فقه الصلاة : 29- صلاة الاستسقاء
الاستسقاء : طلب سقي الماء ، ومعناه هنا طلبه من الله تعالى عند حصول الجدب وانقطاع المطر على وجه من الأوجه الآتية :
1 – أن يصلي الإمام بالمأمومين (من غير أذان ولا إقامة) ركعتين كركعتي العيد في أي وقت غير وقت الكراهة ، يكبر في الأولى سبع تكبيرات، ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات كصلاة العيد، يجهر في الأولى بالفاتحة و ( سبح اسم ربك الأعلى ) والثانية بالغاشية بعد الفاتحة ، ثم خطبة بعد الصلاة أو قبلها .
هذه الكيفية عند الشافعي، والقول الثاني: أنه يصلي ركعتين كصلاة التطوع، وهو مذهب مالك والأوزاعي وأبي ثور وإسحاق، لأن عبد الله بن زيد قال: استسقى النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين وقلب رداءه. متفق عليه
والإمام يختار أي الرأيين ويصلي بالناس .
فإذا انتهى من الخطبة حول المصلون جميعا أرديتهم بأن يجعلوا ما على أيمانهم على شمائلهم ويجعلوا على ما شمائلهم على أيمانهم (قال العلماء : تفاؤلا بأن الله يحول القحط إلى الخصب ، يحول الشدة إلى الرخاء) ويستقبلوا القبلة ، ويدعوا الله عز وجل رافعي أيديهم مبالغين في ذلك ، فعن ابن عباس قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعا ، متبدلا متخشعا ، مترسلا متضرعا فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه ) رواه الخمسة وصححه الترمذي ، متبدلا : لابسا ثياب العمل . مترسلا : متأليا .
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر( احتباسه )فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه ، فخرج حين بدا حاجب (ضوءها ) الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال : ( إنكم شكوتم جدب دياركم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ) ثم قال : ( الحمد لله رب العالمين ، الرحمن ، مالك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد : اللهم لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين ) ثم رفع يديه فلم يزل ( يدعو ) حتى رؤي بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب رداءه وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول ، فلما رأى سرعتهم إلى الكن (البيت ) ضحك حتى بدت نواجذه فقال : ( أشهد أن الله على كل شئ قدير وأني عبد الله ورسوله ) رواه الحاكم وصححه وأبو داود وقال . هذا حديث غريب وإسناده جيد .
2 – أن يدعو الإمام في خطبة الجمعة ويؤمن المصلون على دعائه لما رواه البخاري ومسلم عن شريك عن أنس أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال : يا رسول الله هلكت الأموال ، وانقطعت السبل فادع إلينا يغيثنا . فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال :
( اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا )
قال أنس : ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة. وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ، فلا والله ما رأينا الشمس سبتا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ، فادع الله يمسكها عنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، ثم قال : ( اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب ، وبطون الأودية ومنابت الشجر ) فأقلعت ، وخرجنا نمشي في الشمس .
(وانقطعت السبل ) أي لا يجدون ما يحملونه إلى السوق .
(قزعة ) السحاب المتفرق .
(سلع ) جبل .
(مثل الترس ) أي في استدارتها .
(سبتا ) أسبوعا .
(دخل رجل ) السائل الذي طلب الدعاء أولا ، دخل بعد أسبوع يطلب من الرسول أن يدعو الله أن يمسك المطر لكثرته .
الآكام : جمع أكمة ، وهي ما ارتفع من الارض .
الظراب : الروابي .
أقلعت : أمسكت عن المطر .
3 – أن يدعو دعاء مجردا في غير يوم الجمعة وبدون صلاة في المسجد أو خارجه ، لما رواه ابن ماجة وأبو عوانة أن ابن عباس قال : ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم لا يتزود لهم راع ولا يخطر لهم فحل فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فحمد الله . ثم قال : ( اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا غدقا عاجلا غير رائث ) ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا قد أحيينا ) رواه ابن ماجه
(لا يتزود لهم راع لا يتزود لهم راع ، ولا يخطر لهم فحل ) لا يجد الراعي زادا بسبب الجدب . ولا يحرك الفحل ذنبه هزالا .
غيثا مغيثا : مطرا منقذا . مريئا : محمود العاقبة . مريعا : مخصبا . طبقا : مطرا عاما . غدقا : كثيرا . رائث : مبطئ . أحيينا : أمطرنا .
ويستحب عند الدعاء في الاستسقاء رفع ظهور الأكف ؛ فعند مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه الى السماء.
ويستحب عند رؤية المطر أن يقول : اللهم صيبا نافعا
صيبا : مطرا .
ويكشف بعض بدنه ليصيبه ، ويقول إذا زادت المياه وخيف من كثرة المطر اللهم سقيا رحمة ، ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق ، اللهم على الظراب ومنابت الشجر اللهم حوالينا ولا علينا
فكل ذلك صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .