حكم الياجورت (الزبادي ) المحتوي على الجيلاتين
السلام عليكم ورحمةالله وبركاته شيخنا الفاضل، أسأل الله لنا ولكم العافية في الدنيا والآخرة، أقيم في كندا مع أسرتي، ولنا طفل بلغ ثلاث سنوات، وقد ارتأينا أن ندخله دار حضانة لحاجته لتعلم اللغة ولِحَقّه في اللعب مع أقرانه.تفاجأنا بكثرة تساؤلات المربيات حول أكل المسلمين، وأنهنّ إذا كنّ يتفهّمن عدم إعطائه اللحوم فإنّهنّ يجدن حرجا في عدم إعطائه الياغورت المحتوي على مادة الجيلاتين خصوصا وأنه يرى أصدقاءه (غير مسلمين) يأكلون منه كل يوم. هذا وقد أكدت لنا المربيات أنّ كل أطفال المسلمين اللذين تعاملوا معهم، كانوا، بعلم أهلهم، يأكلون كل شيء ماعدا لحم الخنزير. فما الرأي الصّائب في مثل هذه الحالة. جزاكم الله خيرا
الجواب (نقلا عن الدكتور صلاح الصاوي )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد : فإن ما اختلط بحرام أو نجس وكان الحرام أو النجس باقيا على حاله فإنه يحرم أكله، والدليل على ذلك ما جاء في أدلة الشرع المطهر من حل الطيبات وحرمة الخبائث، ومن ذلك قوله تعالى (الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وبناء على هذا الأصل فإن الجلاتين، وهو ينتج من تحول الكولاجن بالمعالجة إلى الجلاتين .
فالجلاتين مادة مختلفة عن مصدرها مستحيلة منه. حيث يستخرج الكولاجن من جلود وأعصاب وأوتار عضلات الحيوانات وعظامها. فإن استخرج الكولاجن من ميتة أو من حيوان غير مذبوح على الطريقة الشرعية أو من حيوان يحرم أكله فهو مادة نجسة لا يجوز أكلها، ولكن السؤال المهم: هل تحويلها إلى مادة الجيلاتين يجعلها حلالاً؟
الظاهرـ والله اعلم ـ أن الاستحالة من المطهرات، فإذا تحولت العين النجسة من صورة إلى صورة أخرى يزول عنها حكم النجاسة، لأن الحكم إنما كان على عين نجسة، فإذا ذهبت العين زال الحكم، وحيث إن الكولاجين النجس تتحول عينه إلى مادة أخرى مغايرة له تماماً فإن العين الناتجة ليست هي عين النجاسة وبالتالي تكون طاهرة حلال الأكل.
وفي مختصر فتاوى ابن تيمية رحمه الها: “الأظهر طهارة النجاسة بالاستحالة وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب أحمد ومالك”اهـ
وعليه؛ فإن مادة الجيلاتين طاهرة حلال أكلها مطلقاً مهما كان مصدرها؛ لأنها مادة طاهرة العين، و لا يضرها استحالتها من عين نجسة أو محرمة، لأن الاستحالة مطهرة على فيما يظهر، والله اعلم!
وقل مثل ذلك في الجبن، فإنه يصنع من الحليب، حيث يعقد الحليب بأن توضع فيه قطعة من أنفحة الحيوان الثديي الرضيع، فيتحول إلى جبن. والذي يظهر لي أن الجبن المعمول من الأنفحة أنه طاهر مطلقاً حلال الأكل، حيث إن الصحابة أكلوا الجبن الذي صنعه المجوس علماً بأن ذبائحهم لا تحل.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فتوى عن الجبن المصنوع بأنفحة المجلوب من بلاد الإفرنج: قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (21/531ـ533): “أما الجبن المجلوب من بلاد الإفرنج فالذين كرهوه ذكروا لذلك سببين: أحدهما : أنه يوضع بينه شحم الخنزير إذا حمل في السفن.
والثاني : أنهم لا يذكون ما تصنع منه الأنفحة بل يضربون رأس البقر ولا يذكونه!
فأما الوجه الأول؛ فغايته أن ينجس ظاهر الجبن فمتى كشط الجبن أو غسل طهر؛ فإن ذلك ثبت في الصحيح: “أن النبي سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال: ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم”؛ فإذا كان ملاقاة الفأرة للسمن لا توجب نجاسة جميعه فكيف تكون ملاقاة الشحم النجس للجبن توجب نجاسة باطنه؟ ومع هذا فإنما يجب إزالة ظاهره إذا تيقن إصابة النجاسة له وأما مع الشك فلا يجب ذلك.
وأما الوجه الثاني؛ فقد علم أنه ليس كل ما يعقرونه من الأنعام يتركون ذكاته بل قد قيل: إنهم إنما يفعلون هذا بالبقر وقيل أنهم يفعلون ذلك حتى يسقط ثم يذكونه ومثل هذا لا يوجب تحريم ذبائحهم بل إذا اختلط الحرام بالحلال في عدد لا ينحصر كاختلاط أخته بأهل بلد واختلاط الميتة والمغصوب بأهل بلدة لم يوجب ذلك تحريم ما في البلد كما إذا اختلطت الأخت بالأجنبية والمذكى بالميت؛ فهذا القدر المذكور لا يوجب تحريم ذبائحهم المجهولة الحال وبتقدير أن يكون الجبن مصنوعا من أنفحة ميتة فهذه المسألة فيها قولان مشهوران للعلماء:
أحدهما : أن ذلك مباح طاهر كما هو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين.
والثاني : أنه حرام نجس كقول مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى. والخلاف مشهور في لبن الميتة وأنفحتها هل هو طاهر أم نجس؟
والمطهرون احتجوا بأن الصحابة أكلوا جبن المجوس مع كون ذبائحهم ميتة ومن خالفهم نازعهم كما هو مذكور في موضع آخر”اهـ
وقال في مجوع الفتاوى (35/154): “أما الجبن المعمول بأنفحتهم ففيه قولان مشهوران للعلماء كسائر أنفحة الميتة وكأنفحة ذبيحة المجوس وذبيحة الفرنج الذين يقال عنهم إنهم لا يذكون الذبائح:
ـ فمذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين: أنه يحل هذا الجبن لأن أنفحة الميتة طاهرة على هذا القول ولأن الأنفحة لا تموت بموت البهيمة وملاقاة الوعاء النجس في الباطن لا ينجس.
ـ ومذهب مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: أن هذا الجبن نجس لأن الأنفحة عند هؤلاء نجسة لأن لبن الميتة وأنفحتها عندهم نجس ومن لا تؤكل ذبيحته فذبيحته كالميتة. وكل من أصحاب القولين يحتج بآثار ينقلها عن الصحابة؛
فأصحاب القول الأول نقلوا أنهم أكلوا جبن المجوس.
وأصحاب القول الثاني نقلوا أنهم أكلوا ما كانوا يظنون أنه من جبن النصارى فهذه مسألة اجتهاد للمقلد أن يقلد من يفتي بأحد القولين”اهـ
وعلى هذا فالذي يظهر حل اكل الجبن وعدم التضييق على المقيمين خارح ديار الإسلام في مسألة للنظر فيها مجال وللاجتهاد فيها مساغ، والله تعالى أعلى وأعلم
رابط الفتوى :
http://el-wasat.com/assawy/?p=7165