تكلمنا في الأسبوع الماضي عن تفسير سورة الفلق وقلنا إن هذه السورة المباركة مع سورة الناس كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهما و كان يقول: “ما تعوذ متعوذ بمثلهما.”
ولما نزلتاعليه اكتفى النبي بهما في الإستعاذة وكان يقول في الحديث: ” اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين ثلاث مرات إذا أصبحت وإذا أمسيت تكفيك من كل شيء. “
الرابط بين السور الثلاث :
وتكلمنا عن بعض المعاني المتعلقة بسورة الفلق وقلنا بأن سورتي الفلق والناس تأتيان كتطبيق لسورة الإخلاص فسورة الإخلاص فيها معنى التوحيد الخالص لله، التوحيد النقي في أعلى درجاته أن تعتقد في الله اعتقادا صافيا صحيحا حتى أنها سميت سورة الإخلاص فجاءتا سورتي الفلق والناس لتبينا معنى أن ثمرة هذا التوحيد أن تتعوذ بالله عز وجل من شر كل ذي شر ، وأن تلتجئ إليه في كل ما تخاف منه فأنت حينما تقول: ” أعوذ بالله ” أو “أسأل الله” ، أو اللهم كذا وكذا….. هذا معناه أنك دخلت في حصن الله ملتجئ إليه مستعينا به.
سورة الناس:
هذه السورة المباركة افتتحها الله تعالى بقوله :
( قل أعوذ برب الناس ) الرب جل وعلا هو الخالق، هو الرازق، هو المربي عطاء، هو الذي خلق الخلق ويعلم ما يصلحهم سبحانه وتعالى فهو رب الناس .
وهو (ملك الناس) مالكهم وملكهم المتصرف فيهم، الذي يقضى فيهم بحكمه وأمره.
وهو (إله الناس) المتفرد بالعبودية والوحدانية.
واستشعار هذه المعاني، الرب والملك والإله في توسلك لله عز وجل دلالة على معنى إدراكك أنك لا غنى لك عن الله، فكأنك تقول : يا رب بما أنك ربي الذي خلقني ومليكي الذي يملكني ويملك الناس جميعا وكل المخلوقات ، وهو وحده المتفرد بالألوهية والتأليه فإني أستعيذ بك من شر الوسواس الخناس.
وقد قلنا في تفسير سورة الفلق في الأسبوع الماضي أن كلمة (أعوذ ) جاءت هنا في موضعها المناسب لها في السياق ، أنت تقرأ في تفسير علمائنا أعوذ يعني ألتجئ وأستعين…. إذن لماذا لم يقل قل ألتجئ وأستعين بالله؟ لماذا قال قل أعوذ؟
قالوا لأن العوذ في لغة العرب هو اللحم الملتصق بالعظم فالعياذ هنا بالله إشارة إلى معنى الإلتصاق الذي لا ينفك، الإحتماء الدائم بركن الله عز وجل فأنا أعوذ ليست ألتجئ مرة ولا أستعين مرات ، لا أنا ملتصق بحفظ الله وجنابه، أنا محتمي بركنه جل وعلا.
(من شر الوسواس الخناس)
الوسواس طبعا معلوم أنه هو الشيطان، سماه الله تعالى هنا بالوسواس وهي تسمية بالمصدر والتسمية أو الوصف بالمصدر أقوى في الدلالة من التسمية بإسم الفاعل، يعني أنت حينما تقول : (الموسوس الذي يوسوس في صدور الناس) هذا اسم الفاعل ، لكن التعبير باسم المصدرأبلغ من التعبير باسم الفاعل ؛فأن تقول : (الوسواس ) فهو مصدر الوسوسة كلها، يعني هنالك فارق أن تقول عمر بن الخطاب عادل وأن تقول عمر العدل فعمر العدل تعبير بالمصدر إشارة إلى أنه مصدر العدل، أن العدل يستقى من عمر، هذا فيه بلاغة في التعبير.
فأنت حينما تتكلم عن الشيطان تقول أنه (وسواس) بوصف المصدرية أي أنه مصدر الوسوسة.
و أصل الوسوسة في لغة العرب : فعل رباعي مكرر “وسوس “مثل زلزل … قالوا إن أصل هذه الكلمة حركة الحلي في أذن المرأة. المرأة لما يكون القرط في أذنها يتحرك حركة خفيفة هكذا … هذه تسمى وسوسة. سبحان الله!
فالشيطان كل واحد منا يدرك يقينا أن له حركة في النفس بالوسوسة( الذي يوسوس في صدور الناس) وحينما تقول وسوسة فهي لا شك هواجس وشرور وكأنه يدلك على المعصية، يحضك عليها، يأمرك بها حتى تستجيب له.
وهو وسواس هذه مهمته وهذه وظيفته لا ينفك عنها ليل نهار لا يعرف إلا الوسوسة.
(الخناس) فإذا تعوذت بالله منه فإنه يخنس وإن تركته يتمكن من القلب حتى يصير مالكا موجها له، قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)النحل98:100
فالذين يلجأون إلى الله ويتعوذون بالله منه، الشيطان حظه منهم ضعيف، لا يستطيع أن ينال منهم ، حتى أنه حينما يريد الوسوسة رب العزة سماها (طائف) طائف ما معناها ؟ معناها كأن شيئا يطوف بالمكان لا يستطيع أن يدخله يشبه اللص إذا أراد سرقة المنزل إذا كان فيه حركة إذا كان فيه نور مثلا، إذا كان فيه دلالة على أن أهل البيت مستيقظين موجودين فيطوف اللص بالمكان.
فالشيطان مع قلوب المتقين أقصى ما يفعله أن يمسهم منه طائف، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) هكذا سريعا يتعوذ بالله فينصرف اللعين .
أما الذين غفلت قلوبهم عن ذكر الله …أما الذين صاروا بعيدا عن الله، الشيطان يتمكن منهم فهو شريكهم في طعامهم، في شرابهم، في مبيتهم، في معاصيهم، في غضبهم لا يريد بهم إلا الشر والوسوسة (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ…) يتولونه بتنفيذ أوامره، بالإستجابة لهواجسه ووساوسه، بحضهم على المعصية سبحان الله العظيم!
ولذلك يا إخواني النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الاتقاء أو الاستعاذة من هذا العدو الخفي أن تلجأ إلى الله بذكره، قال تعالى في شأن أهل النفاق نعوذ بالله (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ…) الإستحواذ على الشيء الذي هو يملكه ملكية تامة قبض عليه يستطيع توجيهه والتصرف فيه، صار معه عصا القيادة( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ … ) استحوذ على قلوبهم، فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ.
أما عباد الله المؤمنين فإنهم بمجرد أن يمسهم طائف من الشيطان تذكروه (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وفي الحديث أيضا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس) فمن وصفه مع وسوسته هو خناس.
خناس من خنس يعني يتضاءل يتصاغر حتى الإختفاء، كما في الحديث أن بعض الصحابة تعثرت دابته فقال تعس الشيطان، هذه الكلمة تجري على ألسنتهم. يعني أنت مثلا تتحرك بسيارتك، حصل حادث مثلا أو حصل أن السيارة توقفت أو أي شيء مفاجئ فالذي يجري على ألسنة الناس لعن اليوم أو لعن الساعة أو الحظ الأسود… فالنبي يقول : (إن الشيطان يتعاظم حتى يصير كالجبل ويقول بقوتي صرعته…) فرحان، سعيد سبحان الله (وإذا قلت بسم الله تصاغر حتى يصير كالذباب.)
فهو وسواس لكنه مع ذكر الله خناس( الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس.) إذا ذكرت الله يخاف، يتضاءل أما إذا غفلت عن الله عز وجل فإنه يبدأ في الوسوسة.
فهو (وسواس خناس) وكلا الوصفين فيهما مبالغة فعمله الدائم الوسوسة وصفته الملازمة له أنه خناس فإذا وسوس فذكرت الله يخنس وإذا وسوس فغفلت عن الله فإنه بذلك يكون مالكا مستحوذا على القلب والعياذ بالله.
وإذا كان الغراب دليل قوم دلهم على الجيف والخراب
ماذا تتوقع من واحد يعني شيطان ملك عليه لبه أو قلبه فأغفله عن ذكر الله وأبعده عن الله عز وجل؟
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ…)
ولذلك في سورة الزخرف رب العزة يقول: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) القيض في اللغة العربية قالوا أنه هو القشرة المحيطة بالبيضة، قشرة البيضة محيطة بها نعم لكنها رقيقة هشة بمجرد ما تنقر عليها خلاص تنتهي ؛ فالذي يغفل عن ذكر الله عز وجل، يبعد عن الله بالمعاصي والإستجابة للشيطان نقيض له شيطانا، صار إحاطة الشيطان به هكذا( نقيض له شيطانا فهو له قرين) رغم أن الحل الوحيد هو كسر هذا القيض أو هذا الغلاف الهش بكلمة واحدة أن تذكر الله عز وجل. (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ).
إذن إخواني الشيطان وسواس خناس وأنت أيها المسلم تستطيع أن تخرج من دائرته ووساوسه بذكر الله عز وجل.
دخل الشيطان على قلوب المنافقين لأنهم (لا يذكرون الله إلا قليلا ) أما عباد الله المؤمنين الذين ليس للشيطان عليهم سبيل فإنهم يذكرون الله ذكرا كثيرا فالقلب عامر بالله وبذكر الله لا يستطيع الشيطان أن يقربه. سبحان الله العظيم!
ولذلك الشيطان حتى قال هذا في الحوار الذي سجله القرآن في غير موضع قال رب العزة (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). فكلما كان العبد قوي الإيمان بالله كان حظ الشيطان منه ضئيلا.
حال الشيطان مع عمر بن الخطاب :
جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان حول النبي بعض النساء يستفتين النبي ويسألنه فلما رأين عمر أو سمعن صوت عمر انقمعن يعني حصل مثل هيبة لعمر، التي اعتدلت في مجلسها، التي صمتت، التي كذا… فقال عمر: يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟ فقال النبي مخففا من الاحتقان أو من الموقف: ( إيه يا ابن الخطاب لو رآك الشيطان سالكا فجا لسلك الفج الآخر) رغم أن عمر لا يرى الشيطان، الشيطان هو الذي يرى عمر لكن سبحان الله من خوف الشيطان من ولي من أولياء الله كعمر بن الخطاب يفر من الطريق الذي يمشي فيه عمر.
حتى كان من طرائف الصحابة قول سيدنا علي بنأبي طالب: كنا نتحدث فيما بيننا أن شيطان عمر يهابه أن يوسوس له يعني الشيطان لا يتجرأ أن يأتي بجانب عمر أبدا سبحان الله العظيم!!
فالشيطان يا إخواني مع القلوب العامرة بذكر الله، مع القلوب التي فيها طاعة لله عز وجل خناس.
أما مع القلوب الغافلة فإنه يتملكها ويسيطر عليها ويؤثر فيها. الذي يوسوس في صدور الناس سبحان الله.
بين سورة الفلق وسورة الناس :
ولاحظوا أن سورة الفلق فيها استعاذة بالله رب الفلق (قل أعوذ برب الفلق) من أربعة أشياء: (من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد.) ثم جاءت هنا الإستعاذة بالله بثلاثة أسماء من أسمائه بمستعاذ واحد (قل اعوذ برب الناس* ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس.) طيب لماذا جاء السياق بهذا الشكل؟
قال العلماء : لأن ما ذكر في سورة الفلق أشياء تصيب الإنسان في بدنه أوفي ماله يعني من شر ما خلق الشيء الذي يؤذي مثلا أو حاسد أو سحر أو كذا ، لكن الوسواس الخناس أثره يكون في دين الإنسان ومصيبة الدين أعظم من مصيبة الدنيا، الإنسان إذا أصابه الحسد، أوأصابه الأذى يحتسب عند الله عز وجل وإيمانه لم ينقص، ولم يتزعزع ، لكن الشيطان إذا ملك على الإنسان قلبه والعياذ بالله فإنه يؤثر فيه، فإنه يضله، سبحان الله!
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ) فالمصيبة في الدين إذا استجبت للشيطان ووساوسه بمعصية الله ،في الأخير ستكون معه في العذاب والعياذ بالله.
فجاء التوسل إلى الله بأسمائه : (الرب والملك والإله ) حتى تستشعر معنى هذا العدو رغم ضعفه وضعف كيده إلا انه قد يذهب بك إلى غضب الله ومقته والعياذ بالله.
والمؤمن يا إخواني حينما يلجأ إلى الله فإنه لا يلجأ إلى الله لجوء الخائف المرعوب ، كلا إنما يلجأ إلى الله لجوء المحب.
أنت تلجأ إلى الخالق، الرب، الملك، المسؤول عنك، الخالق لك، المدبر لأمرك .
المعنى الدقيق لـ (إله الناس)
لو ندقق في معني اللغة العربية (إله الناس كلمة ) إله ماخوذة من أله الفصيل يعني اشتاق إلى أمه، الفصيل ما هو؟ ابن الناقة ، حينما يستمر في الرضاعة من أمه وهو صغير، حينما يريدون فصاله يعني إبعاده عن أمه بالفطام يعزلونه في مكان آخر ويضعون أمامه طعام غير ضرع أمه…. هذا الفصيل يمتنع عن الطعام حزنا وشوقا لأمه حتى إذا اشتد به الشوق أصدر صوتا رغاء من فمه فيقولون حينئذ أله الفصيل، اشتاق إلى أمه، وصل إلى أعلى درجات الشوق والإحتياج لأمه فبعدها يأكل، بعدها يقبل على الطعام لأنه سيهلك…. غريزة وفطرة.
فجاءت إله الناس من التأله وهو الإشتياق إلى الله عز وجل، الحاجة إلى الله سبحانه وتعالى، أنا وأنت من دون الله لا شيء، أنا وأنت دون أن نتأله لله لا شيء ، فحاجتنا إلى الله سبحانه وتعالى ملحة واشتياقنا واحتياجنا وتذللنا واستعاذتنا وإقبالنا على الله هو لنا لأننا لن تستقيم لنا حياة إلا مع الله جل وعلا، إله الناس جل جلاله.
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)
(فِي صُدُورِ النَّاسِ) ولاحظوا في صدور الناس ، الصدور وليس القلوب فهو يلجأ إلى المنطقة المحيطة بالقلب حتى يؤثر في القلب وما حوله.
فإذا كان هذا المكان عامرا بالذكر، عامرا بالقرآن، عامرا بالهداية، ما استطاع الشيطان أن يؤثر فيه لأن الشيطان يدخل من مدخلين يا إخواني:
فتنة شهوات :غرائز في الإنسان يحركها.
وفتنة شبهات : تشكيك في الدين وتشكيك في الآخرة وفي الغيبيات وفي الرسول، وفي القرآن…
هذين المدخلين أكبر مدخلين للشيطان. هذين المدخلين في الصدر يحركهما ، وقد جعل رب العزة في القرآن شفاء لذلك فقال : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ…)، و (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ…) سبحان الله!.
فأنت حينما يكون القلب عامرا بالقرآن ما شاء الله، فيه ذكر لله ما شاء الله فأنت بذلك تحفظ على نفسك دينك فلا يقربك الشيطان سبحان الله (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ …). الله أكبر، الله أكبر!.
قول الله تعالى (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) من الجنة الجنة جمع جن والناس هو إسم جنس لمجموع الإنس فمعنى هذا أن الشيطان قد يكون من الجن وقد يكون من الإنس ، وقد ورد هذا المعنى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لأبي ذر : ” تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ” قال : أومن الإنس شياطين يا رسول الله؟ قال : ” ألم تقرأ قول الله تعالى (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ …) “.
حتى أن مالك بن دينار كان يقول : إن شيطان الجن أهون علي من شيطان الإنس فإن شيطان الجن إذا تعوذت بالله منه يذهب، أما شيطان الإنس فإنه لا يذهب.
الشيطان وسواس خناس ، لكن شيطان الإنس هذا قد يكون صديقك، قد يكون زميلك، قد يكون كتاب، قد يكون داعي من دعاة الضلالة والبدع، قد يكون شيئا مرئيا ،شيئا حسيا … الشيطان صوت خفي ليس شيئا مرئيا، والشيء المرئي أكثر أو أكبر في التأثير من غيره.
قد يكون والعياذ بالله واحد عنده هوى في معصية لكن لا يعرف كيف تكون فيأتي أحد شياطين الإنس فيدله على الطريق.
تعال أعلمك كيف تسرق أو كيف تغش؟
تعال أعرفك كيف تقع في رذيلة كذا ومصيبة كذا ومعاصي كذا؟ المكان الفلاني فيه وفيه والمكان الفلاني…
فالشيطان يدل على المعصية، أما شيطان الإنس واحد يأتي بالنميمة يقول لك إنهم جلسوا بالأمس فلان وفلان وقالوا عنك كذا وكذا ….
شيطان الإنس يتفنن كيف يؤذيك، كيف يكدر عليك عيشك وحياتك، كيف يزيد من همك وغمك، كيف كيف…
فهو إنسان يتحرك بالمعصية، يتحرك بالشر، يتحرك بالأذى، دليل على الفساد…
هذا احذره إذا كنت تحذر الشيطان مرة فاحذر شيطان الإنس ألف مرة.
ونحن الآن في عصر صارت الفتن فيه يعني أصعب وأشد ما تكون يا إخواني، كان زمان أماكن المعاصي وأماكن الإغواء محدودة ومعروفة.
الآن المعصية والغواية داخل بيتك وأنت حسيبك الله عز وجل فيما تسمع وترى سواء من الإنترنت أو أجهزة إعلام لا يحول بينك وبينها إلا خشية الله سبحانه وتعالى، لن يمنعك أحد لا حياء ولا ناس ولا أن يقال : فلان ذهب إلى مكان كذا أو كذا…
المعصية داخل بيتك، الفتنة موجودة لكن إذا كنت ممن يخشون الله بالغيب فلن تجترئ عليها ولن تقترب منها. سبحان الله العظيم!
فأنت تتعوذ بالله من شياطين الإنس وشياطين الجن.
تتعوذ بالله من أذى هؤلاء وأولئك. من وسوسة هؤلاء وأولئك.
فأنت مستجير بالله سبحانه وتعالى ومن كل قاطع طريق يحول بينك وبين الله سبحانه وتعالى.