تيسير فقه الصلاة : 41- ما حكم صلاة المفترض خلف المنتفل ؟
حكم اختلاف نية الإمام عن المأموم
للعلماء في هذه المسألة قولان :
القول الأول: لا يجوز نفل خلف فرض ولا فرض خلف نفل ولا خلف فرض آخر، قاله الحسن البصري والزهري ، وهو رواية عن مالك.
وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يجوز الفرض خلف نفل آخر، ولا فرض آخر، ويجوز النفل خلف فرض، وروي عن مالك مثله.
ودليلهم: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا..) رواه البخاري ومسلم. ووجه الاستدلال أنه نهى عن الاختلاف على الإمام، ومن الاختلاف أن يكون المأموم متنفلاً والإمام مفترضاً .
القول الثاني وهو قول الشافعية والحنابلة؛ يجوز لمن فاتته صلاة أن يصليها قضاء خلف إمام يصلي حاضرة فمن فاتته الظهر ووجد إماماً يصلي العصر صح له أن يصلي الظهر خلفه .
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: تصح صلاة النفل خلف الفرض والفرض خلف النفل، وتصح صلاة فريضة خلف فريضة أخرى توافقها في العدد كظهر خلف عصر، وتصح فريضة خلف فريضة أقصر منها، وكل هذا جائز بلا خلاف عندنا.
واستدل الشافعي على جواز ذلك أيضاً بالقياس على صلاة المتم خلف القاصر، وأما حديث: ” إنما جعل الإمام ليؤتم به ” فالمراد منه هو أن يؤتم به في الأفعال لا في النية، كما قاله النووي وغيره، وعلى هذا فلا حرج في اختلاف نية الإمام عن نية المأموم.
أدلتهم على ذلك:
في الصحيحين أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، وفي لفظ: “كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يطلع إلى قومه فيصليها لهم، هي له تطوع ولهم مكتوبة “
وما رواه مسلم عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (كيف أنت إذا كان عليك أمراء يميتون الصلاة) أو قال: (يؤخرون الصلاة عن وقتها؟) قلت: ما تأمرني؟ قال: (صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة). وهذا واضح وصريح في الدلالة.
وما رواه أبو داود والترمذي وصححه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال: (ألا رجل يتجر على هذا فيصلي معه فقام رجل فصلى معه) والدلالة هي أن الرجل كان يصلي فرضاً بدليل تأخره وصلاته وحده، وصلاة الرجل المتطوع خلفه إنما هي نافلة.
وعن يزيد بن الأسود – رضي الله عنه – أنه صلّى مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلاة الصبح فلما صّلى رسول – صلى الله عليه وسلم – إذا هو برجلين لم يصليا، فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: (ما منعكما أن تصليا معنا)؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، قال: (فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه، فإنها لكما نافلة). رواه أبو داود والترمذي والنسائي والدار قطني وصححه ابن السكن وابن حبان.
والدلالة: أنه أمرهما أن يصليا مع الإمام نافلة مع اختلاف النية.
لكن اشترطوا اتحاد الفعل بمعنى لا تجوز صلاة الظهر خلف إمام يصلي الجنازة أو الكسوف لاختلاف فعل الصلاتين .
الراجح :
بعد النظر والتأمل في القولين وأدلة كل منهما ظهر أن القول الثاني هو الراجح والصحيح، في أن المتنفل يجوز له الائتمام بالمفترض، وذلك لصحة الأدلة وصراحتها.
ويرد على أصحاب القول الثاني بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الاختلاف عن الإمام في الأفعال الظاهرة بدليل تفسيره الاختلاف بعد ذلك بقوله: (إذا ركع فاركعوا..) إلخ.
ولو فرض أن النهي عام فإن تلك الأحاديث تخصصه كما هو مقرر في علم أصول الفقه.
أما إذا جاء مصلٍ والآخر قد شرع في الصلاة منفردا فنوى مأتما به فالسؤال هنا :
هل تجوز نية الإمامة في أثناء الصلاة أو لا ؟
الظاهر جواز ذلك ….
ودليله حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه بات ذات ليلةٍ عند خالته ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقام ابن عباس وصلى معه ولم يمنعه الرسول صلى الله عليه وسلم من دخوله معه في الصلاة ولو كان هذا ممنوعاً لمنعه الرسول صلى الله عليه وسلم .
وما ثبت في النفل يثبت في الفرض إلا بدليل ولا دليل على منع ذلك في الفرض
لو صلى مأموما صلاة جهرية (كالمغرب والعشاء )خلف إمام متنفل بالراتبة هل يجهر الإمام أم لا ؟
الظاهر أنه يجهر كما في حديث معاذ وصلاته بقومه
ويرى ابن عثيمين : جواز الأمرين فيجوز عنده أن يجهر مراعاةً للمأموم الذي كانت صلاته هذه جهرية ويجوز أن لا يجهر مراعاةً لصلاته هو بنفسه لأنه يتنفل .