1- التمهيد
سبب التسمية بين يدي السورة
التعريف بالسورة
سورة الحجرات: مدنية، نزلت في 9هـ.
وعدد آياتها: 18 آية.
سبب التسمية:
وسميت بهذا الاسم نسبة لحجرات النبي صلى الله عليه وسلم.
ومفهوم كلمة الحجرة يختلف عن مفهومنا اليوم، فالحجرة عند العرب هي ما احتجرته من أرض، أي قمت بتسويره، وكانت غرفا ضيقة، فقد ورد في الحديث الصحيح: أن النبي ﷺ كان إذا أراد السجود في صلاة الليل غمز عائشة فكفت رجليها ريثما يسجد، فإذا قام بسطتهما.
والبيت هو مكان المبيت ليلا، وعلي هذا فالحجرة أكبر من البيت والبيت أكبر من المخدع، ومن هنا ندرك قوله تعالي «إن الذين ينادونك من وراء الحجرات» ولم يقل من وراء البيوت، وكذلك يصحح المفهوم الذي يتصور أن مساكن رسول كانت ضيقة وان أبوابها كانت تفتح علي المسجد، والصحيح ان أبواب فنائها كانت شارعة قصاد الجهة الشرقية للمسجد الشريف.
وحجرات أمهات المؤمنين هي مساكن زوجات الرسول ، في المدينة ، ويبلغ عددها تسع حجرات، لم يبنها صلى الله عليه وسلم دفعة واحدة، وانما بدأ ببناء حجرة أم المؤمنين سودة بنت زمعة، ثم في سنة 2هـ بنى حجرة لأم المؤمنين عائشة، ثم توالي بناء الحجرات حتى تكامل عددها تسعًا.
وكانت القبلة يومئذ إلى بيت المقدس، وكانت الغرفتان في مؤخرة المسجد من الجهة الشرقية، فلما تحولت القبلة إلى الكعبة المشرفة أصحبتا في مقدمة جدار المسجد، إلى يسار المصلي عندما يتوجه إلى الكعبة بالجهة الشرقية لمسجده الشريف، وما بينها وبين منبره الشريف تقع الروضة الشريفة.
ومسكن كل من أمهات المؤمنين، أي حجرتها تتكون من غرفة (لا يزيد ارتفاع سقفها عن خمسة أذرع، أي مترين ونصف) وصفّة (أي ظلة) وفناء به منافع كمكان للطبخ ، ويحيط بالفناء سور، بعضه من اللبن (طوب الطين) والبعض الآخر من جريد النخل، وأما بناؤها فكان من اللبن، وسقفها من الجريد.
وكان لهذه الغرف والحجرات أبوابا وستورا، والذي يبدو لي أن الغرف كان لها أبواب من خشب، وأما الحجرات التي أمام الغرف، فكانت عليها الستور(جمع ستارة) وهذه الستور كانت من مسوح الشعر.
وأما مقاييسها: فقد قال الحسن البصري: كنت أدخل بيوت أزواج النبي ﷺ في خلافة عثمان بن عفان فأتناول سقفها بيدي.
وبقيت هذه الحجرات ، حتى أزالها عمر بن عبد العزيز (والي المدينة) بأمر من الخليفة الوليد بن عبد الملك لتوسعة المسجد، ولقد عارض كثير من أبناء الصحابة وأكابر التابعين إزالتها، فقال سعيد بن المسيب يوم هدمت: “والله لوددت أنهم تركوها على حالها، ينشأ ناشئ من أهل المدينة، ويقدم القادم من الأفق، فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، فيكون ذلك مما يزهد الناس في التفاخر والتكاثر”
ولم يتبق منها إلا حجرة عائشة، لأن الرسول دفن فيها وكذلك صاحباه أبو بكر الصديق وعمر، ولما أُدخلت في المسجد، بنى حولها عمر بن عبد العزيز، جدارا مخمس الأضلاع، حتى لا يستطيع أحد اتخاذها قبلة، وهذا الجدار لا باب له، وهو موجود حتى الآن ويكسى بكسوة خضراء شبيهة بالتي تكسى سنويا للكعبة المشرفة، يحيط بهذا الجدار اليوم الشبك الحديد الأخضر اللون الذي يشاهده من يزور الروضة الشريفة.
بين يدي السورة:
1- سورة «الحجرات» تبدأ بنداء للمؤمنين، تعلمهم الأدب مع الله ، وما يجب عليهم نحو خالقهم- سبحانه-، ثم الأدب مع نبيهم صلى الله عليه وسلم.
2- ثم وجهت إليهم نداء ثالثا أمرتهم من خلاله بالتثبت من صحة الأخبار التي تصل إلى مسامعهم، وبينت لهم جانبا من مظاهر فضل الله عليهم.
3- ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عما يجب على المؤمنين نحو إخوانهم في العقيدة، إذا ما دب بينهم نزاع أو قتال، فأمرت بالإصلاح بينهم، وبمقاتلة الفئة الباغية إذا ما أبت الصلح، وأصرت على بغيها.
4- ثم وجهت بعد ذلك إلى المؤمنين نداء رابعا نهتهم فيه عن مفسدات الأخوة كالسخرية والهمز واللمز ، ثم نداء خامسا أمرتهم فيه باجتناب الظن السيئ بالغير، دون أن يكون هناك مبرر لذلك، ونهتهم عن التجسس وعن الغيبة.
5- وبعد هذه النداءات المتكررة للمؤمنين، وجهت نداء إلى الناس جميعا، بينت لهم فيه أنهم جميعا قد خلقوا من ذكر وأنثى، وأن أكرمهم عند الله هو أتقاهم لله- تعالى-.
6- ثم ردت على الأعراب الذين قالوا آمنا دون أن يستقر الإيمان في قلوبهم فتكلمت عن حقيقة الإسلام وحقيقة الإيمان ثم وضحت صفات المؤمنين الصادقين، وأن المنة لله وحده جل وعلا في أن يمن على عباده بالهداية وأمرت كل مؤمن أن يشكر الله- تعالى- على نعمة الإيمان.