فقه البيوع : 10- حكم الخدمات الائتمانية بالبنوك
بالنسبة للخدمات المصرفية لا تكاد تجد فارقًا كبيرًا بين البنك الربوي عن البنك الإسلامي ، بينما في الخدمات الائتمانية يظهر الفارق جليًّا بين نوعي البنوك ، فما المقصود بالائتمان في العرف المصرفي ، كلمة ائتمان هذه كلمة دارجة عند البنوك ، يقولون إدارة الائتمان أو الخدمات الائتمانية .
ما معنى الخدمات الائتمانية بالبنوك؟
يُقْصَد بـ ” الائتمان ” في العرف المصرفي : مبادلة قيمة حاضرة بقيمة آجلة ، يعني يكون شيء مدفوع الآن ويسدد لاحقًا يسدد فيما بعد ، وسمي بذلك لأن الطرفين يأتمن كل منهما الآخر ، فالبنك يثق بعميله فيعطيه مالًا على أن يسدد العميل ذلك المال بعد فترة ، فهناك نوع من الثقة المتبادلة بين البنك والعميل ، ولهذا في هذه الخدمات البنك قبل أن يقوم بأي خدمة ائتمانية يقوم بعمل مهم جدًّا وهو ما يسمونه : الدراسة ؛ دراسة العميل ائتمانيًّا ، العميل يدرسه ، مثل الطالب الذي يتقدم للجامعة يُدرس ، مثلًا : تقديره ، شهادته ، النسب التي حصل عليها ، ويجرى له مقابلة ، ويُنْظَر في حاله ، ومثل الشخص الذي تقدم للزواج ؛ يجئ ولي البنت مثلًا ينظر في حاله هل هو شخص مناسب أو غير مناسب ، البنوك ربما تُفتش وتتجسس عن حالات الشخص وهو لا يدري فتنظر في تاريخ ذمته المالية ومعاملاته، لأن البنك حريص على الفلوس فيخشى إن أعطاه مبلغًا من المال لا يسدده فلذلك لا بد أن يكون تاريخ هذا الشخص وصفحاته بيضاء ، ومن هنا تقوم البنوك قبل أن تقدم الخدمات الائتمانية بدراسته ائتمانيًّا ، حتى البنوك الإسلامية تدرس العميل ائتمانيًّا، بل إن البنوك الإسلامية أحرص على الدراسة الائتمانية من البنوك الربوية ، لأن البنوك الربوية إذا لم يسدد العميل ما عليها مضرة كبيرة ؛ لأن العداد يبدأ يشتغل ، تحسب عليه فوائد ، أما البنوك الإسلامية فليس لها حيلة وإنما توقف التعامل مع هذا العميل وتبدأ تحاكمه وتطالبه ، وتستخدم وسائل الضغط عليه ، ووسائل حملِهِ على الوفاء بدينه ، من هنا نقول في الخدمات الائتمانية لا بد أن يسبقها دراسة ائتمانية .
في كثير من الدول الآن هناك شركات أنشئت خصيصا لهذا الأمر، فأي شخص يريد أن يتقدم إلى بنك ويطلب خدمة ائتمانية البنك يرسل اسمه إلى تلك الشركة ؛ فيعرف إذا كان هذا الشخص قد أخذ قرضًا أو اشترى بالتقسيط من أحد البنوك ولم يسدده، فإذا جاء أي بنك آخر يريد أن يتعامل مع ذلك العميل ينكشف لدى البنك أن هذا العميل عنده مشاكل في القروض كذا وكذا … والبنك له خيار هل يقبله أو لا يقبله.
وقد تكون الخدمة الائتمانية على شكل إقراض ، قد تكون على شكل بيع بالتقسيط ، قد تكون على شكل تورق ، قد تكون على شكل عقد استثناء ، إلى غير ذلك ، ففيه قيمة حاضرة مع قيمة مؤجلة ، نَقْد يقدمه البنك حالًّا حاضرًا ، والعميل يسدد فيما بعد .
عادةً الخدمات ترتبط بمؤشر ، يسمى هذا المؤشر : سعر الفائدة ، بمعنى أن البنك إذا أراد أن يقدم مثلًا التمويل – أنا أسميه تمويلًا – الخدمات الائتمانية تسميه أيضًا تمويلات ؛ لأن البنك يمول العميل وتسمى كذلك تسهيلات ؛ لأن البنك أيضًا يسهل على العميل فيعطيه أشياء يتفق بها ، أموال يتفق بها ، فهذا التمويل أو التسهيلات أو الخدمات الائتمانية ترتبط عادة بسعر الفائدة ، بمعنى أنه إذا أراد أن يعطيه قرضًا مثلًا يقول : أعطيك قرضًا مئة ألف دولار ، وترده مئة ألف دولار زائدًا سعر الفائدة في السوق .
سعر الفائدة : هناك سعر فائدة مشهور وهو سعر الفائدة على الدولار، وهناك أسعار فائدة محلية في كل بلد على كل عملة تكون هناك سعر فائدة وهو المؤشر للفائدة ، فعادة البنوك تتعامل بسعر الفائدة وتُضيف أيضًا تربح أكثر من سعر الفائدة ما يسمى بالنقاط ، كيف؟
يقول: لنفرض أن سعر الفائدة على الدولار مثلًا اثنين بالمئة ، فيقول : أعطيك قرضًا مئة ألف ريال وآخذ عليك فائدة الدولار الذي هو اثنان بالمئة زائدًا خمس وعشرين نقطة ، (2.25% ) ، أحيانًا يقول : خمسين نقطة ، الخمسين نقطة معناها : (2.50 %) . أحيانًا يقول : مئة نقطة ، يعني : ( 3 %).
هذه المصطلحات كثيرة تجدونها في الصحف ، تجدونها أحيانًا في عقود التمويل ، ذكرتها للفائدة .
نبدأ بعقود التمويل المصرفي أو عقود الخدمات المصرفية :
تشتمل مجموعة الخدمات الائتمانية في البنوك على عدد من الخدمات ، لعل من أهمها وأبرزها :
أولًا : الإقراض المباشر :
وهذا هو التمويل المعتاد في البنوك الربوية ، تُقدم تمويلًا أو إقراضًا مباشرًا ، تُقْرِض العميل مئة ألف دولار على أن يرد هذا المبلغ بعد سنتين أو ثلاث سنوات بزيادة ، بسعر الفائدة مثلًا يقولون ، أحيانًا يقول : بزيادة اثنين بالمئة ( 2 %) نسبي إلى المبلغ ، أحيانًا يقول : لا ، مئة ألف دولار وسعر الفائدة حسب السوق ، سعر الفائدة يتغير ، أحيانًا يكون اثنين بالمئة (2 %)، أحيانًا يكون اثنين ونصف بالمئة (2.5 %)، أحيانًا ثلاثة بالمئة (3 %)، فننظر إلى سعر الفائدة الذي يكون وقت السداد فترد المبلغ مع الفائدة السائدة وقت السداد ؛ هذا هو التمويل عن طريق الإقراض .
قد يكون الإقراض لأفراد ، وقد يكون لمؤسسات ، قد يكون لشركات ، قد يكون لحكومات ، قد يكون هذا الإقراض ” قصير الأجل ” ، ومعنى قصير الأجل : أنه يستحق في سنة أو أقل ، يعني لا بد من تسديده في سنة أو أقل ، هنا يسمى قرض قصير الأجل .
وأحيانًا يكون ” متوسط الأجل ” ، متوسط الأجل هي القروض التي تستحق في خلال فترة تتراوح من سنة إلى خمس سنوات .
أما ما زاد عن خمس سنوات فإنها تسمى ” قروض طويلة الأجل ” .
ما حكم هذا النوع من الأعمال المصرفية أو خدمات الإقراض المباشر ؟
هذا من القرض بفائدة ، فالبنك بقرض العميل قرضًا ويشترط عليه فائدة فهو من ” ربا القروض ” بل إنه قد يشتمل على الفائدة المركبة ، فإذا حل السداد ولم يسدد العميل يحسِب عليه زيادة فيدخل في النوع الأول من أنواع ربا الديون وهو الزيادة في الدين عند حلوله .
عمومًا هذا النوع الإقراض المباشر أو الإقراض بفائدة هو من زمرة ربا الديون ، وعَصَب عمل البنوك الربوية على هذا النوع ،
البعض قد نازع في هذا الأمر ، وقال : إن الفلوس أصلًا لا يجري فيها الربا ، والنبي -صلى الله عليه وسلم – r قال : ₎₎الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ₍₍ فلماذا تُلحقون الفلوس ، فالورقة النقدية المعاصرة لا يجري فيها الربا؟
سبق أن أجبنا عن هذه الشبهة وقلنا : إن الربا هنا المُطَبَّق في البنوك هو في الحقيقة من ربا الديون وليس من ربا البيوع ، وربا الديون بإجماع العلماء يجري في كل الأموال ، لم ينازع في ذلك أحد من أهل العلم كما قال القرطبي : أجمع المسلمون نقلًا عن نبيهم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا .
فعلى هذا فالإقراض المباشر يُعَدُّ من الربا الصريح .
نستكمل إن شاء الله بعض العقود ؛ عقود التمويل أو الخدمات الائتمانية ، كبيع التقسيط والمرابحة للآمر بالشراء والتَّوَرُّق إن شاء الله .