شرح أسماء الله الحسنى: 74- التواب

تاريخ الإضافة 26 نوفمبر, 2023 الزيارات : 2216

شرح أسماء الله الحسنى: 74- التواب

أولا / المعنى اللغوي

التواب من التوبة، وهي تفيد معنى الرجوع، يقال: تاب إذا رجع، والتواب فعال من تاب يتوب أي يقبل توبة عباده، وفعال من أبنية المبالغة مثل ضراب للكثير الضرب، وجاء تواب على أبنية المبالغة لقبوله توبة عباده وتكرير الفعل منهم ، فالعبد يتوب إلى الله عز وجل، ويقلع عن ذنوبه، والله يتوب عليه أي يقبل توبته. فالعبد تائب والله تواب .

ثانيا / المعنى في حق الله تعالى

والتَّوَّابُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عَبادِهِ حاَلًا بَعْدَ حالٍ، فَمَا مِنْ عَبْدٍ عَصَاهُ وبَلَغَ عصيانهُ مَدَاهُ ثُمَّ رَغِب فِي التَّوْبَةِ إليهِ إلَّا فَتَحَ لَهُ أبْوَابَ رحمَتِهِ، وفَرِحَ بعودَتِه.

ثالثا / ورود الاسم في القرآن

وَرَدَ الاسْمُ فِي القُرْآنِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، مِنْهَا:

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 160].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 104].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 10].

وَقَوْلُهُ: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3].

رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل

التواب : هو الذي يتوب على عبده، أي يوفقه إلى التوبة، وييسرها له، ثم يقبلها منه، فهو التواب الذي ييسر أسباب التوبة لعباده فهو سبحانه- ينعم على التائبين أولاً بتوفيقهم للتوبة والإقبال بقلوبهم إليه، ثم ينعم عليهم بعد توبتهم، قبولاً لها، وعفواً عن خطاياهم.

قال تعالى: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ) [التوبة: 118]، وفي حَدِيثِ أَبِي مُوسَي رضي الله عنه مَرْفُوعًا: “إن الله عَزَّ وَجَل يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسيءُ اللَّيْلِ حَتي تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا”[رواه مسلم]

وعن أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “قَالَ الله: يَا ابْنَ آدَمَ إنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاء ثُمَّ اسْتَغْفَرتَني غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرةً”.رَوَاه الترمذيُّ، وَحَسَّنَهُ الألبانِيُّ

هَذَا فَضْلًا عَنْ فَرَحِ التَّوَّابِ جل وعلا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ وَعَوْدَتهِ إِلَى رَبِّهِ، فَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: “لله أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَة أَحَدكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إذَا وَجَدَهَا”[رواه مسلم]، إنَّ المُذْنِبَ مُخْطِئٌ فِي جَنْبِ الله وعِظَمُ الذَّنْبِ يُقَاسُ بِعظَمِ مَنْ أَخطَأْتَ فِي حَقِّهِ، فَلَوْ قَبِلَ الله تَوْبَةَ المُذْنِبِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ القَبُولِ فَقَطْ كَرَمٌ بَالِغٌ ومِنَّةٌ مِنَ الله عَلَى عَبْدِهِ، فَمَا بالُنَا وَهُوَ يَقْبَلُ توبَةَ المُذْنِبِ بِعَفْوٍ جَدِيدٍ وَفَرَحٍ شَدِيدٍ، وَيَجْعَلُ فِي مُقَابِلِ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ أَجْرًا كَبِيرًا.

وعلى هذا تكون توبته على عبده نوعان:

الأول: يوقع في قلب عبده التوبة إليه، والإنابة إليه، فيقوم بالتوبة وشروطها من الإقلاع والندم والعزم على ألا يعود إلى الذنب، واستبدال الذنب بالعمل الصالح.

الثاني: توبته على عبده بقبوله، وإجابتها ومحو الذنوب بها، فإن التوبة النصوح تجب ما قبلها.

وإذا كانت التوبة معناها الرجوع والعودة، فإن الله تعالى كثير العودة بأصناف الإحسان على عباده، فهو يوفقهم بعد الخذلان، ويعطيهم بعد الحرمان، ومن توبته يقابل الدعاء بالعطاء، والاعتذار بالغفران، والإنابة بالإجابة، والتوبة بمحو الإثم.

ولذلك سئل بعض السلف: هل إذا تبت تاب الله عليّ؟ قال: بل يا جاهل إذا تاب الله عليك تبت، أما قرأت قول الله تعالى (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ) أي أن توبة الله عليك أسبق من توبتك إليه، ومعنى توبة الله عليك أن يوفقك إلى التوبة، ما دام قد حركك لتتوب وتندم وترجع إليه فهذا دليل على أنه قد تاب عليك.

وَهذا ما ذكره ابْنُ الْقَيِّمِ في مدارج السالكين فقال: أنَّ تَوْبَةَ العَبْدِ إِلى رَبِّهِ مَحْفُوفَةٌ بِتَوْبَةٍ مِنَ الله عَلَيْهِ قَبْلَهَا وَتَوْبَةٍ مِنْهُ بَعْدَهَا، فَتَوْبَتُهُ بَيْنَ تَوْبَتَيْنِ مِنَ الله: سَابِقَةٍ وَلاَحِقَةٍ، فَإِنَّهُ تَابَ عَلَيْهِ أَوَّلًا إِذْنًا وَتَوْفِيقًا وَإِلْهَامًا، فَتَابَ العَبْدُ فَتَابَ الله عَلَيْهِ ثَانِيًا قَبُولاً وَإِثَابَةً، قَالَ تَعَالَى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ تَوْبَتَهُ عَلَيْهِم سَبَقَتْ تَوْبَتَهُمْ، وَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي جعَلَتْهُم تَائِبِينَ، فَكَانَتْ سَبَبًا وَمُقْتَضًى لِتَوْبَتِهِم، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مَا تَابُوا حَتَّى تَابَ الله عَلَيْهِمْ، وَالحُكْمُ يَنْتَفِي لاِنْتِفَاءِ عِلَّتِهِ، فَالعَبْدُ تَوَّابٌ، فَتَوْبَةُ العَبْدِ رُجُوعُهُ إِلَى سَيِّدِهِ بَعْدَ الإِبَاقِ، وَتَوْبَةُ الله نَوْعَانِ: إِذْنٌ وَتَوْفِيقٌ، وَقَبُولٌ وَإِمْدَادٌ [ مدارج السالكين (1/ 312).

اقتران اسم الله التواب بأسمائه الأخرى سبحانه:

اقْتِرَانُ اسْمِهِ (التَّوَّابِ) بِ (الَّرحِيمِ): قال تعالى حكاية عن إبراهيم : (وَتُبۡ عَلَیۡنَاۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ ) [البقرة 128] دل على أَنَّ الله تَعَالَى رَحِيمٌ بِعِبادِهِ فَلاَ يُعَاقِبُهم بَعْدَ التَّوْبَةِ، وأَنَّهُ تَعَالَى لاَ يَخْذُلُ وَلاَ يَرُدُّ مَنْ جَاءَ مِنْهُم تَائِبًا، وَلَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُهُ عَنَانَ السَّمَاءِ، وأَنَّ قَبُولَهُ لِتَوْبَةِ عِبَادِهِ تَفَضُّلٌ مِنْهُ عَلَيْهِم، وَهُوَ مُقْتَضَى رَحْمَتِهِ تَعَالَى بِهِم.

اقْتِرَانُ (التَّوَّابِ) بـ (الحَكِيمِ): فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 10] ومعنى الآية : َوْلولا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُم وَرَحْمَتُهُ بِكُم، لَعَاجَلَكُم بِالعُقُوبَةِ عَلَى مَعَاصِيكُم، وَفَضَحَ أَهْلَ الذُّنُوبِ مِنْكُم بِذُنُوبِهِم، وَلَكِنَّهُ سَتَرَ عَلَيْكُم ذُنُوبَكُم فهو التَوَّابٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ عَنِ المَعَاصِي بِالرَّحْمَةِ، حَكِيمٌ فِيمَا فَرَضَ مِنَ الحُدُودِ؛ فالله عز وجل لَا يُعَاجِلُ أَهْلَ المَعَاصِي بِالعُقُوبَةِ، بَلْ يُمهِلُهُم الفُرْصَةَ للِتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ، وَهَذَا مِنْ حِكْمَتِهِ، وهو لَا يَفْضَحُ أَهْلَ الذُّنُوبِ ابْتِدَاءً، لِيَكُونَ ذَلِكَ عَوْنًا لَهُم عَلَى تَوْبَتِهم.

حب الله للتَّوَّابِينَ المُتَطَهِّرِينَ:

كما جاء مقروناً بالتطهر، كما في قوله عز وجل في سورة البقرة: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ)[البقرة:222]، وذلك لأن التوبة تطهير؛ تطهير للجنان والقلب من أوضار الذنوب وأرجاسها وأنجاسها، بحيث يتحول القلب إلى صفاء، وإلى نقاء، ويتألق وينغسل بالنور الإيماني، فتذهب عنه أوضاره وآثاره، وتنعكس الحقائق عليه صافية ناصعة؛ ولذلك جمع الله تعالى بين التطهر وبين التوبة: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ)[البقرة:222].

كما أن التطهر حتى في الظاهر في الوضوء والغسل وما أشبه ذلك مما شرعه الله تبارك وتعالى هو من الأعمال الصالحة، التي تعين على التوبة إلى الله عز وجل؛ ولذلك ناسب أن يذكر الله تعالى العبد وهو يتطهر بظاهره إلى المعنى الآخر؛ وهو أن هذه العبادات من طهارة وصلاة وصيام وحج وغيرها، إنما شرعت من أجل طهارة الباطن، وأن تنعكس على قلب الإنسان إيماناً بالله سبحانه وتعالى وتقوى.

فائدة: هل يصح تسمية الله تعالى بـ (التائب)؟

لاَ يَصِحُّ تَسْمِيَةُ اللهِ تَعَالَى بـ (التَّائِبِ)لأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَسْمِيَةُ الله تَعَالَى بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لُغَةً، وَقَدْ قَالَ الله عز وجل: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ﴾ [التوبة: 117]، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ [الشورى: 25]؛ فَقَدْ جَاءَ الفِعْلُ مِنْهُ عَلَى فَعَلَ يَفْعَلُ.

وَمَا نُطِقَ منهُ بِفَعَلَ يَفْعَلُ، فَاسْمُ الفَاعِلِ مِنْهُ قِيَاسًا فَاعِلٌ، َكَذَلِكَ يُقَالَ قِيَاسًا: تَابَ زَيْدٌ يَتُوبُ فَهُوَ تَائِبٌ.

عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ لله عَزَّ وَجَلَّ (تَوَّابٌ) لِمُبَالَغَةِ الفِعْلِ، وَكَثْرَةِ قَبُولِهِ تَوْبَةَ عِبَادِهِ، وَلِكَثْرَةِ مَنْ يَتُوبُ إِلَيْهِ، وَتَرَدُّدُ هَذَا الفِعْلِ وَتَكْرَارُهُ وَقَبُولُهُ مِنْهُم لَيَدُلَّ عَلَى هَذَا المَعْنَى، فَلَا يُجَاوِزُ هَذَا.

 توبة الله تسع جميع الذنوب والخطايا :

فمهما بلغت: فلا يعظم عليها ذنب، ومن ظن أن ذنبه أكبر من أن تسعه توبة الله فقد ارتكب خطيئة هي أعظم من ذنبه الأول، وهذا نموذج لرجل سفك الدم الذي حرمه الله وقتل النفس التي هي أعظم عند الله من زوال الكعبة، فلما تاب تاب الله عليه، فعن أبي سعيد الخدري أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.

فانطلق حتى إذا انتصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة” (متفق عليه).

توبة عبد لم يسجد لله أربعين سنة

أصاب بنو إسرائيل .. قحط على عهد موسى عليه السلام .. فاجتمع الناس إليه ..

فقالوا : يا كليم الله .. ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث ..

فقام معهم .. وخرجوا إلى الصحراء .. وهم سبعون ألفاً أو يزيدون ..

اجتمعوا بين يديه .. وقاموا يدعون .. وهم شعث غبر .. عطاش جوعى ..

وقام كليم الله يدعو : إلهي .. اسقنا غيثك .. وانشر علينا رحمتك .. وارحمنا بالأطفال الرضع .. والبهائم الرتع .. والمشايخ الركع ..

فما زادت السماء إلا تقشعاً .. والشمس إلا حرارة ..

فقال موسى : إلهي .. اسقنا ..

فقال الله : كيف أسقيكم ؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة .. فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم .. فبه منعتكم ..

فصاح موسى في قومه : يا أيها العبد العاصي .. الذي يبارز الله منذ أربعين سنة .. اخرج من بين أظهرنا .. فبك منعنا المطر ..

فنظر العبد العاصي ..ذات اليمين وذات الشمال ..فلم ير أحداً خرج ..فعلم أنه المطلوب ..

فقال في نفسه : إن أنا خرجت من بين هذا الخلق .. افتضحت على رؤوس بني إسرائيل .. وإن قعدت معهم منعوا المطر بسببي .. فانكسرت نفسه .. ودمعت عينه ..

فأدخل رأسه في ثيابه .. نادماً على فعاله .. وقال :

إلهي .. وسيدي .. عصيتك أربعين سنة ..وسترتني وأمهلتني .. وقد أتيتك طائعاً فاقبلني .. وأخذ يبتهل إلى خالقه ..

فلم يستتم الكلام .. حتى ارتفعت سحابة بيضاء ..فأمطرت كأفواه القرب ..

فعجب موسى وقال : إلهي .. سقيتنا .. وما خرج من بين أظهرنا أحد ..

فقال الله : يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم ..

فقال موسى : إلهي .. أرني هذا العبد الطائع ..

فقال : يا موسى .. إني لم أفضحه وهو يعصيني .. أأفضحه وهو يطيعني ..

من كتاب التوابين لابن قدامة بتصرف

حقيقة التوبة ومعناها :

إن التوبة ليست كلامًا يقال باللسان، كما يظن بعض الناس، حين يقول: تبتُ إلى الله، ورجعتُ إلى الله، وندمتُ على معصية الله، وعزمتُ على طاعة الله …

لا … هذا ليس هو التوبة ؛ فالتوبة مزيج مُركَّب من عدة أشياء:

أولها: الندم على معصية الله :

كما سئل أنس أقال النبي صلى الله عليه وسلم (الندم توبة ؟ قال نعم ) رواه أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر

أن يغمر القلب شعور بالأسى والحسرة على ما فرط في جنب الله، شعور يشبه شعور الثلاثة الذين خُلِفوا، حين (ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا، إن الله هو التواب الرحيم) التوبة 118

ضاقت عليهم الدنيا بسعتها وضاقت عليهم أنفسهم (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) هذا هو شعور التائب وهذا معنى الندم .

الركن الثاني للتوبة العزم الصادق ألا يعود إلى الذنب :

العزم على الطاعة، وعلى ترك المعصية، لا بد من هذه العزيمة الأكيدة فيكون التائب ساعة التوبة قاطع العزم كحد السيف ، حتى وإن زل بعد ذلك قد يغلبه هواه ، قد يستجيب للشيطان ، المهم ساعة التوبة العزم الأكيد ألا يعود للذنب .

الركن الثالث للتوبة أن يقلع بالفعل عن الذنب :

لأن التوبة رجوع عن المعصية إلى الطاعة ، وعن السيئات إلى الحسنات ،رجوع عن طريق الشيطان إلى طريق الرحمن ، فلا بد من تغيير الطريق ، وتغيير صحبة السوء

كما قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) والتوبة النصوح معناها الخالصة من الغش، ليست توبة الكذابين الذين يتوبون بألسنتهم وقلوبهم مصرة على المعصية .

ثم شيء آخر، وهو أن يعمل صالحًا بالفعل، مكان السيئات يبدِّلها حسنات وصالحات، يُغيِّر ما كان عليه … بدل قول الزور يتكلم الحق،إذا كان يغتاب المسلمين فليجعل من حسناته أن يدعو لهم ، وإن كان يؤذى الناس فليكن من حسناته تقديم النفع للناس ، بدل عمل السوء يعمل صالحًا، بدل بيئة السوء يُغيِّرها إلي بيئة حسنة، بيئة صالحة، تُساعده على فعل الخير …

لا بد من هذا … ومن هنا جعل القرآن بعد التوبة … الإيمان والعمل الصالح: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عملاصَالِحًا} الفرقان 70

لماذا جعل الإيمان والعمل الصالح بعد التوبة ؟

وقد قرن الله التوبة بالإيمان، لأن المعاصي -وخاصة الكبائر- تخدش الإيمان وتجرحه، فـ”لا يزنى الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن” متفق عليه.

فلا بد أن يُجدِّد إيمانه بالتوبة … وأن يعمل بعد ذلك صالحا.

فإذا استجمعت التوبة شرائطها فإن الله يقبلها كما قال تعالى ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) الشورى

معنى قوله تعالى ” فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما “

في معنى قوله ” يبدل الله سيئاتهم حسنات ” قولان :

أحدهما أن حياتهم قد تغيرت ،وأعمالهم قد تبدلت فهم تحولوا من حياة المعصية إلى الطاعة ومن الأخلاق السيئة إلى الأخلاق الحسنة ، ومن الرياء إلى الإخلاص

وقال عطاء بن أبي رباح هذا في الدنيا يكون الرجل على صفة قبيحة ثم يبدله الله بها خيرا

وقال الحسن البصري أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح وأبدلهم بالشرك إخلاصا وأبدلهم بالفجور إحصانا وبالكفر إسلاما

والقول الثاني : أن تلك السيئات الماضية تنقلب بالتوبة النصوح حسنات وما ذاك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار فيوم القيامة وإن وجده مكتوبا عليه فإنه لا يضره وينقلب حسنة في صحيفته كما ثبتت السنة بذلك وصحت به الآثار المروية عن السلف رضي الله عنهم فعن أبي ذر رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار وآخر أهل الجنة دخولا إلى الجنة ; يؤتى برجل فيقول نحّوا عنه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها قال فيقال له عملت يوم كذا : كذا وكذا وعملت يوم كذا : كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئا فيقال : فإن لك بكل سيئة حسنة فيقول يا رب عملت أشياء لا أراها ههنا ” قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه )رواه مسلم

موانع التوبة :

ولكن … ما الذي يُعجز الناس عن التوبة؟ ما الذي يُؤخرهم أن يتوبوا؟ هذه مسألة لا بد أن نعرفها.

إن الذي يُؤخر الناس عن التوبة عدة أمور:

أولها: التسويف :

التسويف … طول الأمل … اعتقاد الإنسان أنه لا يزال له في العُمر مُتسع، وفي الحياة مدى بعيد.

فابن العشرين يظن أن أمامه مُتسع ومثله ابن الثلاثين وابن الأربعين …

كل إنسان عنده طول أمل … وهذا للأسف يُضيِّع على الناس فُرص التوبة، فمَن الذي يدري أيعيش اليوم أم لا يعيش؟

مَن الذي يدري إذا خرج من بيته أيعود إليه حيا أم يعود إليه ميتًا؟ أيعود إليه حاملاً أم يعود محمولاً؟

تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري           إذا جنَّ ليل هــل تعيش إلى الفجر؟

فكم من صحيح مات من غير عِلَّة          وكم من سقيم عـاش حينًا من الدهر

وكم من فتى يُمسي ويُصبح آمنًا           وقد نُسجت أكفانه وهو لا يــدري

الشيء الثاني: هو الاستهانة بالمعصية :

الاستهانة بالمعصية … الاستخفاف بها، استصغار المعصية … يظن أن هذا شيء بسيط، وهذا ليس من شأن المؤمن ، والقرآن يشير إلى هذا الأمر حينما تحدث بعض المسلمين عن حديث الإفك (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)النور

وجاء في الحديث: “المؤمن يري ذنبه كالجبل، يخاف أن يقع عليه، والمنافق يري ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال هكذا وهكذا” رواه البخاري عن ابن مسعود.

أي أطاره من على أنفه …

وهذا هو الذي جعل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يذهب إلى حذيفة ويستحلفه بالله هل ذكره له النبي من المنافقين أم لا؟

والعلماء يقولون : ما خشي النفاق إلا مؤمن ولا آمنه إلا منافق، فالمنافق آمن على نفسه، إنما المؤمن يخشى أن يكون داخلاً في المنافقين وهو لا يدري

ومرض بعض الصالحين، فدخل عليه مَن يعوده، فوجده يبكي بكاءً حارًا، فقيل له: يا أبا فلان … مالك تبكي؟ وأنت الذي فعلت وفعلت … ما رأينا عليك حُرمة انتهكتَها، ولا فريضة تركتَها … فقال: والله ما أبكي على ذلك، ولكن أبكي لأني أخاف أن أكون قد أتيت ذنبًا أحسبه هينًا وهو عند الله عظيم.

وقد قال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر من عصيت؟!!

المانع الثالث: الاتكال على عفو الله :

ثم هناك مانع نفسي آخر هو الاتكال على عفو الله، وهذه أمنية يبذُرها الشيطان في قلب بعض الناس: {يأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} الأعراف:169 هكذا كان يفعل اليهود … يأخذون متاع الحياة الدنيا ويقولون: سيغفر لنا، ينظرون إلى جانب العفو والمغفرة، ولا ينظرون إلى جانب البطش والعقاب، والله تعالى يقول: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} الحجر:49،50.

وكما قال الحسن البصري: كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ، صحيح أن رحمته وسعت كل شيء، ولكن لمَن كتب هذه الرحمة؟ إنه يقول: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} الأعراف: 156

ويقول: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف:56

فإذا نظر الإنسان إلى قوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}، فيكمل الآية {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} غافر:3.

أما المانع الرابع: الاحتجاج بالقدر:

وبعض الناس يقول: ربنا كتب عليّ هذا.

هذه حقيقة، فالله كتب مقادير كل شيء… لكن لا يجوز الاحتجاج بالقدر، فنحن نرضى بالقدر، ونؤمن به، لكن لا نجعله حجة لنا، وأهل الشرك هم الذين فعلوا ذلك، حيث قالوا (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا) الأنعام

فكيف عرفت أن ربنا كتب عليك هذا؟ وإن كنت عرفت هذا فيما مضى بحكم الوقوع، فكيف عرفت في القادم إن ربنا كتب لك الطاعة أو المعصية؟

فهذا شأن الإنسان المؤمن يتأدب بأدب العبودية، ولا ينسب المعصية إلى الله ـ عز وجل ـ وتحدث القرآن عمن يستغفرون (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) فهم اتهموا أنفسهم، ولم يقولوا إن ربنا هو الذي فعل بنا، لكنهم قالوا: نحن الذين قصرنا فجرى علينا ما جرى.

أيها الإخوة: ينبغي أن نُسارع بالتوبة … ينبغي أن نُبادر فنُراجع حسابنا مع الله عز وجل، ونصحح أخطاءنا، ونقف على باب ربنا مُستغفرين تائبين، نقول: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف:23

خير ما نخرج به من دنيانا توبة صادقة نصوح، نكفر بها سيئاتنا، ونغسل بها أوزارنا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} التحريم:8.

أسأل الله عز وجل، أن يتوب علينا، وأن يوفقنا إلى التوبة الصادقة النصوح.. إنه سميع قريب

خامسا / ثمرات الإيمان بهذا الاسم الجليل

1- سَمَّي الله نَفْسَهُ (تَوَّابًا) لِقَبُولِهِ تَوْبَةَ مَنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، فهو الذِي لَمْ يَزَلْ يَتُوبُ عَلَى التَّائِبِينَ، وَيَغْفِرُ ذنوبَ المُنِيبِينَ، فَكُلُّ مَنْ تَابَ إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحًا تَابَ الله عَلَيْهِ وَقَبِلَهُ، فَهُوَ التَّائِبُ عَلَى التَّائِبِينَ أَوَّلًا بِتَوْفِيقِهِم للِتَّوْبَةِ، وَالإِقْبَالِ بِقُلُوبِهِم إِلَيْهِ، كما في قَوْلُه تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾ [التوبة: 118]، وَهُوَ التَّائِبُ عَلَى التَّائِبِينَ بَعْدَ تَوْبَتِهِم قَبُولًا لَهَا وَعَفْوًا عَنْ خَطَايَاهُم، كما في قَوْلُه تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 39].

2- اللهُ تَعَالَى هُوَ المُتَفَرِّدُ بِقَبُولِ تَوْبَةِ التَّائِبِينَ مِنْ عِبَادِهِ، لاَ يُشْرِكُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَالخَطَايَا إِلَّا هُوَ، وَفِي هَذَا يَقَولُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 135].

وَفِي الدُّعَاءِ الذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَِبِي بَكْرٍ: “اللَّهُمَّ إِنَّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا – أَوْ كَثِيرًا – وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكِ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ”

3- أنْ يُصْبِح الإنسان ويُمْسِي معترفاً بذنبه ومشفقاً منه، خائفاً من ربه عز وجل، راجياً رحمته وعفوه، تائباً إليه، سائلا ربه قبوله لتوبته، مؤمناً وموقنا أن ربه سبحانه هو “التواب” وفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ،, تُوبُوا إِلَى الله، فَوَاللهِ إِنِّي لأَتُوبُ إلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً”، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَعُدُّونَ لَهُ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: “رَبّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَليَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ” مِائَةَ مَرَّةٍ، وَمَا صَلَّى صَلَاةً قَطُّ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1] إِلَى آخِرِهَا، إِلَّا قَالَ فِيهَا: “سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُم اغْفِرْ لِي”، وَصَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: “لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُم عَمَلُهُ”، قَالَوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغمَّدَنِيَ الله بِرحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ”.

4- الحياء من الله تعالى، الذي يوفق عبده للتوبة، ويقبلها منه، ويغفر له ذنوبه كلها، وهذا الحياء إذا تمكن من القلب أثمر تعظيمًا لله عز وجل، وحياءً منه سبحانه، ومسارعة إلى طاعته، واجتناباً لمعصيته، ومبادرة إلى التوبة النصوح عند الوقوع في المعصية مهما كان عِظَمُها، وعدم اليأس من رحمة الله تعالى، لأنه سبحانه “التواب الرحيم، الغفور الودود”، الذي يوفق عبده للتوبة ويقبلها منه، ويغفر الذنوب جميعا.. قال الله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}(غافر:3:2)أي: يغفر ما سلف من الذنب، ويقبل التوبة في المُسْتَقبَل لِمَنْ تاب إليه”.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 41 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع