عن انحطاط المسلمين فلم أجد غير سببين أولهما: حجاب المرأة، والثاني: هو كون المسلمين ولا سيما العرب منهم يكتبون بلغة غير التي يحكونها.

وقام طه حسين وأذنابه ومن معه بحركة إلغاء الإعراب، وإشاعة قاعدة: سَكِّنْ تسلم، وإلغاء الحركات الإعرابية، كرفع الفاعل، ونصب المفعول به ..

وهذا كله لعمل فجوة بين الامة وفهم كتاب الله وإلا فكيف سيعرف المسلم معنى قوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]؟ الله: لفظ الجلالة مفعول به مقدم منصوب هو الذي يُخشَى، والعلماء: فاعل فهم الذين يَخشَون، وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ [البقرة:124] من الذي ابتلى؟ إبراهيمَ: مفعول به مقدم، ربُّهُ: فاعل مؤخر، فإذا ألغينا الحركات الإعرابية كيف سنفهم من الذي ابتَلى؟ ومن الذي ابتُلِي؟ ومن الذي يَخشى؟ ومن الذي يُخشى؟

ولما قام بعض المخلصين بتعريب المصطلحات والكلمات، قامت السخرية بالترجمة، أو بالتعريب، وقالوا: أتريدون؟ ترجمة الـ( Sandwich ) إلى شاطر ومشطور وبينهما طازج؟ سبحان الله! من الذي قال أن هذه ترجمة( Sandwich )؟ ما هو الشاطر؟ أليس السكين؟ والمشطور هو الشطيرة؟ كيف تكون ترجمة( Sandwich ) سكين وشطيرة؟ عندنا كلمة واحدة نقولها شطيرة أو فطيرة، وإذا كان( Sandwich ) هو اسم الشخص الذي اخترع الفكرة !!!

وإذا كان كل هذا الإضلال قد وقع في المشرق العربي فإن المغرب العربي قد نال حظه الوافر من حرب على اللغة العربية وعلومها وعلى من بلَّغ قرآنها ودينها؛ إذ أصبحت لغة القرآن لغة ثانية بعد الفرنسية، وجاء في تقرير أعدته لجنة العمل المغاربية الفرنسية: إنَّ أول واجبٍ في هذه السبيل هو التقليل من أهمية اللغة العربية، وصرف الناس عنها، بإحياء اللهجات المحلية واللغات العامية في شمال إفريقية.

يقول أحد الباحثين المغاربة: شعر المستعمر باستحالة اقتلاع اللغة العربية من أرض الجزائر وغرس اللغة الفرنسية مكانها، فلجئوا إلى وسيلة مُساعدة أخرى وهي الإيحاء لأكبر عدد من أبناء الجزائر بأن اللغة العربية ليست لغة أصليَّة في الجزائر، وإنما اللغة الأصلية لسكان الجزائر هي اللغة البَرْبريَّة لغة الأمازيغ، وقد تطوع الفرنسيون لوضع أبجدية لها كيما يمكن كتابتها.

والحمد لله الذي خيب أملهم أجمعين، فبقي لهم ما يسوؤهم من قوة لغة الضاد ومتانتها، وحاجة العرب إليها.

الاهتمام باللغة العربية بين أبنائنا في الغرب :

في أنحاء العالم تجد أولاد غيرنا يتقنون لغتهم القومية إلا المسلمين، حينما أجتمع هنا (أقصد في مونتريال ) مع شبابنا وأبنائنا لأكلمهم فلا بدّ من ترجمة بالفرنسية، لأن أبناء المسلمين في معظم بلاد الغرب لا يتكلمون العربية،أو يفهمونها ببطء شديد ، وهذا يضيع هويتهم، ويضيع انتماءهم لدينهم ولأمتهم .

وأنا لا اقصد باللغة العربية اللغة العامية التي يتداولها الناس ؛ أقصد باللغة العربية اللغة الصحيحة التي نزل بها القرآن الكريم.

كيف تتخيلون أن الابن أو الابنة يكبران وهما لا يستطيعان قراءة كتاب الله ؟ !!! ولا أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ؟؟!!!!

وتجد احدهم يمسك بمصحف كتب بالأحرف اللاتينية وهو للأسف عربي وابن عربي يقرأ بلغة هزيلة ركيكة (وهنالك فتوى للعلماء بحرمة كتابة القرآن بالأحرف اللاتينية)

وهذا التدهور في اللغة العربية بين أبنائنا في الغربة يرجع لعدة أسباب:

1-  عدم فرض الوالدان على الأبناء التحدث باللغة العربية في المنزل وترك الأطفال يتحدثون باللغة الأجنبية .. يتكلم الأب أو الأم مثلا اللغة العربية ويرد عليهم الطفل باللغة الأجنبية!!

2-  أحيانا يتكلم الأب والأم مع الأطفال باللغة الأجنبية .. اختصارا للوقت فليس لديهما وقت للشرح والترجمة!!!

3-    تعلم اللغة العربية في معظم بلدان المهجر في المركز الإسلامي في يوم السبت أو الأحد أي يوم واحد فقط في الأسبوع .. وهذا لا يكفي وحده لترسيخ اللغة في عقول الابناء .

4-  معظم من يقوم بتدريس اللغة العربية أشخاص متطوعون ليس لهم دراية كافية في أصول التعليم وأساليبه المختلفة

5- يكون الطفل في هذا اليوم مرهق من أسبوع دراسي مليء بالضغوط والدراسة والأنشطة ، وهذا يوم إجازته فنلاحظ أن معظم أبنائنا لا يحبون الذهاب للتعلم في المركز ويفضلون التمتع بيوم اجازتهم .

6-  المعلمون المسؤولون عن تعليم اللغة العربية من دول مختلفة وبالتالي نجدهم إما أن يتكلموا بلهجتهم الدارجة أو يشرحون اللغة العربية بالفرنسية .

7-  قلة الكتب العربية التعليمية الموجهة للأطفال في الغربة .

 إذن ما الحل ؟

1-  علينا أولا أن نهيأهم لتعلم العربية الفصحى بأن نشرح لهم مزايا اللغة العربية الفصحى، وأهمية تعلمها لارتباطها بالقرآن الكريم.

2-  جعل الطفل يحب لغته ويفتخر بها ويعتقد أن اللغة العربية هي الأروع والأجمل بين اللغات .

3-  على الأب والأم متابعة ما درسه الأبناء في مدرسة اللغة العربية في المنزل .

4-  الحرص الشديد على إلزام الأبناء على النطق بالعربية معهم وداخل المنزل.

5-  متابعة القنوات المفيدة العربية كي يعتاد عليها الطفل ويتعلم اللغة بشكل أفضل.

6-  متابعة المسلسلات الكرتونية الاسلامية الهادفة والملفوظة بالعربية الفصحى

7-   الاهتمام بتحفيظه القرآن من الصغر وتعليمه لفظ الحروف بشكلها الصحيح

8-   علينا أن نوفر لهم بيئة غنية بممارسة اللغة العربية الفصحى في بيوتنا وأثناء اجتماعاتنا الخاصة؛ بحيث نتيح لهم الفرصة للاستماع والتكلم باللغة العربية  الفصحى بقدر ما نستطيع، و أن نوفر لهم  كتبا مناسبة لأعمارهم باللغة العربية  يمارسون من خلالها القراءة، ونوفر نماذج للتدريب على الخط العربي يحاكونها في كتاباتهم.

9-  ويستحسن أن يخصص رب الأسرة حوافز تشجيعية لمن يحفظ مزيدا من القرآن، ومن يلتزم بممارسة العربية الفصحى من أبنائه داخل المنزل.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 356 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم