شرح أسماء الله الحسنى: 69- المقيت
أولا / المعنى اللغوي
المقيت: من القوت، اسم فاعل للموصوف بالإقاتة، فعله: أقات، يقال: قات الرجل أي أعطاه قوته، ويطلق على الشيء المدخر المحفوظ الذي يقتات منه حين الحاجة فيسمى قوتًا، كالطعام الضروري الذي تدخره في بيتك، أما الشيء الزائد عن الحاجة فلا يسمى قوتًا.
ثانيا / المعنى في حق الله تعالى
تعددت أقوال العلماء في معنى اسم الله المقيت، وسبب ذلك راجع إلى تفسير اللفظ بحقيقته أو بلازم من لوازمه وقد تتعدد اللوازم، فكل معنى من هذه المعاني قد يكون صحيحاً من وجه، ولكن المعنى الجامع هو الذي يكون من مادة الكلمة ذاتها.
أما الأقوال فهي كالتالي:
1- المقيت بمعنى خالق الأقوات، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يُقيت الأبدان بالطعام والشراب، ويُقيت القلوب والنفس بالمعرفة، وبهذا يقترب اسم الله تعالى” المقيت” من اسمه “الرزاق” إلا أن اسم الرزاق أشمل وأعم؛ حيث أن اسم ” المقيت” يختص برزق الطعام والشراب، بينما اسم “الرازق” يشمل رزق كل شيء.(وهذا المعنى هو أرجحها)
2- المقيت بمعنى المقتدر الذي يمد كائناته بحاجتها من الطعام والشراب، فالله تعالى يُقدر الطعام المناسب لطبيعة الكائن الحي، ويحقق له المنفعة والفائدة، ويبعد عنه الضرر والأذى.
3- المقيت بمعنى الحافظ، حيث أن الله تعالى يحفظ الجسم بما يعطيه من طعام وشراب.
4- المقيت بمعنى الشهيد: لأنه سبحانه يعطي القوت ليظل الإنسان حياً، فهو مشاهد له فلا يغيب المخلوق عن خالقه لحظة.
5- المقيت بمعنى الحسيب: لأنه يعطي القوت للإنسان على قدر حاجته فهو حسيب.
يقول الشيخ الشعراوي : وكل هذه المعاني متداخلة ومتلازمة؛ لذلك نقول إن كل عالم لاحظ ملحظاً في الكلمة، فالذي لاحظ القوت الأصلي على صواب، فلا يعطي القوت الأصلي إلا المراقب لعباده دائماً، فهو شهيد، ولا يعطي أحداً قوتاً إلا إذا كان قائماً على شأنه فهو حسيب، وسبحانه لا يُقيت الإنسان فقط ولكن يقيت كل خلقه، فهو يقيت الحيوان ويلهمه أن يأكل صنفاً معيناً من الطعام ولا يأكل الصنف الآخر.
ثالثا / ورود الاسم في القرآن والسنة
ورد في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله تعالى: ( مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا) سورة النساء:85
رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل
تكفل الله سبحانه للخلق بالرزق مهما كانوا وأينما كانوا، مسلمين وكافرين، إنسًا وجنا، طيرًا وحيوانا، وهو سبحانه كما يقول البلغاء يرزق النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، قال تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}هود 6
وكلمة ( الدابة ) جاءت نكرة لتفيد الشمول، لتشمل هذه الكلمة كل شيء يدب على وجه الأرض، و( مِن ) تفيد استغراق أفراد النوع.
ويذكر أحدهم وكان لديه قط يهتم به وبطعامه، وكان يعطيه كل يوم ما يكفيه من الطعام، ولاحظ رب البيت أن القط لم يَعُد يكتفي بالقليل مما يقدّم له من الطعام، فأصبح يسرق غير ما يُعطى له، فرصده صاحبه وجعل يراقبه، فوجده يذهب بالطعام إلى قط أعمى! فيضع الطعام أمامه ليأكله، فتبارك الله، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا.
فَاللَّهُ تَكَفَّلَ بِالْأَرْزَاقِ، وَسَخَّرَ الْآبَاءَ لِلْأَوْلَاَدِ، وَأوكل بهم الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِم، كما قَالَ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ)
فسُبْحَانَ مَنْ أعطى كُلُّ شَيءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى، حَيْثُ هَدَى جميع مخلوقاته إِلَى مَا بِهِ يَقْتَاتُون، وَلو نظرنا لِحَيَاةِ الْبِحَارِ كَيْفَ يَقْتَاتُ مَنْ يَسْكُنُ فِيْ أَعْمَاقِهَا؟ وَكَيْفَ اسْتَطَاعَتْ صِغَارُ الْأَسْمَاكِ أَنْ تَقْتَاتَ حَتَّى نمَتْ وَكَبُرَتْ وَسَطَ هذا المحيط الذي تَتسَلَطُ فِيْها الأسماك الكبار عَلَى الْصغار؟ِ
فَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ قُوتَهُ عَلَى مَرِّ الْأَوْقَاتِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَهُوَ يَمُدُّهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا جَعَلَهُ قَوَامًا لَهَا، إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ الَّذِي يَحْبِسُهُ عَنْهُمْ، إِذَا كَتَبَ لَهُمُ الْهَلَاكُ أَوِ الْوَفَاةُ.
قصة النملة مع سليمان :
ومن طريف الأمر قصة ذكرها ابن القيم في بعض كتبه : قيل إن نبي الله سليمان عليه السلام سأل نملة : كم تأكلين في العام؟
قالت: آكل حبتين من القمح.
فوضع لها حبتين من القمح، ومضى عام كامل، فنظر إليها فوجدها قد أكلت حبة واحدة من القمح وأبقت على الأخرى!!!
فقال لها: ألم تخبريني أنك تأكلين في كل عام حبتين من القمح؟! فلماذا أكلت حبة واحدة ؟
فقالت النملة: يا نبي الله ، كنت آكل حبتين من القمح وأنا متيقنة بأن الله الرازق سيبعث إليّ بغيرها، لكنني لما علمت أنك الذي توليت أمري خفت أن تنساني فأكلت حبة وادخرت الحبة الأخرى للعام القادم.
﴿ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ﴾:
واللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هُوَ الْمُقِيتُ، يُقَدِّرُ حَاجَةَ الْخَلَائِقِ بِعِلْمِهِ، ثُمَّ يَسُوقُهَا لَهُمْ بِقُدْرَتِهِ، يُقِيتُهُمْ بِهَا، وَيَحْفَظُهُمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ﴾ [فصلت: 10]، فَقَدَّرَ فِي الأرض أَقْوَاتَ أَهْلِهَا، وَمَا يَصْلِحُ لِمَعَايِشِهِمْ مِنَ التِّجَارَة وسائرالْمَنَافِعِ فِي كُلِّ بَلَدَةٍ مَا يُلَائِمُ احْتِيَاجِ أَهْلِهَا وَيَجْعَلُ فِيْ كُلِّ بلَدٍ قُوْتٌ مُخْتَلِفٌ عنْ أقْوَاتِ البِلاَدِ الأُخْرَى، حَتَّى يُسَخِّرَ بَعْضهُمْ لِبَعْضٍ، كما قَالَ تَعَالَى: ﴿ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾ [فصلت: 10]
وَالَّذِي رَزَقَ الْعِبَادَ هَذِهِ الْأَقْوَاتَ خَلَقَ لَهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ مَا يُعِينُهُمْ عَلَى الاسْتِفَادَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَاتِ، وَمَا يَتَوَصَّلُونَ بِهِ لِهَذِهِ الْأَقْوَاتِ لِلانْتِفَاعِ مِنْهَا، وَهُوَ الَّذِي يُقَدِّرُ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ مَا يُنَاسِبُ الْأَجْسَادَ، فَخَلَقَ الْأَقْوَاتَ الْمُنَاسِبَةَ لِأَجْسَادِ خَلْقِهِ، وَمَا يَتَلَاءَمُ مَعَ أَجْسَادِهِمْ وَزَمَنِهِمْ وَمَكَانِهِمْ، وَخَلَقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ الْأَقْوَاتَ الَّتِي تُناسُبِ أَعْدَادَهُمْ، فَانْظُرْ إِلَى كَثْرَةِ الْخَلْقِ وَكَثْرَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَكُلٌّ لَهُ قُوتُهُ، فَمَنِ الَّذِي قَدَّرَ لَهُمْ أَقْوَاتَهُمْ وتكفل بها غَيْرَ الْمُقِيتِ جلَّ فِيْ عُلَاه.
وانْظُرْ إِلَى بَعْضِ الْبِلَادِ سُكَّانُهَا يَتَجَاوَزُونَ الْمِلْيَارَ، ويَحْتَاجُونَ إِلَى مِئَاتِ الْمَلَاَيِينِ مِنَ الْأَطْنَانِ مِنْ كَافَةِ أَنْوَاعِ الأَرْزَاقِ يَوْمِيًّا، وَسَاقهَا إليهم….
وَانْظُرْ إِلَيْهِمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، الْمَلَاَيِينُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ضَيِّقٍ مُزْدَحِمٍ وَمَعَ ذَلِكَ سَخَّرَ اللَّهُ مَلَاَيِينَ الْأَطْنَانِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ فِي تِلْكَ الْأيَّامِ الْمَعْدُودَةِ وَيَسَّرَهَا لَهُمْ.
وَلَقَدْ طَمْأَنَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْزَاقَ فِي عِلْمِهِ وَحِفْظِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، لَا يَمْنَعَهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، بَلْ وَزَادَ فِي طَمْأَنَةِ عِبَادِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُمْ هَذِهِ الْأَرْزَاقَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي، قَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم: 40]، تأملوا قوله تعالى: {ثُمَّ رَزَقَكُمْ}، ولم يقل: “يرزقكم”؛ لنعلم أن الرزق مقسوم، وأن قسمة كل واحد منه قد كتبت وحددت فستأتيك ستأتيك، فهو الذي يطلبك وما عليك إلا الأخذ بأسباب وصوله إليك.
هل يجوز ادخار الأقوات؟
ولا ينافي الإيمان بأن الله -تعالى- هو المقيت لجميع الخلائق أن يدخر الإنسان بعض قوته للأيام المقبلة، بل إن فيه فائدة، وهي ألا يظل الإنسان مشغولًا طوال وقته بتحصيل الرزق، فالادخار لا ينافي التوكل على الله، ولا يعارض القدر الذي كتبه الله، فالأخذ بالأسباب أمر مشروع ومتعبَد به، واحتياط الشخص لمستقبله أمر مرغَّب فيه، فقد روى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم” (متفق عليه).
بل وأكثر من ذلك، فلو عمل الإنسان وكد ليدخر لأولاده ما يكفيهم ويغنيهم بعد موته، فإنه عمل لا غبار عليه، ويؤجر عليه ما حسنت نيته، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص: “إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك” (متفق عليه).
ولا يخفى أن إباحة هذا الادخار مشروطة بأداء جميع الحقوق الواجبة، في المال من الزكاة والإنفاق على من تجب النفقة عليه نفقتهم كالزوجة والأولاد ، ومشروطة بعدم الاحتكار المحرم أو التضييق على النفس والأهل حال الحياة، ومشروطة كذلك بألا يكون على حساب التوكل على الله، وألا يكون الادخار اعتمادًا على النفس دون الله، فإن حدث شيء من ذلك صار الادخار محرمًا.
وهناك أمر آخر ينبغي ألا يغفل، وهو أن يقدَّم الإنسان لنفسه من الصدقات الجارية والقربات والصلات ما ينفعه عند مولاه -سبحانه وتعالى-، وإلا حمل شر ماله ثم تركه لورثته يتمتعون به، تلك هي نصيحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟” قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: “فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر” (البخاري).
خامسا/ ثمار الإيمان باسم الله القيوم
1-الحرص على أكل الحلال الطيب:
فإنما يبعث على أخذ الحرام الخوف على الرزق والقوت، لكن إذا تيقن العبد أن الله -سبحانه- هو المُقيت الذي يطعمه ويقيته، وثق أنه لن يعدم قوتًا وربه هو المقيت، فيتعفف عن الحرام، ولا يأكل إلا الحلال.
وقد جاءت جملة كثيرة من التأكيدات على ضمان الرزق والقوت في القرآن والسنة، حتى لقد روى أبو الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله” (ابن حبان)، بل لو فررت أنت من رزقك لأدركك؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لو فر أحدكم من رزقه لأدركه كما يدركه الموت” (الطبراني).
2-لا تأكل مما حرم الله :
وطالما آمنا أن اللَّهَ هُوَ الْمُقِيتُ الَّذِي رَزَقَ الرِّزْقَ، وَتَكَفَّلَ بِهِ، فَمِنْ سُوءِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ الْمُقِيتِ جَلَّ فِي عُلَاه أَنْ يَقْتَاتَ الْإِنْسَانُ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُوتِ، فَلَا يَأْكَلُ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ لِذَاتِهِ كَالْخِنْزِيرِ وَالْكِلْابِ وَالْحَمِيرِ، أو لشَيْء حَرَّمَهُ اللَّهُ لِسَبَبٍ كَالْقُوت الْمَسْرُوْق أوالمغتصب… فَعليه ألَا يَأْكَلُ إِلَّا الْحَلَالَ الطَّيِّبَ.
3- ألا تطلب حوائجك إلا من الله لأن خزائن الأرزاق بيده:
فعلى المؤمن أن يسأل ربه حاجته كلها لأنه سبحانه هو الذي يقيت العباد، قال -جلا وعلا-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر:21]، ومهما أنفق -سبحانه وتعالى- فإن ذلك لا ينقص شيئًا من تلك الخزائن الباقية، فعن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: “يد الله ملآى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات، والأرض؛ فإنه لم يغض ما في يده” (متفق عليه)، والسح هو الصب الدائم من الأرزاق والأقوات، ولم يغض أي لم ينقص.
ولو أعطى الله -عز وجل- لجميع المخلوقات أقصى أمنياتهم وأمانيهم وأحلامهم لم تنقص خزائنه، فعن أبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: “يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر” (مسلم)
4-عزة النفس والاستغناء عمن سوى الله -تعالى-:
فمن آمن أن الله -عز وجل- هو المقيت لا يتوجه إلا إليه بالخضوع والخشوع، وتجده عزيز النفس لا يطلب الحوائج إلا من الله وحده، ويأبى أن يذل نفسه أمام أحد من الخلق؛ لأنه يوقن أن أحدًا غير الله لا يملك قوته، وعدم سؤال الخلق شيئًا هو ما بايع عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقوامًا من الصحابة، فعن عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: “ألا تبايعون رسول الله؟” مرارًا، فقالوا: فعلام نبايعك؟ قال: “على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا -وأسر كلمة خفية- ولا تسألوا الناس شيئًا”؛ فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه. (مسلم)، وقد علَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عباس -رضي الله عنهما- وعلَّم الأمة من بعده قائلًا: “إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله” (الترمذي).
5- التوسط بين التبذير والتقتير:
فرزق العبد وقوته إنما هو من المقيت -عز وجل-، وقد أمر -سبحانه وتعالى- قائلًا: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُل الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورا) [الإسراء:29]؛ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف، أو مخيلة” (ابن ماجه وحسنه الألباني).
6- حمد الله دائما على نعمه:
وروى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” مَن أَطْعَمَهُ الله طعاماً فَلْيَقُلْ : اللَّهمَّ بارِك لنا فيه ، وأطعِمنا خيراً منه ، ومن سَقاهُ الله لبنا ، فليقل : اللَّهمَّ بارك لنا فيه وزِدْنَا منه ، فإنه ليس شيءٌ يُجْزئ من الطعام والشراب إلا اللبنُ ” [ابن ماجه] .
7- أن يسعى العبد لقوت قلبه وروحه:
، فكما يغذي بدنه عليه تغذية قلبه، فإنه يجوع ويعطش كما يجوع البدن ويعطش، فهو أعظم الأقوات التي توصل إلى معرفة الله جل وعلا، فإذا فقد القلب هذا القوت أنهكته الأمراض النفسية من كآبة وضيق واختناق وهم وغيره. فليكن لك قوت قلبي من الذكر والطاعة لا تقطعه أبدًا، وإلا ضعف قلبك ووهن كما يضعف البدن حين يفقد قوته اليومي.
ويذكر الرازي أن أحوال الأقوات مختلفة، فمنهم من جعل قوته المطعومات، ومنهم من جعل قوته الذكر والطاعات، ومنهم من جعل قوته المكاشفات والمشاهدات، فقال في الأولين: “خلق لكم ما في الأرض جميعاً”، وصفة الفريق الثاني يصورها قول بعضهم: “القوت ذكر الحي الذي لا يموت” وصفة القسم الثالث يصورها قول النبي عليه الصلاة والسلام: (أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)
فيا رب إن الرزق رزقك، والكون كونك، والخزائن خزائنك، فلا تحرمنا رزقك، وتفضل علينا من فضلك، فلا غنى بنا عنك طرفة عين…آمين