ما حكم طلاق المازح أو الهازل ؟
لو الزوج بيهزر(يمزح) مع زوجته ثم قال لها أنت طالق بالثلاثة وهو يضحك هذا الطلاق يقع أم لا؟
الجواب :
من تلفظ بلفظ الطلاق، فإنه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: من تلفظ بالطلاق مع النية، فهذا جاد، يعني: يريد أن يطلق المرأة فعلاً، وجمع بين الظاهر والباطن، فهذا طلق جاداً.
القسم الثاني: من طلق باللفظ دون النية، بمعنى أن يقصد اللفظ دون نية الطلاق، فهذا يسمى بالهازل، يعني: تلفظ بلفظ الطلاق قاصداً له، مستشعراً أنه لفظ الطلاق، لكن نيته لا تريد الطلاق، فمن تلفظ بالطلاق قاصداً اللفظ غير ناوٍ له، يسمى بالهازل، فتجده يمزح مع امرأته قائلا لها: أنت طالق، فللعلماء قولان :
القول الأول : ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وعلى القول المشهور عند المالكية إلى أن الجِدَّ والهزل في الطلاق واقع،
وذلك للآتي :أوَّلًا: لأنَّه أتى باللَّفظِ عن قَصدٍ واختيارٍ، وعَدَمُ رضاه بوقوعِه -لظَنِّه أنَّه لا يقَعُ- لا أثَرَ له؛ لخطأِ ظَنِّه .
ثانيًا: لأنَّ سائِرَ الصَّرائِحِ لا تفتَقِرُ إلى نيَّةٍ، فكذا صريحُ الطَّلاقِ سَواءٌ كان ذلك جادًّا أو هازِلًا.
ثالثا :واستدل بعضهم بحديث : (ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ) رواه أبو داود، وفي سنده ضعف.
رابعا: القول بالوقوع فيه فائدة تربوية , وهي كبح جماح اللاعبين , فإذا علم الإنسان الذي يلعب بالطلاق أنه يؤاخذ به فإنه لن يقدم عليه أبداً، لكن الذي يقول: أنا أمزح فإنه يفتح باباً للناس أن يتخذوا آيات الله هزواً.
قال ابن القيم رحمه الله :” المكلف إذا هزل بالطلاق أو النكاح أو الرجعة : لزمه ما هزَل به ، فدلَّ ذلك أن كلام الهازل معتبر وإن لم يُعتبر كلام النائم والناسي ، وزائل العقل والمكرَه .
والفرقُ بينهما : أن الهازل قاصدٌ للفظ غير مريد لحكمه ، وذلك ليس إليه ، فإنما إلى المكلف الأسباب ، وأما ترتب مسبَّبَاتها وأحكامها : فهو إلى الشارع ، قَصَدَه المكلف أو لم يقصده ، والعبرة بقصده السبب اختياراً في حال عقله وتكليفه ، فإذا قصده : رتَّب الشارع عليه حكمه جدَّ به أو هزل ، وهذا بخلاف النائم والمبرسم [ وهو الذي يهذي لعلة في عقله ] والمجنون وزائل العقل ، فإنهم ليس لهم قصد صحيح ، وليسوا مكلفين ، فألفاظهم لغو بمنزلة الطفل الذي لا يعقل معناها ، ولا يقصده .
وسر المسألة : الفرق بين من قصد اللفظ وهو عالم به ولم يُرد حكمه ، وبين من لم يقصد اللفظ ولم يعلم معناه ، فالمراتب التي اعتبرها الشارع أربعة :
إحداها : أن يقصد الحكم ولا يتلفظ به .
الثانية : أن لا يقصد اللفظ ولا حكمه .
الثالثة : أن يقصد اللفظ دون حكمه .
الرابعة : أن يقصد اللفظ والحكم .
فالأوليان : لغو ، والآخرتان : معتبرتان ، هذا الذي استفيد من مجموع نصوصه وأحكامه ” انتهى .” زاد المعاد ” ( 5 / 204 ، 205 ) .
القول الثاني : ذهب الظاهرية، وبعض المالكية إلى عدم وقوع طلاق الهازل.
عملاً بحديث عمر “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى” والهازل لا نية له، يقول ابن حزم: “إن من نوى الطلاق ولم يلفظ به، أو لفظ به ولم ينوه فليس طلاق إلا حتى يلفظ به وينويه”.
وقد رد عليهم جمهور الفقهاء فقالوا: هذا من باب حكم الوضع وليس من باب حكم التكليف، وحكم الوضع: ما جعله ونصبه الشرع من أسباب وعلامات وموانع تدل على الصحة وتدل على الفساد، فكأن الشرع يقول: من تلفظ بلفظ الطلاق، فإننا نؤاخذه به قصد أو لم يقصد، نوى أو لم ينو، فكأنه إذا وجد لفظ الطلاق وجد الطلاق، بغض النظر عن القصد والنية وجدت أو لم توجد.
والراجح رأي جماهير الفقهاء أن الذي يتكلم بالطلاق الصريح يقع طلاقه.