شرح أسماء الله الحسنى (5)الملك،(6)المالك
أولا / المعنى اللغوي :
ملك الشيء أي حازه وانفرد باستعماله والانتفاع به أو التصرف فيه والاسم مالك .
والملَك( بفتح الميم واللام) هو واحد الملائكة، أما الملِك( بفتح الميم وكسر اللام) فهو اسم من أسماء الله الحسنى .
وهو يعني ذو الملك وصاحب التصرف فيما يملك بجميع الوجوه ما علمناه منها وما لم نعلم.
فالله هو الملك صاحب التصرف المطلق الآمر الناهي الذي يصرف أمور عباده كما يشاء .
ثانيا / وروده في القرآن :
ذكر اسم الملك في القرآن خمس مرات :
قال تعالى : (فتعالى الله الملك الحق ) المؤمنون 116
ونفس المقطع في سورة طه قال تعالى : (فتعالى الله الملك الحق ) 11 ، و قال تعالى : (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك )الحشر23
و قال تعالى : (يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم )الجمعة 1 ، و(ملك الناس ) الناس 2
وذكر اسم مالك مرتين :
قال تعالى : (مالك يوم الدين ) الفاتحة4
قال تعالى : (قل اللهم مالك الملك )آل عمران 26
وورد بصيغة المبالغة في آخر سورة القمرقال تعالى : (في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) القمر 55
وعند الترمذيِّ من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال أبو بكرٍ – رضي الله عنه -: يا رسول الله، مُرني بشيءٍ أقوله إذا أصبحتُ وإذا أمسيت؟ قال: (قل: اللَّهم عالِمَ الغيب والشهادة، فاطِرَ السَّماوات والأرض، ربَّ كلِّ شيء ومَلِيكَه، أشهد أنْ لا إله إلاَّ أنت، أعوذ بك من شرِّ نفسي، ومن شرِّ الشيطان وشرَكِه)، قال: (قُله إذا أصبحتَ، وإذا أمسيت، وإذا أخذتَ مضجعك)رواه الترمذي
ثالثا / المعنى في حق الله تعالى :
المالك هو المتصرِّف بفعله، والمَلِك هو المتصرف بفعله وأمره، والله جل وعلا مالكُ الملك؛ فهو المتصرِّف بفعله وأمرِه
ولكن لماذا سمى الله نفسه مالك وملك ؟
لأن المالك يملك وقد لا يحكم ، والملك يحكم وقد لا يملك .
والله هو المالك الملك الذي يملك ويحكم ، وقد وردت القراءتان في سورة الفاتحة (مالك يوم الدين) وفي قراءة ورش (ملك يوم الّدين)
رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل :
الله مالك كل شيء وما ملك :
وفي ذلك يقول سبحانه: (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض)البقرة 107
وقال تعالى : (لله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير) آل عمران 189
ومن آثار ملكه عز وجل لكونه أنه يملك استبدال هذا الكون أو بعض منه بخلق جديد وفي ذلك يقول جل وعلا: “يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ وما ذلك على الله بعزيزٍ ” فاطر 17:15
سئل أعرابي يملك قطيعاً من الغنم ، لمن هذه ؟ قال : لله في يدي
وإنما خصّ الله نفسه بأنه ملكُ يوم الدين ومالكُ يوم الدين لثلاثة أمور:
الأول :أن الله يبدل الأرض في ذلك اليوم غير الأرض والسموات غير السموات ,كما قال تعالى : “يوم تُبدَّل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهَّار ” إبراهيم:48 ، فنبه الله العباد على أن السموات والأرض له فهو سبحانه مالكهما.
الثاني: لأنه كان في الدنيا منازعين في الملك ، مثل فرعون والنمروذ وغيرهما ، وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه ، وكلهم خضعوا له ، وفي يوم القيامة ينادي الرب سبحانه ” لمن الملك اليوم“غافر:16 ، فلا يجيبه أحد فيجيب الحقُّ نفسه بنفسه” لله الواحد القَّهار“غافر:17
فلذلك قال : “مالك يوم الدين” ، أي في ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز غيره ، سبحانه لا إله إلا هو .
الثالث : أن البشر لهم شبهةُ ملك ٍ في الحياة الدنيا، فهم يملكون الأراضي والقصور والبساتين والذهب والفضة ، ولكنهم بين خيارين إما أن يزول عنهم ما يملكونه في الدنيا، وإما أن يزولوا عنه، ويخلفوه وراءهم فهو ملك زائل ،وعارية مسترجعة، لكنهم في يوم الدين يوم الحساب والجزاء لا يملكون شيئاً ،فالناس في ذلك اليوم يحشرون حفاة عراة غرلاً كما قال تعالى “ولهُ الملكُ يوم يُنفخ في الصور” الأنعام 73.
و قال تعالى : “وما قدروا الله حقَّ قدره والأرض جميعاً قبضتُهُ يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه” الزمر:67.
وعن عبد الله بن عمر قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم (يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول : أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ،ثم يقول :أنا الملك ،أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) رواه مسلم
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: (يَنْزِل الله إلى السماء الدُّنيا كلَّ ليلة حين يَمضي ثلثُ اللَّيلِ الأوَّلُ، فيقول: أَنَا المَلِكُ، أَنَا المَلِك، مَنْ ذَا الذي يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له؟ من ذا الذي يَسْأَلُنِي فأُعطيَه؟ من ذا الذي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر) رواه مسلم
تمجيد العباد ربهم بصفة الملك:
وعلى العباد أن يمجدوا ربهم بما علّمهم أن يمجدوه به قال تعالى “تبارك الذي بيده الملكُ وهو على كل شيءٍ قدير ” الملك1
فالله يمجد نفسه في هذه الآية تعليماً لعباده أن يمجدوه بذلك، مقرين بأنه تبارك وتعالى هو المتصرف في جميع مخلوقاته كما يشاء لا راد لأمره ولا معقب لحكمة كما قال تعالى : ” قل اللهم ملك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممَّن تشاء وتعزُّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيءٍ قديرٌ” آل عمران26
فلأنه هو المالك فله مطلق التصرف في ملكه فلا يحدث شئ إلا بأمره ، فمرد الأمور كلها لله ، يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ، يقدر أسباب الخير والعز لمن يشاء ، ويذل من يشاء ويسلب نعمه عمن يشاء فكل شئ بيده .
وليس المقصود من الآية كما يعتقد بعض المسلمين أن يستسلم للواقع المهين ويرضى بالظلم ويقنع بالمهانة ويقول – مهملا الأخذ بالأسباب – الحمد لله على كل حال هذه إرادة الله !!! يا أخي هذه إرادة الله في القاعدين والكسالى ؛ فهذا معنى جبري لا ينبغي للمسلم أن يقول به أبدا ، فإن عون الله لا يكون للكسالى والقاعدين ، إنما عون الله لمن يبذل ما في وسعه آخذا بالأسباب ثم يترك النتائج على الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا . ولكن قل : قدر الله . وما شاء فعل . فإن لو تفتح عمل الشيطان “ رواه مسلم
خامسا / ثمار الإيمان بهذين الاسمين :
أولا / تمجيد الله باسميه الملك ومالك الملك :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال : لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على شيء كل شيءٍ قدير في يوم مائة مرة كانت له عِدلُ عشرِ رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ، ومُحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رَجُلٌ عمل أكثر منه )متفق عليه
2- وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال : لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ) متفق عليه
3- وكان رسول الله يقول إذا أمسى : ( أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ،رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها رب وأعوذّ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها ,رب وأعوذ بك من الكسل ،وسوء الكبر ,أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر، وإذا أصبح قال ذلك أيضاً، أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله) مسلم
4- وعن عبدالله بن شداد أنَّهُ سمَع رجلًا من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقالُ لهُ : رِفَاعَةُ بْنُ رافعٍ ، لمَّا دخلَ في الصَّلاةِ فَكَبَّرَ فقال : اللهُ أكبرُ ، اللهمَّ لكَ الحمدُ كلُّهُ ولكَ الملكُ كلُّهُ ، وإليكَ يَرْجِعُ الأَمْرُ كلُّهُ ، أسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهُ ، وأعوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كلِّهُ” قال ابن حجر العسقلاني سنده : صحيح
ثانيا /اليقين بأن الله وحده هو المستحق للعبادة :
لأنه الملك وما يعبد من دونه آلهة باطلة لأنها لا تملك لنفسها شيئا فضلا عن غيرها ممن يعبدونها من دون الله فهو سبحانه الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء والمتصرف في كل شيء ،والآلهة التي تعبد من دون الله مخلوقة مملوكة مربوبة، لا تملك من دون الله شيئا ،وألوهيتها باطلة، وعبادتها ظلم وضلال قال تعالى: ” قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً والله السميع العليم “المائدة:76.
ثالثا/ الثقة في الله واليقين بأنه سبحانه يدبر لعبده من حيث لا يعلم
فهذا خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- حينما ألقي في النار كان على ثقة عظيمة بالله؛ حيث قال : “حسبنا الله ونعم الوكيل” فكفاه الله شر ما أرادوا به من كيد، وحفظه من أن تصيبه النار بسوء، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الأنبياء69.
ولنا العبرة في قصة أم موسى قال تعالى:” وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ” القصص: الآية 7
هل يعقل أن امرأة تخاف على ابنها الرضيع، يقول لها: “فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ”ماذا يستنبط ؟ أن هذا الصندوق الخشبي بيد الله، مالك الملك، المتصرف، ولا تخافي، ولا تحزني “إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ” ولما ألقته أمه في البحر خافت عليه خوفا شديدا حتى أن قلبها أصبح فارغا من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى -عليه السلام- {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} \”أي إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد، وتخبر بحالها، لولا أن الله ثبتها وصبرها، {لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
فتأمل في هذه الثقة العظيمة من أم موسى -عليه السلام- في وعد الله الله؛ قال ابن القيم رحمه الله: “فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله -تعالى-، إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء، تتلاعب به أمواجه، وجريانه إلى حيث ينتهي أو يقف”مدارج السالكين2/142.
وقد حقق الله لها ما وعدها به، ورد لها فلذة كبدها، وحفظه من كل سوء ومكروه.
ولما دخل نبينا -عليه الصلاة والسلام- الغار؛ حفظ الله نبيه من كيد الكفار، وحرسه بعينه التي لا تنام؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- أن أبا بكر الصديق حدثه، قال: نظرتُ إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم.
فكن واثقا بالله، واثقا بحفظه لك إذا كنت حافظا لحدوده، واثقا بأنه كافيك ورازقك، ومثيبك على أعمالك الصالحة، وأنه ناصر دينه، وأوليائه.
رابعا / عدم الاغترار بالمال أو السلطان :
وقد ضرب الله لنا أمثلة في القرآن للعظة والعبرة فأعطانا مثال المغتر بسلطانه في فرعون الذي بلغ به الكبر والغرور أن يقول أنا ربكم الأعلى فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر وجعله عبرة لمن يعتبر !!
وإهلاك الله سبحانه لفرعون وقومه عبرة لكل ظالم متكبر من ملوك الأرض، تفرعن على الناس فيما آتاه الله من ملك، وظن أنه مخلد، ونسي أن ملكه زائل وأن إقامته في ملكه مؤقتة وأن الموت مدركه لا محالة .
وأعطانا مثال المغتر بماله في قارون ، وقد حدثنا القرآن عن كنوز قارون فقال سبحانه وتعالى : ” وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ” 76القصص
إن مفاتيح الخزائن التي تضم الكنوز، كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء(العصبة والعصابة العدد من 40:10) فكيف كانت الكنوز ذاتها؟!
ويبدو أن العقلاء من قومه نصحوه بألا يفرح فرحا يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال، ولا ينبغي أن ينسى الآخرة مغترا بالدنيا، وأن عليه أن يتصدق من هذا المال…..
فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد )قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي(لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء……فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه، وخرج قارون ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم، وتمنوا أن لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة ؛ فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان : ويلكم أيها المخدوعون، احذروا الفتنة، واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون.
فيجيء العقاب حاسما “فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ” هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره….. وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال.
وفي هذا يقول الشاعر :
قدم لنفسك خيرًا وأنت مالك مالك
قبل أن يكون لون حالك حالك
ولست والله تدري أي المسالك سالك
إلى جنة عدن أو في المهالك هالك
حالك الأولى من الحال أو الشأن والثانية بمعنى أسود.
خامسا / العزة بالله :
فلا نهاب إلا الله ، فما منع الكثيرين من كلمة الحق إلا الخوف والجبن وضعف يقينهم بالله مالك الملك وملك الملوك .
ورحم الله الإمام العز بن عبد السلام حينما خرج في يوم عيد ، وخرج موكب السلطان يجوب شوارع القاهرة ، والناس مصطفون على جوانب الطريق ، والسيوف مسلطة ، والعساكر واقفة ، وهنا وقف العز بن عبد السلام ، وقال : يا أيوب (هكذا باسمه مجرداً من أي لقب) فالتفت أيوب ليرى من هذا الذي يخاطبه باسمه الصريح ؟!!
فقال له الإمام العز: ما حجتك عند الله عز وجل غداً إذا قال لك : ألم أبوئك ملك مصر ، فأبحت الخمور ؟
فقال السلطان : أو يحدث هذا في مصر ؟ قال : نعم ، في مكان كذا وكذا حانة يباع فيها الخمر ، وغيرها من المنكرات .
فقال : يا سيدي أنا ما فعلت ، إنما هو من عهد أبي .
فهز العز بن عبد السلام رأسه ، وقال : إذاً أنت من الذين يقولون : إنا وجدنا آباءنا على أمة ، فقال : لا ، أعوذ بالله ، وأصدر أمراً بإبطالها فوراً ، ومنع بيع الخمور في مصر .
أحد طلابه سأله : يا سيدي أما خفت من السلطان وهو في أبهته وعظمته ؟ فقال: يا بني استحضرت عظمة الله عز وجل فصار السلطان قدامي كالقط !!!
سادسا/الملك من الناس من يستغني عن الناس :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبّني الناس ، فقال : ” ازهد في الدنيا يحبّك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس “ .
،ومعنى ذلك : ألا يكون القلب متعلقا بما في أيدي الناس من نعيم الدنيا ، فإذا فعل العبد ذلك ، مالت إليه قلوب الناس ، وأحبته نفوسهم .
والسرّ في ذلك أن القلوب مجبولة على حب الدنيا ، وهذا الحب يبعثها على بغض من نازعها في أمرها ، فإذا تعفف العبد عما في أيدي الناس ، عظم في أعينهم ؛ لركونهم إلى جانبه ، وأمنهم من حقده وحسده .
ولذلك قيل “أحسن إلى من شئت تكن أميره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره “
ومما يروى في هذا الشأن :
دخل إبراهيم باشا بن محمد علي حاكم مصر المسجد الأموي في وقت كان فيه عالم الشام الشيخ سعيد الحلبي يلقي درسا في المصلين .
ومر إبراهيم باشا من جانب الشيخ ، وكان مادا رجله فلم يحركها ، ولم يبدل جلسته ، فاستاء إبراهيم باشا، واغتاظ غيظاً شديداً ، وخرج من المسجد ، وقد أضمر في نفسه شراً بالشيخ .
وما أن وصل قصره حتى حف به المنافقون من كل جانب ، يزينون له الفتك بالشيخ الذي تحدى جبروته وسلطانه ، وما زالوا يؤلبونه حتى أمر بإحضار الشيخ مكبلا بالسلاسل .
وما كاد الجند يتحركون لجلب الشيخ حتى عاد إبراهيم باشا فغير رأيه ، فقد كان يعلم أن أي إساءة للشيخ ستفتح له أبواباً من المشاكل لا قبل له بإغلاقها.
وهداه تفكيره إلى طريقة أخرى ينتقم بها من الشيخ، طريقة الإغراء بالمال ، فإذا قبله الشيخ فكأنه يضرب عصفورين بحجر واحد، يضمن ولاءه، ويسقط هيبته في نفوس المسلمين ، فلا يبقى له تأثير عليهم .
وأسرع إبراهيم باشا فأرسل إلى الشيخ ألف ليرة ذهبية ، وهو مبلغ يسيل له اللعاب في تلك الأيام ، وطلب من وزيره أن يعطي المال للشيخ على مرأى ومسمع من تلامذته ومريديه .
وانطلق الوزير بالمال إلى المسجد ، واقترب من الشيخ وهو يلقي درسه ، فألقى السلام ، و قال للشيخ بصوت عال سمعه كل من حول الشيخ : هذه ألف ليرة ذهبية يرى مولانا الباشا أن تستعين بها على أمرك .
ونظر الشيخ نظرة إشفاق نحو الوزير ، وقال له بهدوء وسكينة: يا بني، عد بنقود سيدك وردها إليه، وقل له: إن الذي يمد رجله، لا يمد يده.
سابعا / عقوبات المَلِكِ العَدْلِ سُبْحَانَهُ للمُلُوكِ الظَّالمِينَ
فإن ملوك الأرض قد اختصوا في الدنيا بالعزة والمنعة والسلطان والقوة وهذه نعمة من الله عليهم فمن شكرها فقد فاز ومن كفر تلك النعمة ولم يؤد شكر هذه الخصوصية اختصه الله بعذابٍ من عنده ، والجزاء من الجنس العمل ، فمن ذلك :
1- غَلْقُ أبواب السماء دون حاجتهم :
فإن اللَّه عز وجل قد جمع لهم أسباب الحكم والعطاء وجعل بيدهم خزائن الأرض فمن حجبها عن الضعفاء والمساكين حجب الله عنه ما ينفعه وعطل عليه حاجته .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من إمام أو والٍ يغلقُ بابه دون ذوي الحاجة والخلة ، والمسكنة ، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته ، وحاجته ومسكنته ) رواه أحمد عن عمر بن مرة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع
فمن ملك من أمر الناس شيئًا تَطَلَّعوا إليه ورجوا ما عنده فإن حجب نفسه عنهم وحرمهم مما يرجون احتجب اللهُ عنه يوم القيامة وحرمه مما يرجو من النجاة .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم : شيخ زانٍ ، وملك كذَّاب ، وعائل مستكبر ) رواه مسلم ، والنسائي عن أبي هريرة
2- يأتي الملوك إلى الله مغلولة أيديهم إلى أعناقهم :
فكما كانوا أحرارًا طلقاءً في الأرض لا يسئلهم أحدٌ من الخلق ، ولا يتقيدون في حركتهم كبقية الرعية ؛ فإنهم يأتون يوم القيامة مغلولين إلى الله عز وجل .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى اللَّهَ مغلولة يده إلى عنقه ، فكَّه بره أو أوثقه إثمه ، أولها ملامة ، وأوسطها ندامة ، وآخرها خزيٌ يوم القيامة ) رواه أحمد عن أبي أمامة ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع
3- ويُحْرمون من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم :
فكما أن الظلمة من ملوك الأرض ظلموا الناس حقوقهم ، ولم يعدلوا فيهم بشرع الله ولم يَشفع عندهم ضعف الرعية ومسكنتهم فإنهم يُحْرَمُون من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أُمتي لن تنالهما شفاعتي : إمام ظلوم غشوم ، وكل غالٍ مارق ) رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع
4- لا يدخلون الجنة :
فكما أن الأمن والعدل يكون نعيمًا للضعفاء والمساكين ، بل ولكل الرعية وقد حرمهم منهم الملك الظالم وغشهم وضيع مصالحهم فإنه يُحرم من دخول الجنة .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت ، وهو غاش لرعيته ، إلا حرَّم الله عليه الجنة ) رواه البخاري ، ومسلم عن معقل بن يسار .
5- وهم أشد الناس عذابًا :
فإن أشد الظلم ما كان من ولي الأمر وأعظم الألم من الجور هو ألم تعذيبه لما له من قوة وما عنده من سلطان ، فإن عذَّب الناس لا يجدون من بطشه مفرًا إلا إلى الله ، ولذلك فإن الظالم من الملوك لن يجد مفرًّا من النار . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيما راعٍ استرعى رَعِيَّة فَغَشَّها فهو في النار ) رواه ابن عساكر عن معقل بن يسار ، وصححه الألباني في صحيح الجامع
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس يوم القيامة عذابًا إمام جائر ) رواه أبو يعلى في مسنده وحسنه الألباني في صحيح الجامع
عبد الحكيم
زادكم الله بسطة في العلم و الجسم و الرزق
abojannah
اللهم آمين ولك بمثله ضعفين
علياء صالح رجب
مقال رائع اسأل الله ان يبارك لصاحب الموقع
abojannah
جزاكم الله خيرا وبارك فيك