عناصر الخطبة الناجحة للشيخ محمد الغزالي

تاريخ الإضافة 24 يوليو, 2023 الزيارات : 1999

عناصر الخطبة الناجحة للشيخ محمد الغزالي

المسجد قلب المجتمع الإسلامي، وملتقى المؤمنين بالغدو والآصال لأداء حقوق الله، واستلهام الرشد، واستمداد العون منه جل شأنه.

وهو مصدر طاقة عاطفية وفكرية بعيدة المدى خصوصا أيام الجمع عندما تنصت  جماهير المصلين في سكينة وخشوع ” للإمام ” وهو يشرح لهم تعاليم الإسلام ويبين لهم حدود الله ، ويفقههم على ما في الكتاب والسنة من عظات وآداب.

إن خطبة الجمعة من شعائر الإسلام الكبرى، ومعانيها تنساب إلى النفوس في لحظات انعطاف إلى الله وتقبل لوصاياه، ومن ثم كان موضوعها جليل الأثر كبير الخطر.

والإمام الذى يدرس موضوعه، ويجيد عرضه، يقوم بنصيب ضخم في تثقيف الأمة، وترشيد نهضتها، ودعم كيانها المادي والأدبي ، ووصل غدها المأمول بماضيها المجيد.

لما كنا نريد الوصول بمستوى الخطابة في المسجد إلى مكانته اللائقة به، ونريد جعل المنبر مرآة لما حوى الإسلام من معرفة صالحة وتربية واعية، لذا أثبت هذه التوجيهات الموجزة لما ينبغى أن يتوافر فى خطبة الجمعة من زاد روحى وثقافى منظم:

1- يحسن أن يكون لخطبة الجمعة موضوع واحد غير متشعب الأطراف ولا متعدد القضايا:

فإن الخطيب الذى يخوض فى أحاديث كثيرة- ” يشتت الأذهان وينتقل بالسامعين فى أودية تتخللها فجوات نفسية وفكرية بعيدة، ومهما كانت عبارته بليغة، ومهما كان مسترسلا متدفقا فإنه لن ينجح فى تكوين صورة عقلية واضحة الملامح لتعاليم الإسلام. والوضوح أساس لابد منه فى التربية، والتعميم والغموض لا ينتهيان بشيء طائل، وخطبة الجمعة ليست درسا نظريا بقدر ما هى حقيقة تشرح وتغرس.

2- عناصر الخطبة يجب أن يسلم أحدها إلى الآخر فى تسلسل منطقى مقبول :

كما تسلم درجة السلم إلى ما بعدها دون عناء بحيث إذا انتهى الخطيب من إلقاء كلمته كان السامعون قد وصلوا معه إلى النتيجة التى يريد بلوغها، وعليه أن ينتقى من النصوص والآثار ما يمهد طريقه إلى هذه الغاية.

3- ولما كانت الخطبة الدينية تنسج من المعانى الإسلامية المستمدة من ” الكتاب والسنة ” وآثار السلف الصالح فان لحمتها وسداها يجب أن يكونا من الحقائق المقبولة:

وفى آيات القران الكريم، ومعالم السنة المطهرة متسع يغنى فى الوعظ والإرشاد، ولذلك لا يليق البتة أن تتضمن الخطبة الأخبار الواهية بله الموضوعة، وإذا كان العلماء قد تجوزوا فى الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة فى فضائل الأعمال فقد اشترطوا لذلك: ألا تخالف قواعد الإسلام الكلية ولا أصوله العامة، وفى الأحاديث الصحيحة والحسنة مجال رحب للخطيب الفاقه ، وفى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والأئمة المتبوعن ما يغنى عن الأساطير والأوهام.

4- لا يجوز أن تتعرض الخطبة للأمور الخلافية، ولا أن تكون تعصبا لوجهة نظر إسلامية محدودة:

فإن المسجد يجمع ولا يفرق، ويلم شمل الأمة بشعب الإيمان التى يلتقى عندها الكل دون خوض فى المسائل التى يتفاوت تقديرها، وما أكثر العزائم والفضائل التى تصلح موضوعا لنصائح جديدة وخطب موفقة، وقد شقى المسلمون بالفرقة أياما طويلة وجدير بهم أن يجدوا فى المساجد ما يوحد الصفوف، ويطفئ الخصومات.

5- بين الخطبة والأحداث العابرة، والملابسات المحيطة، والجماهير السامعة، علاقة لا يمكن تجاهلها:

ومما يزرى بالخطيب ويضيع موعظته أن يكون فى واد، والناس والزمان والمكان فى واد آخر، ولأمر ما نزل القرآن منجما على ثلاث وعشرين سنة، فقد تجاوب مع الأحداث وأصاب مواقع التوجيه إصابة رائعة .

ولما كان القرآن شفاء للعلل الاجتماعية الشائعة فإن الخطيب يجب عليه أن يشخص الداء الذى يواجهه وأن يتعرف على حقيقته بدقة، فإذا عرفه واستبان أغراضه وأخطاره رجع إلى الكتاب والسنة فنقل الدواء إلى موضع المرض، وذلك يحتاج إلى بصيرة وحذق فإن الواعظ القاصر قد يجيء بدواء غير مناسب فلا يوفق فى علاج، وربما أخطأ ابتداء فى تحديد العلة فجاءت خطبته لغوا وإن كانت تتضمن مختلف النصوص الصحيحة.

6- هناك طائفة من الأحاديث تسوق الأجزية الكبيرة على الأعمال الصغيرة:

وقد قرر العلماء المحققون أن هذه الأحاديث ليست على ما يفهم منها لأول وهلة.. وأن ما فيها من أجزية ضخمة إنما هو لأهل الشرف فى العبادة وأهل الصدق فى الإقبال على الله، وليس ذلك للأعمال الصغيرة التى اقترنت بها.

ومن هنا لا يجوز للخطيب أن يضمن خطبته هذه الأحاديث سردا مجردا فيحدث فوضى فى ميدان التكاليف الشرعية ولكن إذا قضى ظرف بذكر هذه الأحاديث ذكرها مع شروحها الصحيحة.

7- تقوم التربية الدينية على بيان الجوانب الخلقية والاجتماعية فى الإسلام وشرح ما يقترن بالخير والشر من معان حسنة أو سيئة، ومن عواقب حميدة أو ذميمة :

ولا بأس من التعريج على الأجزية الأخروية وعرض ما أعده الله فى الآخرة للأبرار والفجار بيد أن الإسهاب والتفصيل فى ذكر الأجزية المغيبة لا لزوم له ويكتفى بالإلماح إلى ما جاء فى القرآن والسنة عن ذلك دون تطويل وتعمق.

8- من الخير أن تتضمن خطبة الجمعة أحيانا شيئا من أمجاد المسلمين الأولين الثقافية والسياسية:

وتنويها بالحضارة اليانعة التى أقامها الإسلام فى العالم مع الإشارة إلى أن ينابيع هذه الحضارة تفجرت من الحركة العقلية التى أحدثها القرآن الكريم واليقظة الإنسانية التى صنعها الرسول صلى الله عليه وسلم ويكون الغرض من هذه الخطب- على اختلاف موضوعاتها- أن ترجع إلى المسلمين ثقتهم بأنفسهم ورسالتهم العالمية . 

9- معروف أن هناك فلسفات أجنبية ونزعات إلحادية تسربت إلى الأمة الإسلامية فى كبوتها التاريخية الماضية :

وطبيعى أن تتعرض الخطبة لذود هذه المفاسد النفسية عن أبناء الأمة، ووظيفة الخطبة فى الإسلام عندئذ أن تتجنب الأخذ والرد والجدال السىء، ولكن تعرض الحقائق الإيجابية فى الإسلام بقوة وترد على الشبهات دون عناية بذكر مصدرها لأن المهم هو حماية التراث الروحى والعلمى.. وليس المهم تجريح الآخرين وإلحاق الهزائم بهم.

10- قبل أن يواجه الخطيب الجمهور ينبغى أن تكون فى ذهنه صورة بينة لما يريد أن يقوله:

بل يجب أن يراجع نفسه قبل الكلام ليطمئن اطمئنانا إلى صحة القضايا التى سوف يعرضها وإلى سلامة آثارها النفسية والاجتماعية.

وعليه أن يتثبت من الأدلة والشواهد التى يسوقها فى معرض الحديث فإن كان قرآنا حفظه جيدا وإن كان سنة رواها بدقة، وإن كان أثرا أدبيا أو خبرا تاريخيا فإن توفيقه يكون بحسب مطابقته أو اقترابه من الأصل المنقول عنه.

إن التحضير المتقن دلالة احترام المرء لنفسه ولسامعيه وقد تفجأ الإنسان مواقف يرتجل فيها ما يلقى به الناس ويصور ما بنفسه. والواقع أن القدرة على الارتجال تجىء بعد أوقات طويلة من الدربة على التحضير الجيد وعلى تكوين حصيلة علمية مواتية لكل موقف.

ومع ذلك فإن المهارة فى الارتجال لا تغنى عن حسن التحضير للعالم الذى يريد أداء واجبه بأمانة وصدق والذى يقدر إنصات الناس له واحتفاءهم بما يقول.

11- الإيجاز أعون على تثبيت الحقائق، وجمع المشاعر والأفكار حول ما يراد بثه من تعاليم:

فإن الكلام الكثير ينسى بعضه بعضا، وقد تضيع أهم أهدافه فى زحام الإطناب والإضافة ، ألا ترى الأرض تحتاج إلى قدر محدد من البذور كيما تنبت، فإذا كثر النبات بها تخللها الفلاح باجتثات الزائد حتى يعطى البقية فرصة الإنماء والإثمار.

كذلك النفس البشرية لا تزكو فيها المعانى إلا إذا أمكن تحديدها وتقديمها، أما مع كثرة الكلام وبعثرة الحقائق فإن السامع يتحول إلى إناء مغلق تسيل من حوله الكلمات مهما بلغت نفاستها.

وللإطناب الممل أسباب معروفة منها سوء التحضير فإن الخطيب الذى يلقى الناس بالجزاف من الأحكام والتوجيهات لا يدرى بالضبط أين بلغ كلامه وهل وصل إلى حد الإقناع أم لا فيحمله ذلك على التكرار والإطالة، وما يزداد من الجمهور إلا بعدا.. وقد تنشأ الإطالة عن سوء التقدير للوقت والمواقف فيظن الخطيب أن بحسبه أن يقول ما عنده وعلى الناس أن ينصتوا طوعا أو كرها وهذا خطأ .

ومما يحكى فى قيمة الإيجاز أن أحد الرؤساء طلب منه إلقاء خطبة فى بضع دقائق فقال: “أمهلونى أسبوعا ” فقيل له: نريدها فى ربع ساعة قال: ” أستطع بعد يومين ” قيل له: فإذا طلبناها فى ساعة؟ قال: ” فأنا مستعد الآن “. إن الإيجاز يتطلب الموازنة والاختيار والمحو والإثبات، أما الكلام المرسل فالجهد العقلى فيه أقل والحقيقة أن خمس دقائق تستوعب علما كثيرا وعشر دقائق وخمس عشرة دقيقة تستوعب خطبة أو محاضرة جيدة. 

هذه المقالة منقولة عن مقدمة كتاب خطب الشيخ محمد الغزالي 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 36 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع