شرح أسماء الله الحسنى: 66- المنان
أولا / المعنى اللغوي
المنان في اللغة صيغة مبالغة، مِن الفعل منّ يمُنّ مَناً، والمنّة : هي العطية وهي النعمة الثقيلة، والمنّ : العطاء ، ويقال مننت على فلان، إذا اصطنعت عنده صنيعة وأحسنت إليه، و(المنان) هو كثير العطاء.
ويأتي المنّ بمعنى القطع ويقال النقص ، وعبارة (ممتن لك) و(ممنون) تركية، يستعملونها في لغتهم بمعنى (شاكر لك) واستعمالها هكذا يعد خطأ في اللغة العربيّة بهذا المعنى إنما معناها (مقطوع) ومنه قوله تعالى ” لهم أجر غير ممنون” أي غير مقطوع.
ثانيا / المعنى في حق الله تعالى
لهذا الاسم الجليل عدة معان نذكرها من كلام العلماء:
- المنان هو المنعم المعطي ، الذي يدر العطاء على عباده منّا عليهم بذلك وتفضلا
- الَّذِي يَبْدَأُ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَال أي يعطي العبد قبل أن يسأله .
- والمنّ العطاء لمن لا يستثيبه أي لمن لا يطلب ثوابا أي لا ينتظر منك مقابل ، فالله يعطيك ولا ينتظر منك عطاء.
ثالثا / ورود الاسم في السنة
اسم المنان لم يرد في القرآن الكريم، ولكنه ورد في السنة المطهرة.
عن أنس: أنَّه كان مع رسول جالسًا ورجل يصلِّي ثم دعا: اللَّهم إنِّي أسألك بأنَّ لك الحمد لا إله إلا أنت المنَّان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال واﻹكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد دعا اللهَ باسمِه العظيم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أَعطى ) رواه أبو داود وصححه اﻷلباني
رابعا / تأملات في رحاب الأسماء
المن هو أن يذكر الإنسان إحسانه لأخيه، وذلك مستقبح فيما بين الناس ويفعله الجهلة المغترين بما آتاهم الله، لأن المن لا يليق إلا بالله فهو صاحب الفضل والعطاء والإنعام، إلا عند كفران النعمة فيجوز، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حينما وجد الأنصار على أنفسهم في لعاعة من الدنيا تألف النبي صلى الله عليه وسلم بها قوماً ليسلموا، ووكلهم إلى إسلامهم، فَقَالَ لِلأَنْصَارِ: ” يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي ، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي ” ، كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا ، قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ…..” فلذلك المنّ مقبول ؛ حينما ينسى الإنسان الخير، فيذكره غيرُه به.
المن كمال لله نقص في حق العبد :
المن له معنيان :
1- المن بمعنى العطاء دون طلب عوض(مقابل) ومنه قوله تعالى: فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ [سورة ص: 39]ومنه قوله عليه السلام: (وإن من أمن الناس علي في ماله أبو بكر)
2- المنة بمعنى التفاخر بالعطية على المعطى، وتعديد ما عليه، أي: يذكرها ويكررها، فهذا فيه معنى الأذى والإذلال يعني أن أقول لك أنا الذي أعطيتك حينما كنت في ورطة أو في شدة أنا سلفتك، أنا أقرضتك، أنا جعلت منك كذا، أنا لحم أكتافك من خيري، أنا أنا أنا… فتمن عليه لتؤذيه، لتعيره، لتستذله، وهذا هو المذموم، ومنه قوله تعالى: (لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى) [البقرة: 264] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب) فالمنة من البشر فيها معنى الكبر على المحتاج والإذلال له، أما منة الله تعالى على خلقه فإنه هو المنعم الحقيقي جل وعلا. يعني أنا وأنت وكل ما نملكه هو ملك الله عز وجل.
والأعرابي كان فقيها حينما سألوه لمن هذه الغنم ؟ قال :هي لله في يدي. يعني أنا مؤتمن عليها .
فالله تعالى مالك كل شيء وما ملك فهو صاحب المنة وهو صاحب الفضل وهو صاحب العطاء جل وعلا، فالذي أعطاك ومنع عني قادر أن يمنع عنك ويعطيني.
إذن : المعنيان في حق الله تعالى صحيحان، ويتصف أيضاً بهما الإنسان، لكن يتصف بالمعنى الأول على طريق المدح، وبالمعنى الثاني على طريق الذم.
فهذه الصفة في حقه تعالى صفة كمال، وفي حق المخلوق، – بهذا المعنى – صفة نقص، فلا يلزم أن يكون كل كمال في الخالق كمالا في المخلوق.
الفرق بين منَّة الخالق عز وجل ومنَّة المخلوق:
1- المنَّة من الإنسان لغيره يصحبها الاستعلاء والفوقيَّة، وهو ليس أهلاً لها؛ إذ إنه وإن تمنَّن فإنَّه ضعيف فقير محتاج لغيره في رزقه، أما منَّة الخالق فهو جلَّ جلاله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ الشورى: 11.
2- منَّة المخلوق لغيرِه من الخَلْق يعتريها الانقطاع من عدَّة جهات، منها:
- الانقطاع عن طريق الفقر: فما عنده ينفد، ومنَّة الله غير منقطعة؛ فما عنده عزَّ وجل باقٍ لا ينفد، قال تعالى: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96]، وقد ورد قوله جلَّ جلاله لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [القلم: 3]؛ أي: غير مقطوع.
- انقطاع منَّة المخلوق عن طريق الموت، فلا شكَّ أنَّ الإنسان مهما بلغ في التفضُّل والإنعام سيأتي اليوم الذي يموت فيه، ولقد سُمِّي الموت بــ(المنون)؛ لأنَّه يقطع العبدَ عن الحياة، قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: 30]عن ابن عباس قال: “يتربَّصون به الموت”؛ ولذلك كانت المنَّة في حقِّه عيبًا ونقصًا، أمَّا الخالق فهو الحيُّ الذي لا يموت، فضمن بذلك أنَّ مِنَّته سبحانه ممتدَّة؛ ولذلك كانت محبَّبة للنفوس عكس منَّة الخَلْق.
3- المنَّة من المخلوق تنشأ غالبها من التعزُّز والكِبْر، فهو يحاول أن يُظهر فضلَه على من تمنَّن عليه، أمَّا منَّة الخالق، فهي منَّة تحبُّب للعباد وتذكيرهم بنعمِه عليهم.
4- المنَّة من المخلوق لا تكون إلاَّ بعد تعبٍ وكدح؛ لذلك يجد في نفسه غضاضة حين يعطِي، أمَّا الخالق، فرِزق العباد عليه يسير؛ لذلك تمنُّنه لعباده تحبُّب منه إليهم.
5- المنَّة من المخلوق لغيره فيها استكثار، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ [المدثر: 6]، أمَّا الخالق عزَّ وجل فهو كما في الصحيحين عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (ما من مسلمٍ يدعو اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحمٍ، إلاَّ أعطاه بها إحدى خصالٍ ثلاثٍ: إمَّا أن يُعجِّل له دعوته، وإمَّا أن يدَّخر له من الخير مثلَها، وإمَّا أن يَصرِف عنه من الشرِّ مثلها) ، قالوا: يا رسول الله، إذًا نُكثِر؟! قال: (الله أَكْثر)، الشاهد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (الله أكثَر).
قوله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)الحجرات 17
من المن المذموم أن يمن العبد على الله بطاعته، وهذا مذموم، فهل تظن أيها العبد أن أي عبادة تؤديها الله في حاجة إليها؟ كلا فالله عزوجل قال في الحديث القدسي : (يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني.) من أنت حتى تبلغ من القوة أو العلم أو السيادة أن تنفع الله عز وجل أو تضر الله؟ لو أن العباد كلهم اجتمعوا على أن ينفعوا الله أو أن يضروا الله لا يصلون إلى شيء من ذلك حتى في بقية الحديث قال : ( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئا و لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا. ) فلا العبادة تزيد في ملكي ولا المعصية تنقص من ملكي .
( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فأعطيت لكل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص المخيط (الإبرة) إذا أدخل ماء البحر. ) هل الإبرة إذا أدخلناها ماء البحر وأخرجناها تنقص منه شيئا ؟!
فإذا أعطى الله الخلق جميعا حوائجهم ما ينقصون من ملكه شيئا سبحانه وتعالى.
إذن فلما تعمل عمل لا تمنّ على الله بهذا العمل، لأن الذي يمنّ هو الله سبحانه وتعالى، وقد ذكرالله عن أهل الجنة قولهم : (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) فالعمل سبب لدخول الجنة وليس ثمن لدخول الجنة ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : لن يدخل أحدكم الجنة بعمله.
قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.
فالعمل سبب لدخول الجنة وليس ثمن لدخول الجنة… مهما عملت من طاعات لن تبلغ ثمن شيء في الجنة…..الجنة لا يقابلها شيء من الدنيا كلها، والرسول صلى الله عليه وسلم قال : (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها.) والسوط : ما يضرب به من حبل أو جلد.
إذن لما يكون موضع صغير في الجنة لا تساوى معه الدنيا بأسرها…. فسبحان الله !!! كل عباداتك، كل طاعاتك هي من فضل الله عليك، هي من رحمة الله تعالى بك، وكان الصحابة ينشدون وهم يحفرون الخندق قائلين:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأحزاب قد بغوا علينا * إن أرادوا فتنة أبينا
نعم لولا الله ما اهتدينا، لولا الله ما تصدقنا ولا صلينا، فالحمد لله الذي أكرمنا بنعمة الإسلام وأكرمنا بنعمة الهداية، وأكرمنا بنعمة البصيرة وأكرمنا بنعمة السجود بين يديه، وأكرمنا بهذه النعم كلها، فلا ينظر الإنسان إلى عمله…. أنا فعلت وفعلت وفعلت… أنا حججت كذا مرة، أنا أقمت الليل، أنا أنفقت على الفقراء كذا، أنا ساهمت في مسجد كذا… حينما تبرز الأنا فهذه سبب للهلاك.
فالعبد لا يغتر بطاعته، لا يغتر بهدى الله، لا يغتر بعطاء الله، لا يغتر بمال، لا يغتر بعلم، لا يغتر بأي شيء، لو اغتررت بنفسك تهلك، تضيع.
ولذلك ينبغي على المؤمن دائما أن يستشعر معنى الافتقار إلى الله، وأنه مهما ازداد في علم أو مال أو مكانة أو من الدنيا أو كذا أو كذا… فليعلم أن هذا كله من عطاء الله سبحانه وتعالى، وهذا نبي الله سليمان سبحان الله أعطاه الله ما أعطاه من الملك، ملك عظيم فماذا قال ؟ “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي …”يعني كل ملوك الدنيا لن يصلوا إلى ما آتاه الله لسليمان من جن وإنس وطير وحيوانات وكل شيء سخره الله والريح رخاء وعاصفة والشياطين كل بناء وغواص ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه… فلما رأى عرش بلقيس أمامه لم يتذكر قوته أو أنه الزعيم أو أنه الملك صاحب الألقاب والفخامة والضخامة… هذه الأشياء التي يخلعونها على أنفسهم إنما قال لله متواضعا: (هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)
والرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فاتحا دخلها ومعه عشرة آلاف…. عشرة آلاف بالنسبة للأعداد الموجودة في هذا الوقت جيش ضخم، جيش كبير…. فيدخل النبي صلى الله عليه وسلم على أهل مكة بهذا الجيش الكبير، فماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
عندما استقبل جهة مكة وهو داخل إليها أحنى رأسه حتى كادت لحيته أن تمس الرحل (ظهر الناقة) التي كان يركبها تواضعا وإجلالا لله سبحانه وتعالى.
(بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.) ولذلك احذر أن يأتيك الخير إلى بابك ثم ترده متعاليا، أن يفتح لك باب وطريق إلى خير أو إلى الجنة أو إلى مساعدة محتاج أو إلى نصرة مظلوم ثم تتكبر وتقول لا… هذا ليس طريقي، أنا لا أحب ذلك، أنا أنا أنا ……“وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ” لو فتح لك باب خير، فاعلم أن الله أحبك أيا كان هذا الخير.
لو جعلك الله تعالى في مقام طاعة إعانة لفقير، مساعدة لمحتاج، نصرة لمظلوم، تخفيف لألم مريض، فافرح افرح أن الله هيأ لك ذلك.
خامسا/ ثمار الإيمان باسم الله المنان
1- أن الله تعالى هو المنان الذي من على عباده بأنواع الإحسان والإنعام والأرزاق والعطايا ،فيجب على كل مسلم أن يعترف بالمنة لله وحده .
2- حرمة المن وأن المنان من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
3-من المن المذموم أن يمن العبد على الله بطاعته فلا تمنّ على الله بطاعة، لأن الذي يمنّ هو الله سبحانه بتوفيقه وعمون لعبده.
4-الدعاء لله متوسلا بهذا الاسم كما ورد في الحديث : (اللَّهم إنِّي أسألك بأنَّ لك الحمد لا إله إلا أنت المنَّان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال واﻹكرام، يا حي يا قيوم)
فائدة : هل الحنان من أسماء الله الحسنى؟
الحنان : الراجح أنه صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عزَّ وجلَّ في قولـه تعالى: يَايَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيَّاً [مريم: 12-13] وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: (يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، عليه حسك كحسك السعدان… ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أنَّ لا إله إلا الله مخلصاً، فيخرجونهم منها)، قال: ثم يتحنَّن الله برحمته على مَن فيها، فما يترك فيها عبداً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا أخرجه منها)
وأثبت بعض العلماء اسم (الحنَّان) لوروده في بعض الأحاديث والراجح عدم صحتها، ومن هذه الأحاديث:
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عياش زيد بن الصامت الزرقي وهو يصلي وهو يقول: ( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت ياحنان يا منان يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) طبعا الحديث صح كله ما عدا زيادة (يا حنان) فإنها لم تصح كما قال الشيخ الألباني وغيره
2- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ عبداً في جهنم لينادي ألف سنة يا حنَّان يا منَّان قال فيقول الله عز و جل لجبريل عليه السلام اذهب فأتني بعبدي…) .
ولهذا فقد كره مالك رحمه الله الدعاء به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد نقل عن مالك أنه قال: أكره للرجل أن يقول في دعائه: يا سيدي يا سيدي، يا حنان يا حنان، ولكن يدعو بما دعت به الأنبياء: ربنا ربنا، نقله عنه العتبي في العتبية. انتهى من مجموع الفتاوى 10/285.
وقال الخطابي: (ومما يدعو به الناس خاصُّهم وعامُّهم، وإن لم تثبت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحنَّان)
وقال ابن العربي: (وهذا الاسم لم يرد به قرآن ولا حديث صحيح، وإنما جاء من طريق لا يعوَّل عليه، غير أنَّ جماعة من الناس قبلوه وتأولوه، وكَثُر إيراده في كتب التأويل والوعظ)
وبناء على ذلك فإن (الحنان) ليس من أسماء الله تعالى، وإنما هو صفة فعل، بمعنى: الرحيم، من الحنان بتخفيف النون- وهو الرحمة، قال الله تعالى: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} أي: رحمة منا، على أحد الوجهين في تفسير الآية.