شرح أسماء الله الحسنى 99- الوارث

تاريخ الإضافة 13 يناير, 2024 الزيارات : 337

شرح أسماء الله الحسنى

99- الوارث

أولا / المعنى اللغوي:

الوارث على وزن اسم فاعل، من الفعل ورث تقول: ورثه توريثا، أي: أدخله في ماله على ورثته، وكل باق بعد ذاهب؛ فهو وارث.

والميراث:هو أن يكون الشيء لقوم ثم يصير إلى آخرين بنسب أو سبب.

 

 ثانيا / وروده في الكتاب والسنة

اسم الله (الوارث (في القرآن الكريم: ورد ثلاث مرات؛ كلها بصيغة الجمع؛ وهي:

  • قوله تعالى: (وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون) (الحجر: 23)
  • وقوله تعالى: (رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) (الأنبياء: 89).
  • وقوله تعالى: (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين) (القصص: 58).
  • وورد مرة واحدة بصيغة الفعل: وقوله: (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) (مريم: 40).

ولم يرد اسم الله (الوارث) في السنة النبوية.

 

ثالثا / المعنى في حق الله تعالى

الله عز وجل وارث الخلق أجمعين، لأنه الباقي بعدهم وهم الفانون.

أو هو الباقي بعد فناء الخلق، والمسترد أملاكهم وموارثهم بعد موتهم.

رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل

الوارث: اسم من أسماء الله عز وجل، يدل على بقائه وديمومته، فهو يرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، أي يبقى بعد فناء الكل، ويفنى من سواه فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له.

واسم الله الوارث يبين عظمة الرب -سبحانه- وأنه -عز وجل- مالك الملك ووارثه والمتصرف فيه وأن كل شيء دونه إلى فناء إلى جانب أنه يكشف حقيقة التملك عند الخلائق، فملكهم إلى زوال، وهو ملك ناقص ولحظي غير دائم، ناقص من ناحية الكم إذ يبقى محدودا بما وهبه الله، ومن ناحية القدرة على التصرف شرعا وقدرا، ولحظي مآله إلى زوال ثم يتركه إلى ورثته، بينما نجد أن ملك الله شامل وكامل لا يعتريه نقص، وباق دائم لا يعتريه زوال، فهو الوارث على جهة الشمول والكمال، وهذا يجعلنا نستحضر عظمة الله -سبحانه- وأنه الوارث لكل شيء.

و الله -تعالى- هو الوارث، الذي يورث الأرض من يشاء من عباده، قال -تعالى- عن نبي الله موسى وهو يخاطب قومه: (استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) [الأعراف:128].

وقال -تعالى-: عن فرعون وقومه لما عصوا الله وخالفوا أمره: (كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين) [الدخان: 25 – 28]، وقال – سبحانه – عن بني إسرائيل: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) [القصص:5].

فالأرض لله والملك لله يورث كل ذلك من شاء من عباده إذا أدوا ما عليهم من واجبات العبودية تجاه ربهم قال -تعالى-: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا) [الأحزاب 27].

وإذا كانت الأرض لله يورثها من شاء من عباده لأنه الوارث -سبحانه- فإنه قد جعل الجنة ثوابا للمتقين، وهو يورثهم إياها، قال -تعالى-: (ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)[الأعراف:43]، وقال -سبحانه-: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)[مريم:63]، وقال -تعالى- عن المؤمنين بعدما ذكر بعضا من صفاتهم: (أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)[المؤمنون:10-11].

وتفنى الدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها، كما قال سبحانه: ﴿إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون﴾ [مريم: 40] ، ويفنى ما عليها من إنس وجن، ودواب، بل حتى من في السماء يفنى إلا من شاء الله ﴿كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾ [الرحمن: 26 – 27]

فالكل يفنى ويموت ويبيد، ويبقى الوارث الحي الذي لا يموت، والباقي الذي لا يزول، والدائم الذي لا منتهى له، قال: ﴿وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون﴾ [الحجر: 23]، وقال سبحانه: ﴿كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون﴾ [القصص: 88] حتى تنقطع الدنيا، وتنقطع معها مواريث بني آدم وملكهم، ولا يبقى إلا الوارث الذي له الملك، فيقول إذ ذاك: لمن الملك اليوم؟ ثم يجيب نفسه قائلا: ﴿لله الواحد القهار﴾ [غافر: 16]

قصة عن بهلول وهارون الرشيد:

خرج هارون الرشيد يوما في رحلة صيد فمر برجل يقال له: بهلول قد اعتزل الناس وعاش وحيدا فقال هارون: عظني يا بهلول قال: يا أمير المؤمنين! أين آباؤك وأجدادك من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبيك؟ قال هارون: ماتوا قال: فأين قصورهم؟ قال: تلك قصورهم قال: وأين قبورهم؟ قال: هذه قبورهم فقال بهلول: تلك قصورهم وهذه قبورهم فما نفعتهم قصورهم في قبورهم؟ قال: صدقت زدني يا بهلول قال: أما قصورك في الدنيا فواسعة فليت قبرك بعد الموت يتسع فبكى هارون وقال: زدني فقال: يا أمير المؤمنين! قد ولاك الله فلا يرى منك تقصير ولا تفريط فزاد بكاءه وقال: زدني يا بهلول فقال: يا أمير المؤمنين:

هب أنك ملكت كنوز كسرى   ***   وعمرت السنين فكان ماذا؟

أليس القبر غاية كل حي   ***   وتسأل بعده عن كل هذا؟

 

خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل

1- الإيمان بأن الله جل شأنه هو الوارث الباقي بعد فناء خلقه، الحي الذي لا يموت، الدائم الذي لا ينقطع، وإليه مرجع كل شيء ومصيره.

2- استنهاض الهمم في الخير، لاسيما الإنفاق في سبيل الله، لإيماننا أن ما بين أيدينا من الأموال إنما هي ودائع استخلفنا الله تعالى عليها لينظر كيف سنتصرف وفيها ونتعامل بها، ويقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب، وتاركه للناس) رواه مسلم.

3- اسم الله الوارث يكشف حقيقة التملك عند الخلائق، فملكهم إلى زوال، وهو ملك ناقص غير دائم ، ومآله إلى زوال ثم يتركه إلى ورثته، بينما نجد أن ملك الله شامل وكامل لا يعتريه نقص، وباق دائم لا يعتريه زوال، فهو الوارث على جهة الشمول والكمال، وهذا يجعلنا ندرك عظمة الله سبحانه وتعالى.

4- الثبات على الحق وعدم اليأس من انتفاش الباطل وسطوته،  فإن أهل الفساد مهما طغوا وتجبروا، وعتوا عما نهوا عنه، وتنكبوا عن سبيل الحق، وأمعنوا في عداوة الصالحين ومحاربتهم بشتى الوسائل؛ فإن مصيرهم إلى زوال، وليس لهم إلا ذلك النطاق الزمني اليسير؛ ليستكبروا بغير الحق ويتحكموا في رقاب الناس، ثم يرث الله -عز وجل- الأرض ومن عليها وإليه يرجعون.

5- التوكل على الوارث سبحانه: فالإنسان يخاف على ما يتركه من بعده من ذرية ومال، فإذا أيقن أن ربه الوارث يخلفه في أهله وولده تعلق قلبه به وتوكل عليه فيما خلف وراءه، فينشرح صدره ويطمئن لوراثته، وخير شاهد على حسن وراثة الله للعبد في ذريته: قوله تعالى: ﴿وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا﴾ [الكهف: 82]


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 45 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع