شرح أسماء الله الحسنى
87، 88- المقدم والمؤخر
أولا /المعنى اللغوي:
المقدم: قدم بالفتح يقدم قدما، أي تقدم، قال الله تعالى عن فرعون: (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار) [هود: 98]، وقدم الشيء بالضم قدما فهو قديم، وتقادم مثله، والقدم خلاف الحدوث، وأقدم على الأمر إقداما، والإقدام: الشجاعة، وقدم بين يديه أي تقدم، قال تعالى: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) [الحجرات: 1]. والقدم أيضا: السابقة في الأمر؛ كما في قوله عز وجل: (قدم صدق عند ربهم) [يونس: 2].
أما المؤخر: أخرته فتأخر، والآخر: بعد الأول، تقول: جاء آخرا أي أخيرا، والتأخر ضد التقدم، والتأخير ضد التقديم، كما في قوله: (ما تقدم من ذنبك وما تأخر) [الفتح: 2] .
ثانيا / ورودهما في السنة
اسمي الله (المقدم والمؤخر) لم يردا في القرآن الكريم وإنما وردا في السنة المطهرة:
- وردا في حديث أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن النبي صل الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، وأنت على كل شيء قدير ) رواه البخاري ومسلم.
- ووردا في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصفه لصلاة النبي صل الله عليه وسلم إذ يقول: (…. ثم يكن من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) رواه مسلم.
- ووردا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان النبي صل الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال : اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ، ولك الحمد أنت الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، وقولك حق ، والجنة حق ، والنار حق والنبيون حق ، ومحمد صل الله عليه وسلم حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك ) رواه البخاري ومسلم.
ثالثا / المعنى في حق الله تعالى
(المقدم): هو الذي يقدم الأشياء ويضعها مواضعها، يقدم ما شاء منها، ويؤخر ما شاء، وقدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده ، ورفع الخلق بعضهم فوق بعض درجات، وقدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين.
و(المؤخر) هو الذي يؤخر الأشياء فيضعها مواضعها، وهو ضد (المقدم) فهو سبحانه جلت حكمته لا مقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم.
ما حكم إفراد أحدهما عن الآخر؟
يكره التفريق بين هذين الاسمين، فهما من الأسماء المتقابلة، أي: التي لا يذكر أحدها دون الآخر، كالمعطي والمانع، فإن الكمال من اجتماعهما.
رابعا / تأملات في رحاب الاسمين الجليلين
الله سبحانه هو الذي يقدم ما يجب تقديمه من شيء حكما وفعلا على ما أحب وكيف أحب، وما قدمه فهو مقدم، وما أخره فهو مؤخر، وهو الذي يؤخر ما يجب تأخيره، والحكمة والصلاح فيما يفعله الله تعالى، وإن خفي علينا وجه الحكمة والصلاح فيه.
وهو سبحانه المنزل الأشياء منازلها يقدم ما شاء منها، ويؤخر ما شاء، قدم المقادير قبل خلق الخلق، وقدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلق بعضهم فوق بعض درجات، وقدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين، وأخر من شاء عن مراتبهم، وأخر الشيء عن حين توقعه، لعلمه بما في عواقبه الحكمة، فلا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم.
والتقديم يشمل: التقديم الكوني، والتقديم الشرعي.
التقديم الكوني القدري: كتقديم بعض المخلوقات على بعض، وتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها.
والتقديم الشرعي: كتفضيل بعض الأنبياء على بعض، وتفضيلهم جميعا على الخلق، وتفضيل بعض العباد على بعض، وكل ما سبق تبع لحكمته سبحانه.
وهو سبحانه المؤخر لبعض الأشياء عن بعض، إما بالزمان أو بالشرع كذلك، والتقديم والتأخير صفتان من صفات الأفعال التابعة لمشيئته تعالى وحكمته وهما أيضا صفتان للذات، إذ قيامها بالذات لا بغيرها.
تقديمه -سبحانه- للأعمال الصالحة وتأخيره للأعمال الطالحة، قال -جل وعلا-: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) [الحجرات: 7].
وكذلك: تقديمه -سبحانه وتعالى- لبعض الأعمال الصالحات على بعض، فليست كلها في مرتبة واحدة، بل أجلها وأعظمها وأهمها توحيد الله -تعالى-، وهو عمل قلبي، ثم قدم الصلاة على سائر العبادات البدنية، وقدم صلاة الجماعة على صلاة الفرد، وقدم الصف الأول في الجماعة على سائر الصفوف… وقدم العمل الصالح المتعدي النفع على غيره، وقدم بعض الأذكار على بعضها، وقدم عمل السر على عمل العلانية، وفي كل عمل صالح ترى المقدم -عز وجل- قد قدم بعضه على بعض.
ومنها: تفضيل بعض الرسل على بعض: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات) [البقرة: 253].
وكذا: تقديمه -عز وجل- الأنبياء على سائر البشر، بل وتقديمه الأنبياء على بعضهم البعض، قال -تعالى-: (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) [الإسراء: 55]؛ ومنه تقديمه -تعالى- لمريم على نساء العالمين، قال -سبحانه وتعالى-: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) [آل عمران: 42]؛ ومن ذلك -أيضا- تقديمه -عز وجل- المؤمنين على الكافرين، والصالحين على الفاسقين.
ومن ذلك: تقديم بعض الخلق على بعض فيما وهبهم من خصائص أو قدرات أو أرزاق، ويؤخر آخرين في ذلك، قال -عز من قائل-: (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم) [النحل: 71].
وكذا: تفضيل بعض الثمار على بعض قال -عز من قائل-: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) [الرعد: 4].
ومن مظاهر تقديم المقدم -سبحانه- تقديمه آجال بعض الخلق على آجال بعض فيموت هذا وهو صبي، ويؤخر أجل ذاك فيرد إلى أرذل العمر، وبين هذا وذاك درجات؛ فمنهم من يموت يافعا أو شابا أو كهلا… قال -تعالى-: (ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) [الحج: 5].
وإذا ما أراد العبد أن يقدمه ربه -عز وجل- فعليه أن يبذل الأسباب التي تعينه على نيل ذلك، ومنها:
الوسيلة الأولى: الإيمان بالله -تعالى- وتقواه:
فالمؤمن مقدم والكافر مؤخر، فقد استبعد الله -تعالى- أن يستوي هذا مع ذاك، فقال -عز من قائل-: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون) [القلم: 35-36]
وعند الله التقديم والتأخير بين الخلق ليس بالأموال ولا بالأنساب إنما معياره التقوى، فربما تجد من تحصل على أعلى الشهادات العلمية والعالمية فإذا سألته ما هو دينك؟ يقول لك لا ليس لي دين (ملحد) إذن فأنت لا تساوي عند الله شيئا، فقد حصلت على ما حصلت من معلومات وجهلت أكبر معلوم وأشرف معلوم وهو الله عز وجل، وهذا دليل على بشرية تائهة ضائعة، وصلت ما وصلت فيه من علم وتكنولوجيا وتقدم وطفرة علمية، ولم تشعر بضعفها وفقرها واحتياجها إلى الله الذي مكنهم من كل هذا، فالإنسان الملحد الذي اغتر بنفسه وبعلمه يتعالى على الله وينكر الله وينكر وجود الله سبحانه وتعالى، ويفسر القوانين والأشياء تفسيرا ماديا بحتا بعيدا عن الله جل وعلا هذا ولا شك في أسفل سافلين.
ولذلك أقول تخيل لو أن الناس أعطوك ما أعطوك من ألقاب، ورفعوك إلى أعلى الدرجات؛ اسأل نفسك ما هي درجتك عند الله؟ ما هو لقبك عند الله سبحانه وتعالى؟ لو جدنا واحد في الحقيقة أنه ظالم غشاش وسارق لأموال الشعوب وخائن للأمانة وسفاح وسفاك للدماء…. ثم قالوا عنه أنه رئيس وأنه زعيم عبقري وأنه ملهم وفلتة وأنه هبة الله لهذا البلد … ضعه على ميزان الشريعة يتبين لك أنه ظالم وأنه …. لا يساوي عند الله شيء.
فإذا قلنا أنت الأستاذ، أنت الدكتور، أنت الفنان، أنت العبقري، أنت أنت أنت عند الله، ما اسمك؟ ما اسمك عند الله؟ ما صفته عند الله عز وجل؟ في أي صف؟ وفي أي فئة ستأتي عند الله سبحانه وتعالى؟
ولذلك رب العزة سيجعل الناس يحشرون يوم القيامة فرقا، كل فريق مع بعض قال تعالى: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا) جماعات مع بعضها والعكس بالعكس (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) ويحشر الذين ظلموا وأزواجهم ليس أزواجهم هو رجل وامرأته لا أزواجهم من على شاكلتهم (وإذا النفوس زوجت) ليس هناك زواج يوم القيامة، فمعنى زوجت يعني قرن كل شخص بما يشابهه.
فهل أنت عند الله من المحسنين من الصادقين من الطائعين من التائبين من القانتين من المتقين؟
فلا يغرنك ألقاب منحها الناس لك أو شهادات أو درجات وأنت عند الله بشرّ مكان والعياذ بالله سبحانه وتعالى.
الوسيلة الثانية: العبادة والطاعة والعمل الصالح:
فالعابد الطائع الصالح مقدم على اللاهي العاصي الطالح، قال -سبحانه وتعالى-: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) [ص: 28]؛ فالتقديم والكرامة والعزة في طاعة الله -عز وجل- يقول -سبحانه-: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) [فاطر: 10].
مثلا عندنا ( أبو لهب ) كان عم النبي صل الله عليه وسلم، وجاره وكان شريفا قرشي ، وكان غنيا من أغنياء مكة ، وكان ابني أبي لهب زوجين لابنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكنه لما كفر بالله ودعا على رسوله صل الله عليه وسلم قال: تبا لك ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تعالى فيه قرآنا يتلى: (تبت يدا أبي لهب وتب) ومن عجائب قدر الله أن اسمه عبد العزى وكنيته (أبو لهب) لأن وجهه كان أحمر، فكان له من اسمه نصيب والعياذ بالله سبحانه. فأبو لهب سيصلى نارا ذات لهب سبحان الله ولم ينفعه لا جيرته للنبي ،ولا عمومته ولا نسبه ولا مكانته مع رسول الله وبين قومه، لم ينفعه ذلك بشيء فهو في نار جهنم.
وعندنا سيدنا بلال رضي الله عنه ولولا أن الله منّ على بلال بن رباح بالإسلام وثباته ما سمعنا له ذكرا، وهذا لا أقوله تحقيرا له؛ إنما توصيفا حاشا وكلا أن أحقر أحد من صحابة رسول الله، بلال عبد حبشي أسود مفلفل الشعر أبوه وأمه عبيد. يعني هو مولود في العبودية من صغره. وكان من الظلم الاجتماعي الموجود لو أن عبدا تزوج أمة فالطفل الناتج عن الزواج ملك للسيد كأنه أشبه البهائم، لا حول ولا قوة إلا بالله، فسيدنا بلال بهذه الصفات التي ذكرناها لما أسلم وثبت على التوحيد رفع الله قدره وأعلى ذكره، فإذا قلت بلال تجد من يقول لك مؤذن الرسول صل الله عليه وسلم، ويكفيه شرفا أنه كان مؤذن الرسول عشر سنوات يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقيم الصلاة بين يديه، فكان رضوان الله عليه نعم الصحابي فرفع الله قدره وأعلى شرفه على غيره من هؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان.
فالله تبارك وتعالى هو المقدم المؤخر لا يقدم طويلا، ولا عريضا، ولا نسيبا، ولا ذا غنى، إنما يقدم كل امرئ بعمله.
ولما صعد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على شجرة الآراك ليقطع منها عود السواك، وكان على ما ذكروا رجلا قصير القامة وبعض الروايات وردت أنه كان طوله ثلاثة أشبار يعني قرابة ستين سم.
لكن حينما نقول عبد الله بن مسعود يطرأ على ذهنك قامة من القامات الكبرى، وكان رضي الله عنه جبلا من جبال الإيمان وإن كان صغير القامة لكنه كان عظيم الهامة، يعني له شأن عند الله، فمن رقته وضعف بنيته هبت الريح وانكفأ كان خفيف اللحم، هبت ريح وانكفأ فضحك القوم. وانكشفت ساق عبد الله بن مسعود فقال النبي مما تضحكون؟ قالوا نضحك من رقة ساقيه ساقا صغيرة!!
فقال النبي: (تعجبون من رقة ساقي ابن مسعود والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد) فالميزان عند الله ليس بكثرة الشحم واللحم، كلا عند ربنا ميزانه بالأعمال، فهذه الساق عند الله أعظم من جبل أحد. الله أكبر الله أكبر.
والأمثلة كثيرة إخواني فالشاهد أن الله هو المقدم لما شاء أن يقدمه وهو المؤخر لمن شاء أن يؤخره، والتقديم والتأخير يكون بحكمة، أما بالنسبة لنا فإن تقديمه وتأخيره يكون بالتقوى والعمل الصالح، فليس هنالك عند الله أنساب ولذلك يوم القيامة فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون لن يأتي أحد يقول أنا ابن عم النبي، أنا من سلالة النبي، أنا حفيد فلان، لا ينفع بأي شيء يعني وكما قال: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) فهذا لا يصلح عند الله، إنما يصلح عند الله العمل الصالح.
الوسيلة الثالثة: العلم والتعلم:
فإن الله -عز وجل- قد قدم العلماء ورفعهم فقال -عز من قائل-: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [المجادلة: 11]، ونفى -سبحانه- مساواة الجهلاء لهم، قائلا: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) [الزمر: 9].
الوسيلة الرابعة: تزكية النفس وتطهيرها:
فقد أبرم الله -عز وجل- القضاء مقسما: (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها) [الشمس: 7-10]، فمن زكى نفسه وطهرها وسما بها عن الأرجاس والأنجاس قدمه المقدم -سبحانه وتعالى-، ومن ارتضى أوحال الدنيا وارتكس فيها أخره المؤخر -جل وعلا-.
خامسا / ثمار الإيمان بالاسمين الجليلين
1- الرضى بقضاء الله وقدره:
فالمؤمن عليه أن يعلم أن ما يكون عليه حاله من تقدم أو تأخر، فإنما هو بتقديم الله تعالى وتأخيره: ففي الملك والجاه يتذكر قول الله تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} [آل عمران:26].
وفي مقام العلم يتذكر قوله تعالى: {نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} [الأنعام: من الآية83].
وفي مقام الرزق يتذكر قوله عز وجل: {أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون} [الزخرف:32].
وذلك هو محض الابتلاء منه عز وجل: {ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم} [الأنعام: من الآية165]، وبذلك يتبين صبر الصابرين.
2- نسبة الفضل لله:
فلا يحسبن أن ما عليه من خير عميم، وفضل ونعيم، وهداية إلى الصراط المستقيم أنه أوتيه من قبل نفسه، فإنما هو من عند الله عز وجل.
فإن اعترف بذلك، كان فيه شبه بأولياء الله وأحبائه، قال تعالى عن موسى عليه السلام: {ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [القصص: من الآية24]، وقال عن سليمان عليه السلام: {وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} [النمل: من الآية19]، وقال عن نبي الله يوسف عليه السلام:{رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} [يوسف:101]، وإلا كان فيه شبه بأعداء الله كقارون الذي: {قال إنما أوتيته على علم عندي} [القصص: من الآية78].
3- على المؤمن أن يقدم ما قدمه الله، ويؤخر ما أخره الله:
فإنه تعالى ما كان ليقدم في الرتبة والمكانة إلا ما استحق ذلك قدرا أو شرعا لحكمة بالغة، فمن الخطأ أن يعظم العبد ما أخر الله، ومن الخطأ أن يؤخر ويستهين بما قدمه الله، بل عليه أن يعز أهل طاعته، ويذل أهل معصيته، وهذا معنى الحب في الله، والبغض في الله، وهذا معنى الولاء والبراء.
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
وفي سنن أبي داود عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأعمال: الحب في الله، والبغض في الله).
4- وعليه بعد ذلك أن يسابق إلى الأعمال التي قدمها الله عز وجل:
فمن أراد أن يرفعه الله ويقدمه على غيره فليسابق إلى طاعته، والعمل بمرضاته، ومن تراخى عن الأخذ بمعاقد العز والشرف، وتكاسل في القيام بما أوجبه الله وعرف، فلا يلومن إلا نفسه. قال تعالى: {فاستبقوا الخيرات} [البقرة: من الآية148]، وقال: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} [المائدة: من الآية48]