من كلام السلف عن ذم الكبر والعجب
يروى أن مطرف بن عبد الله بن الشخير رأى المهلب وهو يتبختر في جبة خز فقال: يا عبد الله هذه مشية يبغضها الله ورسوله فقال له المهلب: أما تعرفني فقال بلى أعرفك أولك نطفة مذرة وآخرتك جيفة قذرة وأنت بين ذلك تحمل العذرة! فمضى المهلب وترك مشيته تلك.
وعن عمرو بن شيبة قال: كنت بمكة بين الصفا والمروة فرأيت رجلاً راكباً بغلة وبين يديه غلمان وإذا هم يعنفون الناس قال: ثم عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشعر قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمله فقال لي: مالك تنظر إلي فقلت له: شبهتك برجل رأيته بمكة ووصفت له الصفة فقال له: أنا ذلك الرجل فقلت: ما فعل الله بك فقال إني ترفعت في موضع يتواضع فيه الناس فوضعني الله حيث يترفع الناس.
وكان عطاء السلمي إذا سمع صوت الرعد قام وقعد وأخذه بطنه كأنه امرأة ماخض وقال هذا من أجلي يصيبكم لو مات عطاء لاستراح الناس.
وتفاخرت قريش عند سلمان الفارسي رضي الله عنه يوماً فقال سلمان لكنني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم آتى الميزان فإن ثقل فأنا كريم وإن خف فأنا لئيم وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجدنا الكرم في التقوى والغنى في اليقين والشرف في التواضع.
قال علي كرم الله وجهه: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام.
روي أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف: أقوم إلى المصباح فأصلحه فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه قال: أفأنبه الغلام فقال: هي أول نومة نامها فقام وأخذ البطة وملأ المصباح زيتاً فقال الضيف: قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين فقال: ذهبت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر ما نقص مني شيء! وخير الناس من كان عند الله متواضعاً.
وقال ثابت بن أبي مالك: رأيت أبا هريرة أقبل من السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال: أوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك! وعن الأصبغ بن نبانة قال: كأني أنظر إلى عمر رضي الله عنه معلقاً لحماً في يده اليسرى وفي يده اليمنى الدرة يدور في الأسواق حتى دخل رحله.
وقال بعضهم: رأيت علياً رضي الله عنه قد اشترى لحماً بدرهم فحمله في ملحفته فقلت له : أحمل عنك يا أمير المؤمنين ؟
فقال : لا ؛ أبو العيال أحق أن يحمل
ويروى أنه عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان قبل أن يستخلف تشترى له الحلة بألف دينار فيقول: ما أجودها لولا خشونة ما فيها: فلما استخلف كان يشترى له الثوب بخمسة دراهم فيقول ما أجوده لولا لينه! فقيل له: أين لباسك ومراكبك وعطرك يا أمير المؤمنين فقال إن لي نفساً ذواقة وإنها لم تذق من الدنيا طبقة إلا تاقت إلى الطبقة التي فوقها حتى إذا ذاقت الخلافة وهي أرفع الطباق تاقت إلى ما عند الله عز وجل.
قال أنس رحمه الله: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخطبنا فيقذر إلينا أنفسنا ويقول: خرج أحدكم من مجرى البول مرتين.
وقال بعض العلماء : السّنبلة الفارغة ترفع رأسها في الحقل ، والممتلئة بالقمح تخفضه ؛فلا يتواضع إلا ” كـبـــير “ ولا يتكبّر إلا ” حقير
وقيل : لا يتواضع إلا مـن كـان واثقًا بنفسه ولا يـتـكـبـرإلا مـن كـان عالمًا بنقصه
ويقول الإمام الغزالي من حق العبد أن لا يتكبر على أحد:
إن نظر إلى جاهل قال: هذا عصى الله بجهل وأنا عصيته بعلم فهو أعذر مني.
وإن نظر إلى عالم قال: هذا قد علم ما لم أعلم فكيف أكون مثله وإن نظر إلى كبير هو أكبر منه سناً قال: هذا قد أطاع الله قبلي فكيف أكون مثله وإن نظر إلى صغير قال: إني عصيت الله قبله فكيف أكون مثله وإن نظر إلى مبتدع أو كافر قال: ما يدريني لعله يختم له بالإسلام ويختم لي بما هو عليه الآن فليس دوام الهداية إلي كما لم يكن ابتداؤها إلي.
ويروى أن رجلاَ كان يسعى بين الصفا والمروة راكباَ فرساَ وبين يديه العبيد والغلمان توسع له الطريق ضرباَ فأثار بذلك غضب الناس وحملقوا في وجهه وكان فارع الطول واسع العينين .
وبعد سنين رآه أحد الحجاج الذين زاملوه يتكفف الناس على جسر بغداد فقال له : ألست الرجل الذي كنت تحج في سنة كذا وبين يديك العبيد توسع لك الطريق ضرباَ ؟ قال بلى فقال : فما صيرك الى ما أرى ؟ قال : تكبرت في مكان يتواضع فيه العظماء فأذلني الله في مكان يتعالى فيه الأذلاء.