“إن إبراهيم كان أمة “

تاريخ الإضافة 4 يونيو, 2024 الزيارات : 6360

“إن إبراهيم كان أمة ” 

نعيش اليوم مع خليل الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .

والخليل إبراهيم هو الذي سمانا المسلمين كما قال تعالى -( ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين )- [الحج/78] وأمرنا الله باتباع ملته -( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )- [النحل/123] وقال تعالى : -( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين )- [البقرة/130]

وما أُمر الخليل بأمر من الله عز وجل إلا ووفاه فمدحه الله بقوله -( وإبراهيم الذي وفى )- [النجم/37] وقال تعالى : -( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن)- [البقرة/124] فقام على أمر الله خير قيام ووفى ما أمره الله سبحانه وتعالى به .

والخليل إبراهيم هو أبو الأنبياء :

فمن ذريته إسماعيل وإسحق ، ومن ذرية إسماعيل نبينا المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم- أما ابنه إسحق فمن ذريته يعقوب وله اثنا عشرا ابنا يوسف وإخوته ومنهم تفرع بنو إسرائيل فكانوا اثني عشر سبطا (لأن لقب يعقوب إسرائيل فنسبت ذريته إليه فيقال: بنو إسرائيل )

قال تعالى -( ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين )- [العنكبوت/27]

إن إبراهيم كان أمة :

ومدحه الله فقال -( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين )- [النحل/120] أمة يعني رجل يقتدى به فهو الذي إذا قام بفعل اقتدى به خلق كثير ، فهو رجل أمة يعني إماما يقتدى به في الخير ، وقيل أمة أي رجل يزن أمة ، وحق له ذلك فهو بالفعل يزن أمة -عليه السلام- وهذا لما جعل الله سبحانه وتعالى في سيرته من قدوة في حوار الذين يعبدون النجوم والكواكب وحوار آخر مع عبدة الأصنام ، وحوار ثالث مع الملك ، وثباته وتوفيته لأوامر الله ، وبلغ الابتلاء ذروته حينما أمر بذبح ولده فلم يتردد أبدا لأن رؤيا الأنبياء حق، قال تعالى : -( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين )- [الصافات/102]

والنبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة الإسراء والمعراج رأى الخليل “فقالَ : يا محمَّدُ ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ ، وأنَّها قيعانٌ ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ”وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ياخليل الرحمن .

“وأنَّها قِيعانٌ”، أي: وأخبِرْهم أنَّ تُربةَ الجنَّةِ قِيعانٌ، جمعُ قاعٍ، أي: أرضٌ مُستوِيةٌ مُتساويَةٌ.

الصلاة على النبي بالصيغة الإبراهيمية :

ومما يلفت النظر أننا في صلواتنا نقول بعد التشهد “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد “.

لماذا خص إبراهيم عليه السلام بالذكر في التشهد ؟

الأمر مردود إلي استجابة الله تعالى لدعاء خليل الله إبراهيم – عليه السّلام – “واجعل لي لسانَ صدقٍ في الأخرِين” الشعراء 84 ، وقوله تعالي “وتركنا عليه فى الآخرين”  الأية 108الصافات ، يعنى وأبقينا على ابراهيم ذكرا جميلا وثناء حسن فى الناس من بعده إلى يوم القيامة.

فالله سبحانه وتعالى صلى على إبراهيم وآله وبارك على إبراهيم وآله ، ولذلك من فضل الله سبحانه وتعالى أن كل مسلم يدخل في هذه الصلاة فأنت حينما تصلي على النبي وآله ، فآل النبي -صلى الله عليه وسلم- هم المؤمنون من أتباعه كما رجح الإمام ابن القيم رحمه الله .

ومن لطائف العلماء:

يقولون من البر بالوالدين الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- لماذا ؟ لأنك إذا صليت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وآله كان والداك مشمولان بهذه الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وآله ، فجعل الله الثناء والتعظيم والبركة في إبراهيم وآله فنحن نسأل الله أن يصلي على محمدوآله كما صلى على إبراهيم وآله ، وأن يبارك في محمد وآله كما بارك على إبراهيم وآله .
وجاء رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا خير البشر، قال: ” ذاك إبراهيم عليه السلام” البرية : يعني البشر، فخير البشر إبراهيم، أما النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو خير خلق الله كما قال ” أنا سيد ولد آدم ولا فخر “
وقال -صلى الله عليه وسلم- “يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرْلاً” قال “وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم” لماذا؟ قال العلماء: الحكمة في خصوصية إبراهيم بذلك لكونه ألقي في النار عرياناً.

هذه بعض المناقب للخليل إبراهيم ، والحديث عنه لا يتسع في لقاء واحد لكن أذكر هنا ما ارتبط بشعيرة الحج .

أولا / ما السر في أن الله سبحانه وتعالى قال : -( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا )- [النحل/123] ؟

كلمة الملة معناها الدين ، فملة إبراهيم معناها دين إبراهيم ، ما هو دين إبراهيم ؟ -( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين )- [البقرة/131] طيب لماذا التركيز على إبراهيم بالذات (رغم أن الإسلام دين الأنبياء جميعا)؟
لأن الخليل عليه السلام كان معظّما عند المشركين ، وسبب تعظيمهم للكعبة وبقاء مناسك الحج من طواف وسعي بين الصفا والمروة ووقوف بعرفة ونحر الذبائح والهدي والحلق و…كل هذه المناسك من بقايا ماورثوه من الخليل إبراهيم وولده إسماعيل، لكن طرأ على هذه المناسك بعض التشويه ، فكانوا يقولون هذه ثياب عصينا الله فيها فلا يطوفون إلا في ثياب تباع عند الحرم وإلا فعليهم الطواف عرايا رجالا أونساء !!!

وكانوا لا يسعون بين الصفا والمروة إنما جعلوا صنمين (إساف ونائلة ) فيهلون بينهما، ولذلك لما أمر الله بالسعي تحرج بعض الصحابة من ذلك لأنه كان في الجاهلية بين إساف ونائلة، نسوا أن الأصل هو السعي بين الصفا والمروة، وليس إساف ونائلة ، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله -( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم )- [البقرة/158]

وكان عندهم أيضا الوقوف بعرفة غير أن أهل مكة يقولون نحن أهل الحرم فلا يقفون بها، ولذلك قال تعالى -( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس )- [البقرة/199] فيجب أن يقف الجميع بعرفة أولا ثم يفيضون إلى مزدلفة ، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (الحج عرفة ) فمن لم يدرك عرفة زمانا ومكانا لا يصح له حجا .
وهكذا حتى لا أطيل في التفاصيل ، فكان عندهم تعظيما للخليل إبراهيم وإقامة لمناسك الحج وكان فيهم سقاية الحجيج ، والرفادة وهي إطعام الحجيج وضيافتهم ، وكانوا يذبحون الذبائح ويطعمون الناس ، وكانت الأنعام تجوب الجزيرة العربية هديا بالغ الكعبة ،وقد جعلوا لها القلائد .

” الهدي” ، هو ما أهداه المرء من بعير أو بقرة أو شاة أو غير ذلك ، إلى بيت الله ، تقربا به إلى الله ، وطلب ثوابه .

(القلائد) جمع قلادة وهي ضفائر من صوف أو وَبَر في الرقاب علامةً على أن البهيمة هَدْيٌ وأن الرجل يريد الحج
وأمنوا قوافل المسافرين للحج فحرموا القتال في أربعة أشهر شهرا قبل الحج ، وهو ذو القعدة ليأتي الناس الحرم في أمان، وشهر الحج، وهو ذو الحجة، وشهرا بعد الحج ليعود الناس إلى بيوتهم في أمن وأمان، بالإضافة إلى شهر رجب ، لأنهم كانوا يقصدون الحرم بالعمرة، ويذبحون عنده ذبيحة تسمى العتيرة، وقد أقرهم الإسلام على ذلك كله، ما عدا تعظيم العمرة في رجب أو الذبح فيه، قال تعالى : -( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم)- [التوبة/36]
وكانت اليهود أيضا يعظمون الخليل إبراهيم ، وكذلك كانت النصارى أيضا يعظمون الخليل إبراهيم، فبين الله عز وجل أن النبي الخاتم محمد بن عبد الله قد جاء على ما كان عليه الخليل إبراهيم فاتبعوا ما اتبعه محمد …… يا أهل مكة أنتم تقولون نحن نعظم الخليل إبراهيم ، ويا أهل الكتاب أنتم تقولون نحن نعظم الخليل إبراهيم ،جاءكم نبي الله محمد على ملة إبراهيم فاتبعوه .
ولما زعم المشركون أن إبراهيم منهم وقالت اليهود بل منا وكذلك النصارى ؛ قال الله عز وجل : -( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين )- [آل عمران/67]

إذن ملة إبراهيم أو دينه هو الإسلام قال تعالى : -( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون )- [البقرة/132]

رفع القواعد من البيت:

وقد شرف الله إبراهيم بشرف عظيم وهو رفع القواعد من البيت ، والراجح من كلام العلماء أن إبراهيم لم يؤسس البناء إنما رفع القواعد ، لأن البناء كان قد طمر بفعل الزمن الطويل ، والعوامل الجوية وحركة الرمال بفعل الرياح ، فرفع إبراهيم القواعد ليمهد لإحياء شعائر الحج ، قال تعالى : -( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق )- [الحج/27]

ولذلك لما بنى عليه السلام البيت كما يحكي ابن عباس أَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُبْلِغُ النَّاسَ وَصَوْتِي لَا يَبلغهم؟ فَقِالَ: يا إبراهيم أذن وَعَلَيْنَا الْبَلَاغُ.

فَقَامَ عَلَى جبل أَبِي قُبَيس، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنْ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا فَحُجُّوهُ …. ”
فبلغت دعوة الخليل إبراهيم المسلمين عبر العصور والأزمان المختلفة وما زالت أصداء دعوته نراها إلى يومنا هذا بالملايين التي نشاهدها كل عام ، يأتون من كل فج عميق .

ودعا الخليل إبراهيم ربه قائلا  {فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ. .} إبراهيم: 37

ونلاحظ قوله (أفئدة) وليست أجساما ، لم يقل فاجعل أجساداً ولا أقواماً ، إنما أراد إبراهيم ـ عليه السلام ـ أن تقبل الأفئدة إليه ، فألقى الله تعالى بالأفئدة إلى هذا البيت العتيق فتأتي مشتاقة يسوقها الحنين .

قال علي بن الموفق: حججت ستين حجة، فلما كان بعد ذلك جلست في الحجر، أفكر في حالي وكثرة تردادي إلى ذلك المكان، ولا أدري هل قبل مني حجي أم رد! ثم نمت فرأيت في منامي قائلا يقول لي: هل تدعو إلى بيتك إلا من تحب! قال: فاستيقظت وقد سرى عني.

 ومعنى تهوي: من الْهُويِّ أي: السقوط من أعلى لأسفل بفعل الجاذبية الأرضية ، فالذي يسقط من مكان عالٍ، ليس له اختيار في ألاَّ يسقط.

وهكذا تحِنُّ القلوب إلى بيت الله، وتتحرَّق شَوْقاً إليه، وكأن شيئاً يجذبها لأداء هذه الفريضة .

أي واحد فينا يرغب أن يذهب لمكان فيه النسيم العليل والأنهار أو البحار فيه شلالات فيه خضرة وجو معتدل ، لكن سبحان الله العظيم !!! جو مكة ليس فيه شيء من ذلك لكن الأفئدة تهوي تنجذب انجذابا كبيرا إلى هذا المكان وتتشوق وتتشوف إلى زيارته وأداء المناسك فيه، وربما يقول البعض أن من زار البيت روى شوقه ، كلا بل من زار البيت زاد شوقه كما قال تعالى : -( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا)- [البقرة/125] مثابة : من ثاب يثوب بمعنى يذهب ويعود وهكذا مرات ومرات ، فبركة دعوة الخليل إبراهيم إلى يومنا هذا أن أعداد الحجيج لا تنقص بل تزيد ، وأن شعائر الحج عموما تقام في كل عام ويأتي الناس من كل فج عميق .

وقد رأينا كيف أن الحجيج الآن يتحركون من جميع أنحاء الأرض سبحان الله العظيم !!! وهذه من آيات الله عز وجل ؛ فإبراهيم أذن والله سبحانه وتعالى بلغ دعوته الآفاق ، وجند الآلاف يعملون على تسهيل هذه الشعيرة للحجيج في الانتقال والسفر والحركة والإعاشة …. الخ .

 ذلك من آيات الله سبحانه وتعالى ودلائل عظمته عز وجل ، سبحان الله العظيم !!!

أنا دعوة أبي إبراهيم:

ودعا الخليل إبراهيم أن يبعث الله في هذا المكان رسولا من أنفسهم -( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )- [البقرة/129] فاستجاب الله دعوته فكانت مكة مهبط الوحي وبعث فيها خير خلق الله وخاتم رسله وأشرف أنبيائه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : ” أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى ” وهذا حينما قال عيسى : -( يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)- [الصف/6]

ارتباط مناسك الحج بالخليل إبراهيم :

ونلاحظ أن مناسك الحج مرتبطة بالخليل إبراهيم فنجد من المعالم الملازمة للكعبة مقام إبراهيم هذا الذي نراه في الصور وقصته : أنه لما طال البناء أراد الخليل إبراهيم أن يكمل البناء فأتاه ابنه بحجر ليعلو به ويتم البناء ، فلما وضع الخليل إبراهيم قدميه على الحجر ألان الله الحجر فانطبعت قدميه فيه وبقي الأثر إلى يومنا هذا ، فمقام الخليل إبراهيم موضع أثر في طاعة الله عز وجل خلد الله موطيء قدمي الخليل إبراهيم ليرى الناس في طوافهم وسعيهم وتلبيتهم أثر الخليل إبراهيم كعبد صالح من عباد الله في هذا المكان .

هاجر وقصة السعي بين الصفا والمروة :

أيضا أسرة الخليل إبراهيم (هاجر وإسماعيل) لهم مواقف في هذه البقاع الطاهرة ، وجعل الله من أركان الحج والعمرة السعي بين الصفا والمروة حينما يأتي الخليل إبراهيم بهاجر التي تربت على ضفاف النيل بمصر يأخذها بواد غير ذي زرع سبحان الله العظيم !!! والبعض يذكر هذا على أنه حدث بسبب غيرة سارة (زوجة إبراهيم الأولى ) من هاجر ، وهذا كلام غير مضبوط ، كيف يحدث هذا من نبي من أنبياء الله كالخليل إبراهيم ،فليس برجل ظالم ولا يؤثر حب زوجته أو هوى نفسه ، كلا كلا ، بل هو نبي كريم من أنبياء الله يتحرك في كل حركة بإذن الله وأمره ، فنزول هاجر وولدها بهذا المكان بواد غير ذي زرع كان بأمر الله سبحانه وتعالى .
ولذلك قالت المؤمنة التقية هاجر عليها السلام لزوجها الخليل إبراهيم : لمن تتركنا ؟ فلم يرد إبراهيم هو ينفذ الأمر كما أمر الله ، ثقة ويقين في طاعة الله عز وجل ، قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لن يضعينا!!
وكانت كلمة صدرت من قلب ولسان صادق ، تخيلوا امرأة في صحراء حيث لا إنس ولا أنس ولا مأوى ولا معالم لحياة أو نجاة ،ونفد الزاد والماء من هاجر، وجاءت الساعة الحرجة، وانطلقت الأم بين الجبلين تسعى باحثة عن غوث للرضيع الذي يوشك أن يهلك وعلا صراخه مع شدة الجوع ، وأكثر ما يؤذي الأم أن يتألم طفلها وهي لا تملك له شيئا .
ماذا تفعل ؟ تحركت هاجر أخذا بالأسباب ، قريبا منها جبلين : الصفا والمروة .
لكن لماذا الصعود للجبل ؟
لأن الجبل يكشف المنطقة كلها لمن يصعد فوق قمته، فربما ستجد مسافرين يكون معهم زاد وماء، أو يكون هناك طير يحوم في مكان ما فيكون في هذا المكان ماء ، هذا أقصى ماتتمناه هاجر أي سبب للنجاة .

وتصعد هاجر الجبل ، ولا يخفى علينا مدى صعوبة صعود جبل ، تخيل أم تسمع صراخ ابنها وهي ضعيفة متهافتة ما في طعام ولا شراب ، فتصعد الجبل وتنظر يمينا وشمالا فلا ترى شيئا ، الشخص العادي يسعى من الصفا إلى المروة 420 متر يتعب وهو يمشي على أرضية من الرخام وفوقه المكيفات تلطف حرارة الجو ، أما هاجر فقد سعت من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا فعلت هذا سبعة أشواط كاملة ، ويأذن الله بكرامة لهذه المرأة الصالحة ببركة يقينها بالله وتوكلها عليه ، ويأمر الله جبريل أن يضرب الأرض بطرف جناحه فتنبع عين ماء زمزم والتي صارت آية من آيات الله .

عجائب ماء زمزم:

  • هذا الماء لو كان نهر النيل أو نهر سان لوران بكندا لنفد ماؤه وانتهى ، الناس يشربون حتى التضلع والشبع والماء ينقل هنا وهناك ، ويجوب أنحاء العالم ولا ينقطع الماء .
  • أيضا أي نهر في الدنيا له روافد ومنابع تمده بالماء ، ما هي روافد ماء زمزم ؟ ما هي منابعه ؟ سبحان الله العظيم !!! هذا سر رباني .
  • أيضا أي ماء في الدنيا لو شربه جائع لا يشبع ، فقط يرتوي من العطش ، إلا ماء زمزم النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول ” ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم “فهو طعام وشراب ، وعندنا في قصة أبي ذر عندما قدم مكة ليعلن إسلامه ، وكان أول أمره يتخفى يخاف أن يطلع أحد على أمره فيؤذيه ، وقد أقام عند الكعبة وأستارها أربعين ليلة ليس له طعام غيره ، قال : ما كان لي إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عُكن بطني ( أي انثنى لحم البطن من السِّمَن ) ، وما أجد على كبدي سُخفة جوع ( أي رِّقة الجوع وضعفه وهزاله ) ، فقال له صلى الله عليه وسلم : “إنها مباركة ، إنها طعام طعم”
  • وماء زمزم يستحب الدعاء قبل الشرب منه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (ماء زمزم لما شرب له )

فزمزم بركة من بركات هاجر وابنها إسماعيل ، جعله الله ماء يروي الحجيج إلى ما شاء الله بدون انقطاع ، فنحن نسعى بين الصفا والمروة لنتعلم التوكل على الله والأخذ بالأسباب ،هذا الدرس الذي تعلمناه من هاجر عليها السلام .

وتأملوا معي هذه الملمح السريع :

هاجر لما سعت بين الصفا والمروة أين وجدت رزقها على الصفا أم المروة ؟

لا هنا ولاهنا !!! كان عند أقدام الطفل ، إذن نحن علينا السعي أخذا بالأسباب كما أمر الله عز وجل ، أما النتيجة فهذه تأتي كما يريد الله ويقدر .
في كل شيء، اسع كما أمرك الله في تعليم في سفر في مرض في أي شيء خذ بالأسباب إذا انقطعت الأسباب فثق أن لله تدبيرا وتقديرا يعجز عنه البشر .

الابن الصالح إسماعيل عليه السلام:

نأتي إلى الثمرة المباركة الابن الصالح إسماعيل عليه السلام ، الذي بلغ مع أبيه السعي يعني صار رجلا يعتمد عليه ، والأب منا يستشعر الثمرة في ابنه حينما يكبر ويصير شابا يعتمد عليه ،الآن بلغ إسماعيل السعي مع أبيه وهو الابن الوحيد له،  لم يرزق به إبراهيم بعد أربع سنين زواج ، ولا خمس، ولا عشر بل كما تذكر التوراة كان سن إبراهيم 86 عاما ، هذا عمر الخليل إبراهيم وقت أن رزق بإسماعيل ، ثم لما بلغ إبراهيم عمر المائة سنة أو تجاوزها بقليل أتاه الأمر من الله أن اذبح ولدك !!!

والله إنه لبلاء لا يطيقه إلا الأنبياء ، لو قال الله عز وجل له إنه سيموت ، أو يعتدى عليه ، ويقتل لكان أهون ، لكن يذبحه بيده ؟!!! لا إله إلا الله .
والعجب في استجابة إبراهيم لأمر الله بلا تردد ولا تلكؤ ، وكذلك ثمرة فؤاده ولده إسماعيل يقول تعالى : -( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين )- [الصافات/102] فهذا الأمر من دلالات العبودية الكاملة لله عز وجل إذا أمر بأمر نقول سمعنا وأطعنا، ويعظم الله سبحانه وتعالى هذا المشهد العجيب ويجعل نسك الأضحية وذبح الأضحية في كل عيد أضحى يوم العاشر من ذي الحجة ، ويطعم آلاف المسلمين أغنياء وفقراء من ذبيحة العيد سنة الخليل إبراهيم حينما امتثل لأمر الله عز وجل في ذبح ولده -( وفديناه بذبح عظيم )- [الصافات/107]

فما أسعدنا ونحن نلبي أمر الله ، وما أسعدنا ونحن نطيع الله .

صدق ربي وأحق القول قول ربي -( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى )- [طه123/124]


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1036 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع