” التأدب مع الله في الإعراب “
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله :
سألني مدرس النحو وأنا طالب في المرحلة الابتدائية قائلا:
اعرب يا ولد “رأيت الله أكبر كل شيء” ؟؟
فقلت على عجل:
رأيتُ: فعل وفاعل، والله منصوب على التعظيم!
وحدثت ضجة من الطلبة، ونظرت مذعورا إلى الأستاذ،
فرأيت عينيه تذرفان بالدموع! كان الرجل من القلوب الخاشعة،
وقد هزّه أني التزمت الاحترام مع لفظ الجلالة كما علموني ،
فلم أقل إنه مفعول أول، ودمعت عيناه تأدُّباً مع الله!
كان ذلك من ستين سنة أو يزيد… رحمه الله وأجزل مثوبته
بعض علماء اللغة والنحو اختاروا مسلكاً في الإعراب، عدلوا فيه عن المشهور من لفظ الإعراب؛ تأدباً مع الله عز وجل، ومع كتابه، وإجلالًا لكلام الله، واحتراماً لهُ، وملازمة الأدبِ معه .
ومن ذلك :
– قولهم: في نحو قوله تعالى : ( خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) قالوا : خُلِقَ فعل ماض مبنيٌّ لما لم يسمَّ فاعله، بدل “مبنيّ للمجهُول” .
– وفي نحو قوله : (واتَّقُوا اللهَ)، وأستغفر اللهَ، وسألتُ اللهَ ، قالوا : اسم الجلالة منصوبٌ على التعظيم، بدل: “مفعول به” .
– وفي نحو قوله : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، ( اغفر لي )، قالوا : اهدنا / اغفر : فعل “طلب دُعَاءٍ”، بدل “فِعل أمر” .
– ونحو : ( لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ ) قالوا : اللام للدعاء، بدل ” لام الأمر” .
ملحوظة : الأصل في لام أمر أن تكون ساكنة وهي هنا مكسورة لأنها لم يسبقها أحد حروف العطف ( الواو – الفاء – ثم ) فحركت بالكسر
– ونحو : ( لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )، قالوا : لا حرف دعاء، بدل ” لا الناهية” .
– وقالوا : إنَّ «عسى» من الله تُفيد التحقيق،
بدل “الترجي” .
– ومن ذلك التَّورعُ من القول في حرفٍ من القرآن إنه حرفٌ زائدٌ، كقوله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) فالكافُ صلةٌ، أو حرف توكيدٍ .
قال ابن هشام : “وينبغي أن يجتنب المُعْرِبُ أن يقول في حرفٍ في كتاب الله تعالى: إنه زائدٌ، لأنه يسبق إلى الأذهان أنَّ الزائدَ هو الذي لا معنى له، وكلامُه سبحانه مُنزَّهٌ عن ذلك “.
ومنعوا تصغير أسماء الله عز وجل وصفاته الحُسنى .
” لا يجوز تصغير اسم الله إجماعاً”
نقله ابن حجر في الفتح .
ونحو ذلك ،
وممن سلك هذا المسلك : ابن مالك ، وابن هشام ، والطبري ، والآثاري ، والأزهري ، وغيرهم .
قال ابن المُسيب رحمه الله : ” ما كان لله فهو عظيم حسن جميل ” .