فقه البيوع :4- أنواع المحرمات في البيوع

تاريخ الإضافة 16 أغسطس, 2023 الزيارات : 5447

فقه البيوع :4- أنواع المحرمات في البيوع

المحرم في البيوع على نوعين:

الأول: مُحَرَّمٌ لِذَاتِهِ.

الثاني: مُحَرَّمٌ لِكَسْبِهِ.

أولا / المحرم لذاته:

هو كل ما كانت منفعته محرمة، فهو محرم لذاته، كالخمر، والميتة، والخنزير، والتماثيل.

فهذا هو المحرم لذاته، ولو كانت تلك المنفعة تباح عند الضرورة.

فإذا كانت المنفعة من حيث الأصل محرمة، فإن تلك العين تكون محرمة، لا يجوز بيعها، وتدخل في دائرة الحرام، ولو كان في تلك العين منافع أحيانًا تباح عند الحاجة، أو تباح عند الضرورة، ودليل هذا النوع المحرم لذاته، قول النبي في الحديث (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ)

وقوله في حديث جابر (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ)

 النوع الثاني : المحرم لكسبه:

يقصد بـ المحرم لكسبه: يعني الأشياء التي هي ذاتها مباحة، لكن طرأ التحريم عليها بسبب طريقة اكتسابها.

هذا يسمى محرم لكسبه، ويشمل كل مقبوض بعقد فاسد، كالمال المقبوض بعقد ربوي أو بقمار ونحو ذلك ، فالذي يأخذ مثلًا نقودًا بالربا ، يقرض مال ويسترد هذا المال بفوائد ، هذا الفوائد التي أخذها كسب محرم .

مثلا شخص أقرض آخر عشرة آلاف ، واشترط على المدين – المقترض – أن يردها أحد عشر ألف . الآن هو أخذ زيادة ألفا. هذه الألف ربا محرم بسبب الكسب، لأن المال من حيث الأصل هو عين طاهرة، مباحة، لكن من أين جاء التحريم؟

من طريقة الكسب. وهذا هو الفرق ما بين المال والخمر؛ فالخمر عين محرمة، بينما المال في الأصل عين طاهرة.

هذا محرم لذاته، وهذا محرم لكسبه.

الفروق بين المحرم لذاته والمحرم لكسبه:

الفارق الأول: أن المحرم لذاته لا ينفك عنه التحريم مهما تناقلته الأيدي:

مثل بيع الخمر، والخنزير، فلا يجوز لمسلم بيع ذلك – الخمر أو الخنزير – لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، فلو أن زيدًا باع خمرًا على عمرو، وعمرًا باع ذلك الخمر على صالح، وصالح باع ذلك الخمر على زيد، وزيد باعه على عليّ.. هكذا. كل واحد منهم يأثم؛ لأنه مشارك في الإعانة على الإثم والعدوان.

إذًا المحرم لذاته لا ينفك عنه التحريم .

أما المحرم لكسبه فيلحق التحريم كَاسِبَهُ فقط، أما غير الكاسب فلا يلحقه التحريم، فلو أن شخصًا كسب مالًا من حرام، من ربا، عقد ربوي أو بقمار، ودعا شخصًا آخر إلى مأدبة في بيته، هل يجوز للشخص الآخر أن يجيبه إلى تلك المأدبة، مع أنه قد يقدم الطعام من المال المحرم الذي كسبه.. هل يجوز أن يجيبه؟

نقول: نعم. يجوز أن يجيبه؛ لأن المحرم لكسبه يحرم على الكاسب فقط.

ومثله أيضًا: أن شخصًا اشترى بيتًا بالربا، فهل يجوز مثلًا للزوجة والأولاد أن يسكنوا في ذلك البيت؟

نقول: نعم. لماذا؟ لأن الإثم على الكاسب فقط، ولا يتعداه إلى غيره

ومثله: التعامل مع من يتعامل بالربا.. التعامل مثلًا مع بنك ربوي في عقد إيجار مثلًا، أو في عقد بيع، أو في عقد حوالة، يعني -مثلًا- سَتُحَوِّل مبلغًا من المال، وذلك البنك الربوي سيأخذ رسوم مقابل هذه الخدمة.

نقول: هذا من المحرم لكسبه. الإثم على البنك، على الشخص الذي يتعامل بالربا. أما الذي يتعامل معه، فهذا ليس عليه إثم. ودليل ذلك أن النبي كان يتعامل مع اليهود بالمدينة بيعًا ، وشراءً ، وتأجيرًا ، واستئجارًا ، ورهنًا ، وارتهانًا، مع أنهم كانوا يأكلون الربا بنص القرآن الكريم (وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) [النساء: 161] ومع ذلك فالنبي لم يكن يتورع عن التعامل معهم.. لماذا؟ لأنهم إذا تعاملوا بالربا فالإثم عليهم، والنبي كان يتعامل معهم بمعاملة مباحة، بل إنه توفي ودرعه مرهون عند يهودي على طعام شعير لأهله.

قال أهل العلم: لعل الحكمة في ذلك أن يبين للأمة جواز التعامل مع أمثال هؤلاء ممن يتعاملون بمعاملات محرمة. 

الفارق الثاني: في التوبة منهما – المحرم لذاته، والمحرم لكسبه.

فالمحرم لذاته لا تصح التوبة منه إلا بإتلافه أو بإزالة نفعه المحرم، كمن عنده مثلًا خمر أو خنزير، كيف تستطيع أن يتخلص منه ويتوب؟ نقول: لابد من إتلافه، وإذا كان بالإمكان أن تزيل منفعته المحرمة، ويبقى على وجه مباح، فهذا حسن، كمن عنده مثلًا تماثيل من مواد يمكن الاستفادة منها، فلو كَسَّر هذه التماثيل مثلًا، واستفاد منها في شيء مباح فلا حرج عليه.

 أما المحرم لكسبه ففيه تفصيل:

 إن كان أخذه ظلمًا بغير رضا صاحبه، فلا تصح توبته إلا بإعادته إلى صاحبه، لأنه أخذه بغير رضا صاحبه.

مثلا: إذا أخذ مالا غصبًا أو سرقة ، أو بالغش، فكيف التوبة من هذا المال؟

كي تتحقق التوبة لابد من إعادته إلى صاحبه، وإلا لا تصح التوبة لأن هذا حق آدمي. وحق الآدمي، لابد من إعادته إلى صاحبه.

ما الحكم إذا لم يعرف صاحبه، أو تعذر عليه أن يصل إليه ؟

قال أهل العلم: يتصدق، وينوي بتلك الصدقة أنها لذلك الشخص الذي ظلمه، وأخذ منه هذا المال بغير رضاه، على نِية أنه إذا جاء ذلك الشخص أو لقيه مرة أخرى بعد أن تصدق به أن يضمن له ذلك المال.

هذا إذا كان أخذ هذا المال – المحرم لكسبه – بغير رضا صاحبه، أما إذا كان أخذه برضا صاحبه، أخذه بطريقة محرمة برضا صاحبه مثل: الربا، أخذه بعقد ربوي، رابى مع شخص، أخذ منه فوائد ربوية، وتراكمت عنده الأموال ثم في آخر حياة هذا الشخص ندم على ما مضى، تجمعت عنده ملايين، أخذها برضا أصحابها، بعقد ربوي، الآن كيف تصح التوبة من هذا المال المحرم لكسبه، هل يلزمه إتلافها، أو التصدق بها، أو إعادتها إلى أصحابها، نقول هذا محل خلاف بين أهل العلم، والذي عليه المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله تعالى أنه لا يلزمه التخلص من ذلك المال، ولا الصدقة به، وإنما تكفي توبته الصادقة بأن يعزم على ألا يعود إلى ذلك الذنب، وأن يقلع عنه، وأن يندم على ما مضى منه، ويمسك عليه ماله، لا يلزمه التخلص منه ، لأن هذا من المحرم لكسبه، والمحرم لكسبه لا يشترط التخلص منه لصحة التوبة .

والأدلة على ذلك ما يلي:   

1- قول الله تعالى في آيات الربا: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) [البقرة275]

وأما قوله تعالي: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ) [البقرة: 279] فليس بينهما تعارض: فالآية الأولى (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) هي في المال المحرم الذي قبضه الشخص، هذا المال نقول: لا تتخلص منه. ما دام قبضته الآن، فهذا يسميه أهل العلم” المقبوض بعقد فاسد” فليس من شرط صحة توبتك أن تتخلص منه، وأما الآية الأخرى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ) هي في الديون التي ما زالت في ذمم المدينين، ولم يأخذها ويقبضها الدائن.

فشخص يطلب من آخر دين بقيمة عشرة آلاف ، وفوائد بمقدار ألف.

نقول: من صحة توبتك الآن إذا تُبْتَ (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ). تأخذ رأس مالك عشرة آلاف فقط بدون فوائد ربوية.

2- والصحابة الذين أسلموا وكانوا قد أخذوا أموالًا بالربا، وأخذوا أموالًا بالقمار، وبالغرر، وبعقود محرمة لم يأمرهم النبي أن يتخلصوا من تلك الأموال التي قبضوها بعقود فاسدة.

3- وقال أهل العلمإنَّ هذا مما يشجعه على التوبة ، والشريعة تتشوف إلى توبة المذنبين ، فإذا قيل له: إنَّ الأموال التي قبضتها هي لك ، ولا يلزمك التخلص منها فهذا يحفزه على أن يتوب، بخلاف ما إذا قيل له تخلص من جميع أموالك السابقة، فإن هذا ربما يكون حائلًا بينه، وبين التوبة.

3- أن التوبة تهدم جميع الذنوب السابقة كما جاء في الأثر (التَوبَةُ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا) فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه ليس هناك ذنب محرم أصلًا حتى نلزمه التخلص منه ، بل إن ذنوبه السابقة أصبحت في حقه حسنات لما تاب لقول الله تعالى: (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) ولذلك يقول كيف نأمره أن يتخلص من تلك الحسنات ؟! هو قد قبضها وتاب، فإذا كانت توبته صادقة فلا يلزمه التخلص منها.

المحرم لكسبه” على ثلاثة أنواع:

1 – الظلم . 2 – الغرر . 3 – الربا .

 وهذا تفصيله في الدرس المقبل إن شاء الله.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم