فقه الصلاة 25- فقه صلاة الوتر

تاريخ الإضافة 8 يونيو, 2023 الزيارات : 2984

فقه الصلاة 25- فقه صلاة الوتر

فضله وحكمه :

الوتر سنة مؤكدة حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب فيه . فعن علي رضي الله عنه أنه قال : إن الوتر ليس بحتم (لازم ) كصلاتكم المكتوبة ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر ، ثم قال : ( يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر ) رواه أحمد.

أي أنه تعالى واحد يحب صلاة الوتر ويثيب عليها .

قال نافع : وكان ابن عمر لا يصنع شيئا إلا وترا .

وما ذهب إليه أبو حنيفة من وجوب الوتر فمذهب ضعيف .

قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا وافق أبا حنيفة في هذا .

وعند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة أن المخدجي ( رجل من بني كنانة ) أخبره رجل من الأنصار يكنى أبا محمد أن الوتر واجب ، فراح المخدجي إلى عبادة بن الصامت فذكر له أن أبا محمد يقول : الوتر واجب . فقال عبادة بن الصامت : كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( خمس صلوات كتبهن الله تبارك وتعالى على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله تبارك وتعالى عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ) وعند البخاري ومسلم من حديث طلحة بن عبيد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم : ( خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة ) فقال الأعرابي : هل علي غيرها ؟ قال : ( لا . إلا أن تطوع ) .

وقته :

أجمع العلماء على أن وقت الوتر لا يدخل إلا بعد صلاة العشاء وأنه يمتد إلى الفجر . فعن أبي تميم الجيشاني رضي الله عنه أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم جمعة فقال : إن أبا بصرة حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله زادكم صلاة ، وهي الوتر فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر ) قال أبو تميم : فأخذ بيدي أبو ذر فسار في المسجد إلى أبي بصرة رضي الله عنه فقال : أنت سمعت رسول الله يقول ما قال عمرو ؟ قال أبو بصرة : أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه أحمد بإسناد صحيح .

وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر أول الليل وأوسطه وآخره . رواه أحمد بسند صحيح .

وعن عبد الله بن أبي قيس قال سألت عائشة رضي الله عنها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : ربما أوتر أول الليل وربما أوتر من آخره ، قلت : كيف كانت قراءته ، أكان يسر بالقراءة أم يجهر ؟ قالت : كل ذلك كان يفعل ، وربما أسر وربما جهر ، وربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام ( تعني في الجنابة ) رواه أبو داود .

استحباب تعجيله لمن ظن أنه لا يستيقظ آخر الليل ، وتأخيره لمن ظن أنه يستيقظ آخره :

يستحب تعجيل الصلاة الوتر أول الليل لمن خشي أن لا يستيقظ آخره ، كما يستحب تأخيره إلى آخر الليل لمن ظن أنه يستيقظ آخره . فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ظن منكم أن لا يستيقظ آخره ( أي الليل ) فليوتر أوله ومن ظن منكم أنه يستيقظ آخره فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل محضورة (أي تحضرها الملائكة ) وهي أفضل ) رواه أحمد ومسلم

وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : ( متى توتر ؟ ) . قال : أول الليل بعد العتمة (العشاء) قال : ( فأنت يا عمر ) قال : آخر الليل . قال ( أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالثقة (أي بالحيطة ) وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة ) (أي العزيمة على القيام آخر الليل ) رواه أحمد .

وانتهى الأمر برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنه كان يوتر وقت السحر لأنه الأفضل كما تقدم .

قالت عائشة رضي الله عنها : من كل الليل قد أوتر النبي صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر . رواه الجماعة .

ومع هذا فقد وصى بعض أصحابه بألا ينام إلا على وتر أخذا بالحيطة والحزم .

وكان سعد بن أبي وقاص يصلي العشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يوتر بواحدة ولا يزيد عليها . فقيل له : أتوتر بواحدة لا تزيد عليها يا أبا اسحق ؟ قال : نعم . . إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الذي لا ينام حتى يوتر حازم ) رواه أحمد

عدد ركعات الوتر :

قال الترمذي : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الوتر بثلاث عشرة ركعة ، وتسع ، وسبع ، وخمس ، وثلاث ، وواحدة . قال إسحق بن إبراهيم : معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة ركعة أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر ، يعني من جملتها الوتر فنسبت صلاة الليل إلى الوتر .

ويجوز أداء الوتر ركعتين ، ثم صلاة ركعة بتشهد وسلام ، كما يجوز صلاة الكل بتشهدين وسلام ، فيصل الركعات بعضها ببعض من غير أن يتشهد إلا في الركعة التي هي قبل الأخيرة فيتشهد فيها ثم يقوم إلى الركعة الأخيرة فيصليها ويتشهد فيها ويسلم ، ويجوز أداء الكل بتشهد واحد وسلام في الركعة الأخيرة ، كل ذلك جائز وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ولم يكن يصليها كالمغرب – بتشهدين وسلام – بل قد نهى عن ذلك ، فقال : ” لا توتروا بثلاث تشبهوا المغرب ” رواه الحاكم

وقال ابن القيم : وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بخمس متصلة ، وسبع متصلة . كحديث أم سلمة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بسلام ولا بكلام . رواه أحمد والنسائي

وكقول عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرهن . متفق عليه

وكحديث عائشة : أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ثم يسلم تسليما يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الأول .

وفي لفظ عنها : فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ، ولم يسلم إلا في السابعة .

وفي لفظ : صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن . أخرجه الجماعة ، وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها سوى قوله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الليل مثنى مثنى ) وهو حديث صحيح ، لكن الذي قاله هو الذي أوتر بالسبع والخمس ، وسننه كلها حق يصدق بعضها بعضا . فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل عن صلاة الليل بأنها مثنى مثنى ولم يسأله عن الوتر . وأما السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر ، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها ، وللخمس والسبع والتسع المتصلة كالمغرب اسم للثلاثة المتصلة ، فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالاحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها . كما قال صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الليل مثنى فإذا خشي الصبح أوتر بواحدة توتر له ما قد صلى ) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله وصدق بعضه بعضا .

القراءة في الوتر :

يجوز القراءة في الوتر بعد الفاتحة بأي شئ من القرآن ، قال علي : ليس من القرآن شئ مهجور فأوتر بما شئت .

ولكن المستحب إذا أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة ( سبح اسم ربك الأعلى ) وفي الثانية ( قل يأيها الكافرون ) وفي الثالثة ( قل هو الله أحد ، والمعوذتين ) . لما رواه أحمد عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الأولى ب ( سبح اسم ربك الأعلى ) وفي الثانية ب ( قل يأيها الكافرون ) وفي الثالثة ب ( قل هو الله أحد ، المعوذتين ) .

القنوت في الوتر :

الحنفية والحنابلة قالوا: يشرع القنوت في الوتر في جميع السنة ، لما رواه أحمد وأهل السنن وغيرهم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر : ( اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لايذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، وصلى الله على النبي محمد )رواه الترمذي

وذهب الشافعي وغيره إلى أنه لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان ، لما رواه أبو داود أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب وكان يصلي لهم عشرين ليلة ولا يقنت إلا في النصف الباقي من رمضان .

وقال المالكية : يُكره القنوت في الوتر، وهذا هو القول المشهور عندهم ؛ فلا قنوت في الوتر ولا غيره من الصلوات ؛ إلا في صلاة الفجر خاصة ، وعندهم قول آخر أنه يُسن في رمضان دون سائر الشهور.

 والراجح أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر لكن في السنن أنه علم الحسن بن علي رضي الله عنهما كلمات يقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره، وقد صححه بعض أهل العلم، فإن قنت فحسن، وإن ترك القنوت فحسـن أيضاً والله الموفق.

معاني دعاء قنوت الوتر :

“اللهم اهدني فيمن هديت” أي في جملة من هديت وفيه توسل بفعل الله أن يهديك فيمن هدى كأنك تقول كما هديت غيري فاهدني والهداية هداية إرشاد بالعلم وهداية التوفيق وذلك بالعلم فأنت تسأل الله أن يوفقك إلي العلم والعمل .

“وعافني فيمن عافيت” أي كما عافيت غيري فعافني والمعافاة المراد بها المعافاة في الدين والدنيا فتشمل الأمرين أن يعاقبك الله من أسقام الدين

وهي أمراض القلوب التي مدارها على الشهوات والشبهات ويعافيك من أمراض الأبدان .

“وتولني فيمن توليت” كن لي وليا وناصرا ومعينا لي في أموري .

“وبارك لي فيما أعطيت” أنزل البركة لي فيما أعطيتني من المال والأولاد وغيرها من النعم ” وما بكم من نعمة فمن الله ” النحل 53

“وقني شر ما قضيت” ما قضاه الله قد يكون خيرا وقد يكون شرا والشر كالمرض والضعف والنقص في الأموال وما أشبه ذلك فالمسلم يسأل الله العافية من كل شر وبلاء .

“إنك تقضى ولا يقضى عليك” فهو يقضى بما أراد ولا يقضى عليه أحد.

“إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت”فمن واليته هو العزيز فلا يذل ومن عاديته فهو الذليل فلا يعز أبدا .

“تباركت ربنا وتعاليت”كثر خيرك وتعاليت في ذاتك وصفاتك – جل جلاله سبحانه – .

الاعتداء في دعاء القنوت خاصة في رمضان :

فمن تلك الأمور المحدثة :
أولا : التغني بالدعاء في القنوت والتطريب والتلحين :

وهو أمر مُحدَث ،لأنّ الأمر بالتغني والترتيل إنما ورد في تلاوة القرآن لما روى البخاري في صحيحة عن أبي هريرة ( ليس مِنا من لم يتغن بالقرآن ) فلم يقل : يتغن بالدعاء ، وإنما بالقرآن .
ولك أخي الكريم أن تتأمل وأنت تسمع بعضهم وهو يدعو وكأنه يقرأ القرآن بالتجويد والقلقلة والإخفاء والإظهار ، ويراعي المد المتصل والمنفصل ، حتى إنك ترى بعض المصلين عند سماعه للقنوت لا يفرق بين القرآن وبين الدعاء .
وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة: وعلى الداعي ألاّ يشبِّه الدعاء بالقرآن فيلتزمَ قواعد التجويد والتغني بالقرآن فإن ذلك لا يعرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه رضي الله عنهم .

ثانيا : التكلف في السجع :

قال ابن منظور في لسان العرب والسجع : الكلام المقفى ، وسَجَّعَ تَسْجِيعاً تَكَلَّم بكلام له فَواصِلُ كفواصِلِ الشِّعْر من غير وزن.
فقد كره السلف التكلف في السجع ونهوا عنه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما لمولاه عكرمة (انظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب …) رواه البخاري.

ثالثاً : التكلف في ذكر التفاصيل :

فقد جاءت السنة في التحذير منه والحثّ على الاقتصار على الجوامع و الكوامل من الدعاء وترك الأدعية المطولة ، بل فهم السلف الصالح أن المبالغة في ذكر التفاصيل في الدعاء هو نوع من الاعتداء كما جاء في سنن أبي داوود أنّ سعد بن أبي وقاص سمع ابنا له يدعو ويقول : اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا ، فقال : يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيكون قوم يعتدون في الدعاء . فإياك أن تكون منهم إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر .)صحيح سنن أبي داوود.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت (كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويَدَع ما سوى ذلك ) صحيح سنن أبي داوود.
وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها (عليك بجمل الدعاء وجوامعه قولي : اللهم إني أسألك من الخير كلّه عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأعوذ بك من الشر كلّه عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) رواه ابن ماجه والبيهقي، وصححه الألباني .
ولننظر سؤالها للرسول صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ماذا أقول ؟ قال : قولي : اللهم إنكَ عفوٌ تُحب العفو فاعفُ عني . رواه الترمذي.
وإنك لَتَعجَب عندما تسمع بعض الأئمة في قنوتهم وهم يتكلفون الوصف في الدعاء حيث يقول مثلا (اللهم ارحمنا إذا ثقل منا اللسان ، وارتخت منا اليدان ، وبردت منا القدمان ، ودنا منا الأهل والأصحاب ، وشخصت منا الأبصار ، وغسلنا المغسلون ، وكفننا المكفنون ، وصلى علينا المصلون، وحملونا على الأعناق ، وارحمنا إذا وضعونا في القبور ، وأهالوا علينا التراب ، وسمعنا منهم وقع الأقدام ، وصرنا في بطون اللحود ، ومراتع الدود ، وجاءنا الملكان … الخ ) حتى جعلها موعظة يرقق بها القلوب ويزداد عجبك عندما تسمع بُكاء الناس ونشيجهم وهم يُؤَمِّنُون على هذا الدعاء، بل ويتسابقون على التبكير إلى هذا المسجد والصلاة خلف هذا الإمام .

وقد تسمع من بعض الأئمة وهو يدعو على الأعداء فيقول (اللهم لاتدع لهم طائرة إلا أسقطتها ، ولا سفينة إلا أغرقتها ، ولا دبابة إلا نسفتها ، ولا فرقاطة إلا فجرتها ، ولا مدرعة إلا دمرتها ، ولا .. ولا.. الخ) وكأنه يُملِي على الله كيف يفعل بالأعداء فتنبه !! بينما كان يكفيه أن يقول اللهم عليك بهم أو اللهم انتقم منهم ونحو ذلك .
يقول أنس رضي الله عنه وهو يصف دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم {اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}  متفق عليه
قول بعضهم (يا من أمره بين الكاف والنون)
قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح الأربعين النووية ص76 : وبهذه المناسبة أَوَد أن أُنبه على كلمة دارجة عند العوام حيث يقولون :يامن أمره بين الكاف والنون) وهذا غلط عظيم ، والصواب : ( يا من أمره بعد الكاف والنون) لأن مابين الكاف والنون ليس أمراً ، فالأمر لا يتم إلا إذا جاءت الكاف والنون ؛ لأن الكاف المضمومة ليست أمراً والنون كذلك ، لكن باجتماعهما تكون أمراً.اهـ.

ومن صور الاعتداء في الدعاء (الدعاء على عموم الكفار بالهلاك والاستئصال). ويدل لهذا :
أولا : أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنه دعا على عموم الكفار وإنما دعا على قبائل أو أشخاص بأعيانهم ، بل لما جاءه ملك الجبال وعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال : لا، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً.
بل إنه لما دعا على بعضهم بأسمائهم نزل قوله تعالى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ )وقد روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال ( إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة).

ثانياً: أن هذا يخالف مقتضى حكمة الله من بقاء الكفار إلى يوم القيامة، بل إن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، وأيضا ربما سيترتب على هذا تعطيل باب الولاء والبراء ، وباب الجهاد.

ثالثاً: أنه ليس للمسلم أن يدعو بالاستئصال على من أذن الله له بأن يبرهم ويقسط إليهم كما قال تعالى ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
بل كيف يستقيم أن يدعو المسلم على زوجته الكتابية بالهلاك مع أن الله تعالى قد أذن له في نكاحها ، وامتن عليهما بقوله تعالى (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) الروم 21 فهل المودة والرحمة تقتضي أن يدعو عليها بالهلاك ؟أم كيف يستقيم أن يدعو الولد المسلم على والديه بالهلاك إن كانوا كافرين ، والله جلّ وعلا يقول عنهما (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً )لقمان 15.فإن الدعاء على عموم الكفار يشملهما ، فهل هذه هي المصاحبة بالمعروف ؟

وقال ابن تيمية: 8/336 : ودعاء نوح على أهل الأرض بالهلاك كان بعد أن أعلمه الله أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن .

محل القنوت :

يجوز القنوت قبل الركوع بعد الفراغ من القراءة ، ويجوز كذلك بعد الرفع من الركوع ، فعن حميد قال : سألت أنسا عن القنوت قبل الركوع أو بعد الركوع ؟ فقال كنا نفعل قبل وبعد . رواه ابن ماجة

وإذا قنت قبل الركوع كبر رافعا يديه بعد الفراغ من القراءة وكبر كذلك بعد الفراغ من القنوت ، روي ذلك عن بعض الصحابة .

حكم مسح الوجه باليدين بعدالدعاء:

استدل من قال بسنيته ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع يديه لا يردهما حتى يمسح بهما وجهه) لكن هذا الحديث ضعيف ولهذا رد ابن تيمية هذا القول وقال:لايمسح الداعى وجهه بيديه لأن المسح باليدين عباده تحتاج إلى دليل صحيح .

لكن الحافظ ابن حجر (فى بلوغ المرام) قال:إن مجموع الأحاديث الشاهدة لهذا يقضى بأنه حديث حسن

ومقتضى ذلك أنه من المسائل التى لا ينكر فيها على فاعلها لأن الحديث مختلف فيه فمن حسن شواهده كان العمل بذلك سنة عنده ومن لا يحسنه لا يرى أنه سنة .

الدعاء بعده :

يستحب أن يقول المصلي بعد السلام من الوتر : سبحان الملك القدوس ثلاث مرات رفع صوته بالثالثة ثم يقول : رب الملائكة والروح ، لما رواه أبو داود من حديث أبي بن كعب قال : كان سول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر ب ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( قل يأيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) . فإذا سلم قال : سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ، يمد بها صوته في الثالثة ويرفع . وهذا لفظ النسائي . زاد الدار قطني ، ويقول : رب الملائكة والروح .

ثم يدعو بما رواه أحمد وأصحاب السنن عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره : ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ) .

وهذا من باب التوسل برضا الله أن يعيذك من سخطه فهي استجارة من الشئ بضده وجعلت الرضا وسيلة للتخلص به من السخط .”وبمعافتك من عقوبتك “والمعافاة أن يعافيك الله من كل بلية في الدين أو في الدنيا ومن المعافاة العقوبة ،والعقوبة لا تكون إلا بذنب فأنت تستعيذ بعفو الله من ذنوبك المسببة للعقوبة .

“وبك منك” إذ لا أحد يعيذك من الله إلا الله كما قال (وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه) . “لا نحصى ثناء وعليك” لا ندرك ولا نبلغ الثناء عليك والثناء هو تكرار الوصف بالكمال ولا يمكن للعبد أن يبلغ الثناء على الله ،ولو بقى أبد الأبدين وغاية الإنسان أن يعترف بالتقصير فأنت يارب كما أثنيت على نفسك أما نحن البشر فلا نستطيع أن نحصي الثناء عليك .

لا وتران في ليلة :

من صلى الوتر ثم بدا له أن يصلي جاز ولا يعيد الوتر . لما رواه أبو داودعن علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا وتران في ليلة ) .

وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليما يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد ، رواه مسلم .

وعن أم سلمة : أنه صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين بعد الوتر وهو جالس ، رواه أحمد.

قال ابن قدامة :  رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَنَامُ عَلَى فِرَاشِي، فَإِنْ اسْتَيْقَظْتُ صَلَّيْتُ شَفْعًا حَتَّى الصَّبَاحِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.

وروي عن عَمَّارٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ.

ويرى بعض الفقهاء جواز نقض الوتر بركعة وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ يُصَلِّي رَكْعَةً تَشْفَعُ الْوِتْرَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى، ثُمَّ يُوتِرُ فِي آخِرِ التَّهَجُّدِ. وَلَعَلَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» .وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ، وَأَبُو مِجْلَزٍ. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: وَلَا تَرَى نَقْضَ الْوِتْرِ؟ فَقَالَ لَا ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَأَرْجُو، لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ. وَمَرْوِيٌّ. عَنْ عَلِيٍّ، وَأُسَامَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَسَعْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ.

فَإِنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ، وَأَحَبَّ مُتَابَعَتَهُ فِي الْوِتْرِ، وَأَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَمْ يُسَلِّمْ مَعَهُ، وَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى يَشْفَعُ بِهَا صَلَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ.

صلاة الوتر بعد أذان الفجر :

ينتهي وقت صلاة الوتر بطلوع الفجر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صَلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى ) رواه البخاري

وذهب بعض العلماء إلى أن وقته يمتد بعد طلوع الفجر حتى يصلي الصبح ، واستدلوا بما ورد عن بعض الصحابة أنهم صلوا الوتر بعد طلوع الفجر وقبل إقامة الصلاة .

‏ وبالقول الأول قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة وسفيان الثوري ، وبالثاني قال الشافعي ومالك وأحمد ‏.‏وسبب اختلافهم معارضة عمل الصحابة في ذلك بالآثار .

واختلفوا في الوقت الذي يقضى فيه بعد صلاة الفجر، فعند الحنفية يقضى في غير أوقات النهي ، وعند الشافعية يقضى في أي وقت من الليل أو من النهار ، وعند مالك وأحمد يقضى بعد الفجر ما لم تصل الصبح .
ومن فاته الوتر شرع له أن يصلي عادته من النهار لكن يشفعها بركعة ، فإذا كانت عادته ثلاثا صلى أربعا ، وإذا كانت عادته خمسا صلى ستا ، وهكذا يسلم من كل اثنتين ، لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاته وتره من الليل لمرض أو نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة )


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 277 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم