الأحاديث القدسية: 15:”وَجَبَت مَحَبَّتِي لِلمُتَحَابِّين فِيَّ..”

تاريخ الإضافة 24 سبتمبر, 2023 الزيارات : 4574

شرح حديث : “وَجَبَت مَحَبَّتِي لِلمُتَحَابِّين فِيَّ..”

عن أبي إدريس الخولاني -رحمه الله- قال: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشقَ، فَإِذَا فَتًى بَرَّاق الثَنَايَا وَإِذَا النَّاس مَعَه، فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيءٍ، أَسْنَدُوهُ إِلَيهِ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيل: هَذَا مُعَاذ بْنُ جَبَلٍ -رضي الله عنه- فَلَمَّا كان مِنَ الغَدِ، هَجَّرتُ، فَوَجَدتُه قَدْ سَبِقَنِي بِالتَهْجِير، وَوَجَدتُهُ يُصَلِّي، فَانتَظَرتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَه، ثُمَّ جِئتُهُ مِن قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيه، ثُمَّ قُلتُ: وَالله إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّه، فَقَال: آلله؟ فَقُلتُ: آلله، فقال: آللهِ؟ فقُلْتُ: آلله، فَأَخَذَنِي بَحَبْوَةِ رِدَائِي، فَجَبَذَنِي إِلَيه، فَقَال: أَبْشِر! فَإِنِّي سَمِعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «قَالَ الله -تعَالَى-: وَجَبَت مَحَبَّتِي لِلمُتَحَابِّين فِيَّ، وَالمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ» رواه مالك وأحمد بسند صحيح

معاني المفردات :

(عن أبي إدريس) اسمه عائذ الله ابن عبد الله والخولاني: نسبة إلى خولان بن عمرو بن مالك بن الحارث بن مرة بن يشجب، قبيلة نزلت الشام ،ولد أبو إدريس عام 8هـ ، لكنه لم يصحب النبي فهو من كبار التابعين، روى عنه الزهري، توفي سنة 80هـ ، وكان عالم الشام بعد أبي الدرداء.

قوله “فتى بَرَّاق الثَنَايَا “مُضِيء الأسنان، حَسَن الثغر، لا يرى إلا مبتسما.

( وإذا الناس معه) أتباع له لكونه صحابياً عالماً فقيهاً.

– أَسْنَدُوهُ إِلَيهِ: سألوه.

– صَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ: أخذوا به.

“فسألت عنه فقيل هو معاذ بن جبل” الذي قال الرسول في حقه: “أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ” أسلم وهو ابن 18 سنة، وشهد بيعة العقبة الثانية، ثم شهد مع النبي المشاهد كلها، واستبقاه في مكة بعد فتحها ليُعلّم الناس القرآن ويفقههم، ثم بعثه عاملاً له في اليمن بعد غزوة تبوك، وبعد وفاة النبي شارك معاذ في الفتح الإسلامي للشام، وتوفي في الأردن في طاعون عمواس.

 ” ثم جئته من قبل وجهه” فيه تنبيه على أن الأدب لمن ورد على مشغول أن لا يشغله ويلهيه عما هو فيه.

وقوله ( هجرت) بتشديد الجيم أي: بكرت، ومنه حديث «لو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه» 

قوله: “فأخذ بحبوة ردائي” يريد بما يحتبي به من الرداء وهو طرفاه.

وقوله: “وجبذني إلى نفسه” الجبذ لغة في الجذب، وقيل هو مقلوب منه على معنى التقريب له والتأنيس وإظهار القبول لما أخبر به وتبشيره بما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن فعل ذلك.

 فقال له: “أبشر” من البِشارة: وهي الخبر السار.

 وقوله عزو جل: “وجبت محبتي” يريد ثبتت محبتي لهم.

 وقوله -تبارك وتعالى- “للمتحابين فيّ” فيه فضل التحابب في الله، والمراد أن المحبة إذا كانت لوجه الله -تعالى- لا لعرض فانٍ، ولا لغرض فإنها توجب له محبة مولاه.

وقوله -تبارك وتعالى-  “والمتجالسين فيَّ” يريد أن يكون جلوسهم في ذات الله -عزو جل- من التعاون على ذكر الله -تعالى- وإقامة حدوده والوفاء بعهده والقيام بأمره وبحفظ شرائعه واتباع أوامره واجتناب محارمه.

وقوله -تبارك وتعالى- “والمتزاورين فيَّ”: يريد  أن يكون زيارة بعضهم لبعض من أجله وفي ذاته وابتغاء مرضاته من محبة لوجهه أو تعاون على طاعته.

وقوله -تبارك وتعالى-: “والمتباذلين فيَّ”: يريد يبذلون أنفسهم في مرضاته أو يبذلون من جهدهم أو وقتهم أو أموالهم أو خبراتهم في أي عمل يرضون به وجه الله.

الشرح

المعنى العام للحديث :

في هذا الحَديثِ يُقول التَّابعيُّ أبو إدْريسَ الخَوْلانيُّ: “دَخَلت مَسجِدَ دِمَشْقَ بالشَّامِ” “فإذا أنا بفَتًى برَّاقِ الثَّنايا” مَعْناهُ: كَثيرُ التَّبسُّمِ، طَلْقُ الوَجهِ، وإذا النَّاسُ حَولَهُ، إذا اختَلَفوا في شَيءٍ أسنَدوهُ إليه” يَرجِعونَ لِرَأيِهِ ومَشورَتِهِ، “وصَدَروا عن رَأيِهِ” رَجَعوا عن خِلافِهِم، واتَّبَعوا رَأيَهُ، “فسَأَلتُ عنه” يَستَعلِمُ مَن هو؟”فقيلَ: هذا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ، فلمَّا كان الغَدُ هجَّرتُ، فوَجَدتُهُ قد سَبَقَني التَّبكيرُ إلى الصَّلاةِ “ووَجَدتُهُ يُصلِّي” نَفْلًا، “فانتَظَرتُهُ حتى إذا قَضى صَلاتَهُ جِئتُهُ من قِبَلِ وَجهِهِ” من أمامِهِ، “فسَلَّمتُ عليه؛ فقُلتُ له: واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ للهِ، فقالَ: آللهِ؟يستحلفه فقُلتُ: آللهِ، فقالَ: آللهِ؟ فقُلتُ: آللهِ” كُلُّ هذا يَتحقَّقُ مُعاذٌ رضِيَ اللهُ عنه ويتأكَّدُ من قَولِهِ، وأنَّ حُبَّه له إنَّما هو للهِ، فأخَذَ بحَبْوةِ رِدائي فجَبَذني إليه” شدَّهُ نَحوَهُ من وَسَطِ ثَوبِهِ ومَعقِدِهِ، “وقال: أبْشِرْ؛ فإنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتي” حقَّتْ مَحَبَّةُ اللهِ “للمُتَحابِّينَ فيَّ”، وهُم الَّذين كانتْ قُلوبُهم مُجتمِعةً على المَحبَّةِ في إجْلالِ اللهِ وتَعْظيمِهِ، فلا يُحِبُّون إلَّا ما يُحِبُّه اللهُ، ويُبغِضونَ ما يُبغِضُهُ اللهُ، “والمُتَجالِسينَ فيَّ”، وهُم الَّذين اجتَمَعوا على ذِكْرِهِ وعِبادَتِهِ، “والمُتَزاوِرينَ فيَّ”، وهُم الَّذين يَزورُ بعضُهُم بَعضًا لِصِلةِ رَحِمٍ وعِيادةِ مَريضٍ ونَحوِهِ، زيارةً خالِصةً لِوَجهِ اللهِ“والمُتَباذِلينَ فيَّ” وهُم الَّذين بَذَلوا أنفُسَهم، وأنْفَقوا أمْوالَهم فيما أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ وحَضَّ عليه؛ فكلُّ هؤلاءِ ثَبَتَتْ لهم مَحَبَّةُ اللهِ عزَّ وجلَّ. 

فضل المحبة في الله :

المحبةُ في الله تعالى هي أن يُحبَّ المرء ويميل إليه، لا لعَرَض ولا لغَرَض؛ مِن مال أو منصب، أو جاهٍ أو مكانة، أو غير ذلك، بل مِن أجل ما يتَّصِف به من خُلُق حَسَنٍ، وطاعة لله تعالى، فتكون محبة صادقة خالصة، محبة لله فتدوم لوجه الله، لا تكدِّرها المصالح الشخصية، ولا تنغصها المطامع الدنيوية، بل يحب كل واحد منهما الآخر لطاعته لله، وإيمانه به، وامتثاله لأوامره، وانتهائه عن نواهيه؛ ومن أحبك لشيء أبغضك عند فقده….فمن أحبك لدنياك كرهك لفقرك، ومن أحبك لوظيفتك فارقك لعزلك، ومن أحبك لمنصبك فارقك عند تغير أحوالك، إذاً فانظر من تحب؟

والحب في الله هو مِن أسمى وأعلى العلائقِ التي تقومُ بين أفراد المجتمع المسلم؛ وذلك لأنه بذلٌ وتضحية، وعطاء بدون مقابل، وهو مِن أحب الأعمال وأفضلِها عند الله تعالى

والمحبة في الله تعالى منحةٌ ربانية، قد لا يُدرِك العبد سببَها، إلا أنه يشعر بأثرها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]، قال علماءُ التفسير: يحبهم الله ويُحبِّبُهم إلى عباده المؤمنين.

وقال في حق سيدنا موسى عليه السلام: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39]، قال ابن عباس: أحبَّه وحبَّبه إلى خلقه، وقال عكرمة: ما رآه أحدٌ إلا أحبه

وقد ورد في الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أحبَّ الله العبدَ نادى جبريلَ: إن الله يحب فلانًا فأحبِبْه، فيُحِبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحبُّ فلانًا فأحبُّوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القَبول في الأرض).

والحب في الله رابطة من أعظم الروابط، جعلها سبحانه أوثق عرى الإسلام والإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله عز وجل) رواه الطبراني وصححه الألباني.

بل إن الإيمان لا يكمل إلا بصدق هذه العاطفة، وإخلاص هذه الرابطة قال صلى الله عليه وسلم: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) رواه أبو داود .

ومن أراد أن يشعر بحلاوة الإيمان، ولذة المجاهدة للهوى والشيطان فهذا هو السبيل، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) وإنما عبَّر بالحلاوة؛ لأن الله شبَّه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾ [إبراهيم: 24]، فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصلُ الإيمان، وأغصانها اتِّباع الأمر واجتناب النهي، وورقُها ما يهتمُّ به المؤمن من الخير، وثمرُها عمل الطاعات، وحلاوةُ الثمر جَنْي الثمرة، وغاية كمالِه تَناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتُها. وقيل بأن “حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات، وتحمُّل المشاقِّ في الدين، وإيثار ذلك على أعراض الدنيا.

ويوم القيامة يكون المتحابُّون في اللهِ تعالى على منابرَ مِن نورٍ يغبِطُهم عليها النبيُّون والشهداء؛ فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ مِن نور يغبطُهم النبيون والشهداء) أخرجه الترمذي في الزهد وقال: حديث حسن صحيح.

وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن أصدق المتحابِّينَ في الله هو الأحب إلى الله والأفضل عنده، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما تحابَّ رجلانِ في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبًّا لصاحبه) أخرجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

والمرء يفضل على صاحبه بمقدار ما يكنه له من المحبة والمودة والإخاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه) رواه ابن حبان وصححه الألباني .

وأما الجزاء في الآخرة فهو ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن من بين السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) أخرجاه في الصحيحين .

وقوله صلى الله عليه وسلم (ورجلان )هذا على الغالب ولايراد ظاهره على الحقيقة فقد يحب مجموعة من الرجال بعضهم البعض في الله ، وكذلك الحال في النساء سواء امرأتان أو مجموعة من النساء يحببن بعضهن في الله ، وقد يتصور هذا بين الرجل وإحدى محارمه ،أو بين الزوج وزوجته .

وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي) .

وأخرج الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله عز وجل:(المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء) . يغبطهم: الغبطة تمني مثل نعمة الغير دون تمني زوالها عنه .

والأصل في الحب والبغض أن يكون لكل ما يحبه الله أو يبغضه، فالله يحب التوابين والمتطهرين، والمحسنين، والمتقين، والصابرين، والمتوكلين والمقسطين، والمقاتلين في سبيله صفا، ولا يحب الظالمين والمعتدين والمسرفين والمفسدين، والخائنين، والمستكبرين .

والمحبة في الله هي المحبة الدائمة الباقية إلى يوم الدين، فإن كل محبة تنقلب عداوة يوم القيامة إلا ما كانت من أجل الله وفي طاعته، قال سبحانه: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}(الزخرف 67)

وقد روى الترمذي أن أعرابياً جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال – صلى الله عليه وسلم -: (المرء مع من أحب) 

حقوق المحبة:

1- أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك من نفع ، أو ترغب بدفعه عن نفسك من مكروه، وقد أوصى النبي- صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة بقوله: (وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحبه لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، تكن مؤمنا) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني .

2-الدعاء بظهر الغيب حيث لا يسمعك ولا يراك، وحيث لا شبهة للرياء أو المجاملة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل) رواه مسلم.

وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه، دعا لأخيه بتلك الدعوة، لأنها تستجاب ويحصل له مثلها .

3- ومنها الوفاء والإخلاص لأخيه، بل حتى بعد موته الأخ والحبيب ببر أولاده وأصدقائه، وقد أكرم النبي – صلى الله عليه وسلم- عجوزاً جاءت إليه، وقال: (إنها كانت تغشانا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان) رواه الطبراني.

4- ومن الوفاء أن لا يتغير الأخ على أخيه، مهما ارتفع شأنه، وعظم جاهه ومنصبه .

5- ومنها التخفيف وترك التكلف، فلا يكلِّف أخاه ما يشق عليه، أو يكثر اللوم له، قال بعض الحكماء: “من سقطت كلفته دامت ألفته” ، وقال الشافعي أحب إخواني إليّ من لا أتكلف له ولا يتكلف لي ” 

6- ومنها بذل المال له، وقضاء حاجاته والقيام بها.

7-عدم ذكر عيوبه في حضوره وغيبته، والثناء عليه بما يعرفه من محاسن أحواله.

8- مناداته بأحب الأسماء إليه .

9- ومنها التودد له والسؤال عن أحواله، ومشاركته في الأفراح والأتراح، فيسر لسروره، ويحزن لحزنه ؛ فيشعر الأخ بالتألم والحزن لما يصيب أخاه من ألم ونصب، وهذا مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :”مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”

وصدق من قال إخواني في الشدة خففوا مصابي وفي الفرح زادت بهم فرحتي.

10- ومن ذلك أيضاً بذل النصح والتعليم له، فليست حاجة أخيك إلى العلم والنصح بأقل من حاجته إلى المال، وينبغي أن تكون النصيحة سراً من غير توبيخ .

 وإن دخل الشيطان بين المتحابين يوماً من الأيام، فحصلت الفرقة والقطيعة، فليراجع كل منهما نفسه، وليفتش في خبايا قلبه فقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما) رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني .

أمور تعظم بها المحبة:

وهناك أمور تزيد في توثيق هذا الرباط العظيم وتوطيده، حث عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنها:

1- الإخبار بالمحبة: فقد سنَّه لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا يُثمِره من زيادة مودَّة، وتوثق أخوَّة، وتعاوُن وتآلُف، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الرجل أخاه، فليُخبِره أنه يحبه)

وعن أنس بن مالك أن رجلًا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمرَّ به رجل، فقال: يا رسول الله، إني لأحبُّ هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أعلَمْتَه؟)، قال: لا، قال: (أعلِمْه)، قال: فلحِقه، فقال: إني أحبُّك في الله، فقال: أحبَّك الذي أحببتَني له.

2-الهديَّة: فهي توثِّق المحبة، وتمتن العلائق، وتزيل من النفوس ما علق فيها من ضغائنَ؛ ولذلك أرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (تَهادَوا تحابُّوا)

3- إلقاء السلام :قال – صلى الله عليه وسلم -: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم .

فضل المجالسة في الله :

المجالسة في الله تعالى: وهي أن يُجالِس كلٌّ منهما الآخر لينتفعَ بمجالسته؛ مِن ذكر لله، أو سماع موعظةٍ، أو حكمة، أو قصة، أو فائدة، ويشمل هذا دروس العلم وحلقات التلاوة ، أو غير ذلك مما يُرضِي الله تعالى، وفي هذا يقول عمررضي الله عنه : “لولا ثلاثٌ ما أحببتُ العيش في هذه الحياة الدنيا: ظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات من الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايبَ الكلام، كما يُنتقَى أطايب الثمر”.

أما إذا كان المجلس لغِيبة أو نميمة أو كذب، أو غير ذلك مما يغضب الله، فهم أبعد الناس عنه.

وإذا كانت المجالسة لله تعالى، استحق الجلساءُ محبةَ الله، وباهى اللهُ تعالى بمجلسهم الملائكة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاويةُ على حلقةٍ في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلَسنا نذكر الله، قال: آللهِ ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أمَا إني لم أستحلِفْكم تهمةً لكم، وما كان أحد بمنزلتي مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثًا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقةٍ مِن أصحابه فقال: (ما أجلسكم؟)، قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمَده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا، قال: (آللهِ ما أجلسكم إلا ذاك؟)، قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: (أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة) أخرجه مسلم في صحيحه.

وقال – صلى الله عليه وسلم -:”لا يقعد قوم يذكرون الله – عز وجل – إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة نزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده”. (رواه مسلم) .

فضل المتباذلين في الله :

وذلك بأن يبذل كلُّ واحدٍ منهما ما يحتاجه الآخر، لا يبتغي مِن وراء ذلك جزاءً ولا شكورًا؛ إنما يبتغي محبةَ الله ورضوانه، ويدفعه إلى ذلك المحبة الخالصة لوجه الله، فالمتحابون في الله يبذلون من جهدهم أو وقتهم أو أموالهم أو خبراتهم لغيرهم في أي عمل يرضون به وجه الله، كما قال – عليه الصلاة والسلام -“المؤمن إن ماشــيته نفعك وإن شـاورته نفعك وان شاركته نفعك وكل شيء من أمره منفعة”(رواه أبو نعيم) .

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله -تعالى- قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل”، والحديث حسنه الألباني،  رحمه الله.

 

ومن أحسن ما قيل في هذا شعرا:

أحسِنْ إلى الناس تستعبد قلوبَهُم *** فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ

وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ *** يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ

واشْدُدْ يديك بحبلِ اللهِ معتصمًا *** فأنّه الرّكنُ إنْ خانتك أركانُ

من كان للخير منّاعًا فليس له *** على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ

من جاد بالمال مالَ النّاسُ قاطبةً *** إليه والمالُ للإنسان فتّانُ

فضل التزاور في الله تعالى:

وهي أن يزورَ أحدُهما الآخر، فزيارة الأحبة مِن نعيم الدنيا وسعادتها، كما أنه سبب المحبة الربانية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلًا زار أخًا له في قريةٍ أخرى، فأرصد الله له على مدرجتِه مَلَكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمةٍ ترُبُّها؟ قال: لا، غير أني أحببتُه في الله عز وجل، قال: فإني رسولُ الله إليك بأن الله قد أحبَّك كما أحببتَه فيه) أخرجه مسلم

والمسلم بزيارته إخوانه في الله يطيب بنفسه ويطيب ممشاه ويتبوأ منازل عظيمة في الجنة قال – صلى الله عليه وسلم ـ: “من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا”(أخرجه الترمذي) .

وعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟”. قلنا: بلى يا رسول الله، قال: “النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة” رواه الطبراني وقال الألباني حسن لغيره 

وورد أيضا أن الزائر في الله تعالى يتهلل له ملائكة الرحمن ويهنئونه بالجنة، ويرضى عنه الرخمن بذلك ، فعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما من عبد أتى أخاه يزوره في الله إلا ناداه ملك من السماء أن طبت وطابت لك الجنة، وإلا قال الله في ملكوت عرشه عبدي زار فيّ، وعليّ قِرَاه، فلم يرض له بثواب دون الجنة” رواه البزار وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب .

فإن لم يتحقَّق التزاور بين الأحبة لبُعْد مسافة أو غيرها، فلا أقل مِن أن يكون بينهما تواصل واتصال، فقد أوجب الله محبتَه كذلك للمتواصلين فيه ومن أجله؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن ربه تعالى: (حقت محبتي للمتواصلين فيَّ…) أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

فوائد الحديث :

1- يستحب إخبار المحِب مَنْ يُحِب بمحبَّتِه.

2- من أتى مشغولا بالعبادة فيستحسن ألا يشغله عما هو فيه حتى يفرغ.

3- من قصد إنسانا في حاجة فليأته من تلقاء وجهه حتى لا يفزع.

4- لا بد للناس من عالم يسوسهم بكتاب الله وسنة رسوله؛ إليه يرجعون، وعن فتواه يصدرون.

5- الابتداء بالسلام قبل الكلام.

6- جواز استحلاف الرجل من غير تهمة.

7- بيان عظيم لفضل المحبة في الله.

8- من ثمار المحبة في الله: التزاور والتباذل والتكافل، وكلها أواصر توثق عرى المحبة في الله.

9- فضل التحاب والتجالس والتزاور في الله.

10- بيانُ صِفةِ مُعاذِ بنِ جَبلٍ رضِيَ اللهُ عنه وبيانُ عِلمِه وفَضْلِه ورُجوعِ الناسِ إليه فيما اختَلفوا فيه.

11- البشاشةُ عِندَ اللِّقاءِ، والتبشيرُ بالخَيرِ وفضائِلِ الأعمالِ.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 48 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع