ما حكم حضور جنازة غير المسلم؟
اتباع جنازة الكافر لم يرد فيها دليل قطعي، وإنما ورد الدليل القطعي في حرمة الصلاة عليه، والدعاء له، وهو محل إجماع؛ فقد قال الله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) {التوبة:}، وقال تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) {التوبة:}
وقال الإمام النووي في المجموع: وأجمعوا على تحريم الصلاة على الكافر.
وذهب بعضهم إلى جواز الاتباع، واستدلوا على ذلك بآثار عن السلف الصالح من الصحابة، والتابعين، منها: أن عددًا من الصحابة – رضوان الله عليهم – اتبعوا جنازة أم الحارث بن أبي ربيعة، وكانت نصرانية؛ فقد روى الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الآثار: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ مَاتَتْ أُمُّهُ النَّصْرَانِيَّةُ، فَتَبِعَ جَنَازَتَهَا فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا نَرَى بِاتِّبَاعِهَا بَأْسًا، إِلَّا أَنَّهُ يَتَنَحَّى نَاحِيَةً عَنِ الْجَنَازَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وهذا الأثر عند ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، عن الثَّوْرِيّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَاتَتَ أُمُّ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَتْ نَصْرَانِيَّةً، فَشَيَّعَهَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كما استدلوا بجواز تعزيته في ميته، وزيارته، كما زار النبي صلى الله عليه وسلم الشاب اليهودي، ودعاه إلى الله حتى أسلم. كما في الحديث الذي رواه البخاري.
وعلى هذا القول – وهو جواز الاتباع – فإنه لا حرج في اتباع جنازة الجار الكافر مجاملة.
وإذا كان الميت غير المسلم قريبًا للمسلم وشارك المسلم في دفنه وحضور جنازته فلا يجوز له المشاركة في شعائرهم وطقوسهم التي تفعل وتقال عند الجنازة.
فلا يجوز حضور الجنازة في الكنيسة أو المعبد أو مكان تعبداتهم وشعائرهم حال الموت؛ لأنه وإن لم يفعل ما يفعلونه أو يقل ما يقولونه فإن حضوره على تلك الحال بدون إنكار فيه نــــوع إقــرار وموافقة، وقد قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ)
قال القرطبي رحمه الله: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية (أحكام القرآن ).